السبت، 13 مايو 2017

الفرق بين المعرفة والحكمة


الحكمة المفقودة


تناول الفلاسفة منذ قديم الزمان موضوع الحكمة،

وكانت هي غايتهم عندما كانوا يقضون حياتهم في البحث والدراسة، 

وكانوا ينظرون الى الحكيم على أنه أعلى شأن من الفيلسوف كما قال هيغل. 

ولم تنفرد الفلسفة المادية بالاهتمام بالحكمة والسعي للحصول عليها، 

وانما شاركهم في ذلك الفلاسفة المسلمين 

بعد أن أسس لهم الامام علي عليه السلام المنهج القويم،
 
حيث يروى أنه قال «الحكمة ضالة المؤمن، فخذ الحكمة ولو من أهل النفاق».


قد يختلف الفلاسفة في كيفية الحصول على الحكمة، 

والى يومنا هذا هناك اختلاف بين المذاهب الفلسفية في كيفية الحصول عليها، 

فهناك من يرى أن السبيل الوحيد الى ذلك 

هو التحلي بالأخلاق الحميدة والفضائل والابتعاد عن الرذائل، 

وهناك من يرى أن الاستدلال العقلي هو الأجدى. 

بصرف النظر عن كيفية الحصول على الحكمة، 

يتفق الجميع على ماهية الحكمة وعلى أهميتها.


الحكمة بتبسيط شديد 

هي القدرة على استخدام المعرفة التي يمتلكها الانسان 

لايجاد الحلول لما تواجهه من اشكالات، 

بمعنى اخر 

الحكمة هي التعقل أو التفكير المنطقي 

وعكس الحكمة الحماقة. 

أما المعرفة 

فهي المعلومات التي يكتسبها الانسان 

من خلال الدراسة والخبرة الحياتية، 

ومنذ عصر اليونانيين والفلاسفة يفرقون بين الحكمة والمعرفة.


لكن العرب كانوا عكس ذلك تماما


وخاصة أيام الجاهلية 

فقد كانوا يخلطون بين الأمرين 

حيث كانوا يطلقون على ذلك الشخص (عمرو بن هشام المخزومي) 

الذي كان عنده شيء من المعرفة بأبي الحكم، 

حتى جاء الرسول الأكرم (ص) ولقبه بأبي جهل، 

لأنه لم ينتفع من معرفته.


وفي أيامنا هذه التي قد يطلق عليها أحفادنا بالجاهلية الثانية 

أصبح الناس ينبهرون بحملة الشهادات لأنها رمز المعرفة 

ولكن للأسف الشديد نسي الناس 

أن المعرفة ليست بالضرورة وقاية من داء الحماقة، 

واستمروا في تقديس الشهادات حتى لو فرغ المحتوى.


فيما يلي بعض الأمثلة التي تبين الفرق بين المعرفة والحكمة:


1- ما يعرفه الجميع: 

أن النفط يعتبر ثروة ناضبة يعني سينتهي يوما ما.


الحكمة المفقودة: 

أن تعمل الدولة على تنويع مصادر الدخل وأن تخطط لاقتصاد لا يعتمد على النفط. 

لكن بعد 48 عاما من الاستقلال مازال النفط المصدر الرئيسي للدخل.


2- ما يعرفه الجميع: 

الدول الديمقراطية هي التي نجحت وتقدمت وتطورت، 

والدول الدكتاتورية حتى لو استمر الدكتاتور على عرشه 

فان علامات الفشل ستظهر للعالم كله ولا يمكن اخفاؤها.


الحكمة المفقودة: 

أن تعمل الدولة على ترسيخ المبادئ التي تقوم عليها الديمقراطية 

كالعدل والمساواة والحرية واحترام حقوق الانسان. 

لكن بعد 47 عاما من صدور الدستور 

مازال البعض يرى أن الدستور غلطة !  يجب محوها.




3- ما يعرفه الجميع: 

أن أساس النجاح والازدهار لوسائل الاعلام هو الحرية، 

ولا يوجد اعلام حقيقي في الدول الدكتاتورية 

وان ما ينتشر هناك من صحف وتلفزيون وراديو 

هو عبارة عن أبواق رخيصة للسلطة ليس أكثر.


الحكمة المفقودة: 

أن تكون وسائل الاعلام خير مدافع عن الحريات 

والمدافع الأول عن الدستور الذي يعتبر الضامن الأساسي للحرية.
 
لكن بعد أن من الله علينا بالدستور الذي يضمن لنا هذه الحريات 

التي يحسدنا عليها الكثيرون 

تحاول بعض وسائل الاعلام 

للترويج لفكرة تعليق الدستور والانقلاب على النظام الديمقراطي.


4- ما يعرفه الجميع: 

أن حرية الصحافة هي الجناح الاخر للديمقراطية 

بالاضافة الى وجود مجلس منتخب.


الحكمة المفقودة: 

أن يتقبل أعضاء مجلس الأمة النقد، 

واذا كان هناك في الصحافة ما يتجاوز النقد الى حد تلفيق الأكاذيب

يجب أن يكون مرجعهم القضاء. 

لكن ما يحدث هذه الأيام هو الضغط للحد من حرية الصحافة.


5- ما يعرفه الجميع: 

أعضاء مجلس الأمة 

هم انعكاس للمستوى الثقافي والفكري الذي وصل اليه المجتمع، 

وما وصول المتطرفين الى قاعة البرلمان الا دليل على تطرف القاعدة.


الحكمة المفقودة: 

أن تعمل الدولة على مكافحة التطرف في البلاد، 

والعمل على رفع المستوى الثقافي الفكري في المجتمع 

حتى نحصل على أعضاء يشرفون من انتخبهم. 

لكن البعض يدعو الى الغاء الديمقراطية حتى يتخلص من المتطرفين، 

يريدون بذلك اخفاء المشكلة، 

كمن يدس التراب تحت السجاد، 

بدلا من حلها وتخليص العالم من التطرف.


قد يكون السبب وراء الاستمرار في هذه المشاكل وعدم حلها هو غياب الحكمة، 

وقد يكون السبب هو أن من بيده مفتاح الحل مستفيد من استمرارها والله أعلم.



تاريخ النشر : 13 فبراير 2009


http://9ala7.blogspot.my/2009/02/blog-post_12.html

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق