الخميس، 29 سبتمبر 2022

الركود التضخمي مفهومه ومظاهره وقياسه

الركود التضخمي مفهومه ومظاهره وقياسه

تلخيص اراء المدارس الاقتصادية حول ظاهرة الركود التضخمي

تلخيص اراء المدارس الاقتصادية حول ظاهرة الركود التضخمي


الباحث محمد خليل البحيصي

إشراف الدكتور نسيم حسن ابو جامع


الفصل الثاني 


ظاهرة الركود التضخمي في النظرية الاقتصادية


 المقدمة:


انتقل الاقتصاد الرأسمالي المتقدم خلال القرن العشرين من مرحلة الانتعاش وارتفاع معدلات النمو الاقتصادي واستقرار الأوضاع الاقتصادية أثناء الفترة الممتدة من بعد الحرب العالمية الثانية حتى أواخر الستينات، إلى مرحلة تدهور الأوضاع الاقتصادية وتراجع معدلات النمو الاقتصادي وتزايد العجز في موازين المدفوعات وتعايش البطالة مع التضخم وهو ما يعرف في الأدبيات الاقتصادية بالركود التضخمي (Stagflation).


وتعتبر ظاهرة الركود التضخمي من الظواهر حديثة العهد بالنسبة للنظام الرأسمالي، ولأول مرة في تاريخ الدول المتقدمة الرأسمالية يسير التضخم، (أي الارتفاع المستمر للأسعار) جنبا إلى جنب مع تزايد البطالة، (أي ارتفاع حجم ومعدل العمال العاطلين الراغبين في العمل والباحثين عنه دون جدوى). 


فبعد أن كان التضخم والبطالة محكوما بالظروف والعمر الزمني للدورة الاقتصادية، حيث من المعروف من الناحية النظرية والواقعية ومتابعة تاريخ تطور الرأسمالية عبر الفترات الدورية لنموها وانتكاساتها، أنه في الفترات التي كانت ترتفع فيها الأسعار – وهي من خصائص فترات الانتعاش - يكون معدل البطالة منخفضة، والعكس صحيح بمعنى أنه في الفترات التي تتدهور فيها الأسعار – وهي من خصائص فترات الانكماش - يتزايد معدل البطالة.


أما الوضع الراهن يشير إلى خلاف ذلك تماما، حيث لم تعد البطالة والتضخم محكومة إلى حد ما بالظروف والعمر الزمني للدورة الاقتصادية، وهذا ما دل عليه رصد حركة الأوضاع الاقتصادية بدول غرب أوروبا والولايات المتحدة في بداية السبعينات، والتي تشير إلى تعايش

ظاهرة البطالة مع التضخم، ومن هنا فقد تحطمت في ضوء هذه الظاهرة كافة المعتقدات والنظريات الاقتصادية التي كان يعتقد الاقتصاديون وصانعو السياسات في صحتها.


المبحث الأول


الركود التضخمي، مفهومه ومظاهره وقياسه


 أولا: مفهوم وتعريف الركود التضخمي


قبل التطرق إلى تعريف ومفهوم الركود التضخمي في الفكر الاقتصادي،

 لابد في البداية من الإشارة إلى تعريف كل من التضخم والبطالة في الأدبيات الاقتصادية، 


حيث يعرف التضخم 

بأنه زيادة مستمرة ومتواصلة في المستوى العام للأسعار التي يشتمل عليها الاقتصاد،

وبالتالي فإن التضخم لا يشمل الزيادة المستمرة في سعر سلعة واحدة فقط،

أو زيادة لمرة واحدة فقط في متوسط الأسعار،

إنما هو زيادة مستمرة في مستوى الأسعار وعلى نطاق واسع

مخلفة آثارها الملحوظة على الاقتصاد (الدباغ والجومرد، 2003، ص355).


وهناك معدل طبيعي للتضخم تضعه الدول بشكل مستهدف بحيث لا تحيد عنه،

ويتراوح هذا المعدل الطبيعي للتضخم بين (2%) إلى (3%)،

فإذا ما زاد هذا المعدل في الاقتصاد يمكن القول

بأن الاقتصاد يعاني من مشكلة تضخم (سوانينبيرج، 2008، ص 208).


ويتم قياس التضخم

من خلال ملاحظة التغيرات التي تحدث في المستوى العام لأسعار السلع والخدمات المختلفة،

عن طريق مؤشر عام پرصد التغيرات في الأسعار،

سواء كان هذا المؤشر هو الأرقام القياسية لأسعار التجزئة

أو الأرقام القياسية لأسعار الجملة والذي يشمل السلع والخدمات التي تدخل ضمن ميزانية الأسرة،

أو من خلال الأرقام القياسية للأجور والتي تؤثر على تكاليف إنتاج السلع والخدمات،

إلا أن أهم الأرقام القياسية للأسعار هو مكمش أو مخفض الناتج القومي،

وذلك لأنه يشمل كافة التغيرات التي تحدث في جميع أسعار السلع والخدمات التي ينتجها المجتمع

(الحبيب، 1994، ص340).


ويرجع الاقتصاديون التضخم لأنواع مختلفة

تبعا لاختلاف مسببات التضخم (تضخم الطلب، تضخم التكاليف، تضخم هيكلي).

أو تبعا لمدى وقوة التضخم (تضخم بطيء، تضخم زاحف، تضخم جامح)

(ماير وآخرون، 1994، ص 413).


وبالنسبة للركود الاقتصادي 

فيقصد به انخفاض في الطلب الكلي الفعلي

يؤدي إلى تباطؤ في تصريف السلع والمنتجات في الأسواق

ومن ثم انخفاض تدريجي في الأرباح و عدد العمال والوحدات الإنتاجية

وتكديس في المعروض و المخزون من السلع والبضائع

الأمر الذي يترتب عليه

تفشي ظاهرة عدم انتظام المتعاملين في النشاط الاقتصادي في سداد التزاماتهم المالية في مواعيدها

ومن ثم تكون النتيجة شيوع ظاهرة الإفلاس والبطالة (معروف، 2006، ص 134).


نستنتج من التعريف السابق

أن للركود الاقتصادي سمات مختلفة

مثل هبوط الناتج الحقيقي وتدهور الأرباح بالإضافة إلى تراكم مخزونات قطاع الأعمال،


 إلا أن أهم سمة من سمات الركود الاقتصادي هي ظاهرة البطالة 

وذلك لما لهذه الظاهرة من آثار سيئة على المستوى الاقتصادي والاجتماعي والسياسي. 


ومن هذا المنطلق

يعتبر هدف القضاء على البطالة من أولويات اهتمام القادة السياسيين والاقتصاديين

إلى جانب هدف محاربة التضخم،

وعليه احتلت قضيتا البطالة والتضخم مركز الصدارة ضمن أي خطة للاقتصاد القومي. 


وبعد الإشارة إلى موضوع التضخم لابد من التطرق إلى تعريف البطالة.


تعرف البطالة 

على أنها الحالة التي يبقى فيها عدد من الناس في المجتمع بلا عمل أو وظيفة،

على الرغم من سعيهم الجاد في البحث عن عمل أو وظيفة ولكن دون جدوى،

أو على الأقل أنهم يقومون بأعمال تستغرق جزءا فقط من طاقتهم أو وقتهم

(الدباغ والجو مرد، 2003، ص357).


أما بالنسبة لأنواع البطالة 

فإن هناك إجماع بين الاقتصاديين على تصنيف البطالة إلى ثلاثة أنواع رئيسية 

وهي البطالة الاحتكاكية، والبطالة الهيكلية، والبطالة الموسمية، 

كما ويعتقد الاقتصاديون أن المعدل الطبيعي للبطالة يتراوح بين (3%) و (4%) من قوة العمل

 (سیجل، 1987، ص614، 615).


وبعد التعرف إلى مفهوم كل من التضخم والبطالة، 


يمكن توضيح ما المقصود بمصطلح الركود التضخمي. 


ينطلق مفهوم هذا المصطلح من خلال ما اعتادت عليه أي دولة في العالم من تعرض اقتصادها

 إما لظاهرة الركود وما ينتج عنها من ارتفاع لمعدلات البطالة لفترة زمنية معينة،

 أو التعرض لظاهرة التضخم في فترة زمنية أخرى، 

إلا أن الظاهرة الجديدة التي لم يعرفها التاريخ الاقتصادي من قبل، ظهرت في بداية السبعينات 

من خلال تعايش وتزامن كل من ظاهرة الركود والتضخم جنبا إلى جنب وفي نفس الوقت،

 فإنه لأول مرة يتلازم الارتفاع المستمر والمتواصل في الأسعار 

مع تزايد حجم البطالة وتدهور معدلات الناتج القومي 

(الشمري والبياتي، 2009، ص414).


ويعرف الركود التضخمي أيضا 

بأنه تعايش التضخم، أي الارتفاع المستمر في الأسعار،

مع تزايد البطالة، أي ارتفاع حجم ومعدل العمال العاطلين والراغبين في العمل والباحثين عنه دون جدوى

(زكي، 1986، ص15).


ويعرف أيضا الركود التضخمي

 بأنه ذلك الوضع الذي يتزامن فيه وجود معدلات مرتفعة للتضخم والبطالة في آن واحد 

(9-Haberler,1985,P). 


وتبعا لهذا المفهوم يمكن تعريف الركود التضخمي 

على أنه الارتفاع المستمر في المستوى العام للأسعار

المرافق للبطالة المتزايدة،

وانخفاض مستويات الناتج القومي ومعدلات نموه خلال فترة زمنية معينة.


يتضح مما سبق 

أن هناك بعض الكتب والأبحاث والدراسات السابقة تستخدم مصطلح الركود التضخمي 

في حين أن هناك بعضها الآخر يستخدم مصطلح التضخم الركودي كمرادف للمصطلح الأول، 

وذلك تعبيرا منها على تزامن كل من ظاهرتي التضخم والبطالة، 


وهنا يرى الباحث ضرورة التمييز بين المصطلحين 

لوضع كل مصطلح موضعه الصحيح في التعريف، 

ولكي يتمكن القارئ أو المتخصص من تشخيص حالة الاقتصاد بشكل واضح وجلي. 


ويستند هذا التمييز على أسبقية حدوث كل ظاهرة في الاقتصاد،

 بمعنى أيهم أصاب الاقتصاد أولا التضخم أم البطالة، 


فإذا كان الاقتصاد يعاني أصلا من مشكلة بطالة 

ثم تعرض فيما بعد لمشكلة تضخم جنبا إلى جنب مع البطالة 

فنحن نكون بصدد ركود تضخمي، 


أما إذا كان الاقتصاد يعاني منذ البداية من مشكلة تضخم 

ثم رافق ذلك مشكلة بطالة 

فنحن نكون هنا أمام تضخم ركودي. 


كما أن التعريفات السابقة لم تحدد مستوى الركود التضخمي،

 بمعنى 

هل يجب أن يكون معدل البطالة ومعدل التضخم مرتفع في اقتصاد ما 

حتى يمكن الحكم بأن هذا الاقتصاد يعاني من ركود تضخمي؟ 


وإذا ما كان الأمر كذلك

 فما هو ذلك المستوى الذي نستطيع من خلاله أن نقرر

 بأن الاقتصاد يعاني من ظاهرة الركود التضخمي؟ 


والإجابة على هذا السؤال

 تقودنا إلى النقطة التالية وهي كيفية قياس الركود التضخمي.


ثانيا: كيفية قياس الركود التضخمي

اعتمد الاقتصاديون لأجل رصد ظاهرة الركود التضخمي 

على مؤشر مركب من مجموع معدل التضخم ومعدل البطالة، 

ويطلق على هذا المؤشر معدل الركود التضخمي 

والذي يمكن التعبير عنه وفقا للمعادلة التالية: 

AST=AINF+AUN

حيث أن:

 AST: تشير إلى معدل الركود التضخمي

 AINF: تشير إلى معدل التضخم

 ANU: تشير إلى معدل البطالة

(الساعدي،2013، ص 97).


استنادا إلى المؤشر السابق لرصد معدل الركود التضخمي، 

نستطيع أن نقرر أن اقتصاد دولة ما يعاني من ركود تضخمي 

في حالة تجاوز معدل الركود التضخمي النسبة (8%)، 

بشرط تصاعد كل من معدل التضخم ومعدل البطالة. 


ولكن في حقيقة الأمر

 بالرغم من أن معدل الركود التضخمي يعتبر مؤشرا جيدا 

لرصد ظاهرة الركود التضخمي في الاقتصاد

 إلا أن ربطه بنسبة (%8) ترد عليه بعض الإشكاليات، 

فمن المحتمل أن يتجاوز معدل الركود التضخمي في اقتصاد دولة ما النسبة (8%) 

ولكن في نفس الوقت

 قد يبقى معدل البطالة فقط أو معدل التضخم فقط عند النسبة (4%)، 

ففي هذه الحالة لا يمكن القول 

بأن اقتصاد هذه الدولة يعاني من ظاهرة الركود التضخمي. 


والواقع أن هناك إجماع بين الاقتصاديين

 إلى أنه في حالة تجاوز معدل الركود التضخمي نسبة (8%) 

مع تصاعد كل من معدل التضخم ومعدل البطالة 

في هذه الحالة فقط 

يمكن أن نقرر بأن الاقتصاد يعاني من ظاهرة الركود التضخمي 

(عوض، 2002، ص 27).


وذلك لأن بعض الاقتصاديين يعتبر أن معدل البطالة عند (4%) هو معدل طبيعي 

وهذا بالتالي لا يعني أن الاقتصاد لا يعمل عند مستوى التشغيل الكامل، 

وعليه فإن معدل البطالة السائد في الاقتصاد في هذه الحالة يكون مرده إلى وجود بطالة احتكاكية. 

كما أن وصول معدل التضخم إلى (4%) كحد أقصى لا يشكل بالضرورة خطرا على الاقتصاد، 

وذلك لما له من أثار إيجابية على مستوى الإنتاج والتوظيف في الاقتصاد 

(زكي، 1996، ص 217).


ويتضح مما سبق

 أن معدل الركود التضخمي قد يختلف من دولة إلى أخرى، 

ولا توجد نسبة ثابتة 

بل تعتمد على طبيعة الاقتصاد و مدى تحمله لضغوط تضخمية أو أعباء بطالة.



ثالثا: مظاهر الركود التضخمي


شهدت الاقتصاديات الغربية الرأسمالية حالة من التضخم المصحوب بالركود، 

وأصبحت قضايا مكافحة التضخم من القضايا

التي تستحوذ على اهتمام المسئولين بوزارات المالية والاقتصاد بالدول الغربية، 

ومن خلال التقارير التي يصدرها البنك الدولي

يمكن ملاحظة معدلات التضخم المرتفعة بدول أوروبا الغربية والولايات المتحدة واتجاهها نحو التزايد، 

وهذا في الوقت الذي تتزايد فيه أعداد الذين يفقدون أعمالهم وينضمون إلى فئة العاطلين. 


وعلى ذلك فقد اقترن التضخم بحالة من الركود وهبوط مستوى النشاط الاقتصادي وارتفاع معدلات البطالة

(سيد، 1983، ص 151).


وفي هذا السياق نستعرض أهم مظاهر الركود التضخمي

في غالبية دول أوروبا الغربية والولايات المتحدة، التي تعاني من ظاهرة الركود التضخمي


 ومن هذه المظاهر:


 1- تراجع معدلات النمو الاقتصادي :

يعتبر تدهور معدلات النمو الاقتصادي أحد أبرز وأهم المعالم التي ظهرت في البلدان الرأسمالية

التي أصيبت بالركود التضخمي منذ بداية السبعينات،

وكان هذا التدهور في معدلات النمو الاقتصادي واضحة وجلية

لأنه جاء في أعقاب سنوات طويلة من الانتعاش والازدهار اللامع، 

حيث حققت البلدان الرأسمالية معدلات مرتفعة وملحوظة في سنوات ما بعد الحرب العالمية الثانية

 وحتى بداية السبعينات،

انعكس هذا الارتفاع الكبير في معدلات النمو إلى زيادات واضحة في الإنتاج الصناعي

وتقدم ملحوظ في فنون الإنتاج،

وبالتالي تحولت الرأسمالية إلى دولة رفاه وإلى مجتمع للاستهلاك الوفير

(الشمري و البياتي، 2009، ص423).


ويعزى هذا الارتفاع والنمو الكبير في معدلات النمو

والذي رافقه تراجع كبير في معدلات البطالة والتضخم

الذي حققته دول أوروبا الغربية والولايات المتحدة

 إلى عدة عوامل وهي:        

(زکی، 1986، ص 70-72).

أ- التطور التكنولوجي الهائل الذي طرأ على فنون الإنتاج.

ب- استمرار تقسيم العمل الدولي لصالح الدول الرأسمالية الصناعية

على حساب الدول النامية.

ت- برنامج مارشال لإعادة الإعمار بعد الحرب، وما رافقه من زيادات ضخمة في وسائل

الإنتاج التي كانت قد مرت في الحرب، وأيضا زيادات كبيرة في إنتاج السلع

الاستهلاكية المعمرة

ث- انتعاش حركة التجارة الدولية، وخاصة في مجال تصدير رؤوس الأموال.

ج- توافر أعداد هائلة من العمالة الرخيصة سواء العمالة المحلية أو الوافدة من الدول النامية

ح- زيادة الإنفاق العام في المجال العسكري وفي مجال الضمان الاجتماعي.

 - الحصول على مستلزمات الطاقة وخاصة النفط بأسعار زهيدة جدا،

بسبب السيطرة على منابع النفط وعلى عمليات التنقيب عنه وإنتاجه.


إلا أن معدلات النمو الاقتصادي بدأت في التدهور في بداية السبعينات في معظم الدول المتقدمة،

 فعلى سبيل المثال 

انخفض معدل النمو الاقتصادي في اليابان من (9,9%)  في عام 1973 

ليصبح (1,8%) في عام 1974، ثم (1%) في عام 1975. 


وفي فرنسا انخفض معدل النمو الاقتصادي من (5,4%) ليصبح (3,1%) ثم (0,3%)

على التوالي لنفس السنوات،


 أما في إيطاليا فقد انخفض معدل النمو أيضا من (1 ,7%) ليصبح (5,4%) ثم (2,7%)

 على التوالي لنفس السنوات (عبادي، 2004، ص 119).



 2- تزايد الأسعار بشكل مستمر:

باتت ظاهرة التضخم من أكثر الظواهر الاقتصادية ارتباطا بالاقتصادات المتقدمة 

وذلك باختلاف مستويات نموها وتطورها الاقتصادي، 

وبدأت هذه الظاهرة بالتزايد في أعقاب الحرب العالمية الثانية 

واشتدت حديثا في السبعينات والثمانينات والتسعينات، 

وقد انعكست حدة التضخم العالمي في السبعينات بصورة خاصة،

من خلال الارتفاع المتواصل لأسعار الكثير من المواد الأولية، البترول والذهب والمعادن

وغيرها من المواد الغذائية والسلع والمنتجات النهائية،

ونصف المصنعة، والوسيطة و الاستهلاكية والرأسمالية

(السمان وآخرون، 2009، ص338).


وقد بدأت مرحلة تسارع ارتفاع الأسعار أولا في الولايات المتحدة الأمريكية 

ومن ثم امتدت لتشمل كافة أنحاء العالم الغربي، 

فتطور الأسعار في الدول الأوروبية، الذي كان قد بلغ معدله (3.6%)

خلال الأعوام 1960-1965، أصبح مضاعفا خلال العام 1972، 


هذا الميل باتجاه تسارع ارتفاع الأسعار توطد أكثر في العام 1973،

وتفاقم بعد ذلك في العام 1974، ومن ثم في العام 1980م،

وذلك تحت ضغط ارتفاع أسعار البترول عقب الأزمة النفطية الثانية 

(ملاك، 2000، ص 449).


فلقد بلغ معدل التضخم السنوي في الولايات المتحدة (10%) 

أما في اليابان فقد بلغ معدله (24.5 %) في العام 1974، 

وفي بريطانيا بلغ معدل التضخم في العام 1973 (9.1%)،

لكنه تضاعف إلى (16%) في العام 1974. 


وقد بلغ معدل التضخم في إيطاليا عام 1973 ما يقارب (10.8 %) 

ثم تضاعف أيضا إلى (19.1%) في العام 1974.



 أما فرنسا فقد بلغ معدل التضخم خلال العام 1973 إلى (7.3%)

في حين تضاعف المعدل إلى (13.7%) في العام 1974


وبالنظر إلى السنوات السابقة في عام 1973 

فسوف نلاحظ

 أن معدلات التضخم تضاعفت بشكل واضح في العام 1974 

(مرسي، 1980، ص 50).



 3- استمرار انخفاض معدل الربح: 


و يعتبر مدى التغير الذي يطرأ على معدل الربح على المدى الطويل


 هو العنصر الحاكم لحركة النظام الرأسمالي،

 فكلما كان معدل الربح مرتفعة بدرجة كافية 

كلما استمرت عمليات التراكم والتوسع الإنتاجي 

والعكس صحيح أيضا، 


ومن المعروف

 أن هناك مجموعة من العوامل التي تتحكم في تحديد معدل الربح، 

مثل 

معدل استغلال العمالة، ومدى اتساع الأسواق، والعلاقة بين رأس المال الثابت ورأس المال المتغير،

ومعدل دوران رأس المال، ومعدلات الضرائب المفروضة على أرباح الشركات،

ومعدل نمو الإنتاجية، والتغير في الفنون الإنتاجية

(الشمري والبياتي، 2009، ص419).


وفي هذا المجال تجدر الإشارة إلى 

أن هناك إجماع بين معظم مدارس الفكر الاقتصادي على حقيقة معين

ة تتعلق باتجاه معدل الربح على المدى الطويل،

 هذه الحقيقة أكدتها كل من المدرسة الكلاسيكية والمدرسة الماركسية و المدرسة الكينزية، 

وتتعلق هذه الحقيقة بأن هناك ميلا كامنا وطويل المدى لمعدل الربح نحو التناقص، 

وذلك على الرغم من الاختلاف الفكري الشائع في تبرير أسباب هذا الميل، 

وأيضا الاختلاف الحاد في المواقف الاجتماعية لهذه المدارس 

وقد أوضحت العديد من الدراسات التي أجريت في هذا المجال

 أن نصيب الأرباح من الناتج الصافي للشركات البريطانية قد انخفض

من (25.2%) في الفترة 1950-1954

إلى ما يقرب من النصف (12.1%) في عام 1970،


وفيما يتعلق بحالة الاقتصاد الأمريكي

 فقد أشار الاقتصادي أرنست ماندل (Ernest Mandel)

 إلى أن معدل الربح في الشركات الأمريكية غير المالية

 قد تعرض الهبوط واضح وطويل المدى خلال الفترة 1948 إلى 1973 

فقد انخفض هذا المعدل من (8.6%) في الفترة 1948-1950 إلى (5.4%) في العام 1973


(زكي، 1986، ص 17، 21، 22).



4- ارتفاع معدلات البطالة:

يتمثل السبب الرئيسي للبطالة في قصور الطلب الكلي، 

لذلك فإن المتغير الاقتصادي الهام 

الذي يمكن من خلاله التحكم في مستوى التوظيف بصورة فعالة

 هو مستوى الإنفاق الكلي، 


وبالتالي

 إذا كان مستوى الإنفاق الكلي منخفضا

 فإن إنتاج المنشآت من السلع والخدمات سوف يكون منخفضا هو الآخر، 

الأمر الذي ينعكس بالسلب على مستوى التوظيف،


 أما إذا كان مستوى الإنفاق مرتفعا 

فإن ذلك سوف يؤدي إلى زيادة الإنتاج بالنسبة للمنشآت من السلع والخدمات 

والذي ينعكس في النهاية على مستوى التوظف بشكل إيجابي (عمر، 1988، ص 152).


ومن المعروف تاريخيا

 أن التقلب في معدلات التوظف ومعدلات البطالة محكوم بالتقلبات الاقتصادية الدورية، 

فعندما تحدث الأزمة الدورية في النظام، 

يتحول بعدها اتجاه النشاط الاقتصادي نحو الركود، 

حيث تنخفض الأسعار، 

وتتراكم السلع وينخفض معدل الربح، 

وتزيد حركات الإفلاس، 

وترتفع نسب الطاقات المعطلة، 


وهنا يلجأ أصحاب الأعمال لمواجهة الموقف

 من خلال تخفيض أجور العمال وطرد عدد منهم خارج دائرة الإنتاج، 

وحين تصل مرحلة الركود إلى نهايتها،

 تبدأ مرحلة الانتعاش بالظهور،

 حيث تنتعش الأسواق، 

ويختفي المخزون السلعي، 

وترتفع الأسعار، 

وتتزايد الأرباح، 

ويتم تشغيل الطاقات المعطلة،

 ومن ثم يتزايد الطلب على العمال وبالتالي تنخفض معدلات البطالة،

 ويستمر الوضع كذلك إلى أن تصل مرحلة الازدهار إلى منتهاها،

 وعندئذ نصل إلى أزمة جديدة

 يتحول بعدها مسار النشاط الاقتصادي نحو الركود، 

وهكذا تبدأ دورة اقتصادية جديدة، 


ومن هنا نلاحظ 

أن مشكلة البطالة تعتبر ذات طبيعة دورية 

وذات صلة وثيقة بأحوال الدورة الاقتصادية،


 إلا أن الأمر أصبح مخالفا لما كان عليه الوضع من قبل

 حيث لم تعد مشكلة البطالة ذا طبيعة دورية قصيرة المدى،

 بل غدت في بداية السبعينات مشكلة هيكلية طويلة الأجل، 

بمعنى أنها أصبحت صفة لصيقة بخصائص الهيكل الاقتصادي المأزوم 

وما حدث به من تطورات جذرية (زكي، 1986، ص 39، 41).


فقد بلغ معدل البطالة في الولايات المتحدة عام 1980 (7%) من مجموع قوة العمل

 وهي أعلى نسبة وصلت إليها منذ عام 1975. 

وقد أدى إغلاق بعض المصانع وتشغيل بعضها نصف الوقت

 إلى زيادة معدل البطالة في الولايات المتحدة ليصل (9%) في عام 1982. 

ومنذ يوليو 1981 حتى إبريل 1982 فقد حوالي (2) مليون أمريكي وظائفهم. 


وفي بريطانيا ارتفعت نسبة البطالة بصورة كبيرة في شهر ديسمبر 1980 

حيث أعلن أن عدد العاطلين عن العمل قد زاد بشكل خطير، 


وقد أعلنت منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية في تقريرها نصف السنوي

 أن عدد العاطلين عن العمل في بريطانيا 

قد وصل إلى ثلاثة ملايين عاطل عن العمل في عام 1982 (سيد، 1983، ص 151).


5- تراجع معدلات نمو الإنتاجية:

يعتبر نمو الإنتاجية بصفة عامة  أحد أهم العوامل المفسرة للتقدم الاقتصادي

 الذي شهدته الدول الأوروبية الغربية والولايات المتحدة الأمريكية في الخمسينات والستينات، 

إلا أن ثمة تدهور ملموس قد حدث في نمو الإنتاجية في هذه الدول إبتداء من السبعينات، 

وعلى وجه التحديد عام 1973 

سواء كان ذلك على مستوى الاقتصاد القومي بكامله 

أو على مستوى الفروع الاقتصادية المختلفة، 

والذي زاد الأمر سوءا 

أن هذا التدهور أصبح يمثل اتجاه عاما في الأجل الطويل، 

وباتت قضية التدهور في نمو الإنتاجية في الآونة الأخيرة 

أحد القضايا المحورية للأبحاث العلمية والدراسات الأكاديمية، 

وضمن صلب هموم صانعي السياسة الاقتصادية

 فقد بلغ متوسط النمو السنوي للإنتاجية في المملكة المتحدة

 (الشمري والبياتي، 2009، ص 420).

(2.6%) خلال الفترة 1960- 1973

ثم انخفض إلى (0.5%) خلال الفترة 1974- 1979.


 وفي الولايات المتحدة 

بلغ متوسط النمو السنوي للإنتاجية (2.2 %) في الفترة 1960 - 1973

 لينخفض إلى (0.4%) خلال الفترة 1974- 1979.


أما في ألمانيا فقد بلغ متوسط النمو السنوي للإنتاجية (4.3%)

 ليصبح (3.1%) خلال نفس الفترات السابقة،


وفي الاجتماع الدولي 

الذي عقده خبراء منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية عام 1980، 

توصل المجتمعون إلى تحديد أهم العوامل الكامنة وراء ظاهرة تدهور نمو الإنتاجية، 

ومن هذه العوامل   (زكي، 1986، ص 37)

أ- تباطؤ النمو في ظهور المخترعات الجديدة.

ب- تراجع معدلات التكوين الرأسمالي.

ت- الانخفاض الذي حدث في مجال البحث والتطوير.

ث- التغيرات التي حدثت في هيكل العمالة.

ج- التضخم المرتفع وعلى وجه الخصوص بعد ارتفاع أسعار مواد الطاقة.

ح- التدهور الذي حدث في نمو الكثافة الرأسمالية لكل عامل موظف.


 6- انخفاض معدل تكوين رأس المال :


هناك اتفاق عام بين جميع الاقتصاديين على مختلف مدارسهم وانتماءاتهم المذهبية والفكرية، 

على أن تراكم رأس المال الذي يتحقق من عمليات الادخار والاستثمار، 

يعتبر المحرك الرئيسي والضروري لإحداث النمو المستمر، 

وذلك لكي يتوفر للنظام الرأسمالي دعائم الصحة والقوة. 

وإذا ما تعثرت عملية تراكم رأس المال، تمخضت عنها مشاكل عديدة،

 حيث ينخفض معدل النمو، وقد يسود الركود، وترتفع البطالة. 


وعليه فإن رأس المال في نمط الإنتاج الرأسمالي

 يجب أن يستمر في التوسع والنمو 

وإلا تعرض النظام برمته إلى أزمة اقتصادية،

 أي الحالة عدم التوازن العام (الشمري والبياتي، 2009، ص 420).


وقد استمر النظام الرأسمالي في تحقيق النمو المتراكم في رأس المال 

وخاصة بعد أحداث الكساد العظيم (1920-1933)، 

وبفضل ظهور أفكار (کینز) الجديدة

 التي تدعو إلى التدخل المكثف الجهاز الدولة في عمليات تكوين رأس المال 

والذي لعبت دورا محفزة في عمليات النمو والتوسع الإنتاجي خلال الخمسينات والستينات.

 إلا أن استمرار عمليات التراكم والنمو سرعان ما استنفذت فعاليتها في مواجهة الركود، 

وهو ما حدث عندما دخلت الرأسمالية مشارف السبعينات، 

ومنذ ذلك الوقت تعرضت عمليات التراكم في رأس المال إلى تراجع كبير (زكي، 1986، ص 31). 


7- تدهور معدلات استغلال الطاقة الإنتاجية:


إن ظهور الركود التضخمي في دول أوروبا الغربية والولايات المتحدة

 قد جاء في خضم تعطل كبير وواضح لمستويات الطاقة الإنتاجية، 

وذلك بسبب حالة الكساد التي ظهرت منذ بداية السبعينات، 

ولعل التعطل الذي أصاب جانبا مهما من الطاقات الإنتاجية 

يبدو واضحة إذا ما نظرنا إلى حالة القطاع الصناعي 

والذي يساهم بنسبة كبيرة في خلق فرص التوظيف وتوليد الدخل القومي،

 حيث بلغت الطاقة العاطلة في الصناعة في الولايات المتحدة (33.5%) في مايو عام 1975

 بعد أن كانت (17%) في 1973.


وأعلنت بنوك كبرى في الولايات المتحدة الأمريكية إفلاسها، 

مثل بنك فرانكلين وبنك أرنولد سميث،

 وكشفت ميزانية بنك تشيس منهاتن في عام 1975 

عن عجز بلغ (34) مليون دولار، 


كما أعلنت وزارة الاقتصاد في فرنسا 

أن إفلاس الشركات في عام 1974 قد زادت بنسبة (27%) 

عما كانت عليه في العام 1973 (مرسي، 1980، ص 49).


 8- نمو العجز في الموازنة العامة:

من المعروف عن حالة العجز أو الفائض في الموازنة

 أنها تسير وفقا لحركة الدورة الاقتصادية،


 ففي فترة الازدهار حينما ينتعش الدخل القومي 

ويتزايد مستوى الدخل والناتج والتوظف،

 تتزايد تبعا لذلك موارد الدولة من الضرائب المباشرة وغير المباشرة

 وهذا ما يؤدي بشكل طبيعي إلى اختفاء العجز في الموازنة أو ميله للتناقص.


 أما في فترة الكساد عندما ينخفض مستوى النشاط الاقتصادي 

ويقل مستوى الدخل والتوظف فمن المألوف أن يقل الفائض أو يظهر العجز، 


غير أن هذه الصورة أخذت تتطور في السبعينات 

حيث رافق ظاهرة الركود التضخمي في الدول الرأسمالية الصناعية 

وجود عجز مستمر في الموازنات العامة، 

وتلك ظاهرة حديثة العهد نسبيا لتلك الدول. 

ولم تعد القضية محصورة في وجود العجز، 

وإنما أصبح يتفاقم سنة بعد سنة. 

ويعزى هذا النمو المتزايد للعجز في الموازنات العامة

 لثلاثة أسباب رئيسة:


أ- لجوء الحكومات إلى سياسة التمويل بالعجز.

ب- ارتفاع النفقات العسكرية الباهظة. 

ت- تزايد دور الإنفاق الحكومي في النشاط الاقتصادي (الشمري والبياتي، 2099، ص422، 423).


يرى الباحث أن جميع مظاهر الركود التضخمي التي تم التطرق إليها

 تحمل في طياتها سمات ركودية أو سمات تضخمية

 إلا أنها في كلتا الحالتين سمات متداخلة مع بعضها البعض. 


وهذا يعني أن المشاكل الاقتصادية منذ بداية السبعينات

 لا سيما مشكلة الركود والتضخم 

لم تعد مثل السابق محكومة بالتقلبات الاقتصادية

 تظهر بظهور الدورة الاقتصادية وتختفي باختفائها. 


كما أن هذه التقلبات لم تعد مثل السابق أيضا 

حيث كانت أقصر أمدا وأقل حدة و عمقا،

 ومن ثم يمكن السيطرة عليها بسهولة. 


ولكن أصبحت منذ بداية السبعينات أطول زمنا وأكثر عمقا

 مما جعل من الصعوبة احتوائها والسيطرة عليها.



المبحث الثاني


 آراء المدارس الاقتصادية حول ظاهرة الركود التضخمي


 ثار جدل كبير بين مختلف المدارس الاقتصادية 

منذ ظهور الركود التضخمي في الاقتصاديات الرأسمالية الصناعية 

في أوائل السبعينات من القرن الماضي، 

وذلك في محاولة منهم لتفسير هذه الظاهرة 

التي تشكلت من تعايش كل من البطالة والتضخم في وقت واحد. 


وقد كانت قضية الركود التضخمي وما زالت إلى الآن 

على قمة قضايا الجدل الكبرى التي أثارها الاقتصاديون في الدول الرأسمالية الصناعية، 

وذلك بهدف بحثهم عن تفسيرات مقبولة ومعقولة من وجهة نظرهم

 لحقيقة هذه الظاهرة أو لواقع الأزمة المحتدمة في الاقتصاديات الرأسمالية. 


وفيما يلي استعراض لأراء أهم المدارس الاقتصادية

 التي حاولت تفسير ظاهرة الركود التضخمي، 

وذلك في ضوء نظرياتهم ومعتقداتهم الفكرية والاقتصادية:


أولا: تفسير ظاهرة الركود التضخمي بالنسبة للمدرسة النقدية ( Monetarism)


يعتبر الاقتصادي الأمريكي ميلتون فريدمان (Milton Friedman) 

مؤسس هذه المدرسة ومن أشهر أعلامها،

 ويطلق على هذه المدرسة أيضا اسم مدرسة شيكاغو، 

والتي تقوم على المذهب الاقتصادي النقدي المتشدد 

والذي لا يعترف بالتدخل الحكومي في النشاط الاقتصادي. 


وعليه فهذه المدرسة

 تنادي بترك الاقتصاد يتحدد من خلال آلية السوق، 

ومن أهم الأفكار التي تقوم عليها المدرسة النقدية 

هي التركيز على السياسة النقدية دون السياسة المالية، 

ويعبر فريدمان في دفاعه عن 

عدم كونه ومدرسته امتدادا للمذهب الكينزي، 

أن السمة الأساسية للاقتصاد الكينزي ذات نوعية نقدية أقل، 

وبما أن الاقتصاد الكينزي يعمل بشكل شامل مع منهج الدخل والإنفاق، 

فإنه يتجاهل الجانب النقدي 

أو على الأقل يتعامل مع تقلبات عرض النقد على أساس تكيفي (تبعا للسياسة المالية)،

 أي تقليل دور السياسة النقدية لصالح السياسة المالية

 (Hunt and Mark, 2011, p479). 


ويرجع النقديون السبب الرئيسي للركود التضخمي

 الذي أصاب دول أوروبا الغربية والولايات المتحدة في السبعينات 

إلى السياسات النقدية والمالية التوسعية التي اتبعتها حكومات تلك الدول، 

وذلك في ضوء الدعوات التي نادت بها المدرسة الكينزية 

والتي تهدف إلى زيادة الطلب الكلي ومقاومة الكساد، 

ويري النقديون

 أن هذه السياسات التوسعية قد نجم عنها تسارع في معدلات التضخم، 

وعندما لجأت حكومات تلك الدول إلى إبطاء هذا التسارع 

كانت النتيجة الحتمية 

هي ارتفاع معدلات البطالة مع بقاء معدلات التضخم عند مستويات مرتفعة أيضا، 

ويرى فريدمان 

أن التزامن في كل من المعدلات المرتفعة للتضخم والبطالة 

يرجع بالأساس إلى

 تزامن كل من المعدلات المرتفعة للنمو في المعروض النقدي وسعر الفائدة

وذلك على النحو التالي:

 يعتقد فريدمان 

أنه ليس بمقدور السلطات النقدية

 تثبيت سعر الفائدة عند مستوى منخفض سوی لفترة محدودة جدا، 

فإذا ما لجأت السلطة النقدية إلى تثبيت سعر الفائدة عند مستوى منخفض، 

سوف تضطر إلى ذلك 

من خلال توسيع مشترياتها من الأوراق المالية في السوق المفتوحة، 

وهذا يؤدي إلى رفع أسعار تلك الأوراق وتخفيض عوائدها، 

وهذه العملية أيضا 

تؤدي إلى زيادة حجم الاحتياطات النقدية المتاحة للبنوك، 

ومن ثم زيادة حجم الائتمان المصرفي الممنوح، 

وفي النهاية زيادة إجمالي كمية المعروض النقدي، 

وفي نفس الوقت يتجه سعر الفائدة نحو الانخفاض. 


ويرى فريدمان 

أن الزيادة الأولية في حجم المعروض النقدي

 بمعدل أسرع 

من إبقاء أسعار الفائدة عند مستوى أقل 

ليس إلا بداية العملية وليس النهاية،


 حيث أن المعدل السريع للنمو النقدي سيحفز الإنفاق 

سواء من خلال زيادة الإنفاق الاستثماري بسبب انخفاض أسعار الفائدة في السوق،

 أو من خلال التأثير على الأنواع الأخرى للإنفاق. 


وسوف يترتب على الزيادة في الإنفاق 

الزيادة في كل من الدخول النقدية 

بسبب 

الزيادة في الناتج، 

والزيادة في المستوى العام للأسعار، 

والزيادة في تفضيل السيولة. 


هذه الآثار الثلاثة حسب رأي فريدمان 

سوف تشكل ضغوط تصاعدية على أسعار الفائدة. 

ويقرر فريدمان 

أن استمرار السلطة النقدية

 باتباع سياسة تخفيض سعر الفائدة إلى ما دون المعدل الطبيعي 

الذي يتحدد وفقا لظروف قوى العرض والطلب 

ودون أي تدخل من قبل السلطة النقدية، 

سوف يترتب عليه 

معدلات مرتفعة للتوسع النقدي،

 ومن ثم زيادة المستوى العام للأسعار، 

والذي يؤدي في النهاية إلى زيادة معدلات أسعار الفائدة. 


هذه الآثار السابقة هي التي تفسر حسب رأي فريدمان 

تزامن كل من المعدلات العالية للنمو النقدي وأسعار الفائدة

 (7- Friedman, 1968, p5).


 أما فيما يتعلق بتزامن المعدلات العالية للبطالة والتضخم 

يبدأ فريدمان تحليله أولا بالتعليق على منحنى فيليبس، 


حيث يرى فريدمان

 أن الاقتصادي فيليبس (Philips)

بالرغم من أنه أضاف مساهمة كبيرة في الاقتصاد 

من خلال تحليل العلاقة بين البطالة والأجور،

 إلا أن هذا التحليل يحتوي على عيب أساسي 

وهو الفشل في التمييز بين الأجور الاسمية والأجور الحقيقية، 


كما فشل الاقتصادي ويكسل (Kent Wiksell) 

في التمييز بين أسعار الفائدة الاسمية وأسعار الفائدة الحقيقية، 


ثم يواصل فريدمان تحليله

 بأن السلطة النقدية

 لا يمكنها الحفاظ على السعر السوقي للفائدة أقل من معدله الطبيعي

 إلا من خلال تسارع معدلات التضخم، 

وبالتالي 

فإن السلطة النقدية 

لا يمكنها تخفيض معدل البطالة سوى لفترة محدودة جدا، 


ويرى فريدمان 

أنه في أي لحظة من الزمن

 يوجد مستوى معين للبطالة يتفق مع هيكل الأجر الحقيقي السائد، 

وعند هذا المعدل

 يتجه متوسط الأجور الحقيقية في الاقتصاد

 إلى الزيادة بالمعدل العادي، 

وهو ذلك المعدل 

الذي يمكن أن يسود في ظل ثبات الاتجاه الطويل الأجل 

بالتكوين الرأسمالي والتطور التكنولوجي، 

وقد أطلق فريدمان على هذا المعدل البطالة

 اصطلاح المعدل الطبيعي للبطالة

Friedman, 1977, p475) The natural rate of unemployment)


ويرى فريدمان

 أن أي محاولة من قبل السلطة النقدية

 لتخفيض معدل البطالة عن معدله الطبيعي

 سوف يؤدي إلى ارتفاع معدل التضخم، 

وعودة البطالة مرة أخرى إلى معدلها الطبيعي. 


فإذا ما عمدت السلطة النقدية

 إلى تخفيض معدل البطالة عن المعدل الطبيعي

 فيجب عليها أن تقوم بزيادة معدل النمو النقدي،

 وسوف يؤدي ذلك إلى تخفيض معدل الفائدة 

وهذا بدوره يؤدي إلى تحفيز الإنفاق والدخل، 

وفي البداية

 فإن معظم الزيادة في الدخل 

سوف تأخذ شكل زيادة في الإنتاج والتوظف

 بدلا من الزيادة في الأسعار، 

ومن ثم زيادة الطلب الكلي،

 وتبعا لذلك سيميل المنتجون إلى التفاعل مع التوسع الأولي في الطلب الكلي 

من خلال زيادة الإنتاج والتوظف، 

سواء من خلال العمل لساعات أطول 

أو من خلال حصول العاطلين عن العمل على وظائف جديدة بالأجور الاسمية السابقة.

 وهذا يعني


 أن العمال

 قاموا بتنظيم ضمني للأجور المقدمة لهم

 من خلال أسعار المنتجات السابقة، 

وذلك اعتقادا منهم 

بأن الأسعار سوف تبقى مستقرة 

وعليه فهم يتوقعون

 بأن أجورهم الحقيقية سوف ترتفع في المستقبل في ظل استقرار الأسعار. 


أما أصحاب العمل 

فيتوقعون اتجاه الأجور الحقيقية نحو الانخفاض 

بسبب اتجاه أسعار منتجاتهم نحو الارتفاع 

وهذا ما يدفعهم إلى زيادة الطلب على العمل. 


والنتيجة الحتمية لذلك هي المزيد من الناتج والتوظيف،

 وبالتالي يتجه مستوى البطالة إلى الانخفاض. 


ولكن على عكس ما يتوقع العمال 

فإن معدلات التضخم سوف ترتفع بسبب زيادة الأسعار النسبية، 

وهو ما يعني أن الأجر الحقيقي لم يرتفع كما كان متوقعا منذ البداية،

 بل أن الأجر الحقيقي قد تدهور 

نظرا لارتفاع أسعار المنتجات بدرجة أسرع من ارتفاع أسعار عوامل الإنتاج، 

وعليه يعود معدل البطالة إلى مستواه السابق 

وهو المعدل الطبيعي للبطالة عند الأجر الحقيقي السائد، 

ولكن عند معدل مرتفع للتضخم، 


وتؤدي أي محاولة من قبل السلطة النقدية 

للعودة بمستوى البطالة إلى معدله الطبيعي إلى ارتفاع في معدل التضخم. 

وهذا يعني أنه لا توجد علاقة تبادلية دائمة بين التضخم والبطالة 

وإنما فقط علاقة مؤقتة وفي الأجل القصير، 


وعليه يؤكد النقديون 

أن هذا الارتفاع بمعدل التضخم يؤدي إلى البطالة في الأجل الطويل، 

فهذا الارتفاع في معدل التضخم 

سوف يدفع السلطة النقدية مرة أخرى إلى محاولة تخفيضه 

وخاصة عندما يصل إلى معدلات غير مقبولة، 

وذلك باتباع سياسة انكماشية

 مع ما سوف يترتب على اتباع هذه السياسة من ارتفاع في معدلات البطالة

 (400-Friedman, 1984, p397).


فإذا ما عمدت السلطة النقدية 

إلى اتباع مبدأ التدرج في تطبيق السياسة الانكماشية لتخفيض معدل التضخم، 

فإن ذلك سوف يؤدي إلى زيادة معدل البطالة عن المعدل الطبيعي، 

ويتوقف حجم الزيادة في البطالة 

على درجة الانخفاض في معدل التضخم الفعلي


 كالتالي:


1- إذا كان الانخفاض في معدل التضخم الفعلي يتم ببطئ، 

فسيؤدي ذلك إلى

 وجود فجوة صغيرة بين المعدلات الفعلية والمتوقعة للتضخم، 

مما يجعل الزيادة في معدل البطالة أقل من المعدل الطبيعي.


 2- أما إذا كان الانخفاض في معدل التضخم الفعلي كبير،

 فسيؤدي ذلك إلى وجود فجوة كبيرة بين المعدلات الفعلية والمتوقعة للتضخم، 

مما يجعل الزيادة في معدل البطالة أكبر من المعدل الطبيعي

 ( Friedman, 1977, p11) 


يرى الباحث

 أن الاقتصادي ميلتون فريدمان

 في سياق تحليله لتفسير ظاهرة الركود التضخمي 

قد قدم إضافات جديدة وقيمة للنظرية الاقتصادية، 

حيث أشار فريدمان إلى 

أن السبب الرئيسي وراء حدوث ظاهرة الركود التضخمي في الدول الرأسمالية الصناعية

 تكمن في التضارب في السياسة الاقتصادية التي اتبعتها تلك الدول في السبعينات،

 إلا أن فريدمان لم يتطرق بتاتا إلى مصدر ذلك التضارب 

وإنما اكتفى بالحديث عن وجود تضارب في السياسة الاقتصادية، 

وهذا يعتبر كما هو معروف قصور في عملية التحليل الاقتصادي، 

إذ لابد من توضيح وشرح مصدر هذا التضارب 

التي أدت بدورها إلى إحداث الركود التضخمي، 

وذلك للوقوف على الأسباب الحقيقية لتلك الظاهرة الفريدة من نوعها.



ثانيا: تفسير ظاهرة الركود التضخمي

 بالنسبة لمدرسة اقتصاديات جانب العرض.(Supply-side economic)

تم انتقاد الأفكار الكينزية

 التي تعتمد بشكل أساسي على الطلب الكلي، 

فمن المعروف أن كينز

 قد توصل إلى 

أن مستوى التوظف والدخل القومي يعتمد على مستوى الطلب الكلي


 وبالتالي تؤدي الزيادة في المعروض النقدي والعجز في الموازنة العامة

 إلى تحفيز الطلب الكلي وهذا يؤدي إلى زيادة مستوى الناتج والتوظف، 


ويقرر أصحاب هذه المدرسة 

أن كينز قد أهمل كلية العرض الكلى. 

ولذلك غرف منتقدوها باقتصاديي جانب العرض، 


ويعتقد أصحاب هذه المدرسة 

أن التحليل الكينزي وإن كان ملائما لأحداث الثلاثينات 

إلا أنه ليس كذلك 

في ضوء التعايش كل من التضخم والبطالة في الاقتصاد الغربي منذ السبعينات، 


ولهذا فهم يرون 

أنه من الخطأ التركيز على جانب الطلب الكلى، 

وأن أفضل طريقة لتحسين الأداء الاقتصادي بالدول الرأسمالية الصناعية 

هو اتخاذ سياسات مهمة لزيادة العرض الكلي من السلع والخدمات 

(أبدجمان، 1988، ص342).

وفي محاولة أنصار هذه المدرسة تفسير ظاهرة الركود التضخمي، 

إلا أن اجتهادهم في هذا المجال لم يضف أي جديد، 

وذلك لأنهم متفقون تماما مع المدرسة النقدية

 في أن التضخم ظاهرة نقدية بحتة، 

فحسب رأيهم 

أن التضخم ما هو إلا إفراط في عرض النقود بصورة لا تتناسب مع النمو الاقتصادي. 

وفي هذا الخصوص

 يؤكد جورج جيلدر (G.F.Gilder) 

و هو أحد رواد هذه المدرسة

 أن أي نمو في عرض النقود يفوق الزيادة في الإنتاجية 

سيتسبب في النهاية في رفع الأسعار وهبوط قيمة النقود. 

بالإضافة إلى ذلك فهم يشيرون إلى فكرة جديدة، 

وهي أن الضرائب المرتفعة تعد سببا أساسيا من أسباب التضخم،

 فالضرائب في رأيهم يجب النظر إليها على أساس أنها تكاليف، 

وعندما ترتفع التكاليف تنخفض الأرباح 

ويصاب الموردون بالفشل ويهبط الإنتاج 

في حين يبقى الطلب مستمرة 

وبالتالي ترتفع أسعار السلع. 


وعليه فإن أنصار هذه المدرسة

 يؤيدون التخفيضات الحادة في معدلات الضرائب

 التي يعتقدون أنها تقدم حافزا كبيرا للعمل والادخار والاستثمار، 


ولقد قامت اقتصاديات جانب العرض على وجهة النظر القائلة 

أن الضرائب تدق إسفينا 

بين الأثمان التي يجب أن يدفعها المشترون 

والأثمان التي يتقاضاها البائعون. 


وما يمكن ملاحظته

 أن أصحاب هذه المدرسة

 لا يفترضون وجود علاقة عكسية بين البطالة والتضخم 

لا في الأجل القصير ولا في الأجل الطويل، 

مما يعني 

أن السياسات التوسعية لن تتمكن من تخفيض معدل البطالة في الأجل الطويل 

(زكي، 1996، ص 60، 61).

وتجدر الإشارة في هذا السياق 

أن من بين أكثر الجوانب التي ركزت عليها مدرسة اقتصاديات جانب العرض 

في مجال الضرائب هي تخفيض معدلات الضرائب على الدخل ورأس المال، 

وذلك لما لها من آثار إيجابية في تحفيز العمل والادخار والاستثمار،


 لذلك حظيت مدرسة جانب العرض 

باهتمام كبير في عهد الرئيس الأمريكي ريغان R.W.Reagan)،

 حيث تضمنت الميزانية المقدمة للكونجرس الأمريكي في (18) فبراير عام 1981

 وصفات أساسية الاقتصاديين جانب العرض 

والتي تجسد الكثير من سياسات جانب العرض، 

وعلى هذا الأساس تضمنت خطة ريغان للإنعاش الاقتصادي 

برنامجا من أربع نقاط رئيسية 

وهي: 

تخفيض معدلات الضرائب، 

وتخفيض نمو النفقات الحكومية، 

وتشجيع القيود النقدية، 

وتخفيف الأعباء القانونية التنظيمية على قطاع الأعمال

 (3-Cleaver, 1981, p1).


 ويؤكد اقتصاديو هذه المدرسة 

أن من أهم السمات الأساسية لقانون الانتعاش الاقتصادي 

أنه أدى إلى زيادة المكاسب الرأسمالية بنسبة (25%) 

وذلك من خلال

 تخفيض معدلات الضرائب الشخصية 

وزيادة الإعفاءات بعيدة المدى على مكاسب رأس المال،


 كما وتضمن القانون أيضا 

خطة لمعاشات التقاعد الشخصية 

والتي أطلق عليها حساب التقاعد الفردي 

والذي بموجبه لا يتم دفع أية ضرائب على هذه المساهمات 

مما يسمح لغالبية المواطنين بالادخار. 


وبالنسبة للشركات فقد تضمن القانون 

تخفيض جداول الإهلاك المتسارع 

والتي خفضت بدورها تكلفة الاستثمار في المشاريع والمعدات 

ومن ثم زيادة الاستثمار في مجال البحث والتطوير

.(Feldstein, 1986, p3)


ويقترح أنصار مدرسة اقتصاديات جانب العرض 

في سبيل القضاء على مشكلة الركود التضخمي 

ما يلي 

(عوض، 2002م، ص 48)

 1- تخفيض نطاق التدخل الحكومي في النشاط الاقتصادي 

عن طريق خفض الإنفاق العام الممول بالإصدار النقدي الجديد،

 بهدف محاربة التضخم.


 2- إفساح الحرية لقوى العرض والطلب في تحديد التوازن في سوق العمل، 

    وعدم تدخل الحكومة من خلال وضع حد أدنى للأجور.


 3- إنهاء أو تخفيض المبالغ التي تنفقها الحكومة كتعويض للعاطلين.


 4- تخفيض معدل الضريبة المصحوب بسياسة نقدية انكماشية لمحاربة التضخم.


 5- تخفيض معدلات الضرائب المفروضة على الأرباح 

    لتحفيز الاستثمار دون الاستهلاك

   بهدف زيادة الإنتاجية ومن ثم الدخل والتوظف.



ثالثا: تفسير ظاهرة الركود التضخمي بالنسبة لمدرسة التوقعات الرشيدة

(Rational Expectation)

ترجع جذور هذه المدرسة إلى التيار النيوكلاسيكي، 

والذي يدافع بصرامة عن قوانين الاقتصاد الحر، 

ويرفض تدخل الحكومات في النشاط الاقتصادي، 

كما ينتقد تزمت نقابات العمال وإصرارها المستمر على زيادة الأجور، 

كما ويركز هذا التيار على ضرورة سيادة المنافسة الكاملة 

وضرورة توفر المرونة التامة لتغيرات الأسعار والأجور 

وأهمية ذلك في تحقيق الاستخدام الأمثل للموارد، 


وينطلق أنصار هذه المدرسة من فرض بسيط 

يقوم بالأساس

 على نظرية توازن المستهلك وتوازن المنتج في التحليل الاقتصادي، 

حيث يتحدد سلوك أي وحدة اقتصادية في المجتمع 

سواء كانت منتجة أو مستهلكة، بائعة أو مشترية، مدخرة أو مستثمرة، 

على أساس أن تحصل على أفضل النتائج في ظل ما تمتلكه من موارد،

 وبالتالي يفترض 

أن هناك رشدا في السلوك 

يدفع الإنسان إلى تعظيم المنافع إلى أقصى حد ممكن، 

والعمل على تقليل الخسائر إلى أدنى حد ممكن 

(زكي، 1996، ص 71، 72).

كما أسست مدرسة التوقعات الرشيدة صرحها على افتراضين أساسيين:

 (العبيدي، 2012، ص154، 156) |

1- أن الأفراد يقومون بأفضل استخدام ممكن لمعلوماتهم المحدودة.

 2- مرونة الأسعار والأجور.

إن هذين الافتراضين يشكلان جوهر التوقعات الرشيدة، 


حيث تنص الفرضية الأولى 

على أن الأفراد يقومون باختياراتهم العقلانية، 

وتعمل قراراتهم على أساس أفضل المعلومات المتوفرة 

وتتشكل توقعاتهم باستخدام آخر البيانات المتاحة والدراية التامة بالنظرية الاقتصادية.


أما الافتراض الثاني فهو ينص 

على أن مرونة الأسعار والأجور كافية 

لضمان مساواة العرض والطلب في كل الأسواق، 

وأنه عند أي مستوى للمدخلات والمخرجات

 تتحرك الأسعار والأجور بسرعة التوازن العرض بالطلب،

 لذلك فهم يفترضون أن حالة الأسواق هي دائما في توازن.


وقد قدمت نظرية التوقعات الرشيدة ثلاثة تطبيقات هامة في الاقتصاد الكلي: 

(أبدجمان، 1988، ص 338، 339).


 1- إن النماذج القياسية ليست ذات نفع كبير في تقويم السياسة الاقتصادية البديلة، 

حيث يرى أنصار هذه المدرسة أن النفع من هذه النماذج في أحسن الأحوال محدود 

وذلك لأن معلمات النماذج تتغير عند طرح سیاسات جديدة، 

ويدعون

 بأن تصرفات قطاعي الأعمال والعائلي 

تقوم جزئيا على السياسات النقدية والمالية المؤثرة في الفترة التي نحن بصددها.


2- إن السياسة المالية والنقدية المرنة

 لا يمكن أن تستخدم لتحقيق الاستقرار الاقتصادي،


فعلى سبيل المثال

 إذا ما توقع قطاعي الأعمال والعائلي زيادة الإنفاق (سياسة مالية) 

فطبقا لنظرية التوقعات الرشيدة 

فإن آثار هذه الزيادة سوف تنعكس على الأجور النقدية والأسعار بالزيادة،

 في حين يبقى الناتج والتوظف على حالها.


 3- لا يوجد تبادل بين البطالة والتضخم لا في الأجل القصير ولا في الأجل الطويل 

وفي هذا الصدد وجه أنصار مدرسة التوقعات الرشيدة عدة انتقادات لمنحنى فيليبس

 وهي:   (الجنابي، 2010، ص107).


 أ- اعتماده على التوقعات الساكنة أو التكيفية 

التي لا تسمح للخبراء باستخدام المعلومات على النحو الأمثل

 إضافة إلى كونها غير دقيقة في تشكيل التوقعات.


 ب- عدم وجود نظرية صريحة تحدد الحد الأدنى الممكن للبطالة. 

ليس هناك مفهوم واضح 

عند أي مستوى تكون البطالة متفقة مع التوازن في سوق العمل.


 ث-اعتماد المنحنى على علاقة إحصائية بحتة.


ويعتبر أنصار هذه المدرسة

 أن ظاهرة الركود التضخمي واحدة من الأسباب التي أدت إلى انهيار النموذج الكينزي في السبعينات، وفرصة مواتية لإعادة بناء النموذج الكلاسيكي الجديد المبني على الأفكار المنطقية التي تقوم عليها فرضية التوقعات الرشيدة (Goutsmedt, 2016, p2). 


وهكذا أرجعت مدرسة التوقعات الرشيدة

 مشكلة الركود التضخمي إلى المفاجآت السعرية التي تحدث في الاقتصاد 

والتي تعني انحراف السعر الواقعي عن السعر المتوقع، 

وهذا الانحراف في الأسعار يحدث

 إما بسبب مفاجآت السياسة غير المتوقعة 

أو بسبب صدامات العرض والطلب.


 فمفاجأة السياسة هي عبارة عن صدمة طلب ناجمة عن السياسة النقدية والمالية المرتقبة 

أما صدمات الطلب والعرض فهي تغيرات غير متوقعة في الطلب والعرض الكليين

( عبادي، 2004، ص 115).

وتفسر هذه المدرسة التضخم 

على أنه يحدث من خلال اختلاف الاستثمار المخطط عن الادخار المحقق، 

فلو زاد الاستثمار المخطط عن الادخار المتحقق 

فإن ذلك يعني أن الطلب الكلي أكبر من العرض الكلي، 

ولهذا تميل الأسعار نحو الارتفاع. 


ويؤكد أنصار هذه المدرسة 

أن مستوى الأسعار المتحقق في فترة زمنية معينة 

إنما يتأثر بالتوقعات السعرية لكل من المنتجين والمستهلكين، 

وإن هذه التوقعات تكون سليمة و غير باعثة على الاضطراب

 إذا كانت مبنية على معلومات صحيحة 

(سليمان، 2002، ص 94).



رابعا: تفسير ظاهرة الركود التضخمي بالنسبة للكنزيين المحدثين (Neo-Keynesians) 


بعد الهجوم العنيف الذي وقع على النموذج التقليدي للمدرسة الكينزية 

من قبل المدرسة النقدية والمدرسة الكلاسيكية الحديثة (النيوكلاسيك) في السبعينات، 

وخاصة

 بعد ظهور الركود التضخمي في الاقتصاديات الرأسمالية، 

وبعد سيادة النموذج التحليلي الذي جاءت به المدرسة النقدية

 والذي أفترض له في ذلك الوقت

 أن يكون البديل التحليلي للنموذج الكينزي،


 إلا أنه في الواقع لم يستطع أن يعلو ليبلغ به المقام درجة كافية

 حتى يمثل تهديدا مباشرة للفكر الكينزي،


 فقد دفع كل ذلك المدرسة الكينزية 

إلى إجراء مراجعة عامة للنموذج الكينزي الضعيف

 لأسلوب الأجور والأسعار في التكيف،

 والذي يستند إلى نموذج فيليبس في صيغته البسيطة 

ليأخذ بعين الاعتبار تأثير التوقعات التضخمية،

 وكذلك الصدمات المتأتية من جانب العرض الكلي،


 وعندما تحقق للنموذج الكينزي بلوغ هذا الهدف، 

حيث تم تعديل منحنى فيلبس على هذا الأساس،

 بدا واضحا أن هذا النموذج قد أصبح أقرب للواقع،

 وأقدر على تفسير التقلبات الاقتصادية

 (الدباغ، 2007، ص 379).


ويرى مفكرو هذه المدرسة وعلى رأسهم

 فرانكو موديلياني (Franco Modigliani)

 وجيمس تويين (James Tobin)


 أن النظام الاقتصادي يتجه إلى عدم الاستقرار

 وأن هذا النظام من الممكن أن يصحح نفسه من الركود

 إلا أن إجراءات التصحيح تستغرق وقتا طويلا

 بحيث أنها تصبح غير مقبولة من الناحية السياسية والاجتماعية،


 لذلك يقترح أنصار هذه المدرسة

 بضرورة التدخل الحكومي

 وذلك باتباع السياسة المالية التوسعية والسياسة النقدية التوسعية أيضا

 لحل مشكلة البطالة.


 وعلى عكس المدرسة النقدية

 يعتقد هؤلاء 

أنه لا توجد علاقة وطيدة بين النمو النقدي والتضخم في الأجل القصير،

 وذلك لأن زيادة عرض النقود

 إنما هي أحد العوامل المؤثرة في الطلب الكلى

 (خليل، 1994، ص 93).


فالسياسة النقدية المتبعة من قبل السلطة النقدية

 والتي تهدف إلى تخفيض التضخم من خلال تخفيض الطلب الكلي

 تعتبر سياسة مرتفعة التكاليف

 وذلك من حيث تأثيرها العكسي على الإنتاج والتوظف،

 في حين أنها لا تمارس أي تأثير على معدل التضخم من ناحية النفقات

.(Modigliani, 1977, p32)


وبناء على ما سبق

 يرى الكينزيون المحدثون

 أن مشكلة التضخم الركودي التي أصابت الاقتصاد الرأسمالي

 تقع في المقام الأول على عاتق الدولة

 وذلك بسبب عدم اتباع سياسات ملائمة وقت حدوث الأزمة،


 حيث أن التضخم الذي تعرضت له الدول الرأسمالية في السبعينات

 لم يكن مصدره اتباع سياسة نقدية متساهلة كما يعتقد النقديون والنيوكلاسيك،

 و إنما كان مصدره ارتفاع أسعار مدخلات الإنتاج الخاصة بالمشروعات،

 بسبب 

النمو السريع في الإنتاج الصناعي،

 وارتفاع أسعار البترول الشديد في عام 1973،

 بالإضافة إلى إصرار نقابات العمال على زيادة الأجور النقدية،

 وأمام هذا الارتفاع الحاد في معدلات التضخم

 لجأت الحكومات الغربية إلى سياسات نقدية انكماشية،

 وهذه السياسات لم تكن متوافقة مع الواقع

 لما لها من تأثير مثبط على الاستثمار والإنتاج 

(عوض، 2002، ص 42).



خامسا: تفسير ظاهرة الركود التضخمي بالنسبة للمدرسة المؤسسية (Institutionalism)

تعتبر المدرسة المؤسسية أحد مدارس الاقتصاد المعاصر، 

والتي رفضت النظريات التي يقوم عليها 

الاقتصاد الكلاسيكي الجديد (المعروف بإسم نظرية الاقتصاد الجزئي)

 والاقتصاد الكينزي (المعروف باسم نظرية الاقتصاد الكلي)

 وذلك لتركيزهم على دراسة نظريات تقليدية 

کالادخار والاستثمار والدخل ومعدلات البطالة والتضخم والإنتاجية والتقدم التكنولوجي،

 ودراسة العلاقات القائمة بينها لتحديد آثارها على النمو الاقتصادي والتوازن العام.


 في حين ركز أنصار هذه المدرسة 

على دراسة أنماط الهيمنة الاجتماعية والسياسية والاقتصادية

 التي يمارسها الأفراد الأثرياء والأقوياء في المجتمع الرأسمالي،


 ويسعى الاقتصاديون المؤسسون

 لفهم أكثر من العمل البسيط للعرض والطلب في السوق،

 فهم مهتمون بتطور المجتمع بأكمله،

 ويقومون بفحص الأسس المؤسسية التي تشكل القوة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية،

 ومدى تأثير هذه القوة على الاقتصاد والسوق

 (Hunt and Mark, 2001, p 593). 

وفي إطار تفسير المدرسة المؤسسية لظاهرة الركود التضخمي، 

ترى هذه المدرسة 

أن هذه الظاهرة نشأت في الاقتصاد الرأسمالي

 نتيجة وجود قوتين (أو مؤسستين)، 

تعتبر مسئولة عن إحداث هذه الظاهرة،

 وهما قوة الاحتكارات وقوة النقابات العمالية،


 وفيما يتعلق بالقوة الأولى

 يرى جون كنث جالبريث (J.K.Galbraith)

أحد رواد هذه المدرسة 

ضرورة التفرقة بين قطاعين،

 القطاع الأول 

قطاع المنتجين والذي يوجد به عدد كبير من المنتجين مثل (القطاع الزراعي).

والذي يخضع نوعا ما لظروف المنافسة الكاملة،

 بحيث لا يستطيع منتج واحد أن يؤثر في الأسعار السائدة في السوق.

 أما القطاع الثاني

 فهو قطاع تنافس القلة (مثل قطاع الصناعات التحويلية)،

 والذي يتألف من عدد صغير من الشركات الإنتاجية الضخمة،

 والتي تستطيع أن تتحكم في تحديد السعر 

وذلك لما لها من تأثير على جانب العرض،

 إذ أن لهذه الشركات الضخمة إستراتيجيات سعرية خاصة بها،


 وبناء على ما سبق يخلص جالبريث إلى نتيجة معينة، 

وهي أن القوى التي كانت تعمل في الماضي

 وتعزز الاتجاهات نحو هبوط الأسعار، 

كما هو الحال في المنافسة الكاملة قد تعطل مفعولها،

 وذلك نظرا للطبيعة الاحتكارية التي تمارسها المؤسسات الكبيرة 

والتي لديها القدرة على رفع الأسعار 

بالرغم من النمو الذي يحدث في إنتاجية العمل

 (زكي، 1996، ص 76).


أما بالنسبة للقوة الثانية 

المسؤولة عن تفسير الركود التضخمي،

 وهي قوة النقابات العمالية

 يرى جاليريت 

أن ارتفاع أسعار السلع والخدمات يؤدي إلى انخفاض الأجور الحقيقية للعاملين،

 مما يدفع العمال من خلال نقاباتهم إلى فرض زيادات في الأجور

 لتعويض الانخفاض المسبق الحاصل في أجورهم الحقيقية،


 ومن ثم تقوم المؤسسات لما لها من قوة احتكارية

 بنقل عبئ هذه الزيادة في الأجور إلى الأسعار مرة أخرى،

 وهذا ما يطلق عليه بالحركة التراكمية للأجور والأسعار

 (عبادي، 2000، ص 115).


آراء المدارس الاقتصادية حول ظاهرة الركود التضخمي



يرى الباحث


 وجود اختلاف جوهري وعميق

 في آراء المدارس الاقتصادية حول ظاهرة الركود التضخمي

 فمنهم من ينظر إلى هذه الظاهرة على أنها مسألة نقدية

 والآخر يعزوها على أنها مسألة مالية

 والبعض يرجعها إلى مشكلة هيكلية،


 كما وقد اختلفوا في سبل حلها 

فمنهم من نادي إلى عدم تدخل الدولة في النشاط الاقتصادي

وبعضهم الآخر يدعو إلى ضرورة تدخل الدولة في النشاط الاقتصادي،

 

وهذا الاختلاف في الآراء 

هو بالفعل ما عهدناه في هذه المدارس على مر التاريخ الاقتصادي،

 حيث أنها لم تتفق فيما بينها،

 ولا على أي نظرية اقتصادية سواء على المستوى الكلي أو الجزئي.


 فلطالما سادت بين هذه المدارس الاقتصادية صراعات فكرية حادة

 أشبه ما تكون بمصارعة السومو اليابانية،

 وذلك في محاولة لكل منها للدفاع عن أفكارها ومبادئها الاقتصادية،

 لذلك حاولت كل مدرسة من هذه المدارس الاقتصادية

 أن تضع ظاهرة الركود التضخمي في قالب من مبادئها ومعتقداتها التي تؤمن بها وتدافع عنها.

 ولذلك لم تتوصل أي من هذه المدارس إلى نتيجة مهمة 

توضح السبب الحقيقي وراء ظاهرة الركود التضخمي 

وبقيت تلك الظاهرة عالقة إلى الآن

 لا تجد تفسيرا منطقيا و مفصليا لها.



http://www.alazhar.edu.ps/arabic/He/files/20154527.pdf


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق