الجمعة، 25 مايو 2018

تركيب الشخصية من الناحية الوظيفية


إن وجود أسباب المرض النفسي 

يؤثر على شخصية المريض
تأثيراً يستتبع حدوث التفاعل المرضي
في أي ناحية من نواحي الوظائف النفسية.
ويتم هذا في الغالب
نتيجة تفاعل ديناميكي بين جوانب الشخصية المختلفة
وتكون علينا دراسة تركيب الشخصية من الناحية الوظيفية،
وكيف تتأثر الوظائف، كل على حدة بالمرض النفسي،
ثم كيف تتأثر علاقة الوظائف ببعضها -
ثم دراسة القوى المؤثرة على الشخصية وكيفية تفاعلها،
أي تركيب الشخصية من الناحية الديناميكية،
وذلك قبل دراستنا لأعراض الأمراض النفسية في الفصل القادم.
ونعني بتركيب الشخصية هنا 
تركيب النفس وتقسيمها ووظائفهما وتفاعلاتها.

أولا: التركيب الوظيفي
ونبدأ الحديث من الناحية الوظيفية
فنقول 

أن مكونات وظائف الشخصية هي:
المعرفة Cognition
(وتشمل التفكير والإدراك والذاكرة)
والوجدان Affect 
(وقد نتحدث عنها بمصطلحات أخرى: كالانفعال والعاطفة والشعور والمزاج)
ثم العمل conation 
(ويشمل النشاط الحركي والإرادة).

ونجد أن هذه الوظائف تسير -في الحالات العادية-
جنباً إلى جنب في توافق وانتظام شديدين،
وكأن الشخصية ساعة ذات ثلاث تروس تسير مرتبطة ببعضها بنسب محددة 
(مثل النسب التي بين تروس الساعات والدقائق والثواني مثلاً)
ويكون وجه الساعة حينئذ هو المظهر العام للإنسان،

ولنضرب مثالاً 

لكيفية سير هذه الوظائف اتفاق وتتابع
فإن الإنسان إذ يرى مصدراً للخوف -كلب مسعور-
يعرف ويدرك (تفكير) أن هذا حيوان شرس مؤذ
فينفعل بالخوف (انفعال)
ثم يطلق ساقيه للريح أو يحاول قتله والتخلص من أذاه (سلوك) حركي -
ومثال أبسط من ذلك 
أن الطالب إذ يعرف قرب موعد الامتحان
يعتريه انفعال القلق
ثم يعمل على استذكار دروسه بجد..
وهكذا؛


فإذا أصيب الإنسان بمرض نفسي أو عقلي 
فان هذه العلاقة قد تستمر متناسقة، أو قد تضطرب وتختل،
ومثال ذلك 
ما سنراه من تغير الانفعال والعاطفة في جنون الهوس والاكتئاب
وما يستتبع ذلك من تغير في الفكر والعمل،
وهنا تستمر العلاقة سليمة
أما في مرض الفصام
فان الشخصية تتفكك وتنفصم عراها
وبذلك تفسد العلاقة بين وظائفها وتختل.

إذا فمن الناحيتين الوصفية والوظيفية 
نرى أن كل الأمراض النفسية
تتلخص في الاضطراب
اختلال في وظائف المجالات الأخرى،
أو أن الاضطراب 

يكون أساساً في العلاقة بين هذه الوظائف بعضها ببعض،
فضلاً عن اضطراب كل وظيفة على حدة
وهكذا نحب أن نشير إلى 
أننا في وصفنا للأمراض النفسية
بمختلف أبعادها وأنواعها
لا تخرج عن دراسة تأثير كل مرض على كل وظيفة على حدة،
ثم عليها مجتمعة أي على الشخصية ككل.

ونورد هنا
مفهوم كل وظيفة وطبيعتها وعلاقتها بالمرض النفسي: 

أولاً: العواطف (الوجدان)... والمرض النفسي 
أهمية العواطف:
العواطف هي القلب النابض للشخصية
فكما أن استمرار ضربات القلب أساسي
لاستمرار أداء أعضاء الجسم المختلفة لوظائفها،
حتى أنه إذا ما توقف القلب مدة كافية انتهت حياة الجسم،
كذلك أمر العواطف للنفس والشخصية،
فهي ضرورية لاستمرار الوظائف النفسية السوية،
فإذا انعدمت العواطف تعطلت الوظائف النفسية واضطربت،
وكلنا يعلم ما يفعله الحب والكراهية والغضب في سلوك الإنسان.
ورغم هذه الأهمية القصوى للعواطف
فإنه تنقصنا الوسائل العلمية
لقياس كمية هذا الحب والكراهية أو الغضب
كما نقيس كمية البولينا في الدم أو السكر في البول... الخ
وقد بذلت محاولات علمية لقياس بعض المظاهر العاطفية النفسية
كالاكتئاب والمرح والقلق وغيرها
عن طريق مقاييس الشخصية.

والعواطف 
هي منبع الطاقة والقوة المحركة لسلوك الإنسان
وهي التي توجه هذا السلوك أو ذاك إلى طريق الخير أو الشر والعواطف
-عادة- لا تتبع التفكير،
وأن كان قد يؤثر عليها فيقلل من حدتها
ولكنه عادة لا يغير مجراها.
فكثيراً ما نسمع قائلاً يقول: 
لم أستطيع كبح جماح نفسي رغم يقيني أني على خطأ.
ومعنى هذا أن تفكير الإنسان لم يستطع أن يغير مجرى سلوكه العاطفي.

وللعواطف أبعاد مختلفة
فهي مثلاً تتفاوت بين السرور والكدر
وهذا هو البعد الأول الذي يشمل مشاعرنا
التي تتوزع عليه من أقصى السرور إلى غاية الكدر
- وغالباً ما تتصف بأيهما بدرجة تزيد أو تنقص حسب مجريات الأمور.
غير أنه قد يحدث أحياناً
أن يقع الشعور بين منطقتين
فلا نحس بالسرور أو الكدر..
وهناك أبعاد أخرى للعواطف
مثل الإثارة والخدر أو التوتر والاسترخاء... الخ.

والانفعال 
هو شعور مثار نحو موقف معين،
وهو عاطفة يغلب عليها حالة تهيؤ حركي للقيام بسلوك معين،
وهو مصاحب لكافة أنواع الدوافع التي تهدف إلى تحقيق غاية بذاتها،
وهو بذلك لازم للحياة السوية،
ولكن إذا زادت حدة الانفعال
فانه قد يصبح خطراً على حياة الإنسان السوية
إذ أنه يعوق تكيفه الاجتماعي
وقد يثير صراعاً محتدماً بين نواحي الشخصية
يستغرق طاقة الإنسان التي كان ينبغي أن يواجهها إلى الإنتاج والتكيف،
وبذلك يصبح أقل فاعلية وأبعد عن السواء.
ودليل ذلك مثلاً: 
أن القلق لازم للإنتاج
ولكنه إذا زاد عن الحد السوي فانه يعوق الإنتاج
بمعنى أنه إذا لم يقلق الطالب إطلاقاً على النجاح لمن يذاكر دروسه,
أما إذ عايش ذلك القلق بدرجة كبيرة مزعجة
فانه سوف ينشغل بالقلق عن العمل المنتج ويتشتت ذهنه ويضعف تركيزه
- وهكذا نرى أن انفعال الغضب
إذا زاد عن حده
أفقد الإنسان أصدقاءه وأعجزه عن التكيف...
وهكذا.

الاستجابة العضوية للعواطف:
إن الاستجابة العاطفية مهما كانت ضعيفة وأياً كان نوعها
تكون مصحوبة عادة ببعض التغيرات في بعض وظائف الجسم،
فنرى تغيرات أخرى
نتيجة لاضطراب الغدد الصماء والجهاز العصبي الذاتي
فنرى ارتفاع ضغط الدم أو انخفاضه وسرعة النبض والعرق
وارتفاع نسبة السكر في الدم وغير ذلك.
وقد بلغ من تلازم هذه التغيرات للانفعالات الشديدة
أن اتخذت مقياساً لشدة العواطف التي أنتجتها.

التغيرات العاطفية نتيجة للاستجابة العضوية:
كل تعبير عضوي عن العواطف،
مثل
الضحك لعاطفة السرور
والبكاء لعاطفة الحزن
والتهيج البدني لعاطفة الغضب
يساعد شعور الإنسان بهذه العاطفة على الاستمرار
وذلك لان هذا التغيير العضوي في ذاته
(مثلاً: ضحك) يثير العاطفة المقابلة (مثلاً: سرور)
- كما أن الشعور العاطفي (سرور) يؤدي إلى تعبير عضوي معين (ضحك)
وهكذا تنشأ حلقة مفرغة بين الشعور بالعاطفة
والتعبير العضوي عنها
وتسمى الحلقة الجسمية النفسية.

هذا وقد تضطرب العواطف كماً وكيفاً اضطراباً بالغاً
يظهر في الأمراض النفسية المختلفة
وسيرد ذكره في أعراض الأمراض النفسية في الفصل القادم،
كما قد يؤثر اضطراب العاطفة تأثيراً مرضياً على سائر أعضاء الجسم
مما سنذكره في الأمراض الجسمية النفسية Psychosomatic Disorders.

ثانياً: التفكير... والمرض النفسي 
التفكير لغة: هو إعمال النظر في الشيء
والتفكير في علم النفس 
هو نشاط عقلي يهتم أساساً بإيجاد حل للمشاكل،
وهو نشاط ينبغي أن نميزه عن النشاط الحسي والحركي،
فهو نشاط مستقل عن أيهما
وإن كان لا يستغني عنهما في أداء وظيفته.

ويمكن تقسيم التفكير حسب الموضوع الذي يدور حوله إلى ما يلي:
1- التفكير الذاتي Egocentric 
وهو الذي ينشغل فيه الإنسان بنفسه باعتباره مركز الثقل في هذا الكون
فيربط كل المفهومات بشخصه
ولا يدرك من مفهوم الكائنات إلا ما يرتبط بنفسه
ولا يهمه من أي شيء إلا مقدار تأثيره عليه نفعاً أم ضراً،
فكأنه ينظر إلى العالم بمنظار كتب عليه أنا
وهذا التفكير يتصف به عادة بعض مرضى الأمراض النفسية
مثل مرضى الفصام
وبعض اضطرابات الشخصية مثل الشخصية السيكوباتية.

2- التفكير الموضوعي - Objective : 
في هذا النوع من التفكير ينظر الإنسان إلى الكائنات كما هي بكل علاقتها
ويتجرد في نظرته تلك من انفعالاته الشخصية وتجاربه السابقة،
وهذا النوع من التفكير هو أفضل الأنواع
لأنه يجعلنا نحكم على الأشياء حكماً صائباً دون هوى أو تحيز،
لذلك فهو التفكير الذي يهدف العلاج النفسي إلى تنميته في المريض
ليصبح أقدر على حل مشاكله حلاً موضوعياً صحيحاً.

هذا ويمكن تقسيم التفكير من ناحية علاقته بالواقع 
إلى الأنواع الثلاث التالية:
1- التفكير الواقعي Realistic 
في هذا النوع يكون مصدر تفكيرنا مواضيع من واقع حياتنا
ونلتزم فيه بما يفرضه علينا هذا الواقع
ويعرف هذا النوع أحياناً بالتفكير المنطقي
وهو تفكير سوي تماماً.

2- التفكير المثالي - Idealistic : 
ويستمد هذا النوع من التفكير موضوعه
من تصورنا لما ينبغي أن يكون،
ضاربين عرض الحائط بما هو كائن فعلاً
من عدم تكامل وقصور في الأشخاص والأشياء
وهذا النوع من التفكير ينبع من المثل
التي يفرضها المفكر ثم يؤمن بها ويحترمها مهما خالفت الواقع
مما يجعل هذا التفكير غير عملي،
ولو أنه ليس تفكيراً شاذاً
إذ أن الواقع قد يرغم هذا المفكر على الالتزام بقوانينه بعد حين
فيغير أفكاره لتطابق الواقع
ولكن هذا النوع من التفكير إذا جاوز الحد
ساعد على عدم التكيف الاجتماعي بكل مساوئه..
ومن ثم ساهم في إحداث المرض النفسي.

3- التفكير الخيالي: 
يغلب على هذا النوع من التفكير أن يأخذ موضوعه
من الرغبات التي يتمنى الشخص تحقيقها
مهما بعدت من الواقع وأوغلت في الخيال
ولذلك يعتبر هذا النوع من التفكير أقرب إلى المرض
إذا لم تصاحبه أية محاولة لتنفيذ الرغبات اكتفاء بتصور حدوثها.
وقد يشمل التفكير الخيالي
التفاخر، والرواية الكاذبة، وأحلام اليقظة،
وحينما يبلغ مبلغاً خطيراً
سواء بالإسراف فيه أو باعتباره الطريقة الوحيدة التي يستطيعها الإنسان
فانه يصبح ظاهرة مرضية خطيرة.

4- الأحلام: 
الأحلام هي تخيلات النائم،
وفي أثناء النوم يقل النشاط العقلي
لدرجة أن الاتصال بالبيئة يكون معدوماً تقريباً
وتختلف المدارس النفسية في تفسير الأحلام وتقويمها
ولكن مما لاشك فيه
أن الأحلام تعتبر مادة غنية جداً في دراسة المريض النفسي وفي تتبعه وعلاجه.
هذا وقد يضطرب مجرى التفكير أو محتواه اضطراباً بالغاً في المرض النفسي
كما سيرد ذكر ذلك في أعراض الأمراض النفسية.

ثالثاً: العمل... والمرض النفسي 
إن تحقيق أهداف الإنسان السوي لا يتم إلا بالعمل والإنتاج
في ظل من الراحة النفسية الداخلية والتكيف الاجتماعي القويم.
فإذا كانت العاطفة هي القوة الدافعة
والتفكير هو حل للمشاكل وتخطيط الخطة المرسومة.
والعمل المنتج دائماً تصحبه وتلازمه بل وتسبقه الإرادة السليمة،
فالإرادة 
هي تحكم مقصود ومرسوم في العمليات النفسية
تتعلق بتحقيق الهدف،
وهي استجابة مؤجلة تهدف إلى تحقيق غرض ما،
وهي تبدأ بالوصول إلى قرار.
ولكن عملها لا يقتصر على ذلك
فإننا كثيرا ما نصادف من يتكلمون عن أنهم وصلوا إلى قرارات نهائية
دون أن تبدر منهم بادرة نحو التنفيذ،
وقد يصل بهم الحال إلى التمادي في اتخاذ القرارات ورسم الخطط
والاكتفاء بذلك عن العمل الجدي،
حتى يستطيع الإنسان
أن يصف قراراتهم وخططهم بأنها أحلام يقظة وليست قرارات إرادية البتة،
فالعمل بذلك يكمل القرار ويظهر جديته وصدق الإرادة فيه،
ولنا أن نشك في قيمة القرار وصفته الإرادية إذا لم يتبعه عمل،
كما أن العمل -ولو بدأ تنفيذه- قد لا يعني إرادة حقة
وإنما قد يكمل أن أحلام اليقظة
إذا هو اقتصر على الدفعة الأولى ولم يستمر في طريقه لتحقيق الهدف،
لذلك كان استمرار العمل لازماً للدلالة على أن القرار إرادي
وأن العمل جاد هادف،
واستمرار العمل والتصميم عليه
يطلق عليه لفظ المثابرة.

واضطراب الإرادة في الأمراض النفسية أمر بالغ الأهمية، 
وسوف يرد ذكره في أعراض الأمراض النفسية دون تخصيص
ولذا ينبغي أن نشير هنا إلى 

أمثلة من مظاهر اضطراب الإرادة 
كالتردد Hesitancy
والقابلية للاستهواء suggestibility التي يتصف بها العصابيون.
وكذا الطاعة الآلية Automatic Obedience
(بما في ذلك المحاركة Echopraxia
والمصاداة Echolaia
والتصلب الشمعي Flexibilities crea)
وفي الخلف Negativism
وهذه الصفات نجدها في مرضى الذهان
ولا سيما الفصاميون.

اولا:التركيب التشكيلي للشخصية
كثر الحديث في الأعوام الأخيرة
عن ما يسمى التحليل التركيبي للشخصية
وعن التركيب النفسي التشكيلي للشخصية
وهو ما يعنيه أحياناً ru tural Confilur rtion

ويستحسن أن نورد ما يعنيه هذين التعبيرين

فالتعبير الأول 
التحليل التركيبي للشخصية 
يشير إلى أن العلاقة بين قوى الشخصية
ليست مجرد علاقة بين وظيفة ووظيفة أخرى (مثل التفكير والعاطفة)
بل أنها علاقة بين كيان وكيان،
وكأن الشخصية الواحدة تحوي أكثر من كيان
ويظهر كل كيان حسب الظرف الخاص به،

ففي كل منا كيان طفلي
يظهر في الإجازات واللعب والانطلاقات الحرة..
مهما بلغ بنا العمر،

وكيان والدي
يرعى الأصغر منه ويأخذ بيده ويوجهه ويعاتبه أحياناً

- وكيان اليافع
وهو الكيان الخاص بالعلاقة بالواقع المباشر
وبالسعي الجاد لاكتساب العيش وحسابات الواقع وما يترتب عليه،
ويظهر كل كيان في الوقت المناسب له
ليؤدي وظيفة لازمة للحياة لا يمكن الاستغناء عنها
والعلاقة السليمة بين الكيانات وبعضها وتوقيت ظهورها
يدل على الصحة النفسية،
أما تصادفها أو اختلاطها ببعضها
فيدل على الاضطراب النفسي.
وكثير من الاتجاهات الحديثة تفسر الأمراض النفسية كافة
بطبيعة العلاقة بين هذه الكيانات وبعضها.

أما التعبير الآخر. 
هو التركيب النفسي التشكيلي للشخصية 
فإنه يشير إلى بعض ما ورد في حديثناعن التركيب الوظيفي للشخصية
الأمر الذي زادت أهميته
لدرجة أن دراسة تغير كل وظيفة في شكلها وطبيعتها
وعلاقتها بالوظائف الأخرى
أصبح مرحلة هامة جداً
تصل ما بين التكوين الدينامي للنفس البشرية
والذي يتم منذ الولادة حتى قبيل المرض
وبين مرحلة ظهور الأعراض،
بمعنى
أن الطفل يولد باستعدادات خاصة
ثم يتكون دينامياً نتيجة لتأثير خاص
حتى يصل إلى تشكيل معين في علاقة وظائفه النفسية ببعضها،
وبناء على طبيعة هذا التشكيل ومداه
تظهر الأعراض أو لا تظهر في وقت بذاته.

وكأن التركيب النفسي التشكيلي للشخصية 
إذا ما اضطراب بشكل معين
كان نتاج هذا اضطراب ظهور أعراض معينه
بهذا الشكل أو ذلك..
وكأن تسلسل الأحداث يتم على الصور التالية...

في حالة السواء 
استعداد فطري -----> تركيب دينامي ينظم قوى الشخصية
-----> وينتمي إلى تركيب نفسي تشكيلي للشخصية.
التركيب النفسي الشخصية قابل للنمو والتحور حسب الأحداث
وذلك في حالة السواء.

وفي حالة المرض 
استعداد فطري -----> تركيب دينامي مثقل تتصارع فيه قوى الشخصية
-----> ينتهي إلى تركيب نفسي تشكيلي للشخصية
يتصف بأنه معوق للتناسق بين الوظائف
ومغير لطبيعتها وتسلسلها وانتظامها -----> ظهور الأعراض (المرض).

ثانياً: التركيب الديناميكي للشخصية 
نعني بالتركيب الديناميكي للشخصية
التركيب الذي يشرح ويوضح القوى المختلفة التي تؤثر في تكوين الإنسان
والتي يكون سلوك الإنسان محصلة لعملها,
ويجرنا هذا الحديث إلى تقسيم النفس الإنسانية
من حيث وعينا بمحتوياتها من عدمه
وهو التقسيم الذي أعلن معالمه وحددها أساساً
العالم النمساوي سيجموند فرويد
ثم عمقه ووسع مفهومه
العالم كارل جوستاف يونج,
ويمكن تقسيم الشخصية بناء على ذلك إلى منطقتين أساسيتين:
منطقة الشعور ومنطقة اللاشعور،
وكل منهما تحوي مجموعة من الاستعدادات والخبرات والعمليات والدوافع والقوى، 

على أنه ينبغي تأكيد أنه لا يوجد حد فاصل بين الشعور واللاشعور
فما هو شعوري الآن قد يصبح لاشعورياً في الحال أو بعد فترة،
تبعاً للطريقة التي ينتقل بها إلى اللاشعور
إما بالكبت أو بمرور الزمن والنسيان,
وما هو لاشعوري الآن يمكن أن يخرج إلى حيز الشعور
بتغير الظروف أو بطرق نفسية خاصة
كالتداعي الحر أو التفريغ.

ويتكون محتوى اللاشعور من مصادر عدة:
أولها: 
ما يفترضه البعض
من وراثة خبرات وتجارب أجيال سابقة 

لا ندرك ماهيتها
وان أثرت في سلوكنا وصفاتنا النفسية.
ثانيها: 
الغرائز الفطرية التي لا نتبين حقيقة معالمها ومدى تأثيرها
وإن كانت شديدة الفاعلية في توجيه كل تصرفاتنا.
وثالثهما: 
ما نمر به من خبرات تختزن في اللاشعور مباشرة
دون أن ندركها إدراكا واعياً كاملاً
مثل ما يحدث
والإنسان بين اليقظة والنوم
أو وهو منتبه كلية لأمر آخر,
ورابعها: 
ما نشعر به وندركه من تجارب وأحداث تنتقل إلى اللاشعور
إما في الحال بالكبت
دون أن نفرغ الشحنة العاطفية التي تحملها
أي دون أن نعيش تجربتها إلى غاية مداها
بمعنى أن الحوادث المؤلمة التي تقهر إلى اللاشعور قسراً
لا نحس فيها بكل الألم المناسب لشدتها،
وإنما هي تلقى في حظيرة اللاشعور
خوفا من الألم الذي يمكن أن تؤدى إليه
بما في ذلك من خداع للنفس وتأجيل للمعاناة،
وقذف بالتجربة بكل ظروفها إلى مكان أبعد
وندركها بالنسيان ومرور الزمن
بعد أن نعيشها ونعطيها قدرها من العواطف والانفعالات
والتحكم اللاإرادي فيها،
وتكون هذه الطريقة الأخيرة أقل فاعلية
من حيث الضغط الداخلي في اللاشعور
إذ أن شحنتها العاطفية تكون أقل كثيراً من الشحنة التي تحملها.

الحوادث التي تختزن بالطريقة الأولى وهي الكبت،
فتكون بذلك ذكريات كامنة لا تؤثر في سلوكنا بنفس القوة.

والدليل على وجود اللاشعور وتأثيره على سلوكنا 
هو ما نلاحظه من أخطاء ذات معنى - يرتكبها الناس في الكلام أو الكتابة.
ثم يعتذرون عنها بأنها ليست إلا فلته لسان أو زلة قلم
في حين أنه بالاستقصاء يتبين لنا أنها تعني موقفاً نفسياً محدداً.
ومثال ذلك 
المثل الذي أورده فرويد
فيما معناه أن خطيباً من تلاميذ أحد العلماء قام يمدحه في حفل تكريم له
فقال إن جمود هذا الباحث...الخ
وكان يعني أن يقول إن جهود هذا الباحث..الخ
وكأن لاشعوره لا يعترف لهذا الباحث الأستاذ بأي جهد حقيقي
بل بالعكس انه يأخذ عليه جموده في البحث
والأمثلة المشابهة كثيرة
ومنها أن الإنسان ينسى مكان الأشياء وأسماء الأشخاص
الذين لا يحب تذكرهم.. الخ.

ونحب أن نشير هنا إلى وجود قوة تؤثر على النفس 
وتساعد على الكبت
بل وتمنع كثيراً من محتوى اللاشعور من الظهور إلى منطقة الشعور
(وهذه العملية الأخيرة صورة من صور الكبت وتسمى المقاومة)...
هذه القوة الجديدة هي التي تتمثل في ما يسمى تجاوز الضمير... 
وهو الوازع الخلقي الذي يتحكم في سلوك الإنسان
ليكون سلوكاً مقبولاً من الناحية المثالية، والتربوية، والاجتماعية
وهو يقع بين الشعور واللاشعور
فيمثل جزءاً من النفس الشاعرة
كما يمثل قوة لاشعورية تعمل دون إرادة الإنسان بعيداً عن يديه.


هذا، والقوى الخارجية المسئولة عن الضغط على النفس 
هي قوى البيئة بما تحمله من ضغوط خارجية وحرمان وإحباط (خيبة أمل) 

وصراع نتيجة التنافس والسعي وراء مطالب الحياة العامة والخاصة
وما يلاقيه الإنسان في سبيل ذلك من صد وكف وإرهاق وغيرها.

والشكل يوضح تركيب الشخصية الديناميكي
فنرى فيه أن الضغوط الخارجية والداخلية
تعمل على ذلك الجدار الذي يمثل النفس باستمرار
ويتوقف سمك هذا الجدار على العوامل الوراثية التي تكون الشخصية
وكذا على عوامل البيئة من طريقة التربية
إلى ظروف الدراسة والعمل والنشاط الاجتماعي وغيرها.

اضطراب الشخصية وتصدعها (المرض النفسي)
إذا كان محتوى اللاشعور 
مليئاً بالتجارب ذات الشحنات العاطفية المناسبة،
وكانت ضغوط البيئة متوسطة الحدة،
وكانت النفس الإنسانية قوية متماسكة،
فان الإنسان يعيش هانئاً مستريحاً ينفع نفسه وينفع مجتمعه وجنسه.
ولكن يحدث أن تكون النفس هشة متداعية لظروف وراثية مثلاً،
ثم ينشأ الفرد على طريقة تربية غير صحية
فيختزن في اللاشعور قوى هائلة متضاربة متعارضة
ثم تأتي ضغوط البيئة شديدة صارخة
فتزيد الطين بلة ويظهر المرض النفسي.
فالمرض النفسي 
ينشأ نتيجة صراع بين الدوافع المختلفة
ويكون ذلك الصراع
إما شعورياً يعلم الإنسان ماهيته ويدرك أبعاده،
أو لاشعورياً فتظهر آثاره دون أن يعلم ما وراءها؛

وهذا الصراع ينشأ عنه توتر نفسي،
وقد ينشأ هذا التوتر نتيجة الصدام
بين دافع ما وبين قوة الإحباط (عدم إرضاء الدافع)،
ويكون هذا التوتر -اللازم لإحداث المرض النفسي-
شديداً لا يطيقه الإنسان،
فيحاول التخلص منه
ويتم ذلك بظهور الأعراض المرضية.
فظهور الأعراض المرضية
ما هو إلا اضطراب لسواء الشخصية وفاعليتها
وله مظهران أساسيان: 
فإما أن تلتوي الشخصية نتيجة لزيادة الضغط من الداخل والخارج
فتصبح مشوشة غير عملية وإن استمر تماسكها
ويسمى ذلك 

مرض العصاب 
وفيه تستمر عملية الكبت والمقاومة
بل وقد تزيد حدتها
فلا يظهر محتوي عملية الكبت
فيظهر محتوى اللاشعور
كما هو في صورته الصريحة،
اللاشعور في سلوك الإنسان صريحاً فجاً
وأن بدا تأثيره واضحا جلياً.
والطريق المرضي الثاني 
أن تتصدع الشخصية تصدعاً تاماً
وتختفي في سلوك المريض
ويسمى ذلك مرض الذهان.

البروفيسور يحيى الرخاوي-مبادىء الامراض النفسية


اعداد :الاقتصاد بعيون الخبراء
25-5-2018

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق