مزاد العملة الأجنبية من مركزية البنك المركزي الى مركزية المالية العامة :
سيناريو بديل للسياسة النقدية واتجاهات عرض النقد في العراق
الدكتور مظهر محمد صالح قاسم
نائب محافظ البنك المركزي العراقي
بغداد/ نيسان / 2012
إذا كانت نقود البنك المركزي العراقـي المُصدرة والمتداولة
تمثل النقد الأساس money base
والذي يُعد بمثابة مطلوبات البنك المركزي
القادرة على توليد او خلق نقود عن طريق مضاعفة الائتمان المصرفي
ليشكل احد المكونات الأساسية لعرض النقد
والذي ينشأ او يخلق عادَة بفعل مضاعف الائتمان المصرفي المتأثر بالنقد الأساس
اي تأثير الميزانية العمومية للبنك المركزي على مضاعف الائتمان
عن طريق عمليات السوق المفتوحة
وهو الأمر الذي يؤكد تقليدياً
ان المصارف هي الخالقة للنقد عن طريق ذلك المضاعف
ولكن بتأثير وسيطرة النقد الأساس عليه .
وإذا ماصحت هذه الفرضية
فإن عرض النقد يعد متغير اخارجياً variable exogenous .
بعبارة اخرى ً
سيخضع مضاعف الائتمان الى التأثيرات المباشرة للنقد الاساس
عبر إشارة سعر الفائدة والميزانية العمومية للبنك المركزي
علماً انهما يمثلان
الاهداف التشغيلية القصيرة الاجل للسياسة النقدية target operational
التي تعتمد على الوسائل غير المباشرة
.المتمثلة بعمليات السوق المفتوحة والتسهيلات القائمة إيداعاً وإقراضاً
ولكن كما هو معهود
وبسبب االاحادية التي يعيشها الاقتصاد العراقي
واعتمادِه على عوائد النفط الحكومية
التي تبلغ قرابة 97 %من التدفقات الداخلة الى البلاد من العملة الاجنبية
وتكون تلك العائدات قرابة 90 %من ايرادات الموازنة الاتحادية
عند إستثناء القروض والديون المختلفة.
كما تقارب 60 % او أقل من تكوين الناتج المحلي الاجمالي .
وفي ظل غياب التدفقات الاخرى ، ولاسيما القطاع الخاص بالعملة الاجنبية
والتي لا تشكل اية اهمية ،
فقد اصبحت البلاد تتعايش حقاً على المورد الحكومي الاول من عائدات النفط
وهي الآلية التي خلقت ترابطا قوياً مؤثرا بين مكونات عرض النقد
وخضوعه لعوامل الطلب على النقد ،
إذ اصبحت مكونات عرض النقد
لاسيما العملة في التداول خارج البنك المركزي واحتياطي النقد في المصارف
من المتغيرات الداخلية variable endogenous
المتأثرة بمتغيرات الاقتصاد الكلي الاساسية
ولاسيما الناتج المحلي الاجمالي والنفط منه بشكل خاص
لتجعل من عرض النقد متغيرا داخليا
كما أشرنا سابقاً
وان سيولة الاقتصاد
لابد من ان تخلق وتتعاظم عن طريق الإصدار النقدي المباشر
بعد مقايضة نقود البنك المركزي كمطلوبات بالنقد الأجنبي
المشترى من الحكومة كموجودات داخل الميزانية العمومية للبنك المركزي.
وهو ما يطلق عليه بالتغذية الارتجاعية الموجبة -feedback positive
وان خلق النقود عن طريق مضاعف الائتمان
اصبح اليوم في اضعف نقطة في تاريخ البلاد النقدي
وان ذلك المضاعف الائتماني لا يتعدى في احسن االحوال الواحد الا بقليل ،
وهو الامر الذي يؤشر تطابق عرض النقد مع النقد الاساس .
كما إن النظام النقدي في العراق
ولاسيما نظام معدلات الصرف
الذي يمثل سعر الصرف فيه القيمة الخارجية للنقود ،
وبسبب التلازم بين عوائد النفط بالعملة الاجنبية والاصدار النقدي )
بعد ان تحولت تلك العوائد في جانب كبير منها
الى احتياطي اجنبي لدى السلطة النقدية
( فإن نظام اسعار الصرف قد تتغير بالتدريج
من نظام صرف معوم مدار
الى نظام صرف شديد الثبات .
موضحين ثانية
ان مضاعف الائتمان المصرفي يساوي واحد
وأن العملة المصدرة التي تماثل عرض النقد
أمست مغطاة بالنقد الاجنبي بنسبة 100 % او اكثر
وحسب سعر الصرف وتغيرِه طوال المدة الماضيـة .
وعلى الرغم من
أن عمليات السوق المفتوحة عن طريق مزاد العملة الاجنبية
للتأثير على مناسيب السيولة وتحقيق الاستقرار عبر آلية التعقيــم
هــي عاليــة جدا ، ً
فإنها لا يمكن لها ان تحدث فراغا نقديا بالدينار العراقي
وهي في الاحوال كافة
ما تسحبه من سيولة بالدينار العراقي يبقى اقل من حجم الاصدار النقدي
بالرغم من شدة تدخل البنك المركزي في سوق النقد
أي السوق المركزية لبيع وشراء العملة الاجنبية
والتي هي واحدة من اكبر الاسواق القائدة لسوق النقد ،
ذلك بسبب استمرار الحكومة في تغذية مشترياتها للدينار
عبر مقايضتها للعملة الاجنبية التي بحوزتها لتلبية حاجات الموازنة العامة .
لذا لابد للنقد المصدر من ان يستمر في التداول داخليا ً
مهما بلغت مبيعات المزاد بالعملة الاجنبية وعمليات التعقيم وامتصاص السيولة.
وبهذا ،
فإن العملة في التداول خارج المصارف
تشكل مع النقد في خزائن المصارف
الجزء المهم من النقد الاساس
تبقى ضعيفة في توليد وخلق النقود (عرض النقد) عبر مضاعف الائتمان
ولاسيما إذا لاحظنا
الفوائض العالية في خزائن المصارف او الحسابات الجارية لدى البنك المركزي .
والتي تؤكدها الطبيعة المحافظة للمصارف في التوسع في الائتمان النقدي
بسبب
ظروف البلاد الراهنة
وإمكانية تحقيق الربح السريع المضمون من المخاطر
عبر المشاركة في مزاد العملة الاجنبية .
أخذين في حسابنا
ان العملة المحلية في التداول خارج المصارف
تعد هي الاخرى تسرباً خارجياً
يضعف القدرة على خلق النقود
والتي تبلغ نسبتها قرابة 70 %من عرض النقد الضيق
(المكون من العملة في التداول خارج المصارف
والودائع الجارية للجمهور لدى المصارف)
وفي الاحوال كافة
فأن الودائع النقدية لدى المصارف بمختلف اشكالها
تعد سيولة فائضة في خزائنها
ولا تقرض الا في نطاق ضيق
وإن اقرضت حقاً
فأنها لا تولد مضاعفا ًائتمانياً يعتد به كثيرا في خلق النقود او توليد عرض النقد . ً
وتأسيساً لما تقدم ،
فإن نظام الصرف في العراق او النظام النقدي
بات اقرب الى نظام ترتيبات مجلس العملة arrangements board currency
وهو النظام الذي تتعادل فيه العملة الوطنية بالعملة الاجنبية بنسبة تغطية 100 %
مع تعطل مضاعف الائتمان المصرفي الى حد بعيد.
وعليه ،
فإن إلغاء مزاد العملة الاجنبية
وتحويل المزاد المركزي من البنك المركزي الى الحكومة
وتوليد آلية مباشرة
عن طريق بيع وزارة المالية للعملة الاجنبية الى الجمهور بتوسط المصارف
أي توليد سوق مركزية بديلة خارج البنك المركزي
لابد من ان يؤدي الى تبدل جوهري في السياسة النقدية للعراق
ويتضح ذلك في ضوء ما يأتي:
الاول :- ،
انه سيجعل من عرض النقد اكثر ميلانا ليصبح متغيرا ً خارجياً exogenousً
تتحكم فيه السياسة النقدية بدلا من تحكم سلوكيات الطلب النقدي الراهنة
والتي تضعف من عمل سياسة البنك المركزي
في بلوغ مراتب اكثر دقة واقل كلفة
لتحقيق الاستقرار الاقتصادي والاستقرار المالي معاً
الثاني :- ،
وعلى الرغم مما تقدم ، فاذا قامت الحكومة
بعرض موجوداتها الاحتياطية من النقد الأجنبي على المصارف المحلية
فأن المصارف ستواجه صعوبة في تنظيم تدفقاتها النقدية flows cash
وهو الامر الذي قد يلجأ المصارف الى الاقتراض من البنك المركزي العراقي
وعندها ستتغير توجهات عمليات السوق المفتوحة لتأخذ منحًى قوياً اخر
وهو التعامل المباشر بالأوراق المالية المحلية
وأدوات الدين العام ذات الطبيعة النقدية التي تعد اشباه نقود ،
كحوالات الخزينة وحوالات وسندات البنك المركزي
فضلا عن خصم الأوراق التجارية لتأمين السيولة .
وعندها ستؤدي إشارة الفائدة دورا مهماً في السياسة النقدية
قد ً يعوض عن الدور نفسه الذي تؤديه إشارة سعر الصرف
في ظل السوق المركزية للعملة الأجنبية حاليــاً .
كما ان بلوغ الفائدة التوازنية في الاقتصاد سيُعد بمثابة الهدف الوسيط
او المثبت الاسمي للتوقعات التضخمية anchor nominal
للتصدي الى فائض الطلب الكلي في الاقتصاد
بغية تحقيق أهداف السياسة النقدية في الاستقرار.
الثالث :- ،
وكما أوضحنا
فإن عرض النقد سيتزايد عن طريق خلق الائتمان
وبواسطة مضاعف الائتمان ليصبح اكبر من واحد بكثير
وهو الأمر الذي يجعل من النقد الاساس
عبر عمليات السوق المفتوحة اكثر تأثيراً على مضاعف الائتمان
لضبط مناسيب السيولة.
ويعزز من قوة السياسة النقدية
في تحقيق العمق المالي والتأثير غير المباشر بالنشاطات الائتمانية
بما يخدم الاستقرار والنمو الاقتصادي.
وأخيرا ..
قــد تواجه الحكومة مشكلات في انتظام التدفقات النقدية للمصارف
تبعاً لتأثير السياسة النقدية وتوجهاتها
سواء أكانت متشددة ام هي توسعية ُملبية .
وهو الامر الذي قــد يضطر المالية العامة بين الحين والاخر
لبيع جانب من موجوداتها الاجنبية الى البنك المركزي
مما يعزز احتياطي البنك منها ،
ولكن ستتأثر هذه التوجهات كما أشرنا سلفاً
بطبيعة السياسة النقدية
وتأثيرها على عرض النقد سواء أكانت ملبية ام متشددة.
وبهذا يمكن للبنك المركزي ان يعرض مباشرة على المصارف
(السوق اللامركزية للصرف) بعض الاحتياطي
عندما يجد ان معدلات الصرف قد خرجت عن توازناتها
بغية تحقيق الاستقرار
ولا يمنع البنك المركزي نفسه
من شراء العملة الاجنبية من تلك السوق اللامركزية
ولاسيما التحاويل والتدفقات الداخلة من الخارج من النقد الاجنبي
بعيدا عن نطاق التدفقات الحكومية.
وعلى ضوء ما تقدم نستنتج ما يأتــي :
أ- إن تحويل مزاد البنك المركزي كسوق مركزية
وجعلِه بعهدة الحكومة
وتسيير آلياته عن طريق احد مصارفها التجارية ،
سيغير من طبيعة النظام النقدي حالا وتحويلِه
من نظام صرف ثابت او شبه ترتيبات مجلس عملة
الى نظام صرف مرن
تتغير فيه اسعار الصرف طبقا للعرض والطلب في السوق النقدية.
وبالرغم من ذلك
سيسمح للسلطة النقدية بالتدخل بين الحين والأخر
لضبط اسعار الصرف وضمان استقرارها وفقا للحلول المرسومة لها .
وان التدخل اليومي في سوق الصرف
لابد من ان ينتهي لمصلحة التدخل الطاريء للبنك المركزي
عند الحاجة لتنظيم استقرار سوق النقد.
ب-تحول عمليات السوق المفتوحة لضبط مناسيب السيولة
كأداة من أدوات الاهداف التشغيلية للسياسة النقدية
و بإتجاه الأوراق المالية سيؤدي الى تعميق السوق النقدية
وبناء أسس قوية للوساطة المالية خارج الآليات الراهنة
التي ربطت الوساطة المصرفية
بالتوسط في بيع وشراء العملة الاجنبية لتغلب على عملياتها.
جـ -ختاما .. انـه يمكن للسياسة النقدية التأثير في مناسيب السيولة
عن طريق دور إشارة ً سعر الفائدة ،
كما سيؤثر النقد الاساس في طبيعة المضاعف النقدي المولد لعرض النقد
لتحقيق أهداف السياسة النقدية المستقرة ،
و ستتعزز ميكانيكية الانتقال النقدي
من الاهداف التشغيلية الى الاهداف الوسيطة والمؤثرة في فائض الطلب
ولكن عبر توليد سعر فائدة توازني
ليأخذ مركز الصدارة في استقرار القيمة الداخلية للنقود
وبلوغ أهداف السياسة النقدية بعد ان كان متغيرا ثانويا
في ظل السياسة النقدية الراهنة التي ًتعد سعر الصرف التوازني
هو الهدف الوسيط
في لجم التوقعات التضخمية المعظمة للأنفاق الكلي وإدامة التضخم
ومن ثم إضعاف مراكز الاستقرار ،
وهو الامر الذي استطاعت السياسة النقدية الحالية
من النجاح في بلوغ غايات الاستقرار .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق