الاثنين، 4 فبراير 2013

السياسة النقدية واتجاهات عرض النقد.. رؤية بديلة

د.مظهر محمد صالح

26/7/2012 12:00 صباحا

د.مظهر محمد صالح

إذا كانت نقود البنك المركزي العراقـي المُصدرة والمتداولة

تمثل النقد الاساس base money

وألذي يُعد بمثابة مطلوبات البنك المركزي القادرة على توليد او خلق نقود

من خلال مضاعفة الائتمان المصرفي ليشكل احد المكونات الاساسية لعرض النقد

والذي ينشأ او يخلق عادةً بفعل مضاعف الائتمان المصرفي المتأثر بالنقد الاساس

(اي تأثير الميزانية العمومية للبنك المركزي 

على مضاعف الائتمان من خلال عمليات السوق المفتوحة)

وهو الأمر الذي يؤكد تقليدياً

ان المصارف هي الخالقة للنقد من خلال ذلك المضاعف

ولكن بتأثير وسيطرة النقد الاساس عليه..

وإذا ماصحت هذه الفرضية

فإن عرض النقد يعد متغيراً خارجياً exogenous variable.

بعبارة اخرى سيخضع مضاعف الائتمان الى التأثيرات المباشرة للنقد الاساس

من خلال إشارة سعر الفائدة والميزانية العمومية للبنك المركزي

واللذين كلاهما يمثلان الاهداف التشغيلية القصيرة الاجل للسياسة النقدية operational target

والتي تعتمد الوسائل غير المباشرة

المتمثلة بعمليات السوق المفتوحة والتسهيلات القائمة إيداعاً وإقراضاً.

ولكن كما هو معهود وبسبب الاحادية التي يعيشها الاقتصاد العراقي

واعتمادهِ على عوائد النفط الحكومية 

التي تبلغ قرابة 97 بالمئة من التدفقات الداخلة الى البلاد من العملة الاجنبية

وتكون تلك العائدات قرابة 90 بالمئة من ايرادات الموازنة الاتحادية 

عند استثناء القروض والديون المختلفة.

كما تقارب 60 بالمئة او أقل من تكوين الناتج المحلي الاجمالي.

وفي ظل غياب التدفقات الاخرى، ولاسيما القطاع الخاص بالعملة الاجنبية التي لاتشكل اية اهمية،

فقد اصبحت البلاد تتعايش حقاً على المورد الحكومي الاول من عائدات النفط،

وهي الآلية التي خلقت ترابطاً قوياً مؤثراً بين مكونات عرض النقد 

وخضوعه لعوامل الطلب على النقد،

إذ اصبحت مكونات عرض النقد 

ولاسيما العملة في التداول خارج البنك المركزي واحتياطات النقد في المصارف

من المتغيرات الداخلية endogenous variable

المتأثرة بمتغيرات الاقتصاد الكلي الاساسية 

ولاسيما الناتج المحلي الاجمالي والنفط منه بشكل خاص

لتجعل من عرض النقد متغيراً داخليا ، كما نوهنا

وان سيولة الاقتصاد لابد من ان تخلق وتتعاظم عن طريق الاصدار النقدي المباشر

بعد مقايضة نقود البنك المركزي كمطلوبات بالنقد الاجنبي المشترى من الحكومة

كموجودات داخل الميزانية العمومية للبنك المركزي.

وهو مايطلق عليه بالتغذية الارتجاعية الموجبة positive feedback

وان خلق النقود عن طريق مضاعف الائتمان اصبح اليوم في اضعف نقطة في تاريخ البلاد النقدي

وان ذلك المضاعف الائتماني لايتعدى في احسن الاحوال (الواحد) الا بقليل،

وهو الامر الذي يؤشر تطابق عرض النقد مع النقد الاساس.

كما ان النظام النقدي في العراق 

ولاسيما نظام معدلات الصرف الذي يمثل سعر الصرف فيه القيمة الخارجية للنقود،

وبسبب التلازم بين عوائد النفط بالعملة الاجنبية والاصدار النقدي

(بعد ان تحولت تلك العوائد في جانب كبير منها الى احتياطيات اجنبية لدى السلطة النقدية)

فإن نظام اسعار الصرف قد تغير بالتدريج من نظام صرف معوم مدار الى نظام صرف شديد الثبات..

موضحين ثانية

ان مضاعف الائتمان المصرفي يساوي واحد

وأن العملة المصدرة التي تماثل عرض النقد

أمست مغطاة بالنقد الاجنبي بنسبة 100بالمئة او اكثر 

وحسب سعر الصرف وتغيرهِ طوال المدة الماضية.

وعلى الرغم من أن عمليات السوق المفتوحة من خلال مزاد العملة الاجنبية 

للتأثير على مناسيب السيولة وتحقيق الاستقرار عبر آلية التعقيم هي عالية جداً 

الا انها لايمكن لها ان تحدث فراغا نقديا بالدينار العراقي 

وهي في الاحوال كافة

ماتسحبه من سيولة بالدينار العراقي يبقى اقل من حجم الاصدار النقدي

بالرغم من شدة تدخل البنك المركزي في سوق النقد 

اي السوق المركزية لبيع وشراء العملة الاجنبية

والتي هي واحدة من اكبر الاسواق القائدة لسوق النقد،

ذلك بسبب استمرار الحكومة في تغذية مشترياتها للدينار 

عبر مقايضتها للعملة الاجنبية التي بحوزتها لتلبية احتياجات الموازنة العامة .

لذا لابد للنقد المصدر ان يستمر في التداول داخلياً 

مهما بلغت مبيعات المزاد بالعملة الاجنبية وعمليات التعقيم وامتصاص السيولة.

وبهذا، فإن العملة في التداول خارج المصارف 

والتي تشكل مع النقد في خزائن المصارف الجزء المهم من النقد الاساس

تبقى ضعيفة في توليد وخلق النقود (عرض النقد) من خلال مضاعف الائتمان

خصوصاً اذا مالاحظنا 

الفوائض العالية في خزائن المصارف او الحسابات الجارية لدى البنك المركزي

التي تؤكدها الطبيعة المحافظة للمصارف في التوسع في الائتمان النقدي

بسبب ظروف البلاد الراهنة وإمكانية تحقيق الربح السريع المضمون من المخاطر 

عبر المشاركة في مزاد العملة الاجنبية..

آخذين بالاعتبار

ان العملة المحلية في التداول خارج المصارف 

تعد هي الاخرى تسرباً خارجياً يضعف القدرة على خلق النقود

التي تبلغ نسبتها قرابة 70بالمئة من عرض النقد الضيق

(المكون من العملة في التداول خارج المصارف والودائع الجارية للجمهور لدى المصارف)

وفي الاحوال كافة

فإن الودائع النقدية لدى المصارف بمختلف اشكالها 

تعد سيولة فائضة في خزائنها ولاتقرض الا في نطاق ضيق

وإن اقرضت حقاً 

فإنها لاتولد مضاعفاً ائتمانياً يعتد به كثيراً في خلق النقود او توليد عرض النقد.

وتأسيساً لما تقدم،

فإن نظام الصرف في العراق او النظام النقدي بات بالأحرى اقرب

الى نظام ترتيبات مجلس العملة currency board arrangements

وهو النظام الذي تتعادل فيه العملة الوطنية بالعملة الاجنبية بنسبة تغطية 100بالمئة

مع تعطل مضاعف الائتمان المصرفي الى حدٍ بعيد.

وعليه،

فإن الغاء مزاد العملة الاجنبية

وتحويل المزاد المركزي من البنك المركزي الى الحكومة

وتوليد آلية مباشرة عن طريق بيع وزارة المالية للعملة الاجنبية الى الجمهور بتوسط المصارف

(اي توليد سوق مركزية بديلة خارج البنك المركزي)

لابد من ان يؤدي الى تبدل جوهري في السياسة النقدية للعراق:

اولهما،

انه سيجعل من عرض النقد اكثر ميلاناً ليصبح متغيراً خارجياً exogenous

تتحكم فيه السياسة النقدية بدلا من تحكم سلوكيات الطلب النقدي الراهنة

والتي تضعف من عمل سياسة البنك المركزي في بلوغ مراتب اكثر دقة واقل كلفة

لتحقيق الاستقرار الاقتصادي والاستقرار المالي معاً.

ثانيهما،

وعلى الرغم مما تقدم،

فاذا ماقامت الحكومة بعرض موجوداتها الاحتياطية من النقد الاجنبي على المصارف المحلية

فإن المصارف ستواجه الى حد بعيد صعوبة في تنظيم تدفقاتها النقدية cash flows

وهو الامر الذي قد يلجأ المصارف الى الاقتراض من البنك المركزي العراقي،

وعندها ستتغير توجهات عمليات السوق المفتوحة لتأخذ منحىً قوياً اخر

وهو التعامل المباشر بالاوراق المالية المحلية

 وادوات الدين العام ذات الطبيعة النقدية التي تعد اشباه نقود،

كحوالات الخزينة وحوالات وسندات البنك المركزي 

إضافة الى خصم الاوراق التجارية لتأمين السيولة.

وعندها ستؤدي إشارة الفائدة دوراً مهماً وبليغاً في السياسة النقدية

قد يعوض الدور نفسه 

الذي تؤدية إشارة سعر الصرف في ظل السوق المركزية للعملة الاجنبية حالياً.

كما ان بلوغ الفائدة التوازنية في الاقتصاد سيُعد بمثابة الهدف الوسيط

اوالمثبت الاسمي للتوقعات التضخمية nominal anchor للتصدي الى فائض الطلب الكلي في الاقتصاد

بغية تحقيق اهداف السياسة النقدية في الاستقرار.

ثالثهما،

وكما نوهنا

فإن عرض النقد سيتزايد عن طريق خلق الائتمان

وبواسطة مضاعف الائتمان ليصبح (اكبر من واحد بكثير)

وهو الأمر الذي يجعل من النقد الاساس عبر عمليات السوق المفتوحة 

اكثر تأثيراً على مضاعف الائتمان لضبط مناسيب السيولة.

ويعزز من قوة السياسة النقدية في تحقيق العمق المالي 

والتأثير غير المباشر بالأنشطة الائتمانية

بما يخدم الاستقرار والنمو الاقتصادي.

واخيراً،

قد تواجه الحكومة مشكلات في انتظام التدفقات النقدية للمصارف

 تبعاً لتأثير السياسة النقدية وتوجهاتها

سواء أكانت متشددة ام هي توسعية مُلبية.

وهو الأمر الذي قد يضطر المالية العامة بين الحين والاخر

لبيع جانب من موجوداتها الاجنبية الى البنك المركزي

مما يعزز احتياطيات البنك منها،

ولكن ستتأثر هذه التوجهات كما نوهنا سلفاً بطبيعة السياسة النقدية 

وتأثيرها على عرض النقد سواء اكانت ملبية ام متشددة.

وبهذا يمكن للبنك المركزي 

ان يعرض مباشرة على المصارف (السوق اللامركزية للصرف) بعض احتياطاتهِ

عندما يجد ان معدلات الصرف قد خرجت عن توازناتها بغية تحقيق الاستقرار

ولايمنع البنك المركزي نفسه من شراء العملة الاجنبية من تلك السوق (اللامركزية)

ولاسيما التحاويل والتدفقات الداخلة من الخارج من النقد الاجنبي 

بعيدا عن نطاق التدفقات الحكومية.

الاستنتاجات

أ- إن تحويل مزاد البنك المركزي كسوق مركزية وجعلهِ بعهدة الحكومة 

وتسيير آلياتهِ من خلال واحدة من مصارفها التجارية،

سيغير من طبيعة النظام النقدي حالاً

وتحويلهِ من نظام صرف ثابت او شبه ترتيبات مجلس عملة الى نظام صرف مرن

تتغير فيه اسعار الصرف طبقا للعرض والطلب في السوق النقدية.

إلا انه بالرغم من ذلك 

سيسمح للسلطة النقدية بالتدخل بين الحين والاخر لضبط اسعار الصرف

وضمان استقرارها وفقا للحلول المرسومة لها.

وان التدخل اليومي في سوق الصرف 

لابد ان ينتهي لمصلحة التدخل الطارئ للبنك المركزي عند الحاجة لتنظيم استقرار سوق النقد.

ب- تحول عمليات السوق المفتوحة لضبط مناسيب السيولة 

كأداة من أدوات الاهداف التشغيلية للسياسة النقدية وباتجاه الاوراق المالية

سيؤدي الى تعميق السوق النقدية وبناء أسس قوية للوساطة المالية خارج الآليات الراهنة

التي ربطت الوساطة المصرفية بالتوسط في بيع وشراء العملة الاجنبية لتغلب على عملياتها.

جـ - ختاماً، 

انه يمكن للسياسة النقدية التأثير في مناسيب السيولة من خلال دور اشارة سعر الفائدة ،

كما سيؤثر النقد الاساس في طبيعة المضاعف النقدي المولد لعرض النقد 

لتحقيق اهداف السياسة النقدية المستقرة،

و ستتعزز ميكانيكية الانتقال النقدي 

من الاهداف التشغيلية الى الاهداف الوسيطة والمؤثرة في فائض الطلب

ولكن عبر توليد سعر فائدة توازني 

ليأخذ مركز الصدارة في استقرار القيمة الداخلية للنقود وبلوغ اهداف السياسة النقدية

بعد ان كان متغيراً ثانوياً في ظل السياسة النقدية الراهنة التي تعتبر سعر الصرف التوازني

هو الهدف الوسيط في لجم التوقعات التضخمية 

المعظمة للانفاق الكلي وإدامة التضخم ومن ثم اضعاف مراكز الاستقرار،

وهو الامر الذي استطاعت السياسة النقدية الحالية من النجاح في بلوغ غايات الاستقرار.

http://www.alsabaah.com/ArticleShow.aspx?ID=32000


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق