السبت، 26 يناير 2013

بكتب اسمك يا حبيبي ... على خَـدِّ مَنْ هذه الصفعة ُ يا عاصي ؟؟؟

بكتب اسمك يا حبيبي ... على خَـدِّ مَنْ هذه الصفعة ُ يا عاصي ؟؟؟

الدكتور حكيم العبادي

سحر النص الفيروزي

كلما سمعت هذه الأغنية رَثيتُ لعلماء النحو بدئا ً من سيبويه وابن جني وابن منظور والجوهري والزبيدي والخليل بن أحمد و..و..و..حتى آخر نحوي عرفته اللغة العربية ...

 ورَثيت ُ أيضا ً لأغلب العشاق الذين عرفهم التأريخ في جميع بقاع العالم ...

فقد وَجَّه َ الكبير عاصي صفعة ً نحوية ً للمجموعة الأولى ... كما وَجَّه َ صفعة ً أخلاقية ً وإنسانية قاسية للمجموعة الثانية ...

 أما كيف ؟؟ ... فتعالو معي لهذه الاغنية الرومانسية الرائعة .


أفعال المشاركة في اللغة العربية :
هي الأفعال التي تتطلب مشاركة أكثر من فاعل في أدائها ... مثل الافعال : حادَثَ ، صالـَحَ ، لاعَبَ ، نافس ، قاتلَ ، بارى ...الخ ...

 حيث لا يمكن لفاعل واحد أن يؤديها ...
 فالمحادثة تحتاج الى اكثر من متحدث لاداء الفعل ، وكذلك المصالحة والملاعبة وهكذا باقي الافعال ...

 والفعل : ( أ َحَبَّ ) ليس منها بالتأكيد ...

 فالمُنـَخـّل اليشكري يقول وأحبها وتحبني ويحب ناقتها بعيري

وهذا يعني أنه قام بالفعل من جهته ... وقامت بفعل آخر من جهتها ... ولم يشتركا في نفس الفعل ... رغم أنه من نفس النوع ... فقد قاما به كل من ناحيته ، كما قام به البعير بعيدا ً عنهما .

ما يميز أفعال المشاركة هذه ، أنها لا تحدث بأفضل أشكالها وأجمل صورها إلاّ إذا تبادل الفاعلان التأثير في الفعل بنفس العطاء وبنفس الصدق وبنفس الوعي وبنفس المهارة وبنفس الجمال !!! .. و ارتقى اسوئهما أداءا ً لمستوى الآخر رفيع المستوى ... حيث لا يجوز أن يتدنى مستوى الافضل ...

 وكلكم يعلم تفاهة المناقشة مع من هو دونك علما ً أو ثقافة ً أو وعيا ً... وكلكم يعلم رداءة مباراة بكرة القدم بين فريقين كبرشلونة الاسباني الذي يضم نخبة نجوم العالم وفريق من الدوريات العربية الكثيرة ...

 فتقارب المستوى الرفيع للفاعلين يرفع من مستوى أداء الفعل ، ويكسبه من الجمال والقيمة والابداع واللانمطية الشيء الكثير . 

هذا النص الرحباني الجميل أدرك هذا... ولهذا تمرد على هذه القاعدة ... ونبهنا لما تتميز به ... وعلمنا أن الحب ... لا يكون حبا ً ، إذا لم يتصف بالمشاركة العادلة تماما ً ... 

فأجملُ الحب وأطهره ما كانَ عطاءا ً وأخذا ً ... وأقـَلـَّه ُ جمالا ً ما كانَ أخذا ً وعطاء ... وليس حبا ً ابدا ً ذاك الذي يكون أخذا ً أو عطاءا ً فقط .

جميع النصوص الغنائية العربية حين تتحدث عن إختلاف أداء العاشقين ... تتحدث عن خيانة أحد الطرفين ... وأفضل أمثلتها طبعا ً هي نصوص أغاني السيدة أم كلثوم لأنها منتقاة بعناية كبيرة أو كتبت خصيصا ً لها ...

 راجعو نصوص : ( حب إيه ، أروح لمين ، أصون كرامتي ، أكذب نفسي ، أنا بانتظارك ، هجرتك ، إسأل روحك ، إنت الحب ، الاوله في الغرام ،..،..، الخ )

 وعشرات غيرها ولجميع المطربين وستدركون تماما ً ما أعنيه .

تتصف كتب الأدب والتاريخ العربي بالتلفيق والكذب ...

 ومن مبالغاتها الكثيرة أن الفارابي عزف لحنا ًعلى العود في أحد المجالس الخاصة فضحك كل من في المجلس ... وعزف لحنا ً آخر فبكى كل من في المجلس ...                ثم عزف لحنا ً ثالثا ً فنام كل من في المجلس ... فتركهم نياما ً وخرج !!! .

هذا الرواية الطريفة (غير المقنعة ) كأغلب الروايات العربية ... لـُفـِّقـَتْ مرة ثانية في الأندلس مع تغيير البطل ... والعازف هو زرياب هذه المرة ...

 وزرياب موسيقي مشرقي رائع الصوت ترك بغداد وذهب الى الاندلس ...

وليس هذا بمستغرب أبدا ً...

 فأغلب ما جاء به المشارقة قد أعيد إنتاجه في المغرب لاحقا ً ...

 حتى قال الصاحب بن عبّاد حين سمع بكتاب العقد الفريد لإبن عبد ربه الأندلسي فطلبه بكل طاقته ... حتى اذا ظفر به وإطلع عليه قال : ( هذه بضاعتنا رُدَّت إلينا ) .

أقول لكم الآن سبب ذكري لهذه القصة ...

 فاللحن المقصود الذي جعل كل من في المجلس ينام
 فيتركهم الفارابي أو زرياب ويخرج :
 هو من مقام النهاوند بالتأكيد ...

 رغم أن المؤلف لا يذكر لنا ذلك ...

ولكن هذا ما نستنتجه ... أي كأغنيتنا هذه ...

 في حين كان الذي أبهجهم وأضحكهم هو من مقام الرست ...
 كلحن أغنية : ( يا دارة دوري فينا ... ظلي دوري فينا ) ذات اللحن الذي يبعث السرور والبهجة .

النهاوند ... لحن رقيق ، حزين ، حالم ، شجي ... يوقظ في النفس أطيافا ً لا تنتهي من الذكريات الرومانسية الناعمة ...
ويهدهد الروح بعذوبة ورقة بالغة حتى تنام بين يديه كالأطفال ... ولهذا تستخدمه الامهات في بعض تهويداتهن لأطفالهن حين يغنين لهم ليناموا ...

 هذا اللحن يذيب الروح حتى ليصعب على الانسان لملمتها ... فيشعر الانسان بخدر ٍ لذيذ وأسى ً عميق ... لا تقاومه الأحاسيس ... فتتلاشى ، ويـَسري فيها فتورٌ لذيذ ...

 ولذلك ربطوه بالنوم ...

ولذلك أيضا ً يبتديء به الملحنون ، لكنهم سرعان ما يغيرونه بعد افتتاحية الاغنية فينتقلون إلى مقامات ٍ أخرى لكي لا يثير الملل في النفوس ...

 لكن خدره اللذيذ حين يمتزج مع صوت فيروز الملائكي ، المنعش ، الأنيق يبعث في النفس عالما ً حلوا ً رحيبا ً من الأنس والحنين .

قبل أن أناقش هذه الأغنية سأختار نصا ً انجليزيا ً في نفس المعنى ... لكي نتفهم الاختلاف عند عاصي الرحباني .

النص الانجليزي هو للأغنية الجميلة الشهيرة : ( NEVER ,NEVER ,NEVER ) ...للرائعة شيرلي باسي ...

والتي تؤديها بوجع صادق هو للعويل أقرب حتى لتكاد تبكي معها ...

 يقول النص الانجليزي الذي ساترجمه للعربية بشكل يحفظ نبضه الشعري قدر المستطاع :

I'd like to run away from you ,but if you never found me I would die
I'd like to break the chains you put around me, but I know I never will
You stay away and all I do is wonder why the hell I wait for you
But when did common sense prevail for lovers when we know it never will
Impossible to live with you, but I know, I could never live without you
For whatever you do
I never, never, never want to be in love with anyone but you
You never treat me like you should, so what's the good of loving as I do?
Although you always laugh at love, nothing else would be good enough for you
Impossible to live with you, but I know, I could never live without you
For whatever you do
I never, never, never want to be in love with anyone but you
You make me laugh, you make me cry, you make me live, you make me die, for you
You make me sing, you make me sad, you make me glad, you make me mad, for you
I love you, hate you, love you, hate you
But I'll want you till the world stops turning
For whatever you do

******


كم أود ُّ أن اهرب منك ...                                                                                                  
غير أني سأموت إذا لم تجدني وكم أود ُّ تحطيم السلاسل التي كبلتني بها ...                                                                              

ولكنني أدرك أنني أفـتـقـد الإرادة كل ما أفعله حين تبقى بعيدا ً ،
 أن أتسائل لماذا بحق الجحيم أنتظرك !!!                                                                                                   ولكن متى كان الحس السليم سائدا ً قلوب العشاق ؟؟؟ ...
 فهذا ما لم ولن يحصل أعلم أنه من المستحيل أن اعيش معك ...
 ولكنني أعلم ايضا ً أنني لا استطيع العيش بدونك ، مهما فعلت !!!
                                                                                                     لا يمكنني أبدا ً ، أبدا ً ، أبدا ً أن أعيش حبا ً مع أي شخص إلاك
أنت لم تعاملني يوما ً كما يجب ، فما جدوى حبي الرائع لك ؟؟؟
ومع انك تسخر دائما ً من الحب ... لكن لا شيء سيكون جيدا ً بما فيه الكفاية لك غيره
أعلم أنه من المستحيل أن اعيش معك ... ولكنني أعلم ايضا ً أنني لا استطيع العيش بدونك ، مهما فعلت !!!
لا يمكنني أبدا ً ، أبدا ً ، أبدا ً أن أعيش حبا ً مع أي شخص إلاك
لقد جعلتني أضحك ... وجعلتني أبكي ... جعلتني أحيا ... وجعلتني أموت من أجلك
جعلتني أغني ... وجعلتني حزينا ً ... جعلتني سعيدا ً ... وجعلتني مجنونا ً بسببك
احبك ... أكرهك ... أحبك ... اكرهك
رغم ذلك ومهما فعلت ، فأنا أريدك حتى يتوقف العالم عن الدوران
..........

بين نصوص السيدة أم كلثوم ونص أغنية شيرلي باسي فرق جوهري مهم ...

 ففي نصوص ام كلثوم كان هناك تناقض كبير بين فعلين مختلفين متضادين ...
حب صادق منها وخيانة من الطرف الآخر...
 تأملو :
 ( كنت باخلص لك في حبي من كل قلبي ... وانت بتخون الوداد من كل قلبك ) ،                                       ( ولما ايقنت روحي بـِشـَر ٍّ ... وكان الغدر فى عينيك يُنبى ) ،
 (أكذب نفسى عنك فى كل ماأرى ) ،
 ( توعدني سنين وايام ... وتجيني بحجج وكلام ) ،
 ( غدرك بيّ .. أثّر فيّ .. و اتغيّرت شوية شوية ) ،
 (بيني وبينك هجر وغدر وجرح بقلبي داريته )

 وعشرات غيرها من الامثلة ...

بينما في نص اغنيتنا الانجليزية لم تكن هناك خيانة ...كان حبا ً لكنه لم يرقى الى صدق وسمو وطهر حب الطرف الآخر ...

 أي كان هناك عدم معاملة بالمثل ... فعل واحد من نفس النوع لكنه باداء مختلف :
( أنت لم تعاملني يوما ً كما يجب ، فما جدوى حبي الرائع لك ؟؟؟ ...
 ومع انك تسخر دائما ً من الحب ) ...

ولذلك نعتبر هذا النص هو الأقرب لنصنا المختار .

تقول كلمات هذه الاغنية النهاوندية الساحرة :

بكتب اسمك ياحبيبي عالحور العتيق ..
بتكتب اسمي يا حبيبي عارمل الطريق ..
بكرا بتشتي الدني .. عالقصص المجرحه
بيبقى اسمك يا حبيبي واسمي بينمحى

*****

بحكي عنك ياحبيبي لأهالي الحي
تحكي عني ياحبيبي لنبعة المي
ولما بيدور السهر .. تحت قناديل المسا
بيحكوا عنك ياحبيبي وانا بنتسى

*****

وهديتني وردي .. فرجيتا لصحابي
خبيتا بكتابي .. زرعتا عالمخدي
هديتك مزهريي .. لا كنت تداريها
ولا تعتني فيها .. تا ضاعت الهديه
وبتقلي بتحبني ما بتعرف قديش
مازالك بتحبني ليش دخلك ليش
بكتب اسمك ياحبيبي عالحور العتيق
تكتب اسمي يا حبيبي عارمل الطريق

*****

كعادته دائما ً في اغترافه من الطبيعة ... يرسم لنا عاصي صوره بمفرداته التي يقتطفها من كل مكان ... عالمه زاخر بجميع الألوان ... وقاموسه هو الطبيعة بكل ما فيها ... وخياله الجَموح يمتلك ألفَ جناح ٍ وجناح ...

 في هذا النص الأنيق يصور لنا صورا ً شديدة البساطة ...بريئة ً ، نقية ً، صادقة ً ، بلا حذلقات ... صورا ً تتكرر كل يوم ...

ولكنه يلونها بفرشاته الرحبانية فريدة الرقص ... يضع فيها بصمته الساحرة ويطلقها دون شروح ... ليترك لوعي المستمع ، ولخياله ، ولثقافته ، ولرؤاه أن يتصورها وفق ما يريد ...

 لكنه يكبلك مسبقا ً بقيود الجمال الرحباني ... لأنك مهما حاولت فهمها بعيدا ً عن قوانين الجمال الفيروزي ، سيكون الفشل حليفك ...

 هذه النصوص عن الجمال ... خلقها الجمال ... ليسمعها الجمال ... وليفسرها الجمال ... فكيف اذا جاءك بها صوت العظيمة فيروز ...

كيف وأنت مُحاصَرٌ بأجمل ما جادت به الصدفة ...وأجمل ما يتمناه الوعي ... وتحلم به الأحاسيس ... وتتنفسه مشاعر الإنسان ...الأنسان الإنسان .

مراهقة عاشقة ... صبية طاهرة ... أو هي سيدة بمنتهى النضج ، لكنها بطهر مراهقة ...ونقاء أم ... وبعذوبة انثى ... وبرائة طفلة ...

 تحدثنا عن قصتها مع الآخر اللا طاهر ... الآخر اللا بريء ... أو هو اللا واعي في أحسن وصف ٍ له ...

 تحدثنا بلغة الأطفال ... وبوجع المراهقات ...وبقهر الخائبات ... تشكو لنا حبيبها الذي لم يخنها ... حبيبها الذي يحبها كما تعتقد ... وكما يقول لها ...

تقول له أنها كتبت اسمه حفرا ً على جذع شجرة الحور...
 في حين كتب هو اسمها على ارض الشارع المغطاة بالرمل ...

بكتب اسمك ياحبيبي عالحور العتيق ..
بتكتب اسمي يا حبيبي عارمل الطريق ..
وبكرا بتشتي الدني .. عالقصص المجرحه
بيبقى اسمك يا حبيبي واسمي بينمحى

لماذا شجر الحور ؟؟؟...

هذه الشجرة الرائعة السامقة النافعة الجميلة المعمرة ...
 يبلغ ارتفاعها ما بين 15 – 50 مترا ً ... تعيش حتى في اشد المناطق جفافا ً ...

 لذلك يستفاد منها في الحماية من التصحر وحماية ضفاف ومجاري الأنهار لأنها تمنع تآكل التربة ... خشبها لين مطواع رائع الاستجابة ...

 لذلك تعتبر من اهم الاشجار التجارية لوفرة وجودة اخشابها ...طول بعشرات الامتار وخشب جيد يكفيان ليجعلاها على رأس قائمة الاشجار النافعة لعامة الناس ...

 لكنها تلمح لصفة رائعة اخرى بالتأكيد .... فهذه الشجرة تعمر طويلا ً ...

 واقدم شجرة حور فراتي ذكرها سجل غينيس للأرقام القياسية موجودة في قرية تشيليباك في محافظة شايا في الصين عمرها 1420 سنة .

إذن فقد أغمضت عينيها وحفرت إسمه على شجرة الحور ، وهي تحلم بأن يظل على جذعها ألف سنة ... أو أكثر ...

وأن يقرأه خمسون جيلا ً من العشاق الذين يمرون على هذه الشجرة ... وقد إختارت الحور القديم ... وليس الحور الجديد ...

 فالقديم نما منذ ألوف أو مئات السنين ... وسيظل لفترة طويلة أخرى ...

 أما الحور الجديد الذي يقوم برعايته وتكثيره المستثمرون في غابات خاصة فهذا يتم قطعه بعد عدة سنين قد تستمر ل20 او 30 لغرض الاستفادة من أخشابه ...

 أما هو ... الحبيب المفترض ...

 فقد كتب اسمها على الرمل ... وتحديدا ً رمل الطريق !!! ...
 و تـَجـَمُّعُ هذا الرمل هو الأقصَرُ عمرا ً ...
فهو طبقة رقيقة من الرمل تأتي بها الريح وتـُجـَمـِّعـُها معا ً لتفرش بها بلاط الشارع ... لتفرقها سريعا ًهبة ٌ أخرى لنفس الريح بعد لحظات ...

ليته على الاقل قد إختار طبقة من الرمل أكثر سمكا ً وأكثر مقاومة ...

 ولكن ... من بين عشرات الصور في الطبيعة ... تأبى عبقرية عاصي أن تكتفي بنصف جمال ... أو نصف لون ... أو نصف دمعة ... ولا يرضى إلا َ بمفارقة ٍ كاملة !!!.

بحكي عنك ياحبيبي لأهالي الحي
تحكي عني ياحبيبي لنبعة المي
ولما بيدور السهر .. تحت قناديل المسا
بيحكوا عنك ياحبيبي وانا بنتسى

كلكم مررتم بهذا الاحساس الجميل بالتأكيد ... فمن أغرب حـِيـَل ْ العشق وغرائبه ...

 أن العاشق حين يكون جالسا ً في مجلس ٍ ما ... يستدرج الجالسين للحديث عن حبيبه ...فينتشي ويهتز بشكل غريب وهو يسمعهم يتحدثون عمن يحب ...

هذا المعنى الجميل إلتقطه خالد الأمير في ألاغنية التي غنتها لطيفة :
 ( لما يجيبوا سيرتك يـِحْـلـَوْ الكلام...) ...
 ولكنه في اغنية لطيفة متروك للصدفة ... ولمزاج الناس ... ولدوافع الحديث ...

 أما في نصنا الفيروزي الرائع ...
 فإن عاشقتنا الطيبة في هذا المقطع تصطاد الناس اصطيادا ً لتنفيذ مآربها في الحديث عن حبيبها ... فنراها تحدث الناس عن حبيبها بكل جميل ... وتحكي عنه أجمل القصص ...

قصص رائعة جميلة معبرة تصلح أن تكون مواضيعا ً لحديث الناس في سهراتهم ...ولقائاتهم الليلية الشاعرية الجميلة تحت القناديل ... حين يستحضرون أجمل ما يحفظون من قصص للتحدث بها ...

 فقد كان يحيى بن خالد يوصي بنيه :
( اكتب يا ولدي أحسن ما قرأت .. واحفظ أحسن ما كتبت .. وحدث الناس بأفضل ما حفظت ) ...

 قد تجدون هذه العبارة منقولة عن المأمون لبعض بنيه من قبل بعض الكتاب العرب...

وهذا ممكن لأن أبناء يحيى بن خالد هم من عـَلـَّمَ المأمون وأخوته ...

 وتقارن عاشقتنا الجميلة عشقها الرائع هذا ... بكل ما فيه من طهر وجمال ورصانة بالسطحية والسخف الذي يتمتع به حبيبها ...

 فمقابل حديثها عنه لكل الناس ، لتجعل منه حديث السهر في مجالس الناس ... كعنترة وابو زيد الهلالي ومجنون ليلى والزير سالم وجميع أبطال الاساطير ...

 يحكي هو عنها لنبع الماء ... اختيار بمنتهى السذاجة والسخف ... ويثير بالنفس ما يثير من بواعث الألم والخيبة والحزن ...فالمياه في النبع لا تسمع ... واذا سمعت لا تحفظ ... واذا حفظت لا تتحدث ... واذا تحدثت ليس هناك من يسمعها ... واذا وجدت من يسمعها من البشر فهم غير قادرين على فهم لغة الخرير التي يتقنها الماء ... وماء النبع ليس كمياه البحيرة لانه متغير ... وسيرحل بعد قليل جاريا في السواقي ... وسيأخذ مكانه ماء آخر ...

ونتيجةً لكل هذا ، فليس هناك من يتذكرها ... وستكون عرضة ً للنسيان ، في حين سيتحدث الجميع عن حبيبها الذي حولته الى اسطورة من أساطير السهر والمجتمع .

وهديتني وردي .. فرجيتا لصحابي
خبيتا بكتابي .. زرعتا عالمخدي
هديتك مزهريي .. لا كنت تداريها
ولا تعتني فيها .. تا ضاعت الهديه
وبتقلي بتحبني ما بتعرف قديش
مازالك بتحبني ليش دخلك ليش

ومقارنة ظالمة ثالثة ... 

فحين أهداها وردة في أحد الأيام ...وهي مرة يتيمة لم تتكرر ...حملتها منتشية ً تكاد تطير من فرحها بها ... لتريها لكل أصحابها حين كانت طازجة ً طرية ... وحين ذبلت وضعتها بين طيات كتابها لتراها وتتذكرها دائما ً ... ثم قامت برسمها وتطريزها على وسادتها ... لتضع رأسها كل يوم على رسم هذه الوردة ... فتريح رأسها عليها ...وتحتضنها ... وتشكو إليها .. وتبثها لواعجها ...

وهذا من أسرار البنات التي لا تعرفها إلا الأمهات لانهن مرّن بنفس التجربة ...

فالمراهقة والصبية العاشقة تخلد أحاسيسها بشتى الصور المبثوثة في غرفتها ... فالرسمة المطرزة على الوسادة لها قصة ... ولتطريز الشرشف قصة أخرى ... وللون الورق الذي يغلف جدار الغرفة قصته أيضا ً... وهكذا الستائر واللوحات والمرايا والدفاتر والاقلام والامشاط وكل ما يتعلق بهن وصولا ً للملابس المنزلية ...هذه بعض أسرار الصبايا ...

وهي النزر اليسير من عالمهن الغامض الواسع الجميل ...
 وأرجو منهن أن يغفرن لي شغبي هذا ...
فمن أجل الجمال قد نفضح بعض أسرار عالم الجمال ...

أما هي فقد أهدته مزهرية ... وواضح جدا ً كيف تعامل معها ... فالمزهرية التي صُنـِعـَتْ لكي تـُزَّيـَن ْ بالزهور دونما عمر محدد ... والتي ستصبح يوما ً بعد يوم أثمن وأغلى وكلما طال بها الزمن ستصبح تحفة أثرية باهرة ... قام بإهمالها دونما اهتمام ... رغم أن كونها هدية حب ٍ مما يزيدها أهمية وقيمة ومعنى ً .

هنا تنتهي مقارنات عاصي البريئة والساحرة الثلاث ...
وهنا سيتوجه السؤال البريء الصارخ :
( كل هذا ... وتدعي أنك تحبني ؟؟؟؟ ...
 ما دمت تحبني كما تقول فلماذا هذه المعاملة إذن ؟؟؟؟؟؟ )

عاصي في هذا النص العميق البالغ البساطة ...
يوجه صفعة ً قاسية لوجه النحويين و يصرخ بوجوههم أن الفعل : (أحب َّ) يجب أن يكون من أفعال المشاركة ...
ولا قيمة لحب لا يتبادل فيه الحبيبان الفعل بنفس النقاء ونفس الصدق ونفس اللهفة ونفس القيم ...لا قيمة لحب يمارسه أحدهما بمنتهى العمق والجمال والشجن ... ويمارسه الآخر بمنتهى السطحية واللا وعي والغباء ...

 هذا الفعل في اللغة الرحبانية يجب أن يكون : ( تحاب ) ... وليسقط فعلهم المتخلف أحب وإلى الأبد .

هذه الحالة الشاذة الغريبة تتصف بها أغلب الزيجات العربية ...

 ويؤلمني أن بعضهم لم يـُسمع زوجته كلمة حلوة منذ عشرين سنة أو أكثر ...
وأنا على إطلاع كامل على تفاصيل كثيرة عن قصص الناس وعلاقاتهم ...
واقسم انني لو تحدثت عنها لأصيب البعض بالذهول ...فأنتم تعرفون بعضها ...
 ولكنني اعلم من كـَمـِّها الاهوال ...
 لا تتصورو أنكم تعلمون ما هو الحب ؟؟ وماهي العاطفة ؟؟ وماهي المشاعر ؟؟ ...

عاصي في هذا النص يوجـِّه صفعة ً قوية ً ثانية لوجوه جميع من يمارس الحب بهذه السطحية والسخف والتفاهة ... من تحبونها إنسان تؤنسه الكلمة ... وتذيبه الاشارة ... وتطربه التلميحة ... وتأسره الوردة ...

 تقول الرائعة جورج صاند : ( أريد ممن يحبونني أن يفصحوا لي عن ذلك ... فعالم الصمت واسع ٌ خلف القبور !!! ) .

أنا أتفهم أن لا يستطيع شخص ٌ ما أن يهدي حبيبته أو زوجته هدية ً ما لضيق ذات يده ...ولكن ما عذره وهو ضنين بالكلمة الطيبة واللفتة الجميلة والوردة ...

مع أن الكلمة والوردة لا يـُغنيان في موضع الهدية الثمينة حين يكون قادرا ً ...
 ولكن النص يخاطب من يبخل حتى بالكلمة والبسمة .

رُدُّو الحب بالحب ... والوردة بالوردة ... والبسمة بالبسمة ... والصدق بالصدق ... والجميل بالجميل .

هذه ملامح الانسان ... وسمات الحب الصادق ... ومن لا يحملها بسلوكه وبصدقه سيعيش لا إنسانا ً ولو حفظ كل أشعار نزار وارتدى آخر ما صممت دار ايف سان لوران ّ!!!.

الان استمعو للساحرة فيروز في ( بكتب اسمك يا حبيبي )
http://www.youtube.com/watch?v=bkLPmBwiV8E

الرابط التالي للرائعة شيرلي باسي في اغنية ( ( never ,never , never
http://www.youtube.com/watch?v=UFEvBWSlmtw


http://www.facebook.com/photo.php?


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق