أ.د. محمد ابراهيم السقا
مشكلة التوقعات طويلة الأجل أنها تستند على سيناريوهات متعددة للتنبؤ ثم نشر المناسب منها، ولأن هذه التنبؤات لن تتحقق سوى في المدى الطويل، فإن معد هذه السيناريوهات لن يحاسب عليها (لأنه ربما يكون قد مات عندما نصل الى النقطة الزمنية التي يتوقعها السيناريو).
بعض التوقعات تشير الى أن الصين والهند سوف يصبحان الاقتصادان العملاقان في العالم بحلول عام 2030 أو 2050. كذلك فإن بعض التوقعات تشير إلى أن نيجيريا ربما تصبح واحدا من اكبر اقتصادات العالم في 2050، ولكن بالطبع أي شيء يمكن أن يحدث في 2050.
مشكلة هذه التنبؤات انها تؤثر بشكل واضح على سلوك المستثمرين والأسواق.
المأساة الحقيقية تنشأ عندما نتوقع أن نقول للمستثمر تعال وتابع عوائد استثماراتك بعد 4 عقود من الآن.
إن استناد القرارات الاستثمارية على هذه النظرة طويلة الأجل أمر غير صحيح، لأن أي تنبؤ يتجاوز الخمس سنوات، أو ربما العشر سنوات قد لا يعني أي شيء لأنه لا يمكن بأي حال من الأحوال توقع ماذا سوف يحدث في هذا الأجل الطويل جدا خصوصا في عالم يتسم بالتغير السريع، مثلما هو العالم الذي نعيش فيه حاليا.
التوقعات الأكثر معقولية هي تلك التي تستند الى خمس سنوات أو ربما عشر على الأكثر، خارج نطاق هذه الاطار الزمني تعتبر التنبؤات غير صالحة، ربما بسبب تغير الأوضاع بصورة جوهرية، أو ظهور منافسين جدد.
التنبؤ القائم على النظرة طويلة الأجل استند أساسا الى كتابات المتخصصين في التاريخ الاقتصادي،
غير أنه من الناحية الواقعية فإن المديرين التنفيذيين غالبا ما يحصرون توقعاتهم على مدى زمني لا يتجاوز 3 – 5 سنوات.
وكذلك تتم عمليات المقارنة لمعدلات العائد على الاستثمار مثلا في اطار مدى زمني لا يتجاوز سنة أو ثلاث أو ربما خمس سنوات.
لماذا؟
الاجابة هي أنه لا يستطيع أحد أن يتنبأ بما سيحدث في المدى الطويل، على سبيل المثال لا يمكن أن يتوقع أحد ماذا سيكون عليه حال العالم بعد قرن من الزمان من الآن بأي قدر من المصداقية، والأكثر أهمية هو أن نحاسبه على مدى صحة توقعاته (ببساطة لأنه سوف يكون قد غادر عالمنا).
خلال الخمس عقود السابقة، وفي بداية كل عقد شهد اقتصاد العالم وأسواقه نقطة تحول رئيسة، سبقها شغف عالمي نحو تحقيق الارباح استنادا الى بعض التوقعات التي على أساسها تم ضخ مئات المليارات في أصل من الأصول، ففي السبعينيات كان شغف العالم منصبا نحو الشركات الغربية مثل ديزني.
في الثمانينيات كان الاهتمام منصبا على الموارد الطبيعية مثل الذهب والنفط.
في التسعينيات كان الاهتمام منصبا على اليابان لدرجة أن قطعة أرض في طوكيو أصبحت أغلى في الثمن من ولاية كاليفورنيا بأكملها،
وفي العقد الأول من الألفية الثانية كان الشغف منصبا حول وادي السيليكون.
واليوم شغف العالم منصبا نحو الذهب مرة أخرى.
بالطبع مع كل تحول تتحول مئات المليارات من الدولارات نحو الاستثمار في القطاعات الجديدة بحثا عن العوائد الأعلى.
مشكلة القائمين على التنبؤ أنهم يقدمون التنبؤات التي يسعى لها المتعاملين في الأصل، والتي تجمل لهم الاقدام على الاستثمار في هذه الأشكال من الاستثمار، حتى تبلغ المضاربات أقصاها وتتكون بالونات للأصول المختلفة ثم ينفجر البالون.
تجربة بالونات أسعار الأصول في القرن العشرين توضح أن بالون الأسعار لا ينفجر في السنوات الأولى لمرحلة مرحلة الشغف بالأصل.
هذه الأسس هي التي تقف وراء ايماني بأن الذهب يعيش مرحلة بالون أسعار كبيرة منتفخة حاليا، والتي يهاجمني فيها الكثيرون، ويتهمونني بقصر النظر، والفشل في رؤية جوهر الأمور على حقيقتها.
هؤلاء للأسف يؤمنون بأن فقاعة أسعار الذهب سوف تستمر في الانتفاخ الى مالا نهاية، لكن هؤلاء لا يدركون للأسف الشديد، أن بالون الأسعار له حدود، وأن عزم الضغط داخل البالون يصل في مرحلة زمنية محددة الى اقصاه مسببا انفجار البالون وانهيار اسعار الأصل.
من خلاصة قراءتي في كتاب Breakout Nations
http://economyofkuwait.blogspot.com/
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق