تحقيق - شذى فاضل
منذ منتصف الثمانينيات من القرن الماضي شهد العراق ظاهرة اقتصادية أثرت
بشكل كبير على الوضع الاقتصادي في البلد تمثلت في الخداع النقدي الذي افرزه
التضخم الناجم عن اختلال السياسات النقدية على امتداد السنوات الطويلة
الماضية.
فما المقصود بظاهرة الوهم او الخداع النقدي؟
وهل هي حالة موجودة في الاقتصاديات العالمية؟
وما تأثيراته على الموازنة العامة للبلد ومشاريع اعادة اعمار البنى الارتكازية..
هذه وغيرها تساؤلات طرحناها على عدد من الخبراء والباحثين لإلقاء مزيد من الضوء على هذه المسألة..
يقول الباحث الاقتصادي د. ميثم لعيبي اسماعيل:
- الوهم النقدي او الخداع النقدي هو ترجمة للمصطلح الانكليزي Money illusion، وهذا المصطلح يرجع الى الحقبة الكينزية التي ارسى قواعدها الاساس الاقتصادي الشهير جون ماينرد كينز وذلك بإطلاقه كتابه الشهير (النظرية العامة في التوظف والفائدة والنقود) والذي ظهر في عام 1936 كانعكاس اصيل لأزمة الكساد الكبير 1929-1932.
ان ظاهرة الوهم النقدي ترتبط في الاساس
بموضوع التمييز بين الاجور الحقيقية والاجور النقدية،
ويقصد بالأجور
النقدية انها كمية النقود التي يحصل عليها العمال لقاء قيامهم بعمل ما،
اما الاجور الحقيقية فانها تعني كمية السلع والخدمات التي يستطيع العمال ان يحصلوا عليها او يشتروها بواسطة اجورهم النقدية،
اما الاجور الحقيقية فانها تعني كمية السلع والخدمات التي يستطيع العمال ان يحصلوا عليها او يشتروها بواسطة اجورهم النقدية،
ان السبب الرئيسي الذي
يوسع الهوة بين المتغيرين هو ارتفاع المستوى العام للأسعار او ما يعرف
بالتضخم، حيث ان حركة الاسعار نحو الارتفاع تؤدي حتما الى انخفاض القوة
الشرائية لوحدات العملة التي يستلمها الافراد،
وهذا الامر يعني ان فرداً ما
اذا حصل على اجر معين واستطاع ان يحصل على كمية معينة من السلع والخدمات
بهذا الاجر فانه بعد مضي فترة من الزمن ومع ارتفاع المستوى العام للاسعار،
سيحصل على كمية اقل من السلع والخدمات بنفس الاجر السابق.
* ثمة مقارنة بين موازنة عام 1958 وموازنة 2007 تظهر ان متوسط نصيب الفرد الواحد من النفقات الجارية عام 1958 بلغ 49 دولاراً وهو اكبر من متوسط نصيب الفرد من تلك النفقات لعام 2007 والذي بلغ 47 دولاراً، ما مدى مصداقية هذا الامر؟.
- ان تطبيق ظاهرة الوهم النقدي على موضوع الموازنة العامة وتلك المقارنة فيما يتعلق بالنفقات الجارية عام 1958 والنفقات الجارية لعام 2007 هي التفاتة جديرة بالاحترام، بيد ان الباحث الحيادي يجب الا يغفل مجموعة من الاعتبارات الموضوعية التي ادت الى تلك النتيجة التي خرج بها الباحث،
لقد اطلعت على المقال الذي يشير الى تلك المقارنة والذي يحصر الموضوع بسبب واحد هو تصريح جيمس بيكر المزمع في لقائه مع طارق عزيز، والمتعلق بارجاع العراق الى ما قبل التصنيع، الامر الذي يرتبط بنظرية المؤامرة والتي نرى انها ليست صحيحة دائما، بمعنى اننا نؤمن بوجود ثمة مخططات يسعى العالم الغربي الى تطبيقها في المنطقة لكننا نرفض ان تكون تلك النظرية طريق تفكير،
ونرى ان الباحث الحيادي والذي يريد ان يصل الى استنتاجات دقيقة يجب ان يدرس الموضوع بعمق وان يحلله في ضوء السلسلة الزمنية كاملة، لا ان يأخذ مقطعاً مجتزأ ويجري عليه المقارنة،
فاذا اردنا توخي الحيادية فاننا يجب ان ندرس الفترة من 1958 الى 2003، فهذه الفترة الطويلة تطوي تحتها الكثير من العوامل الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، والتي ادت الى تدهور الكثير من المؤشرات مثل انخفاض نصيب الفرد الواحد من الدخل القومي وتدهور المستوى المعاشي والصحي الى مستويات خطيرة فضلاً عن انخفاض شديد لقيم العلم والمعرفة وصعود القيم المادية هذا بالاضافة الى الكثير من التداعيات التي لا مجال لذكرها.
نقول ان ثمة الكثير من الاسباب التي ادت الى تلك النتائج، فأنظمة الحكم التي توالت على العراق خلال تلك الفترات-عدا فترات محدودة مثل الملكية والقاسمية-تميزت باهمالها للمضمون الانساني والمجتمعي وتركيزها على تقوية وتدعيم نظامها المركزي وضمان ديمومته، من هنا نرى ان النتيجة التي يصل لها الكاتب وان كانت تبدو صحيحة بذاتها الا اننا نختلف في اسبابها.
ان المؤشر الذي استخدمه الكاتب وهو متوسط نصيب الفرد الواحد من الانفاق الجاري لا يعد مؤشرا تنمويا بحد ذاته، وان ارتفاع هذا المؤشر لا يعني بالضرورة ان المستوى المعاشي للأفراد قد تحسن، فهو يبين لنا الانفاق الاستهلاكي الذي يصيب الفرد من الموازنة العامة فقط، في حين ان الدول تسعى بشكل دائم الى زيادة انفاقها الاستثماري، وان المقارنة المعقودة لا تدل ان المستوى المعاشي للافراد قد تراجع،
فالمؤشر الاكثر قبولاً في الادبيات الاقتصادية
هو متوسط نصيب الفرد الواحد من الدخل (او الناتج) القومي، وهو يعني كمية السلع والخدمات التي يحصل عليها الفرد الواحد خلال فترة زمنية هي سنة واحدة عادة والذي يمكن الوصول اليه من خلال قسمة الدخل القومي الحقيقي لسنة معينة على عدد السكان للسنة نفسها، وهذا المؤشر يبقى من المؤشرات الضرورية للوقوف عندها وهو ليس كافياً بحد ذاته بل يجب تدعيمه بجملة من المؤشرات الاقتصادية والاجتماعية وحتى السياسية.
* اذن ما هي اسباب ظاهرة الوهم النقدي التي تشهدها الموازنة العامة في الاقتصاد العراقي؟
- ان العراق شهد سلسلة من الزيادات في المستوى العام للاسعار حيث بلغ الرقم القياسي للاسعار نموا بلغ اكثر من 67% لهذا العام وهذا الامر ساهم بالنتيجة في زيادة رقم النفقة العام ظاهريا،
ومن مسلمات القول ان ثمة اسباباً دعت الى استشراء هذه الموجة التضخمية في الاقتصاد العراقي
بيد ان واحدا من اهمها هو موضوعة رفع الدعم عن اسعار المشتقات النفطية بعد 2003 وما ادت اليه من سلسلة ارتفاعات في الاسعار التي تسللت الى كل مفاصل الاقتصاد،
ومن المسلم به ايضا ان رفع الدعم جاء ضمن الوصفة التي قدمها صندوق النقد الدولي للاقتصاد العراقي المريض،
لكن وللانصاف فاننا يجب ان نذكر ان التضخم يعد واحدا من الظواهر المستشرية في جسد الاقتصاد العراقي المريض قبل هذا التاريخ،
فظاهرة التضخم بلغت مستويات كارثية في سنوات الحصار الاقتصادي حيث بلغت قمتها عام 1995 اذ وصل الرقم القياسي للاسعار الى اكثر من 69000% الامر الذي ادى الى تآكل القيم الحقيقية لمعظم المتغيرات الاقتصادية،
فقد بلغ معدل نمو الناتج المحلي الاجمالي الحقيقي مستوى سالبا بلغ (-1.4) وذلك عام 1995 وهذا الامر ادى الى تراجع مستويات الدخل الحقيقي للافراد الى حدود سالبة اذ اخذ الافراد اللجوء الى مدخراتهم السابقة،
وصار طبيعيا ان نرى الام العراقية تبيع مجوهراتها لتلبية الحاجات الاستهلاكية، كذلك صار شائعا ان تبيع العائلة آثاثها،
وغيرها من الحالات التي تدلل على انخفاض متوسط نصيب الفرد من الدخل الى مستويات اقل من اجزاء الدولار الواحد بكثير،
من هنا يمكن القول ان ثمة مستويات مر بها دخل الفرد العراقي هي اقل بمستوى لا يمكن مقارنته بعام 1958 او 2007 او اية فترة يشاء القارئ.
* هل ان الدولة ساعية فعلاً الى تخفيض الانفاق الاستهلاكي وزيادة الانفاق الاستثماري؟
- ان الدول في طريقها الى بلوغ التنمية الاقتصادية والاجتماعية تسعى الى العكس مما توصل اليه الكاتب، فالدول التي تريد بناء تنمية حقيقية تهدف الى زيادة الانفاق الاستثماري وتخفيض الانفاق الجاري وذلك كنسبة من الانفاق العام،
وهذا ما نلمسه في الموازنة العامة لعام 2007، حيث عند مقارنتها مع موازنة 2006 نجد ان النفقات التشغيلية لعام 2006 بلغت (41.691) تريليون دينار مقارنة مع النفقات التشغيلية في موازمة 2007 حيث بلغت (39.062) تريليون دينار اي اقل من موازنة العام السابق بنسبة (- 6.3 %) ويعود سبب الانخفاض الى توجه السياسة الانفاقية للدولة نحو تخفيض النفقات التشغيلية وزيادة النفقات الاستثمارية،
حيث بلغت تقديرات النفقات الاستثمارية لعام 2006 حوالي (9.272) تريليون دينار من مجموع الانفاق الكلي مقارنة مع تقديرات عام 2007 والتي بلغت (12.665) تريليون دينار، محققة نسبة نمو مقدارها (36.6) حيث تبلغ نسبة الانفاق الاستثماري (24%) من اجمالي الانفاق الكلي،
من هنا فاننا نقول ان السياسة المتبعة والتي ترمي الى زيادة الانفاق الاستثماري وتخفيض الانفاق الاستهلاكي هي سياسة مقصودة وواعية من قبل الدولة ولم يأت الكاتب بجديد.
* ما هي وجهة نظركم في حجم التقديرات الحقيقية لاعادة اعمار البنى الارتكازية في العراق..
حيث يرى البعض ان هناك اختلافاً كبيراً بين القيمة الحقيقية لهذه التقديرات وبين ما تطرحه الدول المانحة لبناء تلك المرتكزات..
هل يدخل هذا ضمن عملية خداع نقدي نواجهها؟
- من الناحية الاولى، ان الدول المانحة لم تتعهد ببناء جميع تلك البنى للعراقيين بل ان الفكرة كانت في المساعدة والمساهمة مع العراقيين في بنائها لا ان نتوقع ان تقوم الدول المانحة هي ببناء كل تلك البنى، وتلك الاموال التي تنوي تلك الدول تقديمها هي بمثابة شرارة الانطلاق التي من المؤمل ان تكون المحفز لعملية التنمية المستمرة.
من ناحية ثانية فاننا لا نرى ثمة وهم نقدياً في هذا الصدد فالتقديرات التي يذكرها الكاتب والتي يقدرها بـ140 مليار دولار لا تبتعد كثيرا عن تقديرات الخبراء الدوليين وهي ارقام تدور حول هذا الرقم،
على الرغم من تحفظنا نحن شخصيا عن ذكر اية تقديرات لأن المسألة هي اكبر وأهم من مجرد التقديرات حيث اننا نؤمن ان عملية الاعمار هي عملية تراكمية ومستمرة وحركية وغير متوقفة
من هنا فان المنطق لا يحتم املاء اية تقدير بل ان الامر يخضع للتخطيط الاقتصادي ووضع الاسس والاهداف الاستراتيجية من اجل القيام بعملية التنمية الاقتصادية والاجتماعية،
اما من الناحية الثالثة وللامانة نقول ان البنى الارتكازية التي يتحدث عنها الكاتب لم يدمرها الاحتلال لوحده، بل ان الكثير من تلك البنى بقيت من دون تدمير وان العراقيين-وربما غير العراقيين-قد ساهموا في تدمير بعضها وذلك عن طريق نهبها وتدميرها وذلك ابان سقوط النظام السابق،
ومن جهة رابعة فان ثمة يداً اخرى مسمومة تحاول ان تعبث بتلك المرتكزات وهي يد الارهاب الخبيثة والتي عاثت فسادا في الكثير من تلك المرتكزات والتي تحاول الدولة مرارا بناءها
واخيرا لابد من القول في نفس الصدد ان تلك المرتكزات لم تخضع لأية صيانة خلال الفترة بعد 1985 والى 2003 وهو الامر الذي يعني ان البنية التحتية للعراق قد وصلت الى عام 2003 وهي شبه خربة ومصابة باندثار يجعلها فاقدة القيمة تقريباً.
هزات حقيقية وليست خداعاً
من جهته ذهب عميد كلية الادارة والاقتصاد في جامعة كربلاء الاستاذ الدكتور حاكم محسن محمد الى ان ما يشهده البلد ليس خداعا نقديا بقدر ما هو افرازات لهزات اقتصادية حقيقية.. يقول:
- لا اعتقد انه يصح تسمية الحال الذي آل اليه الاقتصاد العراقي، خداعاً نقدياً، ذلك لأن الخداع يحدث بفعل فاعل،
اما الوضع الحالي الذي يعاني منه اقتصادنا فهو افرازات للهزات التي تعرض لها البلد خلال المدة التي امتدت منذ سنة 1980 وبدء الحرب بين العراق وايران ثم دخول الجيش العراقي الكويت والحرب التي خططت لها الولايات المتحدة الاميركية ومن ثم فرض الحصار الشامل على العراق باسم هيئة الامم المتحدة،
رغم اعتراض الكثير من اعضاء مجلس الامن على ذلك لان الحصار لا يخدم الا مصالح الولايات المتحدة الاميركية وهذه لا تحتاج الى ترخيص او اذن من احد والدليل على ذلك احتلالها لأفغانستان والعراق والحرب على يوغسلافيا..الخ.
ان مأساة العراقيين سببها الولايات المتحدة وبريطانيا اذ كان لهم الدور الاكبر في ما حصل للعراقيين وبالتالي فان ارتفاع معدلات التضخم بنسب مرتفعة وغير متوقعة عكس اثاره على الاقتصاد العراقي، وتدهورت عملة البلد الامر الذي اوصل الحال الى ما هو عليه وأصبحت الاسعار والارقام كبيرة وغير منطقية ولكن هو الحال السائد للاسباب التي ذكرت.
بيّن الاسمي والحقيقي
في اطار هذا الموضوع يضع معاون عميد كلية الادارة والاقتصاد في جامعة كربلاء الدكتور محمد علي حميد فروقاً بين ما هو اسمي وما هو حقيقي للتعبير عن اسعار السلع والاجور.. يقول:
- ان السعر الاسمي هو قيمة السلعة مقاسة بالنقود، اما السعر الحقيقي فهو السعر الاسمي بعد احتساب معدلات التضخم، وكذلك الحال بالنسبة للاجور، ويوصف السعر الحقيقي كذلك بالسعر الثابت بعد اعتماد سنة معينة تسمى سنة الاساس، اذ تتطابق الاسعار والمرتبات الاسمية والحقيقية في سنة الاساس.
ويتسع الفرق بين الاسمي والحقيقي كلما ارتفعت معدلات التضخم، وكذلك المدة الزمنية بين التي تسبق وتعقب سنة الاساس.
وقطعا السعر الحقيقي (او المرتب) اصدق وأدق بكثير من الاسمي.
فعلى سبيل المثال
بلغ السعر الاسمي الرسمي لبرميل النفط الخام الواحد عام 2005 50.6 دولاراً، وهذا هو السعر الاعلى منذ بدء التجارة بالنفط،
اما السعر الحقيقي (بأسعار عام 1995) فقد بلغ في العام المذكور 43.3 دولارا، وهذا السعر ادنى بكثير من الاسعار التي سبق ووصل اليها سعر النفط، اذ بلغ في عام 1980 حوالي 67.2 دولارا، هذا هو اعلى مستوى يبلغه سعر النفط الحقيقي لغاية عام 2005،
اما السعر الاسمي في عام 1980 فقد كان 36 دولارا،
بعبارة موجزة
السعر او المرتب الاسمي لا يظهر الحقيقة كلها، هكذا ينبغي ان يفهم الخداع النقدي.
وفي البلدان التي تعاني من مشاكل التضخم يلاحظ كثيراً يطلق السياسيون، خصوصا في حملاتهم الانتخابية، وعودا بتحسين اوضاع ناخبيهم المعيشية، في حال انتخبوهم طبعا،
ويكتفي هؤلاء بعد ان يتربعوا على عروشهم المريحة برفع المرتبات الاسمية بنسب دون مستوى التضخم في احسن الاحوال، الامر الذي لا يحسن كثيرا من مستويات حياة الناس، لكنهم يحاججوا الناخبين بأنهم قد اوفوا بالوعود التي قطعوها.
رفع المرتبات بمستوى دون مستوى ارتفاع الاسعار ليس سوى ضحك على الذقون.
خلل في سوق السلع والخدمات
ان عملية تجاهل السياسيين لآراء الاقتصاديين انما هو نتيجة طبيعة لإشكالية العلاقة بين السلطة السياسية والمؤسسات غير الحكومية عبر مسيرة الدول النامية في النصف الثاني من القرن الماضي.
* ثمة مقارنة بين موازنة عام 1958 وموازنة 2007 تظهر ان متوسط نصيب الفرد الواحد من النفقات الجارية عام 1958 بلغ 49 دولاراً وهو اكبر من متوسط نصيب الفرد من تلك النفقات لعام 2007 والذي بلغ 47 دولاراً، ما مدى مصداقية هذا الامر؟.
- ان تطبيق ظاهرة الوهم النقدي على موضوع الموازنة العامة وتلك المقارنة فيما يتعلق بالنفقات الجارية عام 1958 والنفقات الجارية لعام 2007 هي التفاتة جديرة بالاحترام، بيد ان الباحث الحيادي يجب الا يغفل مجموعة من الاعتبارات الموضوعية التي ادت الى تلك النتيجة التي خرج بها الباحث،
لقد اطلعت على المقال الذي يشير الى تلك المقارنة والذي يحصر الموضوع بسبب واحد هو تصريح جيمس بيكر المزمع في لقائه مع طارق عزيز، والمتعلق بارجاع العراق الى ما قبل التصنيع، الامر الذي يرتبط بنظرية المؤامرة والتي نرى انها ليست صحيحة دائما، بمعنى اننا نؤمن بوجود ثمة مخططات يسعى العالم الغربي الى تطبيقها في المنطقة لكننا نرفض ان تكون تلك النظرية طريق تفكير،
ونرى ان الباحث الحيادي والذي يريد ان يصل الى استنتاجات دقيقة يجب ان يدرس الموضوع بعمق وان يحلله في ضوء السلسلة الزمنية كاملة، لا ان يأخذ مقطعاً مجتزأ ويجري عليه المقارنة،
فاذا اردنا توخي الحيادية فاننا يجب ان ندرس الفترة من 1958 الى 2003، فهذه الفترة الطويلة تطوي تحتها الكثير من العوامل الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، والتي ادت الى تدهور الكثير من المؤشرات مثل انخفاض نصيب الفرد الواحد من الدخل القومي وتدهور المستوى المعاشي والصحي الى مستويات خطيرة فضلاً عن انخفاض شديد لقيم العلم والمعرفة وصعود القيم المادية هذا بالاضافة الى الكثير من التداعيات التي لا مجال لذكرها.
نقول ان ثمة الكثير من الاسباب التي ادت الى تلك النتائج، فأنظمة الحكم التي توالت على العراق خلال تلك الفترات-عدا فترات محدودة مثل الملكية والقاسمية-تميزت باهمالها للمضمون الانساني والمجتمعي وتركيزها على تقوية وتدعيم نظامها المركزي وضمان ديمومته، من هنا نرى ان النتيجة التي يصل لها الكاتب وان كانت تبدو صحيحة بذاتها الا اننا نختلف في اسبابها.
ان المؤشر الذي استخدمه الكاتب وهو متوسط نصيب الفرد الواحد من الانفاق الجاري لا يعد مؤشرا تنمويا بحد ذاته، وان ارتفاع هذا المؤشر لا يعني بالضرورة ان المستوى المعاشي للأفراد قد تحسن، فهو يبين لنا الانفاق الاستهلاكي الذي يصيب الفرد من الموازنة العامة فقط، في حين ان الدول تسعى بشكل دائم الى زيادة انفاقها الاستثماري، وان المقارنة المعقودة لا تدل ان المستوى المعاشي للافراد قد تراجع،
فالمؤشر الاكثر قبولاً في الادبيات الاقتصادية
هو متوسط نصيب الفرد الواحد من الدخل (او الناتج) القومي، وهو يعني كمية السلع والخدمات التي يحصل عليها الفرد الواحد خلال فترة زمنية هي سنة واحدة عادة والذي يمكن الوصول اليه من خلال قسمة الدخل القومي الحقيقي لسنة معينة على عدد السكان للسنة نفسها، وهذا المؤشر يبقى من المؤشرات الضرورية للوقوف عندها وهو ليس كافياً بحد ذاته بل يجب تدعيمه بجملة من المؤشرات الاقتصادية والاجتماعية وحتى السياسية.
* اذن ما هي اسباب ظاهرة الوهم النقدي التي تشهدها الموازنة العامة في الاقتصاد العراقي؟
- ان العراق شهد سلسلة من الزيادات في المستوى العام للاسعار حيث بلغ الرقم القياسي للاسعار نموا بلغ اكثر من 67% لهذا العام وهذا الامر ساهم بالنتيجة في زيادة رقم النفقة العام ظاهريا،
ومن مسلمات القول ان ثمة اسباباً دعت الى استشراء هذه الموجة التضخمية في الاقتصاد العراقي
بيد ان واحدا من اهمها هو موضوعة رفع الدعم عن اسعار المشتقات النفطية بعد 2003 وما ادت اليه من سلسلة ارتفاعات في الاسعار التي تسللت الى كل مفاصل الاقتصاد،
ومن المسلم به ايضا ان رفع الدعم جاء ضمن الوصفة التي قدمها صندوق النقد الدولي للاقتصاد العراقي المريض،
لكن وللانصاف فاننا يجب ان نذكر ان التضخم يعد واحدا من الظواهر المستشرية في جسد الاقتصاد العراقي المريض قبل هذا التاريخ،
فظاهرة التضخم بلغت مستويات كارثية في سنوات الحصار الاقتصادي حيث بلغت قمتها عام 1995 اذ وصل الرقم القياسي للاسعار الى اكثر من 69000% الامر الذي ادى الى تآكل القيم الحقيقية لمعظم المتغيرات الاقتصادية،
فقد بلغ معدل نمو الناتج المحلي الاجمالي الحقيقي مستوى سالبا بلغ (-1.4) وذلك عام 1995 وهذا الامر ادى الى تراجع مستويات الدخل الحقيقي للافراد الى حدود سالبة اذ اخذ الافراد اللجوء الى مدخراتهم السابقة،
وصار طبيعيا ان نرى الام العراقية تبيع مجوهراتها لتلبية الحاجات الاستهلاكية، كذلك صار شائعا ان تبيع العائلة آثاثها،
وغيرها من الحالات التي تدلل على انخفاض متوسط نصيب الفرد من الدخل الى مستويات اقل من اجزاء الدولار الواحد بكثير،
من هنا يمكن القول ان ثمة مستويات مر بها دخل الفرد العراقي هي اقل بمستوى لا يمكن مقارنته بعام 1958 او 2007 او اية فترة يشاء القارئ.
* هل ان الدولة ساعية فعلاً الى تخفيض الانفاق الاستهلاكي وزيادة الانفاق الاستثماري؟
- ان الدول في طريقها الى بلوغ التنمية الاقتصادية والاجتماعية تسعى الى العكس مما توصل اليه الكاتب، فالدول التي تريد بناء تنمية حقيقية تهدف الى زيادة الانفاق الاستثماري وتخفيض الانفاق الجاري وذلك كنسبة من الانفاق العام،
وهذا ما نلمسه في الموازنة العامة لعام 2007، حيث عند مقارنتها مع موازنة 2006 نجد ان النفقات التشغيلية لعام 2006 بلغت (41.691) تريليون دينار مقارنة مع النفقات التشغيلية في موازمة 2007 حيث بلغت (39.062) تريليون دينار اي اقل من موازنة العام السابق بنسبة (- 6.3 %) ويعود سبب الانخفاض الى توجه السياسة الانفاقية للدولة نحو تخفيض النفقات التشغيلية وزيادة النفقات الاستثمارية،
حيث بلغت تقديرات النفقات الاستثمارية لعام 2006 حوالي (9.272) تريليون دينار من مجموع الانفاق الكلي مقارنة مع تقديرات عام 2007 والتي بلغت (12.665) تريليون دينار، محققة نسبة نمو مقدارها (36.6) حيث تبلغ نسبة الانفاق الاستثماري (24%) من اجمالي الانفاق الكلي،
من هنا فاننا نقول ان السياسة المتبعة والتي ترمي الى زيادة الانفاق الاستثماري وتخفيض الانفاق الاستهلاكي هي سياسة مقصودة وواعية من قبل الدولة ولم يأت الكاتب بجديد.
* ما هي وجهة نظركم في حجم التقديرات الحقيقية لاعادة اعمار البنى الارتكازية في العراق..
حيث يرى البعض ان هناك اختلافاً كبيراً بين القيمة الحقيقية لهذه التقديرات وبين ما تطرحه الدول المانحة لبناء تلك المرتكزات..
هل يدخل هذا ضمن عملية خداع نقدي نواجهها؟
- من الناحية الاولى، ان الدول المانحة لم تتعهد ببناء جميع تلك البنى للعراقيين بل ان الفكرة كانت في المساعدة والمساهمة مع العراقيين في بنائها لا ان نتوقع ان تقوم الدول المانحة هي ببناء كل تلك البنى، وتلك الاموال التي تنوي تلك الدول تقديمها هي بمثابة شرارة الانطلاق التي من المؤمل ان تكون المحفز لعملية التنمية المستمرة.
من ناحية ثانية فاننا لا نرى ثمة وهم نقدياً في هذا الصدد فالتقديرات التي يذكرها الكاتب والتي يقدرها بـ140 مليار دولار لا تبتعد كثيرا عن تقديرات الخبراء الدوليين وهي ارقام تدور حول هذا الرقم،
على الرغم من تحفظنا نحن شخصيا عن ذكر اية تقديرات لأن المسألة هي اكبر وأهم من مجرد التقديرات حيث اننا نؤمن ان عملية الاعمار هي عملية تراكمية ومستمرة وحركية وغير متوقفة
من هنا فان المنطق لا يحتم املاء اية تقدير بل ان الامر يخضع للتخطيط الاقتصادي ووضع الاسس والاهداف الاستراتيجية من اجل القيام بعملية التنمية الاقتصادية والاجتماعية،
اما من الناحية الثالثة وللامانة نقول ان البنى الارتكازية التي يتحدث عنها الكاتب لم يدمرها الاحتلال لوحده، بل ان الكثير من تلك البنى بقيت من دون تدمير وان العراقيين-وربما غير العراقيين-قد ساهموا في تدمير بعضها وذلك عن طريق نهبها وتدميرها وذلك ابان سقوط النظام السابق،
ومن جهة رابعة فان ثمة يداً اخرى مسمومة تحاول ان تعبث بتلك المرتكزات وهي يد الارهاب الخبيثة والتي عاثت فسادا في الكثير من تلك المرتكزات والتي تحاول الدولة مرارا بناءها
واخيرا لابد من القول في نفس الصدد ان تلك المرتكزات لم تخضع لأية صيانة خلال الفترة بعد 1985 والى 2003 وهو الامر الذي يعني ان البنية التحتية للعراق قد وصلت الى عام 2003 وهي شبه خربة ومصابة باندثار يجعلها فاقدة القيمة تقريباً.
هزات حقيقية وليست خداعاً
من جهته ذهب عميد كلية الادارة والاقتصاد في جامعة كربلاء الاستاذ الدكتور حاكم محسن محمد الى ان ما يشهده البلد ليس خداعا نقديا بقدر ما هو افرازات لهزات اقتصادية حقيقية.. يقول:
- لا اعتقد انه يصح تسمية الحال الذي آل اليه الاقتصاد العراقي، خداعاً نقدياً، ذلك لأن الخداع يحدث بفعل فاعل،
اما الوضع الحالي الذي يعاني منه اقتصادنا فهو افرازات للهزات التي تعرض لها البلد خلال المدة التي امتدت منذ سنة 1980 وبدء الحرب بين العراق وايران ثم دخول الجيش العراقي الكويت والحرب التي خططت لها الولايات المتحدة الاميركية ومن ثم فرض الحصار الشامل على العراق باسم هيئة الامم المتحدة،
رغم اعتراض الكثير من اعضاء مجلس الامن على ذلك لان الحصار لا يخدم الا مصالح الولايات المتحدة الاميركية وهذه لا تحتاج الى ترخيص او اذن من احد والدليل على ذلك احتلالها لأفغانستان والعراق والحرب على يوغسلافيا..الخ.
ان مأساة العراقيين سببها الولايات المتحدة وبريطانيا اذ كان لهم الدور الاكبر في ما حصل للعراقيين وبالتالي فان ارتفاع معدلات التضخم بنسب مرتفعة وغير متوقعة عكس اثاره على الاقتصاد العراقي، وتدهورت عملة البلد الامر الذي اوصل الحال الى ما هو عليه وأصبحت الاسعار والارقام كبيرة وغير منطقية ولكن هو الحال السائد للاسباب التي ذكرت.
بيّن الاسمي والحقيقي
في اطار هذا الموضوع يضع معاون عميد كلية الادارة والاقتصاد في جامعة كربلاء الدكتور محمد علي حميد فروقاً بين ما هو اسمي وما هو حقيقي للتعبير عن اسعار السلع والاجور.. يقول:
- ان السعر الاسمي هو قيمة السلعة مقاسة بالنقود، اما السعر الحقيقي فهو السعر الاسمي بعد احتساب معدلات التضخم، وكذلك الحال بالنسبة للاجور، ويوصف السعر الحقيقي كذلك بالسعر الثابت بعد اعتماد سنة معينة تسمى سنة الاساس، اذ تتطابق الاسعار والمرتبات الاسمية والحقيقية في سنة الاساس.
ويتسع الفرق بين الاسمي والحقيقي كلما ارتفعت معدلات التضخم، وكذلك المدة الزمنية بين التي تسبق وتعقب سنة الاساس.
وقطعا السعر الحقيقي (او المرتب) اصدق وأدق بكثير من الاسمي.
فعلى سبيل المثال
بلغ السعر الاسمي الرسمي لبرميل النفط الخام الواحد عام 2005 50.6 دولاراً، وهذا هو السعر الاعلى منذ بدء التجارة بالنفط،
اما السعر الحقيقي (بأسعار عام 1995) فقد بلغ في العام المذكور 43.3 دولارا، وهذا السعر ادنى بكثير من الاسعار التي سبق ووصل اليها سعر النفط، اذ بلغ في عام 1980 حوالي 67.2 دولارا، هذا هو اعلى مستوى يبلغه سعر النفط الحقيقي لغاية عام 2005،
اما السعر الاسمي في عام 1980 فقد كان 36 دولارا،
بعبارة موجزة
السعر او المرتب الاسمي لا يظهر الحقيقة كلها، هكذا ينبغي ان يفهم الخداع النقدي.
وفي البلدان التي تعاني من مشاكل التضخم يلاحظ كثيراً يطلق السياسيون، خصوصا في حملاتهم الانتخابية، وعودا بتحسين اوضاع ناخبيهم المعيشية، في حال انتخبوهم طبعا،
ويكتفي هؤلاء بعد ان يتربعوا على عروشهم المريحة برفع المرتبات الاسمية بنسب دون مستوى التضخم في احسن الاحوال، الامر الذي لا يحسن كثيرا من مستويات حياة الناس، لكنهم يحاججوا الناخبين بأنهم قد اوفوا بالوعود التي قطعوها.
رفع المرتبات بمستوى دون مستوى ارتفاع الاسعار ليس سوى ضحك على الذقون.
خلل في سوق السلع والخدمات
ان عملية تجاهل السياسيين لآراء الاقتصاديين انما هو نتيجة طبيعة لإشكالية العلاقة بين السلطة السياسية والمؤسسات غير الحكومية عبر مسيرة الدول النامية في النصف الثاني من القرن الماضي.
هكذا بدأ الخبير الاقتصادي باسم
عبد الهادي مداخلته في هذا الموضوع
مشيرا الى انه على الرغم من التحسن الكبير الذي شهدته تلك الدول لاسيما في العقد الاخير فضلا عن اهمية الاستنارة برأي المتخصصين وفي شتى المجالات الا ان ذلك لا يعني بالضرورة ان يتم الاخذ بكل الاراء لكي نرضى عن السلطة السياسية وذلك بسبب عدم واقعية هذا الموضوع من جهة وتناقض اراء المتخصصين احيانا حول الموضوع نفسه من جهة اخرى.
* كيف تفسرون مصطلح الخداع النقدي؟
- الخداع النقدي مصطلح غير متداول في الادبيات الاقتصادية الحالية حيث يعود في ظهوره الى ما يعرف بالحقبة الكنزية وتحديدا في ثلاثينيات القرن الماضي عندما اوضح كينز اهتمام العمال باجورهم الاسمية ومحاولة رفعها دون النظر الى الاجور الحقيقية والتي تتغير بتغير الاسعار وعليه لا تتحسن بالضرورة مع تحسن الاجور الاسمية.
ان ظاهرة التضخم ليس بالضرورة تعود لأسباب نقدية اي زيادة المعروض النقدي ففي احيان عديدة تكون الاسباب ناجمة عن خلل في القطاع الحقيقي اي سوق السلع والخدمات.
* هل هي موجودة في الاقتصادات العالمية؟
ـ ان ظاهرة انخفاض قيمة العملة تكاد موجودة في كل دول العالم تقريبا
ولذلك عادة ما يلجأ الاقتصاديون الى احتساب قيمة الناتج المحلي الاجمالي بعملة اجنبية مستقرة نسبيا فضلا عن احتسابه بالعملة المحلية وفق آلية معينة تنسب فيها الاسعار الى سنة اساس من اجل استبعاد التقلبات التي تحدث في الاسعار وعلى اساس ذلك يتم التفريق بين الناتج المحلي الحقيقي والناتح المحلي الاسمي،
الا ان الشيء المختلف بين دولة واخرى هو نسبة التضخم ومن ثم نسبة انخفاض قيمة العملة وهذا الامر بالتأكيد له علاقة بالظروف السياسية والاقتصادية التي تعيشها كل دولة.
* ما هي تكلفة اعادة اعمار البنى الارتكازية في العراق؟ وما مدى علاقة ذلك بالخداع النقدي؟
ـ بالرغم من صعوبة تقدير تكلفة اعادة اعمار البنى الارتكازية في العراق الا ان معظم التقديرات تقترب من مائة وخمسين مليار دولار،
ولا اعتقد ان المشكلة التي نواجهها تتعلق بموضوع انخفاض قيمة العملة بقدر تعلقها بمسألة الفساد الاداري والمالي واثره في عملية اعادة الاعمار من حيث الوقت والنوعية
اما عن موضوع الوهم النقدي الذي ذكره الكاتب في عملية التمويل الدولي لاعادة الاعمار فهي عملية مساعدة للعراق في الخروج من الازمة الحالية اي المساعدة في الانطلاقة الاولى لدوران عجلة التنمية
ولا اعتقد ان الموضوع هو تعويض العراق عن قيمة كل البنى التحتية التي شيدت قبل ربع قرن او اكثر والتي فقدت نسبة كبيرة من قيمتها الاقتصادية قبل عام 2003 بسبب عدم الصيانة الدورية.
* ما مدى صحة الارقام الواردة في قضية الموازنة لعام 1958؟
ـ لا توجد لدينا معلومات دقيقة عن موازنة عام 1958، الا انني اعتقد ان المقارنة بين موازنة عام 2007 وموازنة عام 1958، غير مجدية من الناحية الاقتصادية والسياسية
والأجدر بنا ان نركز على ابواب الصرف التي تضمنتها الموازنة الحالية
وهل هي مناسبة لمعالجة المشاكل الحالية التي يعاني منها الاقتصاد العراقي.
اذ ان ما حدث من انخفاض في حصة الفرد هو شيء طبيعي لا سيما في ظل الظروف التي عاشها العراق وأثرها ذلك على قيمة الدينار العراقي بالقياس الى العملات الاجنبية.
* هل هناك شواهد تلقي ضوءا اكبر على مسألة الخداع النقدي؟
ـ كما ذكرت سابقا فان هذا الموضوع بمعنى انخفاض قيمة العملة يكاد يكون شيئا طبيعيا وربما يكون الوضع في المانيا الغربية (السابقة) بعد الحرب العالمية الثانية،
من ابرز الامثلة على ذلك اذ انخفضت قيمة المارك الى ادنى مستوياتها ووصل الامر ببعض الالمان الى تغليف منازلهم بالمارك الالماني بدلا من ورق الجدران اذ ان تكلفته تكون اكبر وهذه مفارقة تاريخية وهناك امثلة اخرى حدثت في لبنان وتركيا وغيرها من الدول.
جريدة الصباح
مشيرا الى انه على الرغم من التحسن الكبير الذي شهدته تلك الدول لاسيما في العقد الاخير فضلا عن اهمية الاستنارة برأي المتخصصين وفي شتى المجالات الا ان ذلك لا يعني بالضرورة ان يتم الاخذ بكل الاراء لكي نرضى عن السلطة السياسية وذلك بسبب عدم واقعية هذا الموضوع من جهة وتناقض اراء المتخصصين احيانا حول الموضوع نفسه من جهة اخرى.
* كيف تفسرون مصطلح الخداع النقدي؟
- الخداع النقدي مصطلح غير متداول في الادبيات الاقتصادية الحالية حيث يعود في ظهوره الى ما يعرف بالحقبة الكنزية وتحديدا في ثلاثينيات القرن الماضي عندما اوضح كينز اهتمام العمال باجورهم الاسمية ومحاولة رفعها دون النظر الى الاجور الحقيقية والتي تتغير بتغير الاسعار وعليه لا تتحسن بالضرورة مع تحسن الاجور الاسمية.
ان ظاهرة التضخم ليس بالضرورة تعود لأسباب نقدية اي زيادة المعروض النقدي ففي احيان عديدة تكون الاسباب ناجمة عن خلل في القطاع الحقيقي اي سوق السلع والخدمات.
* هل هي موجودة في الاقتصادات العالمية؟
ـ ان ظاهرة انخفاض قيمة العملة تكاد موجودة في كل دول العالم تقريبا
ولذلك عادة ما يلجأ الاقتصاديون الى احتساب قيمة الناتج المحلي الاجمالي بعملة اجنبية مستقرة نسبيا فضلا عن احتسابه بالعملة المحلية وفق آلية معينة تنسب فيها الاسعار الى سنة اساس من اجل استبعاد التقلبات التي تحدث في الاسعار وعلى اساس ذلك يتم التفريق بين الناتج المحلي الحقيقي والناتح المحلي الاسمي،
الا ان الشيء المختلف بين دولة واخرى هو نسبة التضخم ومن ثم نسبة انخفاض قيمة العملة وهذا الامر بالتأكيد له علاقة بالظروف السياسية والاقتصادية التي تعيشها كل دولة.
* ما هي تكلفة اعادة اعمار البنى الارتكازية في العراق؟ وما مدى علاقة ذلك بالخداع النقدي؟
ـ بالرغم من صعوبة تقدير تكلفة اعادة اعمار البنى الارتكازية في العراق الا ان معظم التقديرات تقترب من مائة وخمسين مليار دولار،
ولا اعتقد ان المشكلة التي نواجهها تتعلق بموضوع انخفاض قيمة العملة بقدر تعلقها بمسألة الفساد الاداري والمالي واثره في عملية اعادة الاعمار من حيث الوقت والنوعية
اما عن موضوع الوهم النقدي الذي ذكره الكاتب في عملية التمويل الدولي لاعادة الاعمار فهي عملية مساعدة للعراق في الخروج من الازمة الحالية اي المساعدة في الانطلاقة الاولى لدوران عجلة التنمية
ولا اعتقد ان الموضوع هو تعويض العراق عن قيمة كل البنى التحتية التي شيدت قبل ربع قرن او اكثر والتي فقدت نسبة كبيرة من قيمتها الاقتصادية قبل عام 2003 بسبب عدم الصيانة الدورية.
* ما مدى صحة الارقام الواردة في قضية الموازنة لعام 1958؟
ـ لا توجد لدينا معلومات دقيقة عن موازنة عام 1958، الا انني اعتقد ان المقارنة بين موازنة عام 2007 وموازنة عام 1958، غير مجدية من الناحية الاقتصادية والسياسية
والأجدر بنا ان نركز على ابواب الصرف التي تضمنتها الموازنة الحالية
وهل هي مناسبة لمعالجة المشاكل الحالية التي يعاني منها الاقتصاد العراقي.
اذ ان ما حدث من انخفاض في حصة الفرد هو شيء طبيعي لا سيما في ظل الظروف التي عاشها العراق وأثرها ذلك على قيمة الدينار العراقي بالقياس الى العملات الاجنبية.
* هل هناك شواهد تلقي ضوءا اكبر على مسألة الخداع النقدي؟
ـ كما ذكرت سابقا فان هذا الموضوع بمعنى انخفاض قيمة العملة يكاد يكون شيئا طبيعيا وربما يكون الوضع في المانيا الغربية (السابقة) بعد الحرب العالمية الثانية،
من ابرز الامثلة على ذلك اذ انخفضت قيمة المارك الى ادنى مستوياتها ووصل الامر ببعض الالمان الى تغليف منازلهم بالمارك الالماني بدلا من ورق الجدران اذ ان تكلفته تكون اكبر وهذه مفارقة تاريخية وهناك امثلة اخرى حدثت في لبنان وتركيا وغيرها من الدول.
جريدة الصباح
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق