الخميس، 17 أكتوبر 2019

رؤية استشرافية لعالم ما بعد الحداثة في علم السياسة وممارستها

رؤية استشرافية لعالم ما بعد الحداثة في علم السياسة وممارستها

د. عماد فوزي شُعيبي
dr.imadfawzishueibi

٤ يناير ٢٠١٦ ·

رؤية استشرافية لعالم ما بعد الحداثة في علم السياسة وممارستها

و مخاطر الاستمرار في فوضى مستمرّة

د. عماد فوزي شعيبي

الهدف مما سأعرضه هنا 

هو مشروع نظرية في عالم السياسة في مرحلة ما بعد الحداثة.

لفهم يتجاوز السائد والفاشل في فهم الظواهر السياسية

بناء على نظرية الواقع المضبوط 

والسياسات المدروسة بعناية ونظرية المؤامرة... 

وكل ماسبق لم يفلح 

لافي تفسير الوقائع السائدة 

ولا في توقع القادم من الوقائع 

ولا في التعامل معها.


لقد مرت السياسة بثلاثة مراحل:

١. مرحلة الفكر السياسي الأخلاقي (مرحلة ما قبل الحداثة)

الممتد من سقراط الى افلاطون فالفارابي

وهي مرحلة ربطت السياسة ب (ما يجب أن يكون)

ولهذا كانت أخلاقية غير قابلة للتنفيذ.

لأن ما يجب أن يكون يصعب أن (يكون)

لأن الحكم الأخير فيه للواقع.

وهذه مرحلة ما قبل الحداثة.


2. مرحلة السياسة الواقعية (مرحلة الحداثة )

التي غُلّب فيها مبدأ الواقع على الأفكار أو القيم وهي مرحلة الحداثة

فيها حيث تعيّنت السياسة بناء على مبدأ الواقع باعتبارها فناً للممكن

وهنا ارتكزت إلى أربعة قوائم

وهي [اولا]

الميكيافيلية (التي تعني فصل الذات عن الموضوع)

مؤسسة بذلك علم السياسة ،

وللاسف العرب لايعرفون من ميكيافيل

الا (الغاية تبرر الوسيلة وهو ما لم يقله ميكيافيل اساساً لنظريته

ما يبرز جهلاً كبيراً بعلم السياسة وبمبدأ الواقع،

حيث حُوكم ميكيافيل بعقل ما قبل الحداثة؛ الأخلاقي،

عاكساً الفوات التاريخي- العقلي للعرب إزاء السياسة)

وثانياً

الاداتية التي ترى كل شيء بما فيه العقل اداة لخدمة الواقع

وثالثاً

البراغماتية التي تعتبر أن لاقيمة للنظرية اذا لم تُطبّق على الواقع؛

أي غلّبت الواقع على الافكار مرة أخرى،

ورابعاً

الوظيفية التي عنت التعامل مع الواقع كما هو دون البحث في أسباب ما فيه.


وبهذه العناصر الاربعة

مُورست السياسة حتى الثمانينات من القرن العشرين

حيث نشأ تيار جديد هو تيار ما بعد الحداثة

أو ما أدعوه تيار (الكوانتا)السياسية.

وفي مرحلة الحداثة 

نشأ وهم ضبط الواقع بالقوانين السياسية متأثراً بقوانين الفيزياء ،

ورافقت هذه (الرغبة) نظريات أشد وهماً

وهي نظرية المؤامرة السياسية والتوقعات الاستقرائية والتاريخية

التي تُبنى على أن المستقبل هو ابن للحاضر والحاضر ابن للماضي

وأن معرفة المستقبل مبنية على معرفة الماضي،

هذا الاتجاه الاستقرائي التاريخي

سرعان ما اصطدم 

بأن الوقائع المستقبلية كانت وحيدة عصرها ومتفردة

وليست مشابهة لأيّ مما عرفته البشرية من أحداث في الماضي،

ما عنى أن هنالك (قطيعة) بين الماضي والمستقبل

وأن المذهب التراكمي التاريخي

ليس أكثر من (محاولة) في تاريخ المعرفة الإنسانية

وهنا جاءت مرحلة ما بعد الحداثة


3. المرحلة الثالثة: [تيار (الكوانتا)السياسية او تيار ما بعد الحداثة]

إذا كانت مرحلة الحداثة 

قد تأثرت بفيزياء نيوتن 

وحاولت أن ترسم علماً للسياسة مضبوطاً بقوانين صارمة،

فإن مرحلة ما بعد الحداثة 

ترافقت مع نهاية الاتحاد السوفياتي ونظام القطبين شبه الضابط للعالم،

مع نشوء الفيزياء الكوانتية 

التي نسفت منطق القوانين الصارمة ورسمت فهماً جديداً للفيزياء

وبالتالي تأثرت به السياسة بدورها

ويقوم [الفهم الجديد]على التالي:

1. الفروق الطفيفة تُنتج أحداثاً كبيرة (أثر الفراشة) .

2. أن العالم يُفهم فهماً أكثر مما يُفسّر.

3. أن مخالفة المنطق والحس العام والشائع 

يمكن (الائتلاف) معهم في عالم لايمكن ضبطه.

4. أن الفوضى العمياء أو العماه Chaos هي سمة الوجود الغالبة

وأن ما نراه مُنظّماً 

هو من طبيعة مخ الإنسان وترتيبه وتناظراته وميله إلى التجريد (التعميم وتوليد المفاهيم)

5 . أن كل حدث قادم مؤلف من كل احتمال ونقيضة معاً وهذا مخالف للحس العام.

6. أن المستقبل لايمكن تعيينه سلفاً وهو مشكّل من عدد لا متناهٍ من الاحتمالات،

والغريب أن كل احتمال هو ١٠٠٪ بنسبة الاحتمالات 

وهذا مخالف للحسّ العام وللمنطق الذي اعتاده البشر.

وقد ترتب على ذلك العديد من النتائج :

اولها

تعايش النظام الدولي مع العماه 

في قطع ابستمولوجي ندعوه القطع بالتعايش complimentary أو ما ندعوه بالتضايف

وثانيها

نشر العماه بصورة لاسابق لها

وثالثها
أن التحليل السياسي الاستقرائي التاريخي لم يعد ممكناً في الحالات العماهية

لأنه لا ينطبق الا على المنظومات المستقرّة ، أي الحداثية،

ونسبياً أيضاً وبهامش خطأ كبير،

بينما تصبح المنظومات العماهية

منظوماتٍ يعتملها أثر الفروق الدقيقة Micro

وتحتاج إلى الإمعان في الفويرقات Nuances 

لإدراك وتوقع الاحتمالات اللامتناهية ،

وهذا بحد ذاته مفارقة،

بمعنى أننا لم نعد قادرين على القبض على عالم المستقبليات 

كما كنا نتوهم في مرحلة الحداثة،

ما يترتب على ذلك 

من أثر بالغ العبثية في مجال المعرفة 

وحتى في مجال العمل السياسي.

فالعبثية والعدمية هي من سمات عالم ما بعد الحداثة ،

وقد انعكس على السياسة كما سينعكس لاحقاً على علوم أخرى

مما يعني أن القرن الحالي هو قرن صعود علوم جديدة 

سمتها الأبرز

هي أنها ليست كتلك التي عرفتها البشرية وطورتها مند القرن السادس عشر.

اذ ستكون عكسها وتعايشاً معها وعبثية وعدميّة بآن

وهذا مايصدم العقل الحداثوي 

الذي يحمله أغلب مثقفي العصر وعموم عامته

بالاستناد إلى أنه تحوّل الى عقبة ابستمولوجية 

تتمثل في الثقافة السائدة أو التي تم التعوّد عليها،

فأسوأ ممانعات التغيير هي ممانعة الفكر المعتاد عليه والسائد.

والحال إن ما سيعانيه الفكر الإنساني 

مماثل تماما بل أعنف مما عاناه الإنسان

عندما قال له غاليليو و كوبرنيكوس إن الارض ليست مركز الكون.

وهنا فإن صدمة الفكر السائد

أنه سيعاني من نتائج انعدام اليقين 

التي هي سمة ما بعد الحداثة وما بعد ما بعد الحداثة.

واللافت أن البدائة كانت بالفيزياء ثم السياسة

وهاهي الشعوب التي دخلت العماه السياسي تدفع ثمناً باهظاً

ولذلك نحذر الشعوب والدول

التي لم تدخل الفوضى العارمة او العماه كما اسميناها 

من دخول ذلك الوضع

ونعتبر أن الخروج من العماه بأي ثمن

هو أبلغ حكمة يبلغها قائد أو مجتمع او دولة

لأن عالم العماه مقيد له أن يستمر لسنين وعقود طويله،

وهذا ما دعيناه الكمين التاريخي الذي رسمه لنا هذه المرة

ليس مكر التاريخ فحسب، بل مكر ما بعد الحداثة ومكر العبثية والعماه



https://www.facebook.com/dr.imadfawzishueibi/posts//

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق