واعلم
أن التقوى شطران
شطر الاكتساب، وشطر الاجتناب،
والاكتساب فعل
الطاعات، والاجتناب ترك المنهيات،
وشطر الاجتناب أسلم وأصلح للعبد وأهم عليه من
شطر الاكتساب
لان الاجتناب يفيد مع حصوله، ويزكو معه ما يحصل من شطر الاكتساب وان
قل،
وقد عرفت ذلك فيما تلوناه عليك من
قوله عليه السلام: يكفي من الدعاء مع البر ما يكفي الطعام من الملح.
ونظائره فلا
نطول بتكريره،
وشطر الاكتساب لا ينفع مع تضييع شطر الاجتناب
وقد عرفت ذلك من كتابنا هذا، وفيما
رأيت من خبر معاذ كفاية،
وفى قول القرشي ان شجرنا فى الجنة لكثيرة
قال، نعم ولكن
إياكم ان ترسلوا عليها نيرانا فتحرقوها (1).
وعنه عليه السلام: الحسد يأكل الحسنات كما تأكل النار
الحطب (1)
وعنهم عليهم السلام: جدوا واجتهدوا، وان لم تعملوا فلا تعصوا،
فان من
يبنى ولا يهدم يرتفع بنائه وان كا يسيرا،
وان من يبنى ويهدم يوشك ان لا يرتفع له
بناء.
فعليك بالاجتهاد في تحصيل
الطرفين لتستكمل حقيقتها وتكون قد سلمت، وغنمت،
وان لم تبلغ الا إلى أحدهما فليكن
ذلك شطر الاجتناب فتسلم ان لم تغنم،
والا خسرت الشطرين جميعا، فلا ينفعك قيام
الليل وتعبه مع تضمضك بأعراض الناس (2).
وقد روى عن النبي صلى الله عليه وآله
إياكم وفضول الطعام فإنه يسم القلب بالقسوة
ويبطئ بالجوارح عن الطاعة، ويصم الهمم عن سماع الموعظة،
وإياكم وفضول النظر فإنه
يبذر الهوى ويولد الغفلة،
وإياكم واستشعار
الطمع فإنه يشوب القلب بشدة الحرص، ويختم القلب بطابع حب الدنيا، وهو مفتاح كل
معصية، ورأس كل خطيئة وسبب احباط كل حسنة.
وهذا مثل قوله عليه السلام: فيما تقدم:
إياكم ان تر سلوا عليها نيرانا فتحرقوها.
وروى محمد بن يعقوب يرفعه إلى أبى حمزة
قال:
كنت عند علي بن الحسين عليهما
السلام فجائه رجل
فقال له: يا
أبا محمد انى مبتلى بالنساء فأزني يوما وأصوم يوما فيكون ذا كفارة لذا،
فقال علي بن الحسين عليه
السلام
انه ليس شئ أحب إلى الله
عز وجل من أن يطاع فلايعصى، فلا تزني ولا تصوم،
فاجتذبه أبو جعفر عليه السلام بيده إليه
فقال له: تعمل عمل أهل النار وترجو ان تدخل الجنة.
(1) واعلم أنه لا حسد الاعلى نعمة فإذا أنعم الله على أخيك نعمة فلك فيها
حالتان:
أحدهما ان تكره تلك النعمة وتحب زوالها سواء أردت وصولها إليك أم لا فهذه الحالة تسمى حسدا.
والثانية ان لا تحب زوالها ولا تكره وجودها ورواجها ولكنك تشتهى لنفسك مثلها، وهذه تسمى غبطة وقد يخص باسم المنافسة،فاما الأول فهو حرام مطلقا كما هو المشهور، أو اظهارها كما يظهر من بعض الأخبار واما المنافسة فليست حرام وفى (مرآة) تفصيل الكلام باب الحسد.(2) الاعراض: جمع العرض بالكسر هو موضع المدح والذم من الانسان في نفسه أو من يلزمه امره، وقيل: هو جانبه الذي يصونه من نفسه وحسبه ويحامى عنه ان ينتقص ويعاب (المجمع).
أحدهما ان تكره تلك النعمة وتحب زوالها سواء أردت وصولها إليك أم لا فهذه الحالة تسمى حسدا.
والثانية ان لا تحب زوالها ولا تكره وجودها ورواجها ولكنك تشتهى لنفسك مثلها، وهذه تسمى غبطة وقد يخص باسم المنافسة،فاما الأول فهو حرام مطلقا كما هو المشهور، أو اظهارها كما يظهر من بعض الأخبار واما المنافسة فليست حرام وفى (مرآة) تفصيل الكلام باب الحسد.(2) الاعراض: جمع العرض بالكسر هو موضع المدح والذم من الانسان في نفسه أو من يلزمه امره، وقيل: هو جانبه الذي يصونه من نفسه وحسبه ويحامى عنه ان ينتقص ويعاب (المجمع).
ليجيئن أقوام يوم القيامة لهم من الحسنات كجبال
تهامة فيأمر بهم إلى النار
فقيل: يا نبي الله أمصلون؟
قال: كانوا يصلون ويصومون
ويأخذون وهنا من الليل لكنهم كانوا إذا لاح لهم شئ من الدنيا وثبوا عليه (١)
واعلم انك لن تبلغ ذلك الا بالمجاهدة لنفسك الامارة
فإنها أضر الأعداء كثيرة
البلاء مرمية في المهالك كثيرة الشهوات
قال الله تعالى
وقال صلى الله عليه وآله:
أعدا عدوك نفسك التي بين جنبيك.
فلا تغفل عنها وأوثقها بقيد التقوى.
وأكثرها بثلاثة أشياء:
وأكثرها بثلاثة أشياء:
الأول منع الشهوات فان دابة الحرون تلين إذا
نقص من علفها.
الثاني تحمل أثقال العبادات فان الدابة إذا ثقل حملها وقلل علفها ذلت وانقادت
الثاني تحمل أثقال العبادات فان الدابة إذا ثقل حملها وقلل علفها ذلت وانقادت
الثالث الاستعانة بالله
والتضرع إليه بأن يعينك عليها
أولا ترى إلى قول الصديق (ان النفس لامارة بالسوء
الا ما رحم ربى)؟
فإذا وطنت (وظبت) على هذه الأمور الثلاثة انقادت لك بإذن الله
تعالى
فتبادر إلى أن تملكها، وتلجمها وتأمن من شرها،
وكيف تأمن أو تسلم مع
اهمالها؟
مع ما تشاهد من سوء اختيارها وردائة
أحوالها
ألست تراها ؟
وهي في حالة الشهوة بهيمة،
وفى حال الغضب سبع،
وفى حال المصيبة
طفل،
وفى حال النعمة فرعون،
وفى حال الشبع تراها مختالة،
وفى حال الجوع تراها
مجنونة،
ان أشبعتها بطرت، وان جوعتها صاحت وجزعت، فهي كالحمار السوء ان اقضمته رمح
وان جاع نهق (3).
(١) الوهن: نحو نصف الليل قال
الأصمعي: هو حين يدبر الليل. لاح الشئ: بدا.
(٢) النازعات: ٣٨ -: 42.
(3) الفرس الحرون: الذي لا ينقاد وإذا اشتد به الحري وقف. البطر. هو كما قيل: سوء احتمال الغنى والطغيان عند النعمة. (المجمع) اقضم الدابة: علفها القضيم وهو شعير الدابة (أقرب) يوسف: 53.
(٢) النازعات: ٣٨ -: 42.
(3) الفرس الحرون: الذي لا ينقاد وإذا اشتد به الحري وقف. البطر. هو كما قيل: سوء احتمال الغنى والطغيان عند النعمة. (المجمع) اقضم الدابة: علفها القضيم وهو شعير الدابة (أقرب) يوسف: 53.
قال بعض العلماء: ومن ردائة هذه النفس جهلها
انها إذا همت بمعصية، أو
انبعث لهاشهوة
لو تشفعت إليها بالله
تعال ثم برسوله وبجميع أنبيائه، وكتبه وبجميع الملائكة المقربين، وتعرض عليها الموت والقبر والقيامة والجنة
والنار
لا تعطى القياد ولا تسكن، ولا تترك الشهوة،
ثم استقبلها بمنع رغيف أو اعطاء
رغيف تسكن وتترك شهوتها
لتعلم خستها وجهلها.
وإياك ان تغفل عنها طرفة عين فإنها
كما قال خالقها (ان النفس لا مارة بالسوء الا ما رحم ربى)
وكفى بهذا تنبيها لمن
عقل، فألجمها بالتقوى، وقدها بزمام الرجاء، وسقها بسوط الخوف
واما التقوى فلتتقيد بها
عن الجموع والنفار،
واما الخوف فإنما يجب التزامه
لامرين:
الأول لتزجر به عن المعاصي فإنها أمارة بالسوء ميالة إلى الشر، ولا تنتهي
عن ذلك الا بتخويف عظيم وتهديد. الثاني لئلا تعجب بالطاعة والعجب من المهلكات بل
تقمعها بالذم والعيب والنقص وما اكتسب به من الأوزار والخطايا التي توجب الخزي
والنار.
واما الرجاء فإنما يلزم لامرين:
واما الرجاء فإنما يلزم لامرين:
الأول ليبعث على الطاعات لان الخير ثقيل والشيطان عنه زاجر، والنفس ميالة
إلى الكسل والبطالة،
الثاني ليهون عليك احتمال المشقات والشدائد
لان من عرف ما
يطلب هان عليه ما يبذل
ألا ترى مشتار العسل؟
لا يتفكر بلسع النحل لما يتذكر من حلاوة العسل،
لا يتفكر بلسع النحل لما يتذكر من حلاوة العسل،
والفاعل يعمل طول نهاره بالجهد الشديد ويجد لذلك لذة من اجل
أخذ الأجرة،
والفلاح لا يتفكر بمقاساة الحر والبرد ومباشرة الشقاء والكد طول السنة
لما يتذكر من البذر (البيدر)
فاجهد أيها الواعي على الغاية القصوى، واصبر على
الألم والبلوى. (1)
(1) القياد: حبل يقاد به الدابة. المجموع من الرجال: الذي ير كب هواه فلا
يمكن رده. شرت العسل: استخرجته من موضعه (المجمع) البيدر: الموضع الذي يداس فيه
الطعام (أقرب).
شعر
ماضر من كانت الفردوس مسكنه * ماذا تحمل من بؤس واقتار
تراه يمشى كئيبا خائفا وجلا * إلى المساجد يمشى بين أطمار.
ثم إذا كان أثر العبودية وهو القيام بالطاعة والانتهاء من المعصية وذلك لا يتم مع هذه النفس الامارة بالسوء الا بترغيب وترهيب وتخويف وترحيب،
فان الدابة الحرون تحتاج إلى قايد يقودها، والى سايق يسوقها، وإذا وقعت في مهواة، فربما تضرب بالسوط من جانب، ويلوح لها بالشعير من جانب آخر حتى تنهض و تتخلص مما وقعت فيه،
فان الصبي الغر لا يمر إلى المكتب الا بترحيبه من الأبوين وتخويفه من المعلم،
وكذلك هذه النفس دابة حرون وقعت في مهمات الدنيا، فالخوف سوطها وسايقها، والرجاء شعيرها وقايدها،
وإنما يغدو الصبي الغر إلى المكتب رغبة في الرجاء ورهبة في الخوف،
فذكر الجنة وثوابها ترحيب النفس وترغيبها، والنار وعقباها تخويف النفس وترهيبها.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق