مظهر محمد صالح
الحوار المتمدن-العدد: 6767 - 2020 / 12 / 21 - 22:27
١-لم اجد ما يشير ان العجز في الموازنة العامة الاتحادية ٢٠٢١ سيتم تمويله بالكامل
مالم تتوافر الأدوات (الجراحية) للسياسة النقدية للبنك المركزي العراقي
والتي تمثلها عمليات تنقيد الدين debt monetisation
عبر خصم حوالات الخزينة لدى سلطة الاصدار النقدي
(اي عمليات تنقيد الدين كما أسلفنا آنفا )
والتي أشير إليها صراحة في مشروع موازنة العام القادم .
وبخلاف ذلك
قد يتحقق انخفاضاً في كفاءة الإنفاق الحكومي في نهاية السنة المالية نفسها لعدم توافر التمويل
ما يعني ان التخطيط المالي في ادارة العجز وتمويله لم يبلغ غاياته
وهي عمليات شبه تقشفية تؤدي الى توازن شكلي بين الإيرادات والمصروفات النقدية
وعلى نحو غير مرغوب اولا يحقق أهداف الموازنة في مثاليتها الدنيا .
٢-يلحظ أن ثلثي العجز في مشروع الموازنة العامة ٢٠٢١ البالغ اجمالاً ٥٨ تريليون دينار ،
يشير إلى إمكانية تمويله عن طريق أداة تنقيد الدين debt monetisation
المقدر في هذه الجزئية قرابة ٣٥ تريليون دينار عن طريق البنك المركزي العراقي ،
اذ تمت الإشارة الى ذلك صراحة في فقرة تمويل العجز في مشروع الموازنة العامة الاتحادية ٢٠٢١
على الرغم من ان المادة ٢٦ من قانون البنك المركزي رقم ٥٦ لسنة ٢٠٠٤
تحمل عنوانا عريضا مفاده(حظر إقراض الحكومة) .
وبغض النظر عن هذا وذاك،
يلحظ ان الاقتراض لتمويل العجز عن طريق التوسع النقدي
سيجعل الدين الداخلي الذي هو بحوزة البنك المركزي لوحده
يرتفع من ٥٤ تريليون دينار حاليا ليقارب ٨٩-٩٠ تريليون دينار في نهاية العام ٢٠٢١
مع افتراض تواضع الاحتياطيات الاجنبية
ما يعني ان تدهوراً ملموسا في قدرة البنك المركزي على التغطية .
بعبارة أخرى
سيقود تعاظم الاصدار النقدي لتمويل الدين الداخلي العام
الى تدهور تغطية الاحتياطيات الأجنبية للدينار العراقي
من ١٠٠٪ او اكثر الى ٥٠٪ او اقل في غضون أشهر السنة القادمة .
فضلا عن اتباع سياسة النقد الرخيص cheap money policy
اذ ستسدد الديون بسعر صرف منخفض للدينار .
فبعد طرح الفائدة على حوالات الخزينة البالغة ٤٪ بالمتوسط
فان التضخم المتوقع وعلى وفق سعر الصرف
سيؤدي بالمدين (وزارة المالية) بالتسديد الى الدائن (سالب ١٨٪)
٣- قد يؤدي هذا الاتجاه التوسعي
من خلال التمويل النقدي للعجز في سياسات النقد الرخيص وتنقيد الدين العام
الى تعقيد المشهد الاقتصادي واضطراب الاستقرار في الاقتصاد الكلي
ويؤول إلى نمط من أنماط الركود التضخمي stagflation أي امتزاج التضخم مع البطالة في الاقتصاد .
فالتوسع بالاقتراض عن طريق خصم حوالات الخزينة او تنقيد الدين كما اسميناه
هو منهج توسعي نقودي في تمويل الموازنة العامة وتعظيم الانفاق الرخيص فيها
من مصادر غير منتجةُ وفي اقتصاد محدود بطاقته الانتاجية الحقيقية ويسوده نشاط خدمي شديد الهشاشة
لا يؤدي سوى الى البطالة في قوة العمل وتضخم كبير وتدني مستويات المعيشة للطبقات الفقيرة والهشة .
إذ تحاكي سياسة خصم أدوات الدين الحكومية لدى سلطة الاصدار كوسيلة لتنقيد الدين
فكرة التيسير الكمي QE في الولايات المتحدة في زمن الركود .
ولكن الفرق سيبقى بين الاقتصادين شديد الوضوح ،
ففي اقتصاد الولايات المتحدة
يؤدي التوسع النقدي بالغالب الى تشغيل دوال الإنتاج والقطاعات الحقيقية العاطلة عن العمل
من خلال توليد طلب او انفاق فعال
وعلى وفق المنهج الكنزي في تشغيل مضاعف الدخل .
ولكن في بلد مثل العراق
يولد المضاعف المذكور بالغالب ضغطاً استهلاكياً خطيرا
يقود الى تفعيل دوال انتاج خارج البلاد
من خلال تعاظم الاستيرادات
ويشكل ضغطا على احتياطيات البلاد من العملة الأجنبية المتهالكة
وينتهي بالنتيجة الى خفض القيمة الخارجية للعملة او سعر الصرف
ومن ثم تدهور الدخل الحقيقي عبر موجات تضخمية انتقالية
بسبب تأثر حركة الحساب الجاري لميزان المدفوعات صوب العجز بالتدريج .
٤-في ضوء ما تقدم ،
نرى ان لا يكون التكييف النقدي monetary adjustment
بديل عن تعويض هبوط الريع النفطي وإحلال سياسة الاقتراض الحكومي عن طريق تنقيد الدين
كشرط ضرورة necessary condition
ومن ثم خفض سعر الصرف كشرط كفاية sufficient condition
له الغلبة على التكيف المالي fiscal adjustment .
وهنا تتخذ ريعية الاقتصاد أشكال خطيرة من (الريع المنقلب ) او السالب
سواء في خفض النفقات او تعظيم الإيرادات غير النفطية
ذلك بجعل التكيف النقدي واضطراب الإقتصاد النقدي بسياسات النقد الرخيص
الكفة الراجحة لاستدامة نفقات المالية العامة في البلاد.
٥- واخيراً،
فقد جاء مقترح التخفيض في سعر صرف الدينار العراقي
في مشروع الموازنة العامة الاتحادية ٢٠٢١ (كشرط كفاية)
تقدم في السبق الزمني على تنقيد الدين وتوسيع الكتلة النقدية (كشرط ضرورة )
ذلك من حيث تدرج المنطق الزمني
بخطوة استباقية تضع النتائج قبل الاسباب.
اي تجاوز المعلول او النتيجة effect (سعر الصرف) من الناحية الزمنية
بتخفيض يقدر بنحو ٢٢٪ في قيمة الدينار
وسبق العلة او السبب cause(اي تمويل العجز بالإصدار النقدي ) .
٦-خلاصة الكلام ،
نجد في مشروع موازنة العراق الاتحادية للعام ٢٠٢١
ان النتيجة في التكيف النقدي لتمويل العجز سبقت السبب .
فالتخفيض بسعر صرف الدينار
سيوفر للموازنة إيرادات ريعية تقدر بين ٨-١٢ تريليون دينار
يضاف الى ذلك
اقتراض بالإصدار النقدي خمن هو الاخر في مشروع الموازنة بنحو ٣٥ تريليون دينار.
ما يعني ان البنك المركزي بأدواته النقدية
سيغطي ٨٢٪ من عجز الموازنة المخطط في العام ٢٠٢١
ضمن ما يسمى بالتكيف النقدي monetary adjustment
لقاء تكييف مالي fiscal adjustment لا يغطي سوى ١٨٪ .
ما يعني ان البنك المركزي و سياسته النقدية
ستتحمل عبء العجز السنوي بارجحية عالية
لم توفر التوازن بين دور السياستين النقدية والمالية وتقاسم الأدوار بينهما.
https://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=703124
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق