الجمعة، 28 ديسمبر 2012

العقلية الريعية للحكومة العراقية

العقلية الريعية للحكومة العراقية


محمد علي زيني
الحوار المتمدن-العدد: 3857 - 2012 / 9 / 21 - 18:34


تعاريف
لابد، قبل الخوض في صلب الموضوع، من تعريف الريع والحكومة الريعية حتى يسهل للقارئ الكريم التفاعل مع الأفكار والأستنتاجات الواردة في هذا البحث، من أجل أن نضعه بالنهاية على بينة مما يجري داخل عراقنا الجريح.

 هناك تعريفات عدة للريع وأنواع الريع(1)، وهي أكاديميىة لا تهمنا هنا كثيراً بقدر ما يهمنا التعريف الذي يتضمن الريع باعتباره دخل غير متعوب به، فهو ليس ناتجاً عن جهود تتطلبها العملية الأقتصادية المعتادة، أي ليس ناتجاً عن عمل، وإنما هو دخل تجود به الطبيعة.

وأفضل مثال لهذا النوع من الريع هو الدخل الذي يتأتى من أستخراج النفط الخام وتصديره، كما هي الحال مع العديد من الدول العربية، ومنها العراق الذي أصبح دولة ريعية بامتياز بعد أن تعرضت قطاعاته الأقتصادية غير النفطية الى الدمار.

أما الحكومة الريعية فهي الحكومة التي تعتاش بصورة أساسية على دخل البلاد من الريع، أي أن الريع يكاد يكون الوسيلة الوحيدة لتمويل ميزانيتها السنوية (annual budget).

 وأفضل مثال للحكومة الريعية هي الحكومة العراقية التي، بتكوينها وإمكانياتها الحالية، لا تعرف مصدراً آخر للرزق غير الريع الناتج من الصادرات النفطية.

 على أن قولنا بأن الحكومة الحالية لاتعرف مصدراً آخر للرزق (أي لتمويل الميزانية) لا يجوز الأخذ بأطلاقه، لأن للحكومة مصادر مالية أخرى مثل ضريبة الدخل التي تُستوفى آلياً من رواتب موظفي الدولة، والضرائب التي يدفعها القطاع الخاص - في حالة عدم إمكان تهربه من دفعها – والتعرفة الجمركية على البضائع المستوردة ... إلخ.

 ولكن هذه المصادر تصبح تافهة إذا ما قورنت بدخل الحكومة من النفط هذا اليوم.

 ومثال على ذلك
 نجد أن تخمينات إيرادات الميزانية (أو الموازنة) لهذه السنة (2012) تفيد بأن الصادرات النفطية ستموّل ما يربو على 92% من تلك الميزانية(2).

 ولك أن تتصور ما سيحدث للعراق ولشرائح شعبه على اختلافها – ولحكومته أيضاً - لو أن مضيق هرمز، الذي تمر من خلاله نحو 85% من صادرات العراق النفطية، أُغلق لسبب أو لآخر!

إذا وضعنا العراق، بما هي عليه حالته الأقتصادية الآن، على أحد طرفي خط مستقيم ثم وضعنا الولايات المتحدة الأمريكية، مثلاً، على الطرف الآخر من الخط،

نجد أن حكومة الولايات المتحدة هي على الضد من حكومة العراق من حيث تمويلها لميزانيتها السنوية، إذ تعتمد في ذلك بصورة أساسية على جباية الضرائب على اختلاف أنواعها وليس على الريع كما هي الحال مع الحكومة العراقية(3).

 وبين طرفي هذا الخط تقع مختلف بلدان المعمورة من حيث طبيعة اقتصاداتها، فهي ستقترب من الولايات المتحدة كلما ازداد اعتماد حكومة البلد على الضرائب في تمويل ميزانيتها، وبالعكس ستقترب من العراق كلما ازداد اعتماد ميزانية الحكومة على الريع.

إنعكاسات جديرة بالتأمل



إن لوسيلة تمويل الميزانية الحكومية في أي بلد إنعكاسات جوهرية على الواقع السياسي والأقتصادي والأجتماعي لذلك البلد. فالآثار التي تتولد من تمويل الميزانية في ظل اقتصاد ضريبي تختلف بشكل كبير عن تلك التي تتولد في ظل اقتصاد ريعي،

 ويمكن إيجاز تلك الأختلافات بما يلي(4):

1- تبذل الحكومة في ظل اقتصاد ضريبي جهوداً مضنية من أجل الحصول على الأموال اللازمة لتمويل ميزانيتها.
 ويتم ذلك عادة بفرض الضرائب المختلفة وتحصيلها بموجب القانون.

 ونظراً لأن الضرائب تزداد بنمو أقتصاد البلد وتوسّع نشاطه، نجد أن للحكومة هنا مصلحة كبرى في توسيع النشاط الأقتصادي الدافع للضرائب من أفراد وشركات.

 لذلك نرى أن هكذا حكومة ترحب، بالطبع، وتشجع قيام أعمال جديدة (new business) أو مشاريع جديدة، ولديها دوائر حكومية تختص بالتعاون مع أصحاب المشاريع الجديدة لتسهيل وتسريع إنشائها.

إن ديناميكية العلاقات هذه وتأثيراتها المتبادلة تستدعي توسعة القاعدة الأقتصادية أفقياً وعمودياً، بصورة مستمرة، ليس فقط من أجل زيادة كميات الضرائب المتحصلة بالتوازي مع التوسع الأقتصادي المستدام، وإنما من أجل توسعة سوق العمل أيضاً وخلق فرص جديدة للتشغيل تتناسب مع الزيادة المستمرة في حجم العمالة، والناتجة من النمو السكاني المستمر.

 وبأضافة فرص عمل جديدة ذات دخل مجزي تزداد الضرائب المدفوعة للحكومة.

 ذلك من جهة، ومن جهة أخرى فإن الحكومة هي المسؤولة عن خلق الفرص لتشغيل المواطنين، وبتحملها تلك المسؤولية وإنجازها على وجه جيد تكون قد أدت واجبها تجاه دافع الضريبة.

2- على العكس من ذلك، نجد أن الحكومة في ظل اقتصادٍ ريعي غير معنية كثيراً بحيوية النشاط الأقتصادي وخلق حالة من النمو الأقتصادي المستدام من أجل توسيع القاعدة الضريبية وما يستتبع ذلك من زيادة في الضرائب المتحصلة، لأن الحكومة هنا لا تستند الى الضرائب في تمويل ميزانيتها.

 فموارد الريع، والحمد لله، تنساب بانتضام لتمويل الخزينة الحكومية، ولا حاجة إذن لفرض الضرائب على الناس، وكفى الله المؤمنين شر القتال.

 ولهذا نجد أن الحكومة هنا تكون عادة متراخية وكسولة وهي لا تتحمل مسؤولياتها في تنشيط الأقتصاد وتنميته باستغلال الحيوية الطبيعية للقطاع الخاص، ولا هي من جهة أخرى جادّة في خلق فرص عمل مجزي للمواطنين، طالما أمكن تكديسهم في الجهاز الحكومي المنتفخ باستمرار، وهو المكان التقليدي للبطالة المقنعة، أو ضخهم بقطاعها العام الفاشل وغير الكفوء، ليزداد فشله وضعف تنافسية منتجاته بزيادة كلفة الأنتاج.

والآن أليس هذا ما يُذكّر القارئ الكريم بحالة الحكومة العراقية؟
 فلوس النفط تأتي سنوياً بانتظام، بل هي في زيادة مستمرة!
 فلِم القلق إذن، والسهر، والتعب، في إعادة بناء الأقتصاد؟
 إن هذا ما يفسر بالضبط سلوك المسؤولين في الحكومة العراقية عن إعادة أعمار البلاد!

لقد مضى أكثر من تسع سنوات على سقوط نظام صدام حسين، فأين الخدمات الأساسية الواجب توفيرها للمواطنين، ناهيك عن إعادة بناء الأقتصاد؟

 أين الماء الصالح للشرب وأين الكهرباء؟

 أين الخدمات الصحية المعقولة وأين التعليم اللائق بمستوياته المختلفة من الروضة الى الجامعة؟

 أين مجاري الصرف الصحي الوافية وأين تعبيد الطرقات وتنظيف الشوارع من الأزبال؟

 وأين خدمات النقل الجيد، الحافظ لكرامة الأنسان، داخل بغداد – العاصمة – وفي مدن العراق الكبرى كالبصرة والموصل؟

إن الخدمات التي ذكرناها هي ليس فقط لتلبية حاجات المواطن المشروعة وإنما هي أيضاً الأساس أو البنية التحتية اللازم توفيرها لبناء إقتصاد ناجح وبإنتاج قادر على المنافسة نوعياً وسعرياً!

 إذ كيف يمكن للحكومة بناء قطاعي صناعة وزراعة ناجحين إن لم تتمكن من توفير الكهرباء والماء حتى لاستهلاك المواطنين؟

 وكيف ستتمكن من إدارة وتشغيل مختلف القطاعات الأقتصادية إن لم توفر العمالة الماهرة والسليمة جسمياً وعقلياً؟

إن العتب يتوجه لمن وقع حكم البلاد في قبضته منذ مغادرة الحاكم المدني الأمريكي ل. بريمر في 28 حزيران 2004 ولغاية الوقت الحاضر.

 إنها الكتل السياسية التي انتهت مقدرات العراق، هذا البلد المنكوب، في أياديها، وهي قد ألقت حبلها على غاربها ونسيت مسؤولياتها في توفير الخدمات الأساسية للشعب وإعادة بناء البلاد، والتهت بدلاً من ذلك في نزاعاتها التي لا نهاية لها تهالكاً على السلطة والمال، وخدمةً للمصالح الخاصة، وملئاً للجيوب والخزائن بأموال الشعب المسروقة – يا لها من فضيحة!

إن عمليات الأعمار وبناء الأقتصاد المحطم تتطلب أموالاً طائلة قدرناها بنحو 131 مليار دولار سنوياً – بالأسعار الثابتة لسنة 2010 - خلال العشرين سنة القادمة وهذه لن توفرها العوائد النفطية وإنما يوفرها الأستثمار الأجنبي المباشر،
 كما بينا ذلك في بحث سابق نجتزئ منه ما يلي:
"إن المبالغ الأستثمارية المطلوبة لتطوير الأقتصاد العراقي كبيرة جداً بمقياس العراق ولا يمكن أبداً التعويل على ما تدره الصادرات النفطية من أموال لتوفير حتى جزئ معقول منها.

 وسبب ذلك أن الميزانية الحكومية الاعتيادية (أي التشغيلية) ستلتهم الجزء الأكبر من أموال الصادرات النفطية في كل سنة، ولن يبقى إلا ما يكاد يكفي لإعادة بناء البنية التحتية وتوسيعها لمواجهة حاجات السكان الذين تتزايد أعدادهم باستمرار، بضمنها حاجات التعليم والصحة والسكن.

 إن المبالغ الهائلة المطلوبة لتنمية الاقتصاد العراقي، والحالة هذه، يتعين أن يتولاها القطاع الخاص، وفي ذلك سيكون للاستثمار الأجنبي المباشر حصة الأسد.

 على أن الاستثمار الأجنبي المباشر سوف لن يدخل العراق ما لم تتوفر له البيئة التنافسية المؤاتية، خصوصاً وإن مختلف بلدان العالم تتبارى فيما بينها لاجتذاب هذا النوع من الاستثمار."(5)

وماذا عن مسؤولية توفير فرص العمل لعشرات الآلاف من الأيدي العاملة الجديدة التي تدخل السوق سنوياً، ومن بينهم خريجي الجامعات الذين أصبح البعض منهم ينتحر من شدة اليأس وهو يبحث عن عمل لائق؟

 المسألة بسيطة عند ذوي العقول الريعية!

 لا حاجة لبناء إقتصاد نابض بالحياة، ينمو باستمرار لتوظيف القادمين الجدد من الباحثين عن عمل، فهذه المهمة صعبة جداً تتطلب التضحية والأخلاص والتفاني، ولربما حتى فسح المجال لذوي الكفاءات وأصحاب الدراية للمشاركة في التخطيط وإدارة البلاد (وهذا ممنوع عند ذوي العقول الريعية).

 الحل الأسلم هو رمي هؤلاء الباحثين عن عمل في جوف الجهاز البيروقرطي العتيد للحكومة العراقية، فالرواتب متوفرة ما دام سيل الأموال النفطية، الغير متعوب بها، مستمراً.

 ولا يهم بعد ذلك تكرش الحكومة العراقية وزيادة وزنها – إن صح التعبير – من نحو مليون نفر قبيل سقوط النظام في 2003 الى ما يزيد على ثلاثة ملايين نفر(6) بالوقت الحاضر، والحبل على الجرّار.

 ولا يهم كذلك ترهل الحكومة بزيادة طبقات بيروقراطية جديدة تعرقل سير العمل وتبدد أوقات المراجعين لدوائر الحكومة وتنهش في جيوبهم إشباعاً لنهم الفاسدين.

3- بالنظر لأهمية الضريبة في البلاد ذات الأقتصاد الضريبي، فإن دافع الضريبة (tax payer)، وهو يتحمل المسؤولية في تمويل خزينة الدولة، يكون هو السيد وهو صاحب السلطة في طرف المعادلة، في حين تكون الحكومة في الطرف الآخر هي المسود أو الأجير أو الخادم لدى دافع الضريبة.

 بعبارة أخرى إن الشعب في البلاد ذات الأقتصاد الضريبي هو المالك وهو رب العمل الذي يدفع أجور الحكومة وهي أجيرة عنده. وللشعب، متى شاء، تبديل الحكومة بالتصويت وبموجب قوانين مرعية.

على العكس من ذلك نجد أن الحكومة في البلاد ذات الأقتصاد الريعي هي السيد والشعب هو المسود. ونظراً لأن الأقتصاد ضعيف عادة في هذه البلاد، نتيجة لتراجع الرغبة لدى الحكومة في تطوير إقتصاد قوي، متنوع، ذو نمو مستدام، يقوده قطاع خاص قادر على دفع الضرائب، فإن الشعب يصبح هو الأجير لدى الحكومة بفعل هيمنة الأخيرة على فرص العمل في الدوائر الحكومية وكذلك بفعل هيمنتها على القطاع العام المتمدد طولاً وعرضاً والمسيطر على اقتصاد الدولة في ظل الحكومة الريعية.

أضف الى ذلك، فإن عدم دفع ضرائب أو دفع ضرائب واطئة يقود من جهة أخرى الى تراخي المجتمع وانخفاض رغبته في مسائلة الحكومة. وينتج في ظل هكذا بيئة مجتمع مدني ضعيف، مع حكومة بمؤسسات سياسية شكلية فاقدة لوسائل الكبح والموازنة، أو يتعذر فيها فصل السلطات حتى تكبح الواحدة منها الأخرى.

إن هذا ما يحدث عادة في الدول ذات الأقتصاد الريعي(7)، وأفضل مثال لذلك هي دول الخليج العربي، وفي مقدمتها العراق، الذي أصبح نموذجاً للأقتصاد الريعي مع تبعاته التي شرحناها، منذ تسلط صدام حسين الفردي على حكم العراق واشتباكه مع إيران في حرب مدمرة ولغاية وقتنا الحاضر.

 على أننا وقبل اختتام هذه الأنعكاسات، لا بد أن نستدرك ونقول بأن حكومات دول الخليج قد أدركت أهمية الأستثمار من أجل تنويع وتنمية القواعد الأقتصادية لبلدانها، وهي مستمرة على السير قدماً بهذ الطريق، رغم أن علاقة السيد والمسود بين الحاكم والشعب لا زالت مستمرة، وإن بدرجات متفاوته من بلد لآخر، ولن تزول إلا بتبني العلاقات الدستورية المقيدة لسلطة الحاكم.

التراجيديا العراقية

إن ما حدث للعراق بعد سقوط دكتاتورية صدام المقيتة على أيدي القوات الأمريكية وحلفائها لايمكن أن يوصف إلا باعتباره تراجيديا أو مأساة من الطراز الأول.

 ذلك إن النوايا غير المعلنة التي كانت تُبيّتها القوى المحتلة (أمريكا – بريطانيا)، وبتدبير من الصهاينة المهيمنين على إدارة بوش الأبن، وبالأخص وزارة الدفاع الأمريكية، كانت على الضد قطعاً من التطلعات والأحلام الوردية التي كان يحملها الشعب العراقي، بعامته.

 لقد كانت تطلعات الشعب، ببساطة، هي التخلص من سلطة الدمار التي كان يهيمن عليها و يقودها صدام حسين وجلاوزته، وتبديلها بنظام ديمقراطي يلغي أسباب القهر ويكرس بدلاً منها أسباب الحرية والمساواة والعدالة ويضع العراق على سكة الأعمار والأزدهار الأقتصادي، تماماً كما حصل لأوربا، بضمنها ألمانيا، وكذلك اليابان في الشرق الأقصى(8).

على أن أحلام العراقيين تلك لم تتحقق، بل الذي حصل هو العكس تماماً.

 ذلك إن المآسي التي جرت على الساحة العراقية حدثت نتيجة تفاعل أجندات دول الأحتلال مع أجندات الدول المحيطة بالعراق والمتضاربة مع أماني الشعب وطموحاته، والمحصلة النهائية لم تكن في صالح الشعب العراقي الذي لم يَرَ غير الأرهاب والخراب.

 والأنكى من كل ذلك أن الجهات التي تربعت على كراسي السلطة بعد سقوط النظام لم تأتِ تلبية لطلب من الشعب أو رغبة منه وإنما جاءت أجزاءٌ منها مع المحتل وأجزاءٌ أخرى جاءت من أبواب دول الجوار، ثم تسلمت مفاتيح السلطة من الحاكم المدني الأمريكي الذي رجع لبلاده بعد سنة من الحكم.

 ولم تبيّض تلك الجهات صفحة للتأريخ ولم تحقق طموحات للشعب.

 فهي بعد أن تقاسمت السلطة في السنة الأولى طبقاً لمحاصصة طائفية – إثنية غريبة كل الغرابة على الشعب، مخضت بلمح البصر فولدت دستوراً، وإن كان جيداً من حيث توفيره للحريات وحمايته لحقوق الأنسان، إلا أنه جاء أبكم، بتعمد، في العديد من مفاصله، كلٌ يفسرها حسب مزاجه وهواه.

 وبموجب هذا الدستور، المنتهك دوماً من نفس الجهات التي تكاتفت على إخراجه، جرت دورتان إنتخابيتان بغياب قوانين وطنية تنظم عمل الأحزاب وبظل نظم إنتخابية تصب في صالح الكتل السياسية المتنفذة وبأشراف هيئة غير مستقلة للأنتخابات(9).

إن الميّزة الرئيسية المشتركة التي ميزت الكتل السياسية التي جاءت لحكم العراق هي شدة تمسكها بتلابيب السلطة لحد لا يوصف.

 وبسبب من هذا الصراع فإن الحكومة العراقية الحالية لم تتشكل – بزعامة السيد نوري المالكي – إلا بعد مرور تسعة أشهر من أجراء الأنتخابات، ولا زالت وزارتان حيويتان، وهما الداخلية والدفاع، تداران بالوكالة.

 ولا يبدو من سلوك الكتل السياسية المشاركة في الحكم أنها معنية ببناء نظام حكم ديمقراطي في العراق، فهي جميعها تريد الأشتراك في الحكومة ولا تقيم وزناً يذكر لدور المعارضة في المجلس النيابي ولربما تنظر إلى ذلك الدور بازدراء.

 وسبب النزوع لمثل هذا السلوك قد يعود ليس فقط لعدم الأهتمام بترسيخ أساليب الحكم الديمقراطي وإنما، أيضا، بسبب الأمتيازات المادية التي ستُجنى من الحصص في تقسيم الوزارات – إنه الفساد!(10)

وللتراجيديا العراقية عدة أوجه، أقبحها شكلاً هو الأرهاب المستمر بحوادث متفرقة ربما اعتاد عليها العراقيون، وهي تفجير مفخخة هنا وعبوة ناسفة هناك.

 على أن الأرهاب الأكثر إثارة للرعب والأعم دموية ودماراً هو ذلك الذي يأتي بين آونة وأخرى بموجات تعم البلد من شماله لجنوبه، حاصداً معه مئات الأرواح، وهو ما حدث يوم الأحد (9 أيلول 2012).

 ولا ينفع الحكومة، بقيادة المالكي، إدعاءاتها المكررة بأنها قد أفلحت بترسيخ الأمن في البلاد في حين أن آلة الأرهاب مستمرة بقتل الأبرياء ونشر الدمار رغم أنف الحكومة وادعاءاتها االتي لا تبعث على الأطمئنان.

 هذا ناهيك عن فعل كاتم الصوت الذي يحصد الأرواح بانتقائية ومهنية عالية بخلاف عشوائية إبن عمه الأرهاب.

على أن الذي يثير العجب والأستنكار بنفس الوقت، هو ما قامت به، قبيل موجة الأرهاب المذكورة، قوات عسكرية بمداهمة نوادي اجتماعية وترفيهية ببغداد والأعتداء على روادها وتحطيم أثاثها ثم القيام بغلقها.

 وقبل ذلك ببضعة أيام قامت جهات أمنية من الحكومة الفيدرالية والحكومة المحلية بمنع السافرات من دخول مدينة الكاظمية، وذلك من أجل الحفاظ على "قيم الدين الأسلامي".

 ولو نظرنا الى الدستور العراقي لرأينا أن نص المادة (35) ثانياً: تكفل الدولة حماية الفرد من الإكراه الفكري والسياسي والديني، ونص المادة (39) العراقيون احرارٌ في الالتزام باحوالهم الشخصية، حسب دياناتهم أو مذاهبهم أو معتقداتهم أو اختياراتهم ، ونص المادة (40) لكل فرد حرية الفكر والضمير والعقيدة، ونص المادة (42) أولاً : للعراقي حرية التنقل والسفر والسكن داخل العراق وخارجه، ونص المادة (44) لا يكون تقييد ممارسة أيٍ من الحقوق والحريات الواردة في هذا الدستور أو تحديدها الا بقانون أو بناءً عليه، على ان لا يمس ذلك التحديد والتقييد جوهر الحق أو الحرية.

الدستور العراقي، بنصوص مواده المذكورة، يكفل الحريات ويصونها من جميع الوجوه.

 فلم، إذن، هذه الهجمة المفاجئة على حريات المواطنين وحقوقهم؟

 قد يتوهم البعض بأن مداهمة النوادي من قبل القوات العسكرية التي خرجت بأمر من مكتب السيد رئيس الوزراء، وقبل ذلك قضية منع السافرات من دخول مدينة الكاظمية، إنما هي إيفاءٌ بالبرنامج الأنتخابي الذي تقدم به السيد نوري المالكي قبيل الأنتخابات لجموع الناخبين من الشعب.

 ولكن هذا وهم لا أساس له من الصحة، إذ إننا لم نسمع بأن المالكي كان يملك برنامجاً إنتخابياً واضحاً يتضمن، فيما يتضمنه، تلك التوجهات اللاجمة للحريات.

 وحتى وإن ظهر بأن المالكي كان يضمر تلك التوجهات ولم يجهر بها، فإن ذلك خرق فاضح لما أوحى به من تباعد عن الألتزام بالأسلام السياسي.

 إذ أن المالكي هو الذي نآى قبيل الأنتخابات الأخيرة عن "حزب الدعوة الأسلامية" أسماً لكتلته الأنتخابية، وتبنى بدلاً من ذلك أسم "دولة القانون" وهو أسم جامع لمختلف التوجهات، بما فيها الأسلامية وغير الأسلامية، الشيعية والسنية، العلمانية والديمقراطية والليبرالية، وهو لربما بفضل ذلك المسمى قد أفلح بالحصول على العدد الكبير من أصوات الناخبين ما مكنه بالنهاية، وبأساليب شابها "إلتباس"، من التمسك بالسلطة لدورة ثانية.

قد يقال أيضاً إن ما حدث هو استجابة لأجندات إسلامية، قد تكون داخلية أو خارجية.

فإن كان الأمر كذلك، ألا يعلم الذين وراء تلك الضغوط إن الله، سبحانه وتعالى، قد أمر بأن
 "لا إكراه في الدين" (البقرة: 256)،
 و"فذكّر إنما أنت مُذكّر.
 لستَ عليهم بمصيطر" (الغاشية: 21 و22)،
 و"ولو شاء ربّك لآمن من في الأرض كلهم جميعاً أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين" (يونس: 99)،
 و"...فمن اهتدى فلنفسه ومن ضل فإنما يضل عليها وما أنت عليهم بوكيل" (الزمر: 41)،
 و"من عمل صالحاً فلنفسه ومن أساء فعليها وما ربّك بظلاّم للعبيد" (فُصلت: 46)،
 و"ولو شاء ربّك لجعل الناس أمة واحدة ولا يزالون مختلفين" (هود: 118)،
 و"...ولا تكسب كل نفس إلا عليها ولا تزر وازرة وزر أخرى ثم الى ربكم مرجعكم فينبئكم بما كنتم فيه تختلفون" (الأنعام: 164)،
 و"من عمل صالحاً فلنفسه ومن أساء فعليها ثم الى ربكم تُرجعون" (الجاثية: 15)،
 و"...إن ربك يقضي بينهم يوم القيامة فيما كانوا فيه يختلفون" (الجاثية: 17)،
 و"قل كلٌ يعمل على شاكلته فربكم أعلم بمن هو أهدى سبيلا" (الأسراء: 84)،
 و"كل نفس بما كسبت رهينة" (المدّثر: 38)،
 و"وقل الحقُّ من ربكم فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر ..." (الكهف: 29)،
 و"الله يحكم بينكم يوم القيامة فيما كنتم فيه تختلفون" (الحج: 69)،
 و"وما اختلفتم فيه من شيئ فحكمه الى الله ..." (الشورى: 10)،
 و"... كل امرئٍ بما كسب رهين" (الطور: 21)،
 و"من كفر فعليه كفره ومن عمل صالحاً فلأنفسهم يمهدون" (الروم: 44)،
 و"قل لا تُسألون عما أجرمنا ولا نُسأل عما تعملون. قل يجمع بيننا ربّنا ثم يفتح بيننا بالحق وهو الفتاح العليم" (سبأ: 25 و26)،
 و"... فمن كفر فعليه كفره..." (فاطر: 39)،
 و"إن هذه تذكرة فمن شاء اتخذ الى ربه سبيلا" (المزّمل: 19)،
 و"... لكل جعلنا منكم شرعةً ومنهاجاً ولو شاء الله لجعلكم أمةً واحدةً ..." (المائدة: 48)،
 و"من اهتدى فإنما يهتدي لنفسه ومن ضل فإنما يضل عليها ولا تزر وازرة وزر أخرى ..." (الأسراء: 15)،
 و"ليس عليك هداهم ولكن الله يهدي من يشاء ..." (البقرة: 272).

كل تلك الآيات القرآنية الواضحة، وكذلك مختلف القصص والحكم التي وردت في القرآن الكريم،
 وكذلك سيرة الرسول الأعظم محمد (ص)،
 كل ذلك لم يتعلم منه أصحاب الأسلام السياسي فيرسلون عساكرهم الحاملة للسلاح للأعتداء على المواطنين المسالمين داخل نواديهم ومنتدياتهم من أجل إجبارهم على التصرف بما ينسجم مع توجهات البعض من المتدينين السياسيين في عدم التعاطي مع المشروبات الكحولية حتى وإن كان أولئك المواطنون المسالمون من المسيحيين؟
 أيعقل هذا ونحن في القرن الواحد والعشرين وحقوق الأنسان تنتشر وتتجذر في كل أنحاء المعمورة؟
 ألم يدرك أصحاب الأسلام السياسي بأن ما حدث لرواد تلك النوادي، وكذلك في حالة منع السافرات لدخول مدينة الكاظمية، إنما هو ليس انتهاك للدستور العراقي فقط وإنما هو خرق لجوهر الدين الأسلامي السمح؟

لننظر الى الآية الأخيرة من الآيات الثلاث وعشرين المذكورة أعلاه ونرى ماذا تقول.
إن النص الكامل للآية هو: " ليس عليك هداهم ولكن الله يهدي من يشاء وما تُنفقوا من خيرٍ فلأنفسكم وما تنفقون إلا ابتغاء وجهِ الله وما تُنفقوا من خيرٍ يوفَّ إليكم وأنتم لا تُظلمون" (البقرة: 272).

 يقول محمد أسد (11)، مترجم القرآن الكريم الى اللغة الأنجليزية، إضافة لتوضيح آياته – وإسم المترجم قبل إسلامه Leopold Weiss – إن النبي الأكرم، في الأيام الأولى للهجرة الى المدينة، ومن أجل معالجة الفقر الشديد المنتشر آنذاك في مجتمع المسلمين، أشار على الصحابة بأن الصدقات يجب توزيعها على فقراء المسلمين فقط.

 ولكن ذلك الرأي عولج بوحي الآية 272 من سورة البقرة التي نزلت فوراً على الرسول محمد (ص)، والتي بموجبها أمر أصحابه بتوزيع الصدقات على ذوي الحاجة من الفقراء دون الألتفات لدينهم أو معتقداتهم.

وبهذه الآية يخاطب الله، عز وجل، محمداً (ص)، بأنه، إضافة لتقديم العون للفقراء، ليس عليه هداية الناس فهي ليست من شأنه وإنما عليه البلاغ فقط، والله يهدي من يشاء.

 هذا هو جوهر الأسلام!

 العناية بالأنسان الذي كرّمه الله، واحترام معتقداته مهما كانت، وعدم المساس بها أو تغييرها قسراً لأن هذا مخالف لشرع الله.

عوداً الى الآيات الكريمة أعلاه، نجد أن الله جلّ وعلا يكرر القول بأنه لو شاء لآمن من في الأرض كلهم جميعاً، ولو شاء الله لجعل الناس أمةً واحدةً.

 ولكنه لم يفعل ذلك لحكمة، وهي أنه أعطى الله الأنسان القدرة على التفكير بواسطة العقل كي يفرز الصالح من الطالح مستضيئاً بتعاليم الرسل وبما تقتضيه الفطرة السليمة للأنسان.

ووهب الله، سبحانه وتعالى، مخلوقه الأنسان الحرية في الأختيار – بدون قسر من الرسُل، إذ ما على الرسل إلاّ البلاغ المبين – وسيحاسب اللهُ الأنسانَ في الآخرة بناءً على اختياراته التي اتّبعها في الدنيا، وسيكون الثواب هناك والعقاب على ضوء ما يقرره الله، جلّت قدرته.

 وهذا كل مافي الأمر، لا أكثر ولا أقل. ولم يسمح الله لأنبيائه بفرض الأيمان على الناس بالقوة والقسر، وهذا الأمر يتعدى بالطبع الى الحاكم الذي هو أدنى درجات من النبي، والعديد من هؤلاء تقمص عنوان "خليفة النبي أو "أمير المؤمنين" أو "خادم الحرمين"، وأصبح يجلد ويذبح ويقتل بأسم الله، ناهيك عن جلاوزة "الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر" الذين يجوبون الأسواق والمحلات والشوارع لأكراه الناس على التديّن – ولا إكراه في الدين!

ولو كان الأكراه في الدين مسموح به لكان من باب أولى أن يشاء به الله ولا يتركه لعبيده من الحكام الذين سيستغلوه لخدمة مآربهم الدنيوية.

 ولكنه لم يشأ أن يجعل الناس أمة واحدة، وإلا لأصبح الأنسان كالحيوان وكالنمل والنحل، يتبع حياةً رتيبة تقودها الغريزة فقط.

 ولكن الناس لا يزالون مختلفين، وهذه سنة الله، وبهذا تتطور البشرية لأن محرك التطور هو الأختلاف!

 أخيراً لو شاء الله لآمن من في الأرض كلهم جميعاً، وهذا صحيح طبعاً.

 ولكن ستصبح حالة الأنسان، في ظل هذه المشيئة، كحالة الملائكة، لا إرادة ولا حرية لهم في الأختيار، فهم (الملائكة) مسيّرون أو "مبرمجون" كما يشاء الله.

 عندئذ ستنتفي، إذن، مسألة الآخرة والحساب والثواب والعقاب.

 ولكن الله، جل جلاله، أهدى الأنسان العقل وجعل له إرادة ووهبه الحرية في الأختيار والتصرف.

 فالأنسان إذن هو أعلى من الملائكة وأرفع عند الله منهم، لأن الله وهب الأنسان الحرية، وهي أغلى شيء يمكن أن يملكه المخلوق.

 ولهذا السبب أمر الله ملائكته للسجود لآدم، ذو العقل والحرية ورمز الأنسانية.

والآن ماذا سنقول لعساكر الأسلام السياسي الذين داهموأ بأسلحتهم، وحتى بدون أوامر من القضاء، نوادي اجتماعية ومطاعم درجة أولى وحانات في مناطق معينة من بغداد، وأغلقوها بعد الأعتداء على روادها شفوياً وجسدياً.

 أهذا هو ما يأمر به الله؟
 كلا.
 إن هذا ما يأمر به الأسلاميون السياسيون من أجل تحقيق مآرب وطموحات شخصية معينة، والقسم منهم أصبح عليه ألف علامة أستفهام بإدارتهم العوجاء لمؤسسات الدولة وتصرفهم الغير سوي بالمال العام!!

 إن الأوامر التي صدرت لتلك العساكر هي نتاج العقلية الريعية التي تشغل رؤوس حكامنا الآن، وهي العقلية المستقوية بأموال الريع النفطي، والمزدرية لحقوق المواطنين والمصادِرة لحرياتهم.

 إنها العقلية التي تؤسس للأستبداد الذي ربما سيخيم على البلاد بأسرع مما نتصور إن لم نوقفه من الآن عند حده.

قبل أن أنهي كلامي هذا عن التراجيديا العراقية، أتقدم – بكل تواضع – بنصيحة بسيطة الى السيد نوري المالكي، إن هو أراد لمشروعه السياسي أن يتكلل بالنجاح.

 وهي أن يتخلص من نزعته في التمسك بالسلطة بأي ثمن.

 وأن يلغي أية نوايا لتأسيس حقبة جديدة من حكم قائم على الأستبداد. فهكذا حكم مصيره الزوال، طال أم قصر، ولا يصح بالنهاية إلا الصحيح، وما يسمى الآن بالربيع العربي خير مثال على ذلك، واللبيب من اتعض بغيره.

 ثم أليس من باب أولى للسيد نوري المالكي، وهو ذو الماضي المجيد في النضال التأريخي لحزب الدعوة الأسلامية، في أن يقتفي أثر نبي الرحمة محمد (ص) ويتخلق بالآية الكريمة "فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظاً غليظ القلب لانفضوا من حولك فاعفُ عنهم واستغفر لهم وشاورهم في الأمر فإذا عزمت فتوكل على الله إن الله يحب المتوكلين" (آل عمران: 159).

 إن هذه الآية لا تعني فقط أن على المالكي أن يتخلق بأخلاق نبيه الكريم وإلا فإن الشعب سينفض من حوله ويتحول لغيره إن هو أصبح عنيفاً مستبداً، وإنما على المالكي أيضاً أن يشاور شعبه بكافة الأمور، أي أن يؤسس لحكم ديمقراطي أصيل، عماده مجلس نواب يمثل الشعب تمثيلاً حقيقياً، وذلك يستوجب أن ينبثق المجلس على هدى قوانين للأنتخابات والأحزاب، شريطة أن تكون تلك القوانين وطنية وعادلة، ثم تُنظِّم الأنتخابات وتشرف عليها هيئة عليا للأنتخابات "مستقلة بحق وحقيقة".

 وبذلك سيكون نوري كامل المالكي الأول بين رجالات العراق الذين بنوا بلدهم على أسس مدنية ديمقراطية، ووضعوه على سكة التطور والنمو الأقتصادي المستدام.

 هذا ما سيحصله المالكي في الدنيا، أما في الآخرة، وهو الرجل المؤمن - ولا أقول عبد الله المؤمن - فإن "تلك الدار الآخرة نجعلها للذين لايريدون عُلوّاً في الأرض ولا فساداً والعاقبة للمتقين" (القصص: 83).

تدهور مستوى المعيشة

من المعلوم أن العراق بالوقت الحاضر هو في ظلام دامس من الناحية العمرانية والأقتصادية.
 فحالة الخراب مستمرة والخدمات الأساسية تعاني من نقص رهيب والشعب يزداد فقراً.
 ومن أجل التحدث بلغة الأرقام توجهنا الى بيانات الأمم المتحدة الخاصة بالعراق(12)، وهي تستقي بعض معلوماتها عن الأقتصاد العراقي من الجهاز المركزي للأحصاء في العراق، لنرى ما حدث لحصة الفرد من الناتج المحلي الأجمالي، وهو أفضل المؤشرات الأقتصادية للدخل الفردي ودالّة جيدة على الرفاهية أو مستوى المعيشة للفرد، علماً أن آخر سنة تتوفر لها الأحصائيات في الجهاز المركزي هي 2009.

 تشير البيانات لدى الأمم المتحدة الى أن معدلات حصة الفرد العراقي من الناتج المحلي الأجمالي للسنوات 2000، 2005 2009 كانت 686، 643 و830 دولار على التوالي، بالأسعار الأسمية أو الجارية.

 وإذا أردنا مقارنة السنتين 2005 و2009 مع سنة 2000 باعتبارها سنة الأساس، لا بد من استعمال مخفض الناتج المحلي الأجمالي لأزالة آثار التضخم بالأسعار.

 ونظراً لأن مخفض الناتج المحلي (GDP deflator) غير متوفر، وإنما المتوفر هو مؤشر أسعار المستهلك(Consumer price index) ، فإن أفضل وسيلة للحصول على أرقام لمعدل حصة الفرد العراقي من الناتج المحلي الأجمالي تقارب الحقيقة، هي استعمال مؤشر أسعار المستهلك الموجود بدلاً من المخفض الغير موجود.

 إن مؤشرات أسعار المستهلك للسنتين 2005 و2009 نسبة الى سنة 2000 باعتبارها سنة الأساس هي 3.23 و6.45 كما وردت في بيانات الأمم المتحدة.

 أي أن أسعار السلع والخدمات االتي أصبح يواجهها المستهلك العراقي في سنة 2005 تجاوزت ثلاث مرات ما كانت عليه في سنة 2000، وفي سنة 2009 ارتفعت الأسعار الى نحو ست مرات ونصف مثيلاتها في سنة 2000.

 وباستعمال أسعار المستهلك هذه نجد أن حصة الفرد العراقي من الناتج المحلي الأجمالي ستصبح 199 دولار في سنة 2005 و129 دولار في سنة 2009 قياساً ب686 دولار لسنة 2000.

 ومعنى هذا أن الفرد العراقي في سنة 2009 أصبح أفقر منه في سنة 2005 وفي سنة 2005 أفقر منه في سنة 2000.

إن أسباب وكيفية هذا التراجع الغريب في المستوى المعاشي للشعب العراقي بعد سقوط النظام مقارنة بما كان عليه في سنة 2000، وهي سنة كان فيها العراق يرزح تحت حصار إقتصادي جائر ومن الأولى أن يكون مستوى المعيشة فيها هو الأسوأ، تحتاج لبعض التحليل.

 فمن حيث الناتج المحلي الأجمالي الذي بلغ 16,900، 18,164 و25,531 مليون دولار للسنوات 2000، 2005 و2009 على التوالي(13)، نجد أن إنتاج العراق من النفط الخام بلغ 2.8، 1.9 و2.4 مليون برميل يومياً للسنوات المذكورة على التوالي.

 ورغم أن إنتاج النفط الخام في سنة 2000 كان هو الأعلى، إلا أن معدل أسعار سلة منظمة أوبك للبرميل الواحد ارتفعت بشدة من 27.6 دولار في سنة 2000 الى 50.6 دولار في 2005 ثم الى 61.1 دولار في 2009(14)، الأمر الذي حسّن من قيمة الناتج المحلي (بالأسعار الجارية) رغم انخفاض الأنتاج، علماً أن إنتاج النفط الخام هو الفاعل الأكبر في تكوين الناتج المحلي العراقي.

 من جهة أخرى نجد أن النمو السكاني السنوي، بمعدل 2.6%، يؤدي الى انخفاض مستمر بحصة الفرد من الناتج المحلي الأجمالي.

 ثم يأتي المذنب الأكبر وهو ارتفاع أسعار السلع والخدمات بصورة هائلة خلال السنوات 2000 – 2009 كما شاهدنا أعلاه، ليدمر مستوى معيشة الفقراء من الناس، وهم الشريحة الأكبر في المجتمع العراقي.

من المعروف أن مصاريف الغذاء والدواء تستحوذ على الجزء الأكبر من دخل الفقير، إن لم يكن بكامله، خصوصاً إذا كان الفقير لا يملك مكاناً للسكن ويكون حينئذ مضطراً لدفع إيجار.

 وسيكون من المفيد هنا مقارنة حالة هذه الشريحة الكبرى من الشعب في سنة 2000، أي قبل سقوط نظام صدام حسين، مع حالتها بعد السقوط.

 إن فرض الحصار الأقتصادي على العراق إثر غزوه الكويت، وتدمير البنية التحتية العراقية خلال الحرب، أدى الى انفجار موجة الغلاء الفاحش وانهيار قيمة العملة العراقية والقضاء على الطبقة المتوسطة في العراق.

 إلا أن الحكومة العراقية، تلافياً للكارثة الغذائية التي كادت أن تحل بالشعب، لجأت في أيلول 1990، بعد فرض الحصار بنحو ثلاثة أسابيع، الى نظام البطاقة التموينية التي تضمنت بالبداية تزويد الفرد العراقي، وبأسعار رمزية، بحوالي ثلث حاجته الى السعرات الغذائية.

 وقد تحسنت مكونات البطاقة التموينية بمر الزمن، بعد الأتفاق بين الأمم المتحدة والعراق على برنامج النفط مقابل الغذاء في نهاية 1996 وزيادة قيمة الصادرات النفطية المسموح بها كل ستة أشهر من ملياري دولار في البداية الى 5.6 مليار دولار في سنة 1998، ثم أُلغي ذلك السقف نهائياً في كانون الأول 1999.

وقد فاقت قيمة الصادرات النفطية حاجة العراق للغذاء والدواء حتى بعد خصم 25% منها لتعويضات الحرب، وقد أصبح الفائض من تلك الصادرات يتجمع لصالح العراق في حساب خاص أمانة تحت أشراف الأمم المتحدة(15).

من ناحية أخرى نرى أن رواتب موظفي الدولة التي بقيت عملياً مجمدة في ظل الحصار حتى فقدت قيمتها، قد تم تعديلها بعد سقوط النظام لترتفع نحو 100 مرة عما كانت عليه من قبل.

 وبالألتفات الى قضية الرواتب تلك، أخذت الطبقة المتوسطة تستعيد عافيتها تدريجياً.

 على أن رواتب الموظفين لم تواكب الغلاء االذي أصبحت تواجهه بل بقيت تتآكل أمام ارتفاع الأسعار المستمر.

 أما البطاقة التموينية، التي أبقت عليها الحكومة العراقية بعد سقوط النظام بضغوط من الطبقة الكبرى الفقيرة من الشعب، فقد تعرضت لتدهور مستمر كماً ونوعاً وأصبحت وسيلة للفساد ومرتعاً للفاسدين من كبار موظفي الدولة.

 وفي حالة المفاضلة بين سنة 2009 وفيها تتدهور حصة الفرد من الناتج المحلي الأجمالي الى 129 دولار قياساً بحصة 686 دولار للفرد في سنة 2000، يبدو ضاهرياً أن العيش للشريحة الفقيرة من الشعب العراقي في سنة 2000 أفضل من الناحية المادية من العيش في سنة 2009.

 ولكن هذا غير صحيح إذا تمعّنا النظر الى ما كان يحدث لصادرات النفط العراقية في تلك السنة، أي في ظل الحصار.

 فبالأضافة الى خصم ربعها (25%) لكي تسلم كتعويضات للحرب مقابل ما أصبح يخصم 5% لنفس الغرض بعد سقوط النظام، فإن الذي كان يُقدم للشعب العراقي هو مجرد حاجته للغذاء والدواء فقط، إضافة الى بعض التخصيصات الأخرى لتغطية حاجات العراق الأنسانية الملحة، زائداً 600 مليون دولار كل ستة أشهر لشراء أجهزة ومعدات نفطية.

 إن هذه لم تنفع كثيراً في تحسين الحياة البائسة التي كان الشعب يحياها في ظل النظام المقبور – وخصوصاً فقدان الحرية - ولكن الشريحة الفقيرة الواسعة من الشعب العراقي لا تحبذ، أيضاً ومن جهة أخرى، إستمرار الأمور المعيشية على منوالها الحالي، وهي بائسة بكل المقاييس، بل لا بد لها أن تتغير.

قانون الأستثمار والهيئة الوطنية للاستثمار

من أجل إعمار البلاد، ويتضمن مفهوم الأعمار هنا إعادة بناء البنية التحتية المدمرة والأستثمار في مشاريع إقتصادية لأحياء قطاعات الأقتصاد المختلفة ويأتي في مقدمتها قطاعا الزراعة والصناعات التحويلية من أجل بناء أقتصاد مزدهر ذو قاعدة عريضة متنوعة – بعيداً عن الأعتماد على النفط - وبنمو مستدام، أصدرت الحكومة العراقية قانون الأستثمار رقم (13) لسنة 2006.

 يهدف هذا القانون الى
 اولاً: تشجيع الاستثمارات ونقل التقنيات الحديثة للاسهام في عملية تنمية العراق وتطويره وتوسيع قاعدته الانتاجية والخدمية وتنويعها، 
وثانياً: تشجيع القطاع الخاص العراقي والاجنبي للاستثمار في العراق من خلال توفير التسهيلات اللازمة لتأسيس المشاريع الاستثمارية وتعزيز القدرة التنافسية للمشاريع المشمولة بأحكام هذا القانون في الاسواق المحلية والاجنبية،
 وثالثاً: تنمية الموارد البشرية حسب متطلبات السوق وتوفير فرص عمل للعراقيين،
 ورابعاً: حماية حقوق وممتلكات المستثمرين،
 وخامساً: توسيع الصادرات وتعزيز ميزان المدفوعات والميزان التجاري للعراق .

تشكلت بموجب هذا القانون "الهيئة الوطنية للاستثمار" وهي الهيئة المسؤولة عن رسم السياسات الوطنية للاستثمار ووضع الضوابط لها ومراقبة تطبيق الضوابط والتعليمات في مجال الاستثمار، وتختص بالمشاريع الاستثمارية الأستراتيجية ذات الطابع الاتحادي حصرا.

 كذلك تشكلت بموجب هذا القانون هيئات إستثمار في المحافظات غير المنتظمة في اقليم تتمتع بصلاحيات منح إجازات الأستثمار والتخطيط الأستثماري وتشجيع الأستثمار في المناطق الخاضعة لها بالتشاور مع الهيئة الوطنية للأستثمار لضمان توفر الشروط القانونية.

تقوم الهيئة الوطنية للأستثمار بوضع سياسة إستراتيجية وطنية عامة للأستثمار وتحدد القطاعات الأكثر أهمية وتقوم بإعداد خارطة بمشاريع الأستثمار في العراق على ضوء المعلومات التي تحصل عليها من هيئات الأستثمار في المحافظات، كما وتعد قوائم بفرص الأستثمار في المشاريع الأستثمارية الأستراتيجية والأتحادية مع معلومات اولية عن هذه المشاريع وتوفيرها للراغبين في الأستثمار.

بموجب قانون الأستثمار يتمتع المستثمرون العراقيون والأجانب بنفس المزايا والضمانات التي يوفرها القانون والتي من ضمنها الأعفاء من الضرائب والرسوم لمدة ( 10 ) عشر سنوات من تاريخ بدء التشغيل التجاري للمشروع وفق المناطق التنموية التي يحددها مجلس الوزراء باقتراح من الهيئة الوطنية للأستثمار حسب درجة التطور الأقتصادي للمنطقة وطبيعة المشروع الأستثماري.

 ولمجلس الوزراء اقتراح مشاريع قوانين لتمديد او منح إعفاءات بالأضافة الى الأعفاءات المذكورة، او تقديم حوافز او ضمانات او مزايا أخرى لأي مشروع او قطاع او منطقة والمدد والنسب التي يراها مناسبة وفقاً لطبيعة النشاط وموقعه الجغرافي ومدى مساهمته في تشغيل الأيدي العاملة ودفع عجلة التنمية الأقتصادية، لاعتبارات تقتضيها المصلحة الوطنية.

 وللهيئة الوطنية للأستثمار زيادة عدد سني الأعفاء من الضرائب والرسوم بما يتناسب بشكل طردي مع زيادة نسبة مشاركة المستثمر العراقي في المشروع لتصل الى ( 15 ) خمسة عشر سنة إذا كانت نسبة شراكة المستثمر العراقي في المشروع أكثر من 50%.

من أجل تشجيع الأستثمار والأسراع بإنجاز المشاريع للهيئة إصدار إجازة التأسيس من خلال إنشاء نافذة واحدة في الأقليم أو المحافظة غير المنتظمة في إقليم تضم مندوبين مخولين من الوزارات والجهات ذات العلاقة وتقوم الهيئة بمنح إجازة تأسيس المشروع والحصول على الموافقات من الجهات الأخرى وفقاً للقانون.

وللهيئة ان تساعد المستثمر في الحصول على إجازة التأسيس من خلال توليها مفاتحة الجهات المختصة واستطلاع آراء تلك الجهات في شأن إصدار إجازة التأسيس وعلى تلك الجهات إصدار قرارها بالموافقة أو الرفض أو طلب التعديل خلال ( 15 ) خمسة عشر يوماً من تاريخ تبلغها ، ويعد عدم الرد من الجهة المطلوب منها الرأي موافقة وفي حالة الرفض يجب أن يكون الرفض مسبباً .

جعجعة بلا طحين

لقد أمعنا البحث عن المشاريع المهمة ذات الطبيعة الأستراتيجية التي أنجزتها الهيئة الوطنية للأستثمار، فلم نجد لها أثراً رغم مرور نحو ست سنوات على تشكيلها.

 وبعد البحث في موقع الهيئة على الأنترنت وجدنا على صفحتها الرئسية كلمة ترحيبية كما يلي:
مرحبا بكم...
نحن د. سامي الأعرجي رئيس الهيئة الوطنية للأستثمار في جمهورية العراق
نرحب بالمستثمرين الكرام في بلدنا المضياف حيث أخذنا على عاتقنا مهمة إعادة إعمار العراق وبناءه من خلال إستضافة رؤوس الأموال العراقية والعربية والاجنبية لتساهم في نقل التكنولوجيا والمعرفة الى مفاصل الاقتصاد العراقي المتحول من الأقتصاد المركزي الى اقتصاد السوق حيث المنافسة وتكافؤ الفرص وتشجيع القطاع الخاص

وقد تضمن عام 2011 إستقبال العديد من الوفود الرسمية ورجال الأعمال والشركات العالمية وإقامة المنتديات المختلفة والتوقيع على العديد من الأتفاقيات التي تسهل دخول المستثمرين الى العراق وتضمن لهم العديد من الأمتيازات والضمانات التي يحتاجونها وذلك لاستثمار الثروة الطبيعية والبشرية في عراق واعد من خلال قانون الأستثمار رقم 13 لسنة 2006 وذلك عبر:
- النافذة الواحدة في الهيئة الوطنية للأستثمار وفي هيئات إستثمار المحافظات التي تقدم خدماتها لتسهيل عملية منح إجازة الأستثمار من خلال استمارة طلب الأجازة وتخصيص الأرض والحصول على الأعفاءات الضريبية وتسهيل دخول وخروج وإقامة المستثمرين والعاملين معهم.
- تحديث الخارطة الأستثمارية التي تعرض الفرص الأستثمارية موزعة جغرافيا على المحافظات ونوعيا حسب القطاعات الأنتاجية والخدمية.
- دليل المستثمر الذي يوفر المعلومات اللازمة لتسهيل إجراءات دخول المستثمرين الى جمهورية العراق والتمتع بمزايا وتسهيلات قانون الأستثمار ويشرح البيئة الأستثمارية والأجراءات المتبعة لتسجيل الشركات وبدأ عملها داخل العراق.
- تعديل قانون الأستثمار رقم 13 لسنة 2006 بحيث يضمن تمليك الأرض للمستثمرين الوطنيين والعرب والاجانب للمشاريع السكنية وذلك بموجب القانون رقم 2 لسنة 2010 وتعديل نظام رقم 7 الذي ينظم نسب ايجار الاراضي المستثمرة في القطاعات المختلفة.

لن يتاخر كادرنا في الرد على استفساراتكم ومناقشة مقترحاتكم التي تصلنا عبر وسائل الاتصال المختلفة بما في ذلك بريدنا الألكتروني او زيارة مقر الهيئة في بغداد ونأمل ان نكون دائما في خدمتكم لتحقيق المصلحة المشتركة.
د.سامي رؤوف الأعرجي
رئيس الهيئة الوطنية لللأستثمار
بغداد - العراق

كما لاحظنا من أخبار الهيئة المدرجة على موقعها الألكتروني إن أعمالها بخصوص إنشاء المشاريع الأستراتيجية لم تتعدى أكثر من القيام بتحضير أو حضور مؤتمرات خاصة لتشجيع الأستثمار في العراق، أو زيارة دول، مثل كوريا الجنوبية، لتشجيع شركاتها المتخصصة من أجل الأستثمار في العراق، أو لقاء الوفود الخاصة بالأستثمارات ..ألخ.

 وعلى ما يبدو فإن أهم المشاريع الأستراتيجية التي تتداولها الهيئة هي مشاريع الأسكان ببغداد.

 على أن هذه المشاريع بقيت، كما يبدو، في مراحلها النظرية، إذ نسمع عن أخبارها منذ سنين ولكن لم يتحقق منها شيئ على أرض الواقع.

وبمناسبة الكلام عن مشاريع الأسكان، وخلال بحثنا في أخبار الهيئة – وهي باللغة الأنجليزية – لفت انتباهنا أعلان لمشروع سكني، بموجب قانون الأستثمار(16)، ندرج أدناه ترجمتنا العربية له:


فرصة استثمارية
(23/4/2012)

"يسر الهيئة الوطنية للأستثمار أن تعلن عن فرصة أستثمارية لبناء مجمع سكني كامل لموظفي ديوان الوقف الشيعي ببغداد، وذلك في منطقة الكرادة على مساحة قدرها 60 أَيكر (نحو 240 ألف متر مربع) بموجب قانون الأستثمار رقم (13) لسنة 2006 المعدل وطبقاً للأحتياجات أدناه:
1- يتضمن المشروع بناء مجمع سكني مكون من عمارات سكنية بثمانين طابق للواحدة منها.
2- يبلغ مجموع الوحدات السكنية 2,400 وحدة بمساحات (125 متر مربع و175 متر مربع و225 متر مربع).
3- إنشاء مدارس للمراحل الثلاث مع روضات أطفال – مراكز طبية – مراكز للتسوّق – مركز ثقافي – خدمات (ماء، مجاري، محطات كهرباء ومولدات).
4- ملعب، طرق للمرور، مكانات لوقوف السيارات ومناطق خضراء طبقاً للمواصفات المعتمدة من قبل بلدية بغداد ووزارة الأسكان والتعمير.
5- (فقرة تتعلق بطريقة تمويل المشروع وهي طويلة نسبياً ولا مجال لترجمتها وإدراجهاهنا.)

إن الذي تعلمه كاتب هذه السطور هو أن تبنى دور للسكن قرب المشاريع ذات النفع العام من أجل إدارة تلك المشاريع.

 مثال على ذلك توفير سكن لمهندسي وعمال مصفى الدورة ببغداد، حيث أقام الكاتب مع عائلته لمدة خمس سنوات حين كان أحد مهندسي المصفى.

 إن السؤال الذي يطرح نفسه هو ماهي المعايير التي روعيت من قبل الهيئة الوطنية للأستثمار حتى يعتبر بناء مجمعات سكنية لموظفي ديوان الوقف الشيعي (في منطقة الكرادة) من مشاريع العراق الأستراتيجية؟

إن الأعمال "المتواضعة جداً" التي قامت بها الهيئة الوطنية للأستثمار رغم مرور عدة سنين على تشكيلها تشير الى خلل جوهري يعاني منه نظام الحكم الحالي وهو "اللامبالاة".

 وهذه اللامبالاة، التي ترسخها العقلية الريعية، لا علاقة لها برئيس الهيئة، الدكتور الأعرجي، فهو رجل – باعتقادي – حسن النية ذو توجهات صادقة لخدمة البلاد.

 ولكنه، لربما، لا يعلم هو جيداً بأن شروط الأستثمار، أو البيئة المؤاتية لللأستثمار – وبخاصة الأستثمار الأجنبي المباشر وهو المُعوّل عليه – غير متوفرة لأسباب جوهرية تتعلق بالعراق بالوقت الحاظر.

 ذلك أن الأساس الصلب الذي يجب أن تبنى عليه البيئة المؤاتية للأستثمار، وهو الأستقرار الأمني والسياسي، غير متوفر لأسباب تتعلق بتوجهات الغالبية من أولئك الذين يقودون العملية السياسية حالياً داخل العراق.

 والتوجهات التي نتكلم عنها هنا هي السياسات التي يتبعها أولئك القادة، وهي مُفرّقة وليست موحّدة، إقصائية وليست جامعة، أنانية وليست إيثارية.

 وهذه سياسات لا تنفع شعباً
رزح تحت طاغية جائر لفترة قاربت الربع قرن من الزمان، قلب خلالها موازين الأخلاق وأتلف النسيج الأجتماعي، ولا تبني بلداً دمرت بنيانه الحروب وأنهك اقتصاده حصار جائر،
 واحتلته بالنهاية قوى أجنبية تعمل بتوجيه زمرة من الصهاينة لا تريد للعراق الخير، وهي التي أقدمت، أول ما أقدمت، على إلغاء جيش العراق الوطني ثم فتحت حدود العراق لمن هب ودب من المنحرفين محترفي الأرهاب لقتل العراقيين ونشر الدمار، بدفع وتمويل من دول الجوار التي، هي الأخرى، لم ترد الخير للعراق.

قد يقول قائل بأن وصفنا للبيئة العراقية بالوقت الحاضر باعتبارها طاردة للأستثمارات وليست جاذبة له هو وصف غير دقيق،
 بدليل أن مختلف شركات النفط قد هرعت الى العراق حال سقوط النظام وهي تستثمر الآن مئات المليارات من الدولارات في عمليات الأستكشاف والتطوير والأنتاج، ونظراً لاحتياطيات العراق الهائلة من النفط والغاز فإنه سيجلب المزيد من الأستثمارات كلما احتاج لذلك.

 هذا الكلام صحيح ولكن مع الفارق، لأن الأستثمارات المذكورة، وهي مستثناة من قانون الأستثمار بموجب المادة (29) منه وتقع مسؤوليتها في وزارة النفط، لم تدخل العراق اعتباطاً ولكن دخلت لسبب يخص العراق بالذات وليس غيره.

والسبب هو إحتياطيات العراق الهائلة من النفط والغاز والتي قد تفوق حتى السعودية إن تم استكشاف العراق بصورة تامة.
 ولو توفرت مثل تلك الأحتياطيات في بلدان أخرى أكثر أماناً لذهبت الشركات الى هناك وتخلصت من وجع الرأس الذي تعاني منه في العراق.
 هذا فضلاً عن أن الأستثمارات في مجالات الطاقة، وبالأخص مجالات النفط والغاز، تُعتبر من جهة القوى العالمية الغربية والشرقية استثمارات أستراتيجية لا تتأثر كثيراً بطبيعة البيئة التي تحيطها.

إن الأستثمار في البحث عن الموارد الطبيعية واستخراجها يتطلب الذهاب الى حيث تكمن تلك الموارد، وهي قد تكمن في بلاد لايتوفر بها الأمن ولا الأستقرار كما هي الحال في العراق بالوقت الحاضر.
 لذلك نرى أن الأرباح التي تجنيها الشركات من الأستثمار بالموارد الطبيعية هي أعلى من أرباح الأستثمارات في العمليات الأعتيادية، إذ هي تتناسب صعوداً مع صعود المخاطر التي تتعرض لها.

 أما الأستثمارات التي تبحث عنها "الهيئة الوطنية للأستثمار" وتريد استقطابها لداخل العراق فهي استثمارات أعتيادية في الصناعة والزراعة والتجارة والخدمات.
 وهي استثمارات يقوم بها القطاع الخاص في الغالب، وتوصف مجازاً بكونها جبانة، فهي تبحث عن الأمان والأستقرار كشروط أولى يجب توفيرها، إضافة لمغريات مالية وقانونية تزيد من تنافسية بلد على آخر.
 إن توفر الأمان والأستقرار السياسي هو شرط رقم واحد يبحث عنه المستثمر، إذ بانتفاء الأمان تنتفي سلامة الأفراد والأموال، وبانتفاء الأستقرار السياسي تنتفي استمرارية القوانين وتتراجع جدية الضمانات التي يحصل عليها المستثمر(17).

إن وزارة التخطيط هي المسؤولة عادة عن إعمار العراق، وهي بهذا الشأن تتقدم على الهيئة الوطنية للأستثمار.
 لذلك نراها مسؤولة عن التخطيط من أجل التنمية الأقتصادية.
 على أن خطة التنمية الوطنية 2010 – 2014 التي أعلنتها الوزارة كانت غير جادّة ولربما تقدمت بها الوزارة لمجرد رفع العتب فقط(18).
 وركيزة الخطة هذه هي الأستثمارات المقترحة من مبلغ كلي قدره 186 مليار دولار يُموّل 100 مليار دولار منها من الموازنة الأتحادية ويمول الباقي (86 مليار دولار) من القطاع الخاص المحلي والأجنبي.
 أما أهداف الخطة فقد تضمنت نمو الناتج المحلي الأجمالي بمعدل سنوي قدره 9.38% خلال مدة الخطة، إضافة لتوليد ما بين 3 الى 4.5 مليون فرصة عمل جديدة.
ولا نعلم لغاية كتابة هذه السطور ما هي الأستثمارات التي تمت بشأن الخطة ومن قام بها، وما هي الأنجازات التي تحققت بعد انقضاء نصف مدة الخطة، علماً أن الحسابات الختامية للموازنات الأتحادية لا تُنشر ولا علم لنا بطبيعة المصروفات الحقيقية وكمياتها سواء كانت تشغيلية أو استثمارية.
 وقد أعلنت وزارة التخطيط مؤخراً عن إعداد خطة تنمية وطنية جديدة ستغطي السنوات 2013 – 2017 وبمساعدة الأمم المتحدة هذه المرة.

إن الأستثمارت التنموية التي نادت بها وزارة التخطيط بخطتها الفاشلة للسنوات 2010 – 2014 قد زايد عليها رئيس الهيئة الوطنية للأستثمار.
 فهو قد أعلن في 15/12/2010 بأن الحكومة قد وضعت خطة تنمية إقتصادية خلال الخمس سنوات القادمة هدفها اجتذاب إستثمارات خاصة قدرها 86 مليار دولار في حين أن الهيئة الوطنية للأستثمار تهدف الى تجاوز ذلك المبلغ لكي تصل الأستثمارات الخاصة الى 600 مليار دولار(19).
ولا أعرف من أين جاء السيد رئيس هيئة الأستثمار بهذا المبلغ الفلكي، وسنكون سعداء لو أن عشر هذا المبلغ (60 مليار دولار) سيتحقق في ظل الضروف الحالية التي يمر بها العراق، بل سنكون سعداء لو أن 30 مليار وليس 600 مليار دولار ستتحقق من جهة الأستثمار الخاص!

ثم يأتي مؤخراً السيد رئيس الوزراء ليعلن من جانبه عن مشروع "قانون البنى التحتية" بأسباب موجبة هدفها "تنفيذ المشاريع الأستراتيجية والخدمية وإعادة إعمار منشآت البنى التحتية بطريقة الدفع بالآجل من أجل النهوض بالواقع الأقتصادي والتنموي للأقتصاد العراقي".

 عجيب أمور غريب قضية، هذا ما كان يردده الفنان الراحل جعفر السعدي (ألف رحمة على روحه).

 نعم عجيب أمور غريب قضية! بعد مرور سنوات طويلة عجاف على سقوط النظام، وبعد أن كنا غارقين باللامبالاة والفساد، ولا زلنا كذلك، وبعد ضياع عشرات المليارات من الدولارات من أموال الشعب العراقي المقهور على أمره، وبعد استنزاف كافة جيوب الخزينة، وبعد كل تلك الجعجعة بلا طحين من قبل شتى المسؤولين، يطلع علينا الآن السيد رئيس الوزراء ليعلن هذه المرة على الملأ إن حكومته الموقرة على استعداد لأعادة الأعمار بالدين.

 ألا توحي هذه المبادرة من السيد رئيس الوزراء وكأنه يتصرف في ملكه كيف يشاء؟
 وكأنه لا يقود شعباً ذا عقل وإحساس يريد تفسيراً معقولاً لخطوات رئيس الحكومة، وإنما يقود قطيعاً من الغنم؟
 أهكذا تريدها يا سيد رئيس الوزراء، بلا رقابة ولا حساب بعد أن قضيت ست سنوات بموقع المسؤولية؟
 إذن ماذا كنت تفعل كل هذه السنين وحالة الشعب تسير من سيئ الى أسوأ، ولم كل هذا الخراب؟
 لربما سيجيب دولة الرئيس: "إنها المحاصصة اللعينة هي التي أدت بحكومتنا الى كل هذا الشلل ومنعتنا من إداء واجباتنا تجاه الشعب".

ولكن ألست أنت الذي تمسكت بكرسي السلطة بأي ثمن، ومن أجل ترضية المتحاصصين وزّعت أعطيات الكراسي يميناً وشمالاً حتى بات الوزير من حكومتك "يلغف" المال العام، المخصص للبناء ولشراء قوت لشعبك الجائع، بكل ما أوتي من قوة ثم يهرب من وجه العدالة بمساعدة ... بمساعدة من، أجبنا يرحمك الله؟
 كان الأجدر بك منذ البداية أن تبذل الجهود مع الآخرين لتشكيل حكومة مع معارضة أصولية في مجلس النواب ولكنك لم تفعل، فهل من المعقول والمنطقي أن تتحمل مسؤولية قيادة شعب وبناء بلد بتركيبة حكومية أنت بنيتها، ثم تأتي بعد هذا الفشل الذريع وترمي المسؤولية على المحاصصة التي أنت قبلت بها؟

ولكن من سيسأل المالكي ويحاسبه من القادة السياسيين وكلهم شركاء بهذه المأساة؟
 إن المعول عليه هو مجلس النواب، ولكن هذا المجلس خالي من المعارضة الأصولية المنظمة بموجب القانون.
 وباستثناء البعض من النواب الشرفاء، فإن الباقي سكوت طالما لم تأتهم الأوامر من رؤساء الكتل!
 أم ستسأل منظمات المجتمع المدني وهي لا زالت ضعيفة؟
 أم سيتولى السؤال المواطن المسكين المغلوب على أمره أمام الحكومة العراقية التي بدأت تتنمر بالتدريج تجاه الشعب،
 هذا الشعب المنكوب الذي لم ينس تصرفات الحكومة تجاه مضاهراته في بغداد،
 وكيف تصدر التعليمات لأيقاف وسائل النقل وقطع المرور من أجل منع المتضاهرين من الوصول الى ساحة التحرير،
 والقبض على الناشطين منهم وتعريضهم لأساليب الضرب "تحت الحزام".
 ولا يدري الواحد من أبناء الشعب من المحتجين، سواء بالأشتراك بمضاهرة أو بالكتابة، متى يُلقى القبض عليه بتهمة جاهزة،
 أو يتعرض للخطف والمصير المجهول من جماعة تلبس الملابس العسكرية وتقود سيارات الدفع الرباعي،
 أو حتى الموت بكاتم الصوت.
 إن التهمة الموجهة للمالكي بكونه يزحف تدريجياً نحو الأستبداد لا تأتي من فراغ.
 فتش عن العقلية الريعية!

أخيراً يبدو من زحام المسؤولين عن عملية التنمية وإعادة بناء الأقتصاد العراقي (الهيئة الوطنية للأستثمار، وزارة التخطيط، رئاسة الوزراء) بأن ملاحي سفينة الأستثمار بالعراق قد كثروا وأصبحنا نخاف على تلك السفينة من الغرق.
 إن تزاحم المسؤولين العراقيين على إعادة بناء الأقتصاد العراقي عن طريق الأستثمار المباشر، الذي لم يأتِ ولن يأتِ مالم تُوفّر له الأرضية الصالحة، وهم لن يوفروها - ويأتي على رأسهم السيد رئيس الوزراء من حيث المسؤولية – طالما بقيت توجهاتهم على شاكلتها،

 أقول إن حالة هؤلاء السادة تذكرني بالنكتة التي تقول أن رجلاً كان يتمنى أن يربح بطاقة يانصيب، وكان يتوسل الى الله ويقيم الذكر والصلوات في كل يوم تتم فيه السحبة، ولكنه لم يربح لأن مشكلته، رغم توسله الى الله، إنه لم يكن يشتري بطاقة.

سؤال مشروع: لماذا لا يعاد إنشاء "مجلس الأعمار" الذي نجح في ظل العهد الملكي نجاحاً منقطع النظير؟

 وكان يتكون ذلك المجلس من أشخاص أكفاء ذوي علم ومعرفة، مخلصين، نزيهين، لم يبحثوا عن وظيفة أو شهرة أو مال بل كان جل همهم خدمة الوطن، ذوي استقامة لا تلومهم في الحق لومة لائم، أقوياء شجعان كان بإمكانهم الوقوف بوجه الحكومة لتعديل مسارها في إعمار البلاد إن هي سلكت طريق الخطأ. أين هؤلاء الرجال، أين أبناء الشعب الغيارى، هل خلا العراق منهم بالداخل والخارج؟

القبيلة والغنيمة ومجلس النوب العراقي

نختم بحثنا هذا بمحاولة منا لأماطة اللثام عن كيفية تكوين العقلية الريعية للحكومة العراقية بدوافع من "اللاشعور السياسي" الذي ينشأعليه المجتمع العربي، ومنه العراقي.

 وكذلك إماطة اللثام عن سلوك الأكثرية في مجلس النواب العراقي – ولا أقول جميعهم – ذلك السلوك الذي يتحرك بدافع الغنيمة، ومستقوياً بنفس الوقت بقوة الأمير أوالقبيلة الساندة له في المجلس(20).

ينقسم السلوك البشري الهادف، أي الذي يصدر لتلبية حاجات معينة أو رغبات خاصة، الى صنفين، أحدهما صادر عن شعور الفرد، أي يصدر بوعي الفرد وقراره وتصميمه، أي بإرادته، والآخر يصدر لا إرادياً، أي يصدر عن اللاشعور الذي يفلت من إرادة المرء ورقابته تلبية لرواسب دفينة ورغبات مكبوتة.

 إن مسألة السلوك البشري الصادر عن الشعور واللاشعور أصبحت معروفة إذ لاحظها علماء النفس والأجتماع، ومنهم سيجموند فرويد، وكتبوا عنها بإسهاب منذ بدايات القرن الماضي.

 وإذ نحن سنوظف مفهوم "اللاشعور السياسي" في تحليلنا بعد قليل، ينبغي، إذن، توضيحه للقارئ الكريم.

 فاللاشعور السياسي هو شعور جمعي، أي يخص الجماعة وليس الفرد، ولكن ليس أي جماعة وإنما الجماعة المنظمة كالأمة والطائفة والقبيلة والحزب،
 والأعراض التي يتمظهر بها اللاشعور السياسي تكتسي طابعاً سياسياً وآيديولوجياً يمارِس على الأفراد والجماعات ضغطاً لا يقاوَم باتجاه نعرة وتماسك وتناصر أو فرقة وتنافر.

 فالنعرة القبلية العشائرية والتعصب الطائفي والميل نحو الحصول على غنيمة هي ظواهر تبقى فعّالة ولكن كامنة في كيان الجماعات سواء كانت ضمن مجتمعات بدوية أو حضرية، متخلفة أو متطورة، إقطاعية كانت أو رأسمالية أو إشتراكية.

ذلك هو مفهوم "اللاشعور السياسي" الذي يستعيره محمد عابد الجابري من المفكر الفرنسي ريجيس دوبرَي (Regis Debray) في كتابه "العقل السياسي العربي، محدداته وتجلياته".

على أن الجابري يقول "نحن عندما نستعير مفهوم ’اللاشعور السياسي’ من دوبري لا نأخذه بكل حمولته ولا بنفس مضمونه بل نتصرف فيه بالقدر الذي يفرضه موضوعنا الذي يختلف اختلافاً غير قليل عن موضوعه: لأن دوبري كان يكتب وهو يفكر بالمجتمع الأوربي المصنع الذي أصبحت فيه العلاقات الأجتماعية التي من نوع العلاقات العشائرية والطائفية تحتل مكاناً يقع فعلاً خلف الموقع الذي تحتله العلاقات الأقتصادية المتطورة، علاقات الأنتاج.

 أما في مجتمعنا العربي، قديماً وحديثاً، فالأمر يكاد يكون بالعكس من ذلك تماماً.

 فالعلاقات الأحتماعية ذات الطابع العشائري والطائفي لا تزال تحتل موقعاً أساسياً وصريحاً في حياتنا السياسية، بينما العلاقات الأقتصادية، علاقات الأنتاج، لا تهيمن على المجتمع إلا بصورة جزئية.

وهكذا فإذا كانت وظيفة مفهوم ’اللاشعور السياسي’ هي إبراز ما هو عشائري وديني في السلوك السياسي في المجتمعات الأوريبية المعاصرة فإن وظيفته بالنسبة إلينا ستكون بالعكس من ذلك إبراز ما هو سياسي في السلوك الديني والسلوك العشائري داخل المجتمع العربي القديم منه والمعاصر.

 وهذا من الأهمية بمكان، ذلك لأن السياسة عندنا (عندما(21)) بدأت (كانت(21)) تمارس بإسم الدين والقبيلة (منذ صدر الأسلام(21)) وما زالت كذلك الى اليوم.

وإذن فاللاشعور السياسي المؤسس للعقل السياسي العربي يجب أن لا يُنظر إليه فقط على أنه ’الديني’ و’العشائري’ اللذان يوجِّهان من خلف الفعل السياسي بل لا بد من النظر إليه أيضاً على أنه السياسي الذي يوجِّه من خلف التمذهب الديني والتعصب القبلي"(22).

لذلك، وبموجب ما جاء بهذا الأقتباس، نستنتج أن "حزب الدعوة الأسلامية"، مثلاً، وهو حزب ديني كما هو واضح من الأسم، وهو طائفي أيضاً لكونه يقتصر على طائفة معينه، يتصرف وهو في سدة الحكم على أساس "اللاشعور السياسي" وليس على أساس ديني أو قبلي.

 ولهذا انتشر مصطلح "الأسلام السياسي" الذي ينطبق على الأحزاب الدينية في الوطن العربي، فهذه الأحزاب سياسية ولكن تحت غطاء ديني.

 كذلك الأمر ينطبق على الحزب الأسلامي العراقي الذي كان يقوده طارق الهاشمي، فهو حزب سياسي، كما هي الأحزاب الأسلامية المتفرعة عن الأخوان المسلمين في مصر والمنتشرة في أرجاء الوطن العربي.

 هذا ومن المفيد هنا الأستدراك لنوضح بأن مصطلح القبلي أو القبيلة الذي ورد في الأقتباس أعلاه لا يعني هنا العشيرة أو التجمع المستند لصلات القرابة فقط وأنما يمتد في وقتنا هذا ليشمل الحزب أو التنظيم لمجموعة من الناس من أجل تحقيق أهداف معينة.

يذكر الجابري في كتابه آنف الذكر محددات العقل السياسي العربي التي حللها إبن خلدون في مقدمته، وهي العصبية القبلية والدعوة الدينية (23)، ويقول بأن العامل الأقتصادي كان يجول دوماً في فكر صاحب المقدمة دون أن يعطيه مكانة مستقلة لوحدها كما أعطى العصبية القبلية والدعوة الدينية.

 وقد أبرز الجابري ذلك العامل وحدد طبيعته في كتابه "فكر إبن خلدون، العصبية والدولة: معالم نظرية خلدونية في التأريخ الأسلامي" وأطلق على ذلك العامل الأقتصادي أسم "أسلوب الأنتاج الخاص بالأقتصاد القائم على الغزو"، أي على انتزاع الفائض من الأنتاج بالقوة، وهي قوة القبيلة أو قوة الأمير أو قوة الدولة.

 وهذا "ليس بمذهب طبيعي للمعاش" كما وصف ذلك إبن خلدون(24)، لأنه لا يعتمد على العمل الأنتاجي المعتاد بل يعتمد الغزو أو العطاء من الأمير الذي يتولى عملية الغزو. ويُطلق اليوم على هذا النمط من الأقتصاد بالأقتصاد الريعي، وهو يشمل أقتصاد الدولة الأسلامية التي كانت تعيش على الخراج.

خلاصة القول، إن اللاشعور السياسي الكامن أو المكبوت في كيان الجماعات المنظمة، وتمثلها الأحزاب والكتل السياسية داخل العراق بالوقت الراهن، لا ينطلق على عواهنه بل يتقيد بمحددات سمّاها الجابري: القبيلة، الغنيمة، العقيدة.

- فالقبيلة تعني القرابة، كما يعبر عن هذا المعنى الأنثروبولوجيون في دراساتهم للمجتمعات البدائية والمجتمعات قبل الرأسمالية، وسمّاها إبن خلدون ب"العصبية"، وهي تُدعى اليوم بالعشائرية.

 على أن معنى القبيلة هنا هو أوسع من علاقة القرابة، فهو يشمل العلاقات ذات الشحنة العصبية كالطائفة أو الحزب أو الأنتماء لمدينة معينه. والأنتماء القبلي هذا يفصل بين "الأنا" و"الآخر" في ميدان السياسة والحكم وإدارة شؤون البلاد.

من الجدير الأنتباه إليه أنه بمعيار الأنتماء القبلي يتم في هذا الوقت إبعاد ذوي الخبرة والكفاءة عن المشاركة في إدارة البلاد ليتسلمها من لا خبرة له وكذلك الفاسدون ومزوِّرو الشهادات.

ولهذا تقدم مؤخراً رئيس الوزراء بقانون البنى التحتية لتسليم مسؤولية البناء الى الأجانب وبالدفع الآجل، وذلك نتيجة لشعوره بحالة من اليأس شديدة، بعد أن بقيت مسؤولية البناء بايادي الفاسدين ومن لا خبرة لهم لسنوات عديدة وبعد تبديد أو سرقة أموال طائلة بحجة بناء البلد.

- بالغنيمة نقصد أن تقوم الدولة بالحصول على مواردها المالية الأساسية ليس عن تحصيل الضرائب ولكن عن جباية الخراج.
 ذلك ما كان يحصل في ظل الدولة الأسلامية، ويدخل في ذلك الجزية والفيئ من غير المسلمين.

 والفرق بين الضريبة والخراج هو أن الضريبة تُدفع بموجب قوانين مرعية ويدفعها الحاكم والمحكوم، أما الخراج والجزية والفيئ فيدفعها المحكوم فقط ويستبد الحاكم في التصرف بها.

 في العراق، بوقتنا هذا، أصبح الريع من الصادرات النفطية هو المورد الأساسي لخزينة الدولة، بدلاً من الخراج، كما أوضحنا ذلك في بداية البحث.

إن سلوك أغلب النواب في الجلسة الأولى لمجلس النواب العراقي لدورة 2005 في تحديد رواتبهم ورواتب كبار موظفي الدولة هو سلوك اللاشعور السياسي بتقاسم الغنيمة.

 ويتكرر هذا السلوك المشين في كل جلسة يمس فيها القرار المنافع الشخصية لهم.

 وهم يلتزمون كل الألتزام بتعليمات الأمير (رئيس الكتلة) في حضور الجلسة من عدمه وفي التصويت بنعم أو لا في حالة الحضور، فهو المانح للغنيمة (الريع)، إذ هو الذي أنعم عليهم مناصبهم رغم عدم حصولهم على أصوات الناخبين اللازمة لفوزهم في الأنتخابات.

 واعترافاً بنعمة الغنيمة التي أنعمها الأمير تراهم متماسكين كلٌ ضمن قبيلته، يتناكفون مع القبائل الأخرى حسب هوى الأمير حتى وإن كان ذلك بالضد من مصلحة الوطن.

- أما العقيدة فليس المقصود بها مضمون معين، سواء من دين أو آيديولوجيا، وإنما مفعولهما يأتي على صعيد "الأعتقاد والتمذهب" كما ذهب لذلك الدكتور الجابري(25).

 إن سلوك الكتل السياسية في حكم العراق وإدارة شؤونه لا ينبع في الوقت الحاضر من الأيمان بعقيدة، وإنما التمسك بالسلطة وتحقيق المنافع الخاصة هو المحرك الرئيسي لتلك الكتل.

 لذلك فإن العقيدة ليست من مقيدات اللاشعور السياسي لدى قادة العراق بالوقت الحاضر كما هي الحال مع القبيلة والغنيمة.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
*الكاتب يحمل شهادات – غير مزوّرة – بالهندسة والقانون والأقتصاد، وهو صاحب كتاب "الأقتصاد العراقي: الماضي والحاضر وخيارات المستقبل".

يقوم حالياً بتأليف كتاب يبحث عن أسباب أفول الحضارة العربية – الأسلامية ونهوض أوربا من نومتها الطويلة لتملك ناصية العلم وتفتح العالم.

 كذلك يبحث بهذا الكتاب أهم السبل المجدية للنهوض بالعالم العربي من نومته التي طالت لكي يلحق بركب الحضارة الأنسانية. سيكون عنوان الكتاب "نومة أوربا ونومة العرب: الأنسان هو الثروة".

(1) الريع باللغة الأنجليزية يسمى rent، والأقتصاد الريعي rentier economy. ومن أجل الأطلاع على تعريفات الريع وأنواعه أنظر: نبيل جعفر عبد الرضا، مفهوم الدولة الريعية، الحوار المتمدن، العدد 3631 في 7/2/2012.

(2) MEES 12 March, 2012, pp. 20-21.

(3) يمكن تجاهل قيام الحكومة الأمريكية بتمويل العجز عن طريق طبع النقود أو الأستدانة من الداخل والخارج – وهذه مصادر غير ضريبية لأننا هنا بصدد توضيح الفرق فقط بين الأقتصاد الضريبي، الذي تستند إليه أمريكا وأوربا وكافة الدول الرأسمالية الأخرى المتطورة إقتصادياً، بغض النظر عن تراكم مديونياتها لأسباب أهمها أدمانها على الصرف خارج حدود قابلياتها، وبين الأقتصاد الريعي الذي تستند إليه دول الخليج النفطية بدرجات متفاوتة، ومنها العراق.

(4) أُقتُبست من مداخلة الكاتب في "السياسات النفطية في العراق- أفق للمراجعة"، مؤتمر دولي عقد في باريس، 25- 27 شباط، 2008- نظمه مركز الأبحاث العراقية، بالتعاون مع بيت العلوم الاجتماعية وبمساعدة المركز الوطني للبحوث العلمية الفرنسي.
 أنظر:
Muhammad-Ali Zainy, “Iraqi Oil: Turning The Curse To A Blessing”, MEES 7 July, 2008, Part 1, pp. 21 – 27, and MEES 14 July, 2008, Part 2, pp. 27 – 32.
كذلك أنظر محاضرة الكاتب بعنوان "النفط ومحنة الأقتصاد العراقي: خارطة طريق لأعادة الأعمار وتحقيق نمو أقتصادي مستدام"، ألقيت لرابطة الأكاديميين العراقيين في المملكة المتحدة بتأريخ 1/3/2011، http://www.iraqiacademics.co.uk

(5) أنظر الحلقة الأولى من بحث الكاتب بعنوان "خارطة طريق إقتصادية" المنشور بسبع حلقات على موقعه الفرعي في الحوار المتمدن:http://www.ahewar.org/m.asp?i=3340

Middle East Economic Survey (MEES), 25 June 2012, p. 15 (6)

(7) قد يقول قائل بأن النرويج، منذ منتصف السبعينات، أصبح اقتصادها معتمداً على صادرات الغاز لدرجة ليست بالقليلة ولكن، مع ذلك، لم تظهر على حكومتها وشعبها الآثار السلبية للأقتصاد الريعي، والجواب على ذلك هو أن النرويج حين أصبحت من الدول المهمة المصدرة للنفط والغاز كان النظام الديمقراطي قد استحكم فيها، لذلك استمرت الأمور فيها كأي دولة متطورة.
 أنظر بهذا الصدد:
Nancy Birdsall and Arvind Subramanian, “Saving Iraq From Its Oil”, Foreign Affairs, July/August 2004, pp. 77 – 89.

(8) وصل كاتب هذه السطور الى بغداد في نهاية نيسان 2003 ضمن فرقاء مجلس العراق للأعمار والتطوير "IRDC" المكون من مجاميع منتقاة من الخبراء العراقيين في المنافي.

 وكانت المهمة الأساسية التي أُسندت لهذا الكاتب قبل مغادرته الى العراق هي قيادة الفريق العراقي المختص بوزارة النفط من أجل تشغيل الوزارة وإعادة بناء المنشآت النفطية التي دمرتها الحرب.

 هذا ما قيل له وما كان يَعلمُه قبل الوصول، وهذا أيضا ما قيل للفرق الخاصة بالوزارات الأخرى.

 إلا أن الأمور تكشفت على خلاف ذلك بعد الوصول الى العراق.

 ذلك أن الخبراء العراقيين الذين وصلوا الى البلاد – وكانوا يتسلمون مخصصات مالية عالية – وجدوا أمامهم فِرَق أمريكية/بريطانية كاملة، وقد عوملوا من قبل تلك الفرق، التي كانت لها القيادة والسيطرة الفعلية على أرض الواقع، وكأنهم فقط ضباط إرتباط جاؤوا لمجرد إضفاء نوع من الشرعية على فرق المستشارين الأجنبية والعمل كحلقات وصل بينها وبين الجهات العراقية.

 لقد خيم على الكاتب شعور بالأحباط شديد بعد اكتشافه طبيعة العمل المناط به وبزملائه من الخبراء العراقيين الآخرين، و بعد إكماله المشاركة في وضع الخطة العامة لإعادة بناء المنشآت النفطية التي تعرضت للدمار، قدم الكاتب استقالته بمنتصف آب 2003، أي بعد نحو أربعة أشهر فقط من العمل، وقفل راجعاً الى لندن، حاملاً معه خيبة أمل كبرى.

 لقد كانت تلك التجربة المريرة، وهي التعامل من قبل الجهات الأمريكية بكذب وبكل صفاقة مع الخبراء العراقيين، المفترض بهم كونهم من زبدة المجتمع العراقي، تنسجم مع ما حدث خلال الأحتلال من نهب وحرق وتدمير للوزارات والمؤسسات العراقية، وفي مقدمتها المتحف الوطني ودار الكتب والوثائق العراقية،
 والغريب أن وزارة النفط كانت الوحيدة التي حرستها دبابات الأحتلال. كما كانت تجربة الكاتب المريرة نذير شؤم لما كان سيحدث بعد وصوله بغداد، إبتداءً من حل الجيش العراقي وفتح أبواب الأرهاب على مصاريعها وليس انتهاءً بتبديد المليارات من أموال الشعب وممارسة ذلك الفساد الرهيب.

(9) ضمن البرنامج الرمضاني "مسؤول صائم"، وبمقابلة تلفزيونية بتأريخ 2/8/2012، أعترف أمير عشائر الدليم الشيخ علي حاتم السليمان بكونه أمر أتباعه، خلال الأنتخابات النيابية الأخيرة، بملئ صناديق الأقتراع بمحافظة الأنبار باستمارات تصويت مزورة لعدم حضور الناخبين من سكان الأنبار – ربما بأعداد كافية – لغرض التصويت.
 والأغرب من ذلك، كما أوضح الشيخ علي، بأن مرشحيهم لم يفوزوا، ما يدلل على أن عمليات التزوير ببغداد كانت هي الأقوى وكانت تجري على قدم وساق من قبل الكتل ذات الهيمنة، وبتواطئ من ممثل الأمم المتحدة، كما نوه الشيخ الى ذلك.
 أنقر الرابط أدناه للأطلاع على المقابلة:
http://www.youtube.com/watch?feature=player_embedded&v=BUtDRZVwzno

(10) أستمع، كمثال، الى ما قاله الدكتور سلام الزوبعي حول قيام جبهة التوافق ببيع منصب وزير الدفاع الذي شغله عبد القادر العبيدي.
لقد بيع المنصب، كما ادعى الدكتور الزوبعي، الى تجار من محافظة الأنبار بعشرة ملايين دولار.

ولك أن تتصور كم هي الأرباح التي جناها هؤلاء من وراء تلك الصفقة! ربما أضعاف مضاعفة كما أجاب الدكتور الزوبعي عندما سُئل نفس السؤال.

 ولك أن تتصور أيضاً عمق المأساة التي يتعرض لها الشعب العراقي المنكوب نتيجة وقوعه بأيادي مثل هؤلاء الحكام. أنقر الرابط أدناه:
http://www.facebook.com/photo.php?v=248955728494195&mid=53012

أنظر أيضاً بهذا الصدد تصريحات النائب الوطني النجيب الشيخ صباح الساعدي – أسأل الله تعالى أن يحرسه من شر الفاسدين - كما وردت على "شبكة أخبار النجف الأشرف" حيث قال "إن رئيس الوزراء نوري المالكي تعود على إبقاء الوزارات الامنية شاغرة، ليبتز بها القوى السياسية، مشيرا الى أن الملف الامني ما زال يدار بعقلية الفرد الواحد وليس بمؤسسة دولة”.

 وأضاف الساعدي "إن الصراع على السلطة هو السبب في عملية الفساد السياسي الكبير ببقاء المناصب شاغرة واعطائها بالوكالة لشخصيات لا يمتهنون هذه المهنة سواء كان رئيس الوزراء او غيره." أنقر الرابط أدناه:
http://www.alnajafnews.net/najafnews/news.php?action=fullnews&id=102384

وقد شاهد كاتب هذه السطور النائب صباح الساعدي على فضائية "الشرقية" مساء يوم 11/9/2012 وهو يتكلم عن نفس الموضوع، أي الفساد في الوزارات الأمنية وكيف تباع المناصب االمهمة فيها بأعلى الأسعار، وإن واحدة من طرق الفساد، سواء بالدفاع أو الداخلية، هي قيام الجهة الفاسدة بتعيين جنود أو شرطة بأعداد كبيرة، ثم لا يأتي منهم الى الدوام إلا القلة، أما الغالبية العظمى منهم فيبقون في بيوتهم أو يقومون بأداء أعمال أخرى، ويستلم الواحد من هؤلاء نصف راتب في حين تستلم الجهة الفاسدة النصف الآخر.

(11) أنظر القرآن الكريم باللغة العربية والأنجليزية، ترجمة وتوضيح محمد أسد، الآية 272 من صورة البقرة مع الهامش 260، طبعة 1984، دار الأندلس، جبل طارق، ص 61.

(12) للأطلاع على بيانات الأمم المتحدة الخاصة بالعراق، أنقر على الرابط أدناه:
http://data.un.org/CountryProfile.aspx?crName=Iraq

(13) تبدو الأرقام عن الناتج المحلي الأجمالي بالأسعار الجارية وحصة الفرد العراقي منها والتي وردت كما في الهامش السابق واطئة، وقد بحث الكاتب في موقع الجهاز المركزي للأحصاء عن سلسلة زمنية للناتج المحلي الأجمالي العراقي فلم يجد.
 ولكن لا ضير فيما إذا كانت الأرقام أوطأ من الحقيقة لأن التحليل في هذه الورقة هو البحث في إتجاه حصة الفرد، أي تدهورها بسبب الغلاء، وليس مقارنة قيمتها مع سلاسل زمنية أخرى.

(14) أنظر النشرة الأحصائية السنوية لمنظمة أوبك.

(15) أنظر: محمد علي زيني، الأقتصاد العراقي، الماضي والحاضر وخيارات المستقبل، دار الملاك للفنون والآداب والنشر، بغداد، ص 296 – 299.

(16) للأطلاع، أنقر على الرابط: http://www.investpromo.gov.iq/index.php?id=13&items=1083

(17) لم يتطرق الكاتب الى الفساد الرهيب الذي يجري الآن بحرية تامة في جميع مفاصل الدولة، وهو آفة خطرة معرقلة للأستثمار الأجنبي المباشر وللبناء الأقتصادي بوجه عام.

(18) من أجل الأطلاع على تفاصيل الخطة، أنقر على الرابط:
http://iq.one.un.org/documents/83/NDP%20final%20-%20arabic.pdf

(19) ترجمة من الأنجليزية الى العربية كما وردت على صفحة أخبار موقع الهيئة الوطنية للأستثمار على الأنترنت.
 أنقر الرابط:http://www.investpromo.gov.iq/index.php?id=13&items=258

(20) يستند الكاتب في هذا التحليل الى كتاب "العقل السياسي العربي، محدداته وتجلياته"، تأليف الدكتور محمد عابد الجابري، مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت.

(21) الأقواس وما بداخلها من الكاتب.

(22) المصدر السابق، ص (13 – 14).

(23) أنظر: عبد الرحمن بن خلدون، مقدمة إبن خلدون، دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع، ص 154 – 161.

(24) المصدر السابق، ص 382 – 383.

(25) محمد عابد الجابري، مصدر سابق، ص (50 – 51).

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق