موسى فرج
الحوار المتمدن-العدد: 3887 - 2012 / 10 / 21 - 20:52
المحور: الادارة و الاقتصاد
عند مناقشة قضية البنك المركزي فان عدة محطات يكون التوقف فيها إلزامي :
أولا: بعد نجاح واستقرار حكومة ثور14 تموز عام 1958 في العراق عمدت حكومة عبد الكريم قاسم إلى تحرير الدينار العراقي من كتلة الإسترليني ،
لكنه وضع على رأس الاقتصاد العراقي إبراهيم كبه وزملاءه فعمد هذا إلى خطة محنكة لتجنيب الدينار العراقي السقم الذي رافق الجنيه المصري في أعقاب الثورة المصرية عام 1952 واستمر لغاية هذا اليوم ،
أنه طلب من شركات النفط الأجنبية والتي كانت تسيطر على النفط العراقي يوم ذاك بأن تسدد قيمة عائدات النفط للحكومة العراقية بالدينار العراقي ووسط سخريتهم من مضمون الطلب باعتبار أن العملة العراقية ضعيفة والشائع أن تطلب الحكومات عوائدها بالعملات القوية فقد سددت الشركات تلك العوائد بالدينار العراقي ،
في الشهر الثاني طلب نفس الطلب من الشركات فواجهت الشركات شحة بالدينار العراقي وصعوبة في جمعه لكنها جمعت الموجود منه في البنوك الأجنبية ،
في الشهر الثالث كرر نفس الطلب فكانت الشركات الأجنبية تبحث عن الدينار العراقي في مصارف وخزائن العالم حتى استنفذته ..
في الشهر الرابع وبعد إن جمع كل الدنانير العراقية من بنوك العالم وصارت تحت تصرفه فاجأ الشركات الأجنبية بان طلب منهم تسديد عوائد النفط بالعملات الأجنبية ولم يطلبها بالدينار العراقي ..
نتائج تلك الخطة أن الدينار العراقي بات في طليعة العملات القوية في العالم ..
فكان سعر الصرف للدينار العراقي هو : دينار عراقي مقابل 3,333 دولار أمريكي .. بمعنى أن العراقي يدفع 100 دينار عراقي فيحصل مقابلها على 333 دولار أمريكي..
واستمر هذا الحال إلى منتصف الثمانينات فكان العراقي يجوب الجزء الشرقي من أوربا بمئة دينار ..
حتى أن عقد السبعينات شهد حركة سفر سياحية من قبل العراقيين خصوصا إلى بلغاريا ورومانيا وقبرص حتى بلغ الأمر أن إحدى العراقيات ( اشتهت كبة حامض مما صنعته بنفسها فأخرجت البريمز تريد إشعاله وهي في الطائرة في الجو لتسخين كبة الحامض كي توزعها للركاب على سبيل الكشخه ..
فأحبط مسعاها طاقم المضيفات والمضيفين ،والنكتة أن بعضهم كان يصرف دنانيره في السوق السوداء في تلك الدول ويسيح ويجوب ويجلب صوغات ومن ثم يعمد إلى إعادة تصريف المتبقي فيعود محملا بما طاب ونفس الدنانير العراقية تعود معه وسفرته ببلاش..
هذه الحالة يتذكرها العراقيون جيدا ..). .
ثانيا : هذه الحالة استمرت إلى النصف الثاني من عقد الثمانينات ..
فجأة انقلبت الآية فانهار الدينار العراقي و انقلبت الصورة ليكون الدولار الأمريكي معادلا لألفي دينار عراقي
بمعنى أن العراقي بات يترتب عليه دفع 2000 دينار عراقي للحصول على دولار واحد
هذا يعني أن سعر الصرف للدينار العراقي انخفض بما يعادل 6000 ضعف ،
ومن ثم بلغت قيمة الدينار العراقي أقل من كلفة طبعها فعمد نظام صدام إلى طبع العملة العراقية محليا باستخدام ورق الجرائد ..
وفي نهاية عقد التسعينات ظهر محافظ البنك المركزي عصام ملا حويش ليعلن من على شاشة التلفاز خطل تخرصات الأعداء القائلة بان الدينار كي يعود إلى ما كان.. تلزمه احتياطيات بالعملة الصعبة قائلا : أن وجود القائد الفذ فارس الأمة وسندها صدام حسين هو اكبر ضمانة للدينار العراقي..
وهو يرى بأم عينه أن الدينار باتت قيمته تقل عن قيمة ربع فلس من فلسات أيام زمان حتى أني كنت جالسا في دكان صديقي الحلاوي موسى العميدي وهو بعثي عتيق انشق على بعث صدام
وكان يحدثني عن أيام النضال يوم دخل السجن بسبب بعثيته عام 1952 في هذه الأثناء والرجل يتكلم أقبلت طفلة لا يتعدى عمرها الست سنوات ووضعت في يده حزمة أوراق نقدية يضيق بها كفها وهي تقول : عمو أريد بيضة ..!
وما إن أمسك بالدنانير حتى سارعت يدي بالقبض على يده كما يقبض الشرطي على يد السارق .. ووسط ذهوله وجفلته سألني : ما الأمر ..؟
قلت له : أبشرفك كم كان سعر البيضة يوم سجنوك ..؟ قال فلسين ..
قلت له : ألهذا ناضلتم أيها المناضلون ..؟
فضحك الرجل حتى استلقى على قفاه وهو يقول: لسنا وحدنا غشمه لكننا الأضرب ..
قلت له وأنا أتحسس غشاميتي ..صدقت ..!.
ولأن الاقتصاد العراقي اقتصادا ريعيا يعتمد على عائدات النفط
ونظام صدام قد وأد القطاع الزراعي وأمات الصناعي وموضوع توفر السلع يعتمد على استيرادها من الخارج فان علبة البيبسي كولا وحبة الموز كانت في تلك المرحلة تشكل الرشوة التي يسيل لها اللعاب ،
ولا يقف الأمر عند المستورد من السلع على قلته بل أنك لو اشتريت فجلا أو كرّاثاً وصحت لماذا رفعتم سعره عن أمس ..؟
يقول لك بائع الفجل : ارتفع سعر الصرف للدولار ..
ما علاقة الفجل بسعر صرف الدولار ..؟
يقول لك : من أبيعك فجل وكراث ..غير اشتري جاي وجكاير ..؟ وهاي بالدولار ..
وبات بائع الفجل خبير اقتصادي وبائع العمبه مثله وسائق سيارة الكيا أضرب ..وهكذا ..وبات القلق بل قل الهوس يسيطر على النفوس ..صعد الدولار ، نزل الدولار ..
ثالثا: جاءت إعادة تنظيم البنك المركزي في عام 2003 في أعقاب تلك المرحلة الكارثية للدينار العراقي خصوصا وللاقتصاد العراقي عموما من جراء سيطرة نظام صدام على مقدرات وقرارات البنك المركزي وحددت مهام البنك المركزي كبنك عراقي مستقل بموجب قانون البنك المركزي العراقي الصادر في 6 آذار 2004بالآتي:
يكون البنك مسؤولا عن:
1.الحفاظ على استقرار الأسعار.
2.تنفيذ السياسة النقدية (بما في ذلك سياسات أسعار الصرف).
3.إدارة الاحتياطيات الأجنبية.
4.إصدار وإدارة العملة.
5.تنظيم القطاع المصرفي للنهوض بنظام مالي تنافسي ومستقر..
1.الحفاظ على استقرار الأسعار.
2.تنفيذ السياسة النقدية (بما في ذلك سياسات أسعار الصرف).
3.إدارة الاحتياطيات الأجنبية.
4.إصدار وإدارة العملة.
5.تنظيم القطاع المصرفي للنهوض بنظام مالي تنافسي ومستقر..
رابعاً:ـ أثيرت اتهامات ضد البنك المركزي ومنذ عام 2004 بأنه أتاح للمصارف الأهلية الإثراء على حساب مصلحة البلد لأنه كان يمنح فوائد عالية على الإيداعات والحسابات الجارية فيه تفوق العوائد التي يجنيها أي مستثمر في النشاطات الأخرى ..
وكنت من بين منتقديه .. .
ـ وحصل في عام 2008 إن شب حريق في البنك المركزي فسئُلت من قبل بعض وسائل الإعلام وكنت يومها رئيس هيئة النزاهة عن صحة خبر احتراق حوالي 800 مليون دينار
فقلت : فلتحترق .. الفلوس اللي ما تنصرف على الشعب عساها بالحرق ..
وأردفت : لكني أخشى على الوثائق فتلك المتعلقة بعائدات العراق من النفط موجودة بالبنك المركزي وكذلك وثائق العقود وكل التحويلات للمبالغ العراقية.
ـ قبل أكثر من سنه حصل وان كنت في مؤتمر لمناقشة موازنة الدولة لعام 2011 وكان من بين الحضور السيد مظهر محمد صالح مستشار البنك المركزي ـ حاليا نائب ـ محافظ البنك المركزي وفي معرض حديثه أشار إلى وجود مبلغ تائه (على حد تعبيره ) يبلغ 43 ترليون دينار عراقي..
فلم أعقب ولكن في الاستراحة التصقت به وقلت له همساً هل قلت انه يوجد مبلغ تائه يعادل 30 مليار دولار ؟
قال نعم والله ..
قلت له هل تتذكر حكمت العزاوي محافظ البنك المركزي في حقبة صدام ..؟
قال : نعم ..
قلت له : نفرض أن خبرا وصل إلى صدام يقول بأنه يوجد مبلغ تائه مقداره ماذا يصنع به باعتقادك ..؟
قال : يصكه ..!
فلم أضف على كلامه وعندما عدنا إلى الاجتماع طلبت الكلام وحكيت لهم المحادثة التي دارت في استراحة شرب الشاي بحذافيرها وقلت لهم أنا أجزم بان ثلاثة أرباع الحكومة ينرادلها صكه ..
طبعا من ذاك اليوم بطلوا يستضيفوني .. .
خامسا : سجل الحكومة مع البنك المركزي يتضمن الآتي : .
1. الحكومة حاولت السحب من احتياطي العملة العراقية في البنك المركزي لدعم الموازنة السنوية
وهو إجراء خاطئ للأسباب التالية : .
الأول: لأن الاحتياطي النقدي في البنك المركزي وظيفته خطيرة للغاية والمساس به من اكبر الكبائر فهو ضامن لاستقرار الدينار ودونه تعود الحالة إلى ما كانت عليه في عهد صدام ومجرد التفكير في ذلك كارثة .. .
الثاني : إن القدرة الاتفاقية للحكومية متدنية وهي لم تصرف موازنتها السنوية في أي من السنوات الما ضية ولا يتعدى استغلال المبالغ في الموازنة الاستثمارية عن 40./.
فلماذا السحب من الاحتياطي الخاص بثبات العملة ..؟. .
2 . الحكومة حاولت بسط سيطرتها على البنك المركزي مثلما فعلت مع الهيئات المستقلة وهو أمر مخالف للدستور من جانب ومن جانب فانه يزعزع ثقة الدول الأجنبية بالبنك المركزي كون استقلاليته عن السلطة التنفيذية باتت مثلومة ...
وسبق إن رفض الشبيبي قرار رئيس الحكومة نوري المالكي بإلحاق البنك المركزي به باعتباره هيئة مستقلة تابعة للبرلمان وصدر قرار المحكمة الاتحادية بربط الجهات المستقلة ومن ضمنها البنك المركزي برئيس مجلس الوزراء لكن مجلس النواب رفض ذلك بشكل قاطع .. . .
3.الضجة التي أثيرت مؤخرا ضد سنان الشبيبي محافظ البنك المركزي كانت الأوراق فيها مختلطة..
فالسيد رئيس لجنة النزاهة في مجلس النواب يشير إلى عدم وجود فساد ولكن توجد إجراءات تتعلق ببيوعات العملة الأجنبية شابها الكثير وتلحق أضرار كبيرة بالعراق ...
والسيد عبد الحسين الياسري من اللجنة المالية في مجلس النواب وعضو لجنة تقصي الحقائق المشكلة لتقصي أوضاع البنك المركزي يشير إلى أن لجنته لا تعلم ولم يؤخذ رأيها في إصدار مذكرة توقيف بحق الشبيبي هيئة النزاهة نفت أن تكون طرفا في مذكرة القبض بحق الشبيبي وأنها تسلمت الملف الخاص بالبنك المركزي ..
وهذا يعني ضمناً أن أوامر القبض صدرت قبل أن تقوم هيئة النزاهة بإجراءاتها ..
الشبيبي نفسه يقول انه سبق إن حاول إبعاد 4 مدراء عامين محسوبين على حزب رئيس الحكومة من البنك المركزي إلا أن رئيس الحكومة منعه مشيرا بان إقالة أو إبعاد المذكورين من صلاحية مجلس الوزراء...
مجلس النواب يقول أن إيقاف رئيس الوزراء لمحافظ البنك المركزي وسحب يده وتعيين بديل عنه بالوكالة كلاهما يشكل خرقا للدستور لأن الارتباط الإداري للبنك المركزي بمجلس النواب وفي هذه الحالة فان إقالة المحافظ أو تعيين بديل عنه كلاهما من اختصاص مجلس النواب وليس رئاسة الحكومة باعتبار أن البنك المركزي من الهيئات المستقلة التابعة للبرلمان..
وهو قول صحيح وسبق إن اتخذ رئيس الوزراء نفس الإجراء معي بالذات فقد أقال رئيس هيئة النزاهة وعين آخر من قبله وقلنا في حينه أن الإجراء يتعارض مع أحكام الدستور ..
من جانبه فقد صرح كمال الساعدي المقرب من رئيس الحكومة وأحد قياديي حزبه بان الذين يعارضون الإجراءات المتخذة ضد محافظ البنك المركزي هم واحد من ثلاثة :
إما صاحب بنك كان مستفيد من وجود الشبيبي أو عضو مجلس نواب كان يدخل طرفا في صفقات بيوعات العملة الأجنبية أو انه لا يعرف شيئاً..
وعاد ليقول ( إن الحديث يدور حول الشبهات التي تحوم على عمل البنك المركزي العراقي و ليس الشبيبي وأضاف إن ما حصل في البنك لا يتحمله شخص واحد أو حتى صنيعة شخص بل مجموعة قد تكون كبيرة تصل حدودها إلى خارج البنك من خلال بعض أصحاب المصارف الأهلية و الشركات المالية (الصيرفة ) و التجار الوهمين الذين ثبت تورطهم بتهريب العملية ..
وأشار الساعدي إلى أنها سلسلة حلقات بدايتها في البنك المركزي و نهايتها لا احد يعرف إلى أين تمتد ،وان من المستبعد حتى اللحظة توجيه أي تهمة إلى الشبيبي و القضية لا تتعلق به إطلاقا و القضاء سيثبت هذا... )
لعد اشلون سحبتوا يده وأصدرتم أوامر قبض بحقه ..؟. .
أنا شخصيا أقول لكم شيئاً مفيداً وهو الآتي :
باعتباره يدرس قانون هذه الأيام فان صديقي النائب كمال الساعدي يعرف عن موضوع اسمه السوابق الجنائية ..
وانتم يا صديقي لديكم سوابق ومادامت السوابق المشار إليها موجوده أعني : .
1.السعي للسحب من احتياطي البنك المركزي خلافا للسياسة المعتمدة من قبله.
2. السعي لفرض السيطرة على البنك المركزي خلافا للدستور . .
3 . الضجة التي أثرتموها ضد محافظ البنك المركزي ومحضرين صديقنا عبد الحسين العنبكي بديلا . .
وداعتك لو تروح أنت والجماعة كملحق لحجاج الديار ألمقدسه لهذا العام وتحضنون الحجر الأسود وتجيبوه للمنطقة الخضراء وتعرضوه أمام شاشات التلفاز وتحلفون بيه بالسرا بأنكم ما متقصدين الشبيبي ..محد يصدك .. .
ليش..؟
لأن عندكم سوابق وما تعوفون هاي الحاله ..
وإلا فان الصحيح هو الالتزام بالدستور ولا تستهدفون ذاك ولا تستهدفون هذا
وإشارة بسيطة إلى الجهات المختصة بمكافحة الفساد تقولون لهم : نشك بوجود قضايا فساد في البنك المركزي أو غيره فيمارسون واجباتهم في التحري والتدقيق والتحقيق .. وكفى الله المقربين شر القتال ..تمام ..؟ لو مو تمام ..؟؟. .
هذا المسلك يدفع باتجاه : .
1 . تسفيه قضية مكافحة الفساد وإظهارها وكأنها تثار لمرامي وأهداف شخصية وحزبية لا صلة لها بمواجهة الفساد ..مما يؤدي إلى ردة فعل ضدها تفضي إلى ترك الأمور على الغارب والتعامل مع الفساد باعتباره أهون من قضية استغلاله لأغراض أخرى. .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق