الأربعاء، 6 فبراير 2013

يعيش الأسطى سعد زغلول

يعيش الأسطى سعد زغلول


أ.د. محمد ابراهيم السقا


كيف إحتوى سعد زغلول إضراب العربجية 1924

أدى إنتشار سيارات الأجرة فى القاهرة إلى إضراب جميع الحوذية " العربجية " فى القاهرة ، وتوقفت جميع عربات الحانطور ..

 مشى الحوذية فى الشوارع متجهين إلى بيت الأمة " بيت سعد " يحملون كرابيجهم ، وكانوا يلوحون بها ويطرقعونها فى أثناء سيرهم فى المظاهرة ، فيحدث صوتها فرقعة كطلقات المدافع .

وأمام بيت الأمة طلبوا أن يخرج لهم سعد باشا .. لم يتقدموا بهذا الطلب كرجاء ، وإنما توجهوا به كأمر يستوجب التنفيذ ،

 وقال لهم عم آدم " بواب بيت الأمة " : إن الباشا يتناول إفطاره .

 وصاحوا فى وجهه : إننا جئنا دون أن نذوق لقمة .. كيف يأكل سعد إفطاره ونحن سنموت من الجوع .

ترك سعد مائدة الإفطار دون أن يتم طعامه ، وخرج إلى شرفة السلاملك يستقبل الحوذية الثائرين ،

 قال العربجية إنهم يطالبون من سعد رئيس الوزراء أن يصدر قانونا يمنع سيارات الأجرة من السير فى شوارع العاصمة ، فالسيارات تهددهم فى أرزاقهم وتهددهم بالبطالة والموت جوعا ..

 الحانطور صناعة مصرية والسيارة صناعة أجنبية ، والشعير الذى تأكله الخيل يزرعه الفلاح المصرى ، وبنزين السيارات يستورد من عدوتنا إنجلترا ..

 ثم أن السيارة إذا صدمت مصريا قتلته ، بينما العربة الحانطور لا تقتل أحدا ،

 وإن واجب وزارة الشعب أن تصدر هذا القانون لتحمى الصناعة المصرية ولتحمى الفلاح المصرى ولتحمى المصريين .

إستمع سعد بإهتمام إلى خطباء الحوذية المتحمسين ، حتى إذا إنتهوا

قال بهدوء : إن السيارات دخلت القاهرة قبل تولى وزارتى بعدة سنوات ، فلماذا لم تتقدموا بهذا الطلب من قبل إلى الحكومات الأخرى ؟

فصاح الحوذية : لإن الحكومات الأخرى عينها الإنجليز لتعمل لمصلحة الإنجليز ، أما حكومتك فنحن الذين إنتخبناها لتعمل لمصلحتنا .

إبتسم سعد ليحتوى غضبهم ثم قال : اننى عربجى مثلكم ، مهمتى أن أقود العربة التى تقودونها ،

 إن حكومة الشعب هى العربة الحانطور ،

 ومصر هى الزبون الوحيد الذى يركب العربة ،

 وواجبى أن أوصل الزبون إلى الجهة التى يريد الذهاب إليها ، وهى الإستقلال التام لمصر والسودان ..

 الفرق الوحيد بينى وبينكم أنكم تحملون الكرباج وأنا لا أحمل الكرباج .

ضحك العربجية وإختفى الشرر من عيونهم ، وأحسوا بسعادة أن زعيم الأمة ورئيس وزرائها يؤكد لهم انه عربجى مثلهم .

وعندما شعر سعد انه كسب قلوبهم قال لهم : والآن سأتحدث إليكم كعربجى يتحدث مع زملائه العربجية ..

إن الزبون يريد أن يصل إلى الجهة التى يريدها بسرعها ..

 تماما كما تريد مصر أن أحقق لها الإستقلال بسرعة ، وكل إبطاء أو تأخير ليس فى مصلحة الزبون ونحن فى عصر السرعة ..

السيارة هى علامة التقدم ، وإنها تحل فى العالم كله محل العربات الحانطور ، ولا أستطيع كزعيم هذه الأمة أن أسمح لها تتخلف وأن تمشى ببطء فى عصر السرعة ..

غير معقول أن أرى الطيارة تحل محل السيارة فى بلاد أخرى وألزم بلدى بأن تركب عربة حانطور ، ستكون نتيجة ذلك أن تسبقنا الأمم الأخرى ..

 أتقبلون أن تتقدم الأمم الأخرى ونتأخر نحن ؟

 اننى واثق من أن وطنيتكم لن تسمح بذلك ، اننى واثق من إنكم تفضلون أن تسير بلادنا بسرعة السيارة ثم بسرعة الطيارة ..

 أفهم ان تفكروا فى مستقبلكم فهذا حقكم ، والذى لا يعمل من أجل المستقبل لا يستحق حاضره ولا ماضيه ،

 أفهم بدلا من أن تطلبوا منع السيارات أن تلزموا الحكومة بأن تنشئ مدرسة لتعليم قيادة السيارات ، وأن تساعدكم على الإلتحاق بها فى وقت فراغكم ، وأن تمكنكم من التدرب على الآلات الحديثة، وبذلك يتضاعف دخلكم ويتأمن مستقبلكم ..

 ان واجبكم أن تطالبونى بإدخال الأجهزة الحديثة على بلادنا ..

 إن الإنجليز يسعدهم أن نتخلف وأن نتأخر وأن تسبقنا دول العالم وأن نركب العربات الحانطور ويركبوا هم الطائرات ..

 لن تقبلوا أن يقول التاريخ أن حوذية مصر نادوا بأن تتأخر مصر عن بلاد العالم ،

 خاصة وأنا أعلم وطنيتكم وغيرتكم على بلادكم ،

 أعلم أنكم إشتركتم فى الثورة ،

 وأعلم انكم ضحيتم بقوتكم فى أحلك الأيام من أجل مصر وحريتها ،

 وأعلم انكم على إستعداد أن تكرروا هذه التضحية من أجل تقدمها

 فلا حرية مع التأخر ولا إستقلال مع التخلف ..

 ماذا كنتم تقولون لو أن أصحاب العربات الكارو طلبوا منع العربات الحانطور ؟ ،

 وأصبحنا الشعب الوحيد فى العالم الذى لا ينتقل إلا فوق عربات كارو ؟ ،

 أنا لا أكلمكم كرئيس وزراء ولا كزعيم أمة ، ولكنى أتكلم كواحد منكم يهمنى مستقبلكم لإن مستقبلكم هو مستقبلى وسوف أفعل ما تريدون ..

 إذا كنتم تريدون أن تتقدم مصر بسرعة العربة الحانطور فسأخضع لرأيكم ،

 وإذا أردتم أن نتقدم بسرعة السيارة وبسرعة الطيارة فسوف أفعل ما تأمرون به .

صاح العربجية : بسرعة الطيارة

سعد : إذا إتفقنا

هتف العربجية : يعيش سعد باشا

سعد "ضاحكا ": لا بل قولوا .. يعيش الأسطى سعد

هتف العربجية وهم ينصرفون : يعيش الأسطى سعد .

المصدر ..

مصطفى أمين .. من واحد لعشرة .. ص 325 : 327

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق