الخميس، 27 ديسمبر 2012

المدخل النظري للتغير الاجتماعي

إعداد : حمدى عبد الحميد أحمد مصطفى

الأربعاء, أغسطس 25, 2010 |

المدخل النظري للتغير الاجتماعي


التغير في ذاته ظاهرة طبيعية تخضع لها جميع مظاهر الكون وشؤون الحياة المختلفة، وقديماً قال الفيلسوف اليوناني (هيرقليطس) إن التغير قانون الوجود، والاستقرار موت وعدم، كما عبر عن التغير في قوله الشهير: إنك لا تنزل البحر مرتين فإن مياه جديدة تجري من حولك أبداً.

وظاهرة التغير أوضح ما تكون في كل مناحي الحياة الاجتماعية، وهذا ما أدى ببعض المفكرين إلى القول بأنه ليس هناك مجتمعات ولكن الموجود تفاعلات وعمليات اجتماعية في تغير دائم وتفاعل مستمر.

مفهوم التغير الاجتماعي:

تعريف التغير الاجتماعي: أنه كل تحول يحدث في النظم والأنساق والأجهزة الاجتماعية، سواء كان ذلك في البناء أو الوظيفة خلال فترة زمنية محددة.
ولما كانت النظم في المجتمع مترابطة ومتداخلة ومتكاملة بنائياً ووظيفياً فإن أي تغير يحدث في ظاهرة لابد وأن يؤدي إلى سلسلة من التغيرات الفرعية التي تصيب معظم جوانب الحياة بدرجات متفاوتة.

تعرض كل من جيرث و ملز إلى ماهية التغير الاجتماعي ويعتبران أن التغير الاجتماعي: هو التحول الذي يطرأ على الأدوار الاجتماعية التي يقوم بها الأفراد، وكل ما يطرأ على النظم الاجتماعية وقواعد الضبط الاجتماعي التي يتضمنها البناء الاجتماعي في مدة معينة من الزمن.
ويذهب جنزبرج إلى أن التغير الاجتماعي: هو كل تغير يطرأ على البناء الاجتماعي في الكل والجزء وفي شكل النظام الاجتماعي، ولهذا فإن الأفراد يمارسون أدواراً اجتماعية مختلفة عن تلك التي كانوا يمارسونها خلال حقبة من الزمن، أي أننا إذا حاولنا تحليل مجتمع في ضوء بنائه القائم وجب أن ننظر إليه من خلال لحظ معينة من الزمن أي ملاحظة اختلاف التفاعل الاجتماعي الذي حدث له.

يعرف جنزبرج التغير الاجتماعي بأنه "ذلك التغير الذي يحدث في طبيعة البناء الاجتماعي مثل الزيادة أو النقص في حجم المجتمع أو في النظم والأجهزة الاجتماعية كما يشمل التغيرات في المعتقدات والمواقف.

تعريف التغير الاجتماعي: "كل تحول يحدث في البناء الاجتماعي والمراكز والأدوار الاجتماعية وفي النظم والأنساق والأجهزة الاجتماعية خلال فترة معينة من الزمن".

تعريف أرنولد للتغير الاجتماعي: نمط من العلاقات الاجتماعية والأشكال الثقافية في وضع معين يطرأ عليها أو يظهر عليها التغير أو الاختلاف خلال فترة محددة من الزمن وأن التغير هذا يخضع لعوامل موضوعية بمعنى أنه لا يحدث بطريقة عشوائية ولا إرادية ولكن وفقاً لضوابط وقواعد معينة.

تعريف جي روشي للتغير الاجتماعي: كل تحول في البناء الاجتماعي يلاحظ في الزمن ولا يكون مؤقتاً سريع الزوال لدى فئات واسعة من المجتمع ويغير مسار حياتها.

صفات التغير الاجتماعي عند جي روشي:
1 – التغير الاجتماعي ظاهرة عامة توجد عند أفراد عديدين وتؤثر في أسلوب حياتهم وأفكارهم.
2 – التغير الاجتماعي يصيب البناء الاجتماعي، أي يؤثر في هيكل النظام الاجتماعي في الكل أو الجزء.
3 – يكون التغير الاجتماعي محدداً بالزمن أي يبدأ بفترة زمنية وينتهي بفترة زمنية معينة.

يتصف التغير الاجتماعي بالديمومة والاستمرارية، ومن أجل إدراك التغير والوقوف على أبعاده، أما التغير الذي ينتهي بسرعة فلا يمكن فهمة ولهذا فالتغير الاجتماعي يتضح من خلال ديمومته.

ويشير عاطف غيث إلى التغير الاجتماعي بأنه "التغيرات التي تحدث في التنظيم الاجتماعي أي في بناء المجتمع ووظائف هذا البناء المتعددة والمختلفة".

ويرى أن التغيرات الاجتماعية في صور شتى:
1 – التغير في القيم الاجتماعية، تلك القيم التي تؤثر بطريقة مباشرة في مضمون الأدوار الاجتماعية والتفاعل الاجتماعي، كالانتقال من النمط الإقطاعي إلى التجاري والصناعي.

2 – التغير في النظام الاجتماعي أي في البناءات المحددة مثل صورة التنظيم ومضمون الأدوار، أي في المراكز والأدوار الاجتماعية، كالانتقال من نظام تعدد الزوجات إلى نظام وحدانية الزوج والزوجة.

3 – التغير في مراكز الأشخاص، ويحدث ذلك بحكم التقدم في السن أو نتيجة الموت.

مما سبق يتضح أن المفكرين متفقون في النظرة العامة لماهية التغير الاجتماعي، وهو: كل تغير يطرأ على البناء الاجتماعي في الوظائف والقيم والأدوار الاجتماعية خلال فترة محدودة من الزمن، وقد يكون هذا التغير إيجابياً فهو تقدم، وقد يكون سلبياً فهو تخلف، فالتغير إذاً ليس له اتجاه محدد.

آليات التغير الاجتماعي:
1 – المصدر الداخلي: أي أن يكون قائماً في داخل النسق الاجتماعي، وإطاره المجتمع نفسه، أي أنه نتيجة لتفاعلات تقسم داخل المجتمع.
2 – المصدر الخارجي: الذي يأتي من خارج المجتمع نتيجة اتصال المجتمع بغيره من المجتمعات الأخرى.

وسواء أكان داخلياً أم خارجياً فإن ذلك يقوم على آليات محددة:
1 – الاختراع الاكتشاف: ويكون في ابتكار أشياء جديدة لم تكن موجودة من قبل، كاختراع الكهرباء والسيارة، وكذلك الاكتشافات التي تعني معرفة أشياء كانت موجودة أصلاً، كاكتشاف أمريكا.

2 – الذكاء والبيئة الثقافية: أي أن الذكاء يؤدي إلى الاختراع، ويرى علماء النفس أن الذكاء يكون موروثاً ومكتسباً، ولهذا لن يكتب النجاح للفرد الذكي ما لم تتوافر لديه البيئة الثقافية التي تساعده على الاكتشاف أو الاختراع.

3 – الانتشار: إن الاختراعات لن يكتب لها النجاح ما لم تنتشر بين أفراد كثيرين في المجتمع حتى تشيع وتعم، وتؤدي إلى عملية التغير، وأن القبول يؤدي إلى سعة الانتشار.

مصطلحات التغير الاجتماعي:
مصطلح التغير يعتبر حديثاً نسبياً بوصفه دراسة علمية، ولكنه قديم من حيث الاهتمام به، فلقد كانت النظرة في القديم تقوم على الملاحظة الخارجية للتغير ومقارنة أجزاء الثقافة التي تتغير ببطء والسريعة التغير، وقد أخذت الدراسات الاجتماعية في التغير مساراً علمياً بعد أن وضع (وليم أوجبيرن) كتابه المعروف بالتغير الاجتماعي عام 1922م.

لقد كانت نظرة العلماء للتغير حتى القرن الثامن عشر نظرة تشاؤمية مبنية على الخوف من المستقبل واعتبار أن حالة المجتمعات في القديم أفضل من الحالة الراهنة والمستقبلية، لكن العلماء أخذوا ينظرون بعد ذلك التاريخ نظرة تفاؤلية معتبرين حالة المجتمعات الراهنة أفضل من سابقتها، وأن العصر الذهبي أمامنا وليس خلفنا، على قول سان سيمون.

والمصطلحات هي:

أولاً: التقدم الاجتماعي:
يشير هذا المفهوم إلى حالة التغير التقدمي الذي يرتبط بتحسن دائم في ظروف المجتمع المادية واللامادية، ويسير التقدم نحو هدف محدد أو نقطة نهائية، ويرتبط هذا المفهوم برؤية عملية التحول الاجتماعي بوصفها عملية تقدمية ترمي إلى غاية يتحقق فيها (المثل الأعلى) أو (المجتمع المثالي)، فالتقدم يعني أن كل صورة من صور المجتمعات أفضل بالضرورة من سابقتها.

ويرتبط مفهوم التقدم بحكم قيمي فلا بد أن يحدث في الطريق المرغوب لتحقيق مزيد من الإشباع والرضا.

ارتبط التقدم ببعض النظريات القرن التاسع عشر سواء في فلسفة التاريخ (كما في نظرية كوندرسيه) أو في مجال الاجتماع (نظرية أوجست كونت)، حيث أكدت هذه النظريات على أن التاريخ يسير في خط تقدمي، وأوشك أن يبلغ ذروته، بعد الثورة الصناعة والديمقراطية.

إن مفهوم التقدم لم يعد يستخدم إلا للإشارة إلى وجهة التغير الاجتماعي عندما يكون هذا التغير سائراً في خط تقدمي، ومن جراء التطورات في العلوم الاجتماعية تم هجر هذا المفهوم.

أوجه قصور مفهوم التقدم الاجتماعي:
1 – أنه يعاني من التحيز القيمي، أن المفهوم غائي ويتصف بالتحيز القيمي.
2 – عدم استيعاب المفهوم كل جوانب التغير، بل جانب واحد منه وهو التغير التقدمي.
3 – أن المفهوم يقوم على افتراض لا يمكن التحقق من صدقه وهو أن الحياة الاجتماعية تميل إلى أن تتغير بشكل أفضل، حيث أننا لا نستطيع أن نحدد ما الأفضل، ولأن هذه الأمور نسبية.

استعمل مصطلح التقدم الاجتماعي في البداية باعتباره مرادفاً لمصطلح التغير الاجتماعي، وذلك في كتابات كونت وكوندرسيه و تيرجو وغيرهم.

تعريف التقدم عند محمد الدقس: حركة تسير نحو الأهداف المنشودة والمقبولة، أو الأهداف الموضوعية التي تنشد خيراً أو تنتهي إلى نفع، وأنه العملية التي تأخذ شكلاً محدداً أو اتجاهاً واحداً، ويتضمن توجيهاً واعياً مقصوداً لعملية التغير.

وينطوي التقدم على مراحل ارتقائية، أي أن كل مرحلة تكون أفضل من سابقتها من حيث الثقافة والقدرة الإنتاجية والسيطرة على الطبيعة، فتعني عملية التقدم اتجاه واحد نحو الأمام، ونحو تحقيق أهداف مرسومة، أي فعل واع مخطط.

ويختلف مفهوم التقدم من مجتمع إلى آخر، فقد كان يعني في القرن الثامن عشر للمجتمعات الأوربية التحرر من تقاليد العصور الوسطى، ويعني في القرن التاسع عشر للولايات المتحدة الانطلاق نحو تعمير الأجزاء الوسطى والغربية من القارة، والاستغلال الأمثل للموارد الطبيعية، ويعني اليوم للعالم العربي الحرية وإنهاء التبعية، ومحاربة التخلف بكل أشكاله.

يبين ويل ديرونت أن الإنسانية خلال تقدمها الاجتماعي الإرتقائي قد مرت بعدة مراحل:
1 – النطق، 2 – النار، 3 – استئناس الحيوان، 4 – الزراعة، 5 – التنظيم الاجتماعي، 6 – الأخلاق، 7 – الآلات – الصناعة، 8 – العلوم، 9 – التربية، 10 – الكتابة.

والنظرة للتقدم هي نسبية حيث أن التقدم في مجتمع قد يكون تخلفاً بمفهوم مجتمع آخر.

أما من الناحية التاريخية، فإن فكرة التقدم تعود إلى عصور قديمة، وأول من استعمل هذا المصطلح هو لوكريتس عام 60ق.م إلا أن نظريات التقدم الاجتماعي لم تصبح موضوعاً من موضوعات البحث الاجتماعي إلا منذ بداية القرن السابع عشر، فقد ذهب كل من بيكون وديكارت إلى أن الإنسان يستطيع أن يحقق تقدماً لا حدود له عن طريق مجهوداته وإراداته.

ويرى فونتينل (1657) أن تجمع المعرفة الإنسانية يساعد في التقدم المستمر للإنسان، ويتفق معه في ذلك كل من بودان وكوندرسه وكونت.

ولهذا بدأت تظهر نظريات التقدم الاجتماعي مع ظهور الثورة الصناعية التي أدت إلى ظهور فلسفة التقدم بوجه عام، وقد وضعت السيدة جون مارتن كتاباً بعنوان (هل البشرية تتقدم؟)

تعريف هوبهاوس للتقدم: "بأنه نمو اجتماعي للجوانب الكمية والكيفية في حياة الإنسان"، ويعد هوبهاوس تصوراً قيمياً أو ذاتياً ينبع من الملاحظة، وأن التصور يمكن أن يكون في بعض الأحوال تقدماً، وفي بعضها الآخر تخلفاً.

تعريف كاريف للتقدم: "هو تطور تدريجي يدل على نمو المجتمع، وتصاحبه مؤشرات تدل على مداه"، وأوجه التقدم عديدة: فالأفكار والنظريات تدل على تقدم المجتمع وكذلك الزيادة السكانية، رغم أن زيادة السكان مسألة مختلفة عليها هل هي تقدم أم تخلف.

وقد تطور مفهوم التقدم الاجتماعي في القرن التاسع عشر خاصة لدى رواد علم الاجتماع الذين كانوا في الغالب ينظرون نظرة (تفاؤلية) إلى تطور الإنسانية أمثال سان سيمون وكوندرسه وكونت وغيرهم.

الخلاصة: إن فكرة التقدم التي كانت تطرح من قبل الفلاسفة والاجتماعيين، لا تتطابق وواقع التقدم لدى المجتمعات، حيث بقيت فكرة التقدم سائدة عند المفكرين إلى أن وضع أوجبيرن كتابه (التغير الاجتماعي) عام 1922م فأخذت فكرة التغير الاجتماعي تحل محل فكرة التقدم الاجتماعي.

ومن هنا يستدل على اختلاف بين المفهومين: التقدم الاجتماعي والتغير الاجتماعي، إذ الأول يحمل معنى التحسن المستمر نحو الأمام، أي أنه يسير في خط صاعد، في حين أن التغير قد يكون تقدماً أو تخلفاً، وبالتالي يكون مصطلح التغير أكثر علمية، لأنه يتوافق وواقع المجتمعات (واقع التقدم وواقع التخلف)، فالمجتمعات ليست دائماً في تقدم مستمر وإنما يعتريها التخلف أيضاً.

ثانياً: التطور الاجتماعي:
يشير إلى التحول المنظم من الأشكال البسيطة إلى الأشكال الأكثر تعقيداً، وهو يستخدم لوصف التحولات في الحجم والبناء، كما يشير إلى العملية التي تتطور بها الكائنات الحية من أشكالها البسيطة والبدائية إلى صورها الأكثر تعقيداً، ولقد تأثرت العلوم الاجتماعية في استخدامها للمفهوم بالعلوم الطبيعية، وخاصة علم الأحياء، كما تأثرت أكثر بنظرية داروين عن تطور الكائنات الحية.

فالحياة الاجتماعية تتطور من البسيط إلى المركب كما تتطور الكائنات الحية، والحياة الاجتماعية تخضع في تطورها لمبدأ الصراع ومبدأ البقاء للأقوى كما هو الحال في الحياة الطبيعية للحيوانات.

ويعني مفهوم التطور الاجتماعي النمو البطيء المتدرج الذي يؤدي إلى تحولات منتظمة ومتلاحقة، تمر بمراحل مختلفة ترتبط فيها كل مرحلة لاحقة بالمرحلة السابقة.

ويعرفه معجم علم الاجتماع: "بالعملية التي بموجبها تحقق المجتمعات الإنسانية نمواً مستمراً مروراً بمراحل متلاحقة مترابطة"، أي أن التطور الاجتماعي بهذا المفهوم يحمل معنى التقدم التدريجي دون طفرات.

استعمل مفهوم التطور الاجتماعي، بعد أن وضع دارون كتابه المعروف أصل الأنواع عام 1859م، مبيناً فيه نظريته التطورية البيولوجية للكائنات الحية.

وقد استعمل هربرت سبنسر مصطلح التطور الاجتماعي ليشير إلى تطور المجتمع الذي يأتي على غرار تطور الكائن العضوي، وذلك في كتابه أصول علم الاجتماع.

أما المفكر الانثروبولوجي تايلور فقد استعمل مصطلح التطور في كتابه الثقافة البدائية بصورة غير دقيقة.

أما المفكر جوردن تشايلد فقد ميز بوضوح بين التطور الاجتماعي والتطور البيولوجي موضحاً أن الإرث الاجتماعي للإنسان لا ينتقل عن طريق الخلايا الموروثة التي نشأ منها، بل عن طريق التراث الذي لا يبدأ في اكتسابه إلا بعد ولادته.

وقد بين جوليان ستيوارد أن هناك اختلافاً واضحاً بين التطور العضوي والتطور البشري، ذلك أن الأول يسير في خط مستقيم (حتمي) بينما الثاني يسير في عدة خطوط حسب اختلاف العوامل، وهنا تطرح نظرية المتعدد الخطوط، فالعوامل المختلفة تؤدي إلى اختلاف التطور.

وانطلاقاً من ذلك، فإن التطوريين القدامى والمحدثين يقولون بحتمية التطور للمجتمعات، وتشابهها وحتمية التطور عند الكائنات العضوية، إلا أن الاختلاف عند المحدثين في أن العوامل تؤدي إلى تغير اتجاه التطور بوجه عام.

ويمكن القول إن التطور العضوي يعني أن الأنواع الحية قد نمت مع الزمن وبصورة متزايدة التعقيد، فهو إضافة (حجمية) دون حذف أو استبدال لبنى قديمة.

أما التطور المجتمعي فيعني أن ثقافة المجتمعات قد نمت مع الزمن وبصورة متزايدة التعقيد، بإضافة (كمية ونوعية) مع حذف واستبدال لبنى قديمة.

أي أن التطور الاجتماعي قد أهمل جانباً مهماً في تغير المجتمع حيث استبعد فكرة التخلف الاجتماعي التي تنطبق على واقع المجتمعات، فيكون مصطلح التغير الاجتماعي هو الأكثر علمية وواقعية.

ثالثاً: النمو الاجتماعي:
هو عملية النضج التدريجي والمستمر للكائن وزيادة حجمه الكلي أو أجزائه في سلسة من المراحل الطبيعية، كما يشير إلى نوع معين من التغير وهو التغير الكمي.

ومن أمثلة التغيرات الكمية التي يعبر عنها مفهوم النمو التغيرات التي تطرأ على حجم السكان وكثافتهم، والتغيرات في أعداد المواليد والوفيات، ومعدلات الخصوبة وكذلك التغيرات في حجم الدخل القومي ونصيب الفرد منه، والتغيرات في أنواع الإنتاج المختلفة كالتغير في الإنتاج الزراعي أو الصناعي، وتشترك كل هذه التغيرات في أنه يمكن قياسها كمياً، ولذلك فإن مفهوم النمو أكثر انتشاراً في الدراسات السكانية والاقتصادية.

ويرتبط مفهوم النمو بمفهوم التغير ارتباطاً وثيقاً، ذلك أن التغير الاجتماعي له جوانب عديدة، ومن هذه الجوانب، الجوانب الكمية التي يمكن أن تقام من خلالها معدلات النمو التي تعتبر أحد المؤشرات الهامة للتغير الاجتماعي.

ويختلف مصطلح النمو عن التنمية في كونه تلقائياً، بينما التنمية عملية إرادية مخططة، ومن الناحية النظرية فإن مفهوم النمو يقترب من مفهوم التطور، ولكنه لا يتطابق معه.

وفي مجال الدراسات الاجتماعية تعددت النظرة إلى النمو الاجتماعي، لأن النمو الاجتماعي أكثر تعقيداً من النمو العضوي، فلا نستطيع أن نرد أي ظاهرة معينة إلى نواتها الأصلية كما هو الحال في نمو الكائن العضوي، إلا في عمليتين اجتماعيتين كما يقول بوتومور هما: نمو المعرفة، ونمو سيطرة الإنسان على البيئة الطبيعية، كما يبدو في الكفاءة التكنولوجية والاقتصادية.

إن مصطلح النمو لا يعبر إلا عن جزء من التغير الذي يشير إلى الأفضل (التقدم) مع المحافظة على جوهر البناء بشكل عام، أما الجزء الآخر من التغير فلا يتضمن ذلك الجزء الذي يشير إلى التخلف الاجتماعي.

كما أن فكرة النمو تتضمن قيمة (أخلاقية) في الوقت الذي يسعى فيه علماء الاجتماع إلى النأي عن هذه (القيمة الأخلاقية) وينطبق مصطلح النمو على التغيرات الكمية بشكل أفضل، في مجال التغيرات الاقتصادية التي يمكن التعرف عليها، وقياسها بدقة، مثل: نمو متوسط دخل الفرد، والنمو الاقتصادي لدولة في سنة معينة.

وقد بين سبنسر أن النمو ظاهرة مشتركة بين المجتمعات والأجسام العضوية، فالتجمعات السكانية يكون نموها بزيادة عدد أفرادها، وكذلك نمو الأجسام الحية، وأن النمو الاجتماعي يبقى حتى تنقسم المجتمعات أو يقضى عليها.

الخلاصة أن النمو يختلف عن التغير في عدة نقاط:
1 – يشير النمو إلى الزيادة الثابتة نسبياً، والمستمرة في جانب واحد من جوانب الحياة، أما التغير فيشير إلى التحول في البناء الاجتماعي والنظام والأدوار والقيم وقواعد الضبط الاجتماعي، وقد يكون هذا التحول إيجابياً أو سلبياً ولا يتصف ذلك بالثبات إطلاقاً.

2 – يكون النمو بطيئاً وتدريجياً، أما التغير الاجتماعي فيكون على عكس ذلك فقد يكون سريعاً ويتضمن قفزات إلى الأمام أو الخلف.

3 – يسير النمو في خط مستقيم، بحيث يمكن التنبؤ بما سيؤول إليه، أما التغير فلا يكون سيره مستقيماً باستمرار، وقد تعددت النظرة الاجتماعية نحو اتجاهه.

والتغير قد يكون إلى الأمام فيؤدي إلى التقدم، كما قد يكون إلى الوراء فيؤدي إلى التخلف.

وفي الدراسات السوسيولوجية نهتم بالتغير الاجتماعي لأنه يعبر عن حقيقة ديناميكية المجتمع، أما النمو فيدخل في الدراسات الاقتصادية نظراً لطبيعة عملية النمو وخصائصها.

رابعاً: التنمية الاجتماعية:
وهي الجهود التي تبذل لإحداث سلسة من التغيرات الوظيفية، والهيكلية اللازمة لنمو المجتمع، وذلك بزيادة قدرة أفراده على استغلال الطاقة المتاحة إلى أقصى بعد ممكن لتحقيق أكبر قدر من الحرية والرفاهية لهؤلاء الأفراد بأسرع من معدل النمو الطبيعي، كما أنها تشير إلى عملية ارتقاء تدريجي كارتقاء نمو الطفل أو الشخصية.

تعريف حسن سعفان: التنمية الاجتماعية هي الجهود المنظمة التي تبذل وفق تخطيط مرسوم للتنسيق بين الإمكانيات البشرية والمادية المتاحة في وسط اجتماعي معين، بقصد تحقيق مستويات أعلى للدخل القومي والدخول الفردية، ومستويات أعلى للمعيشة والحياة الاجتماعية في شتى مناحيها كالتعليم والصحة والأسرة والشباب، ومن ثم الوصول إلى تحقيق أعلى مستوى ممكن من الرفاهية الاجتماعية، وهي تعني التحريك العلمي المخطط للعمليات الاجتماعية والاقتصادية من خلال إيديولوجية معينة، ولا يمكن الفصل بين التنمية الاجتماعية والتنمية الاقتصادية لنظراً للترابط الوثيق بينهما.

ويرتبط مفهوم التنمية بمفهوم التحديث والذي يعني التحول من نمط التقليدية إلى نمط التكنولوجيا.

ومن الواضح أن مفهوم التنمية ومفهوم التحديث يمكن أن يكون لهما علاقة وثيقة بعملية التغير، فالتحديث والتنمية يحدثان تغيراً اجتماعياً، ولكنهما ليسا بديلين لمفهوم التغير، لأنهما يعبران عن حالة خاصة تتعلق بتحول المجتمعات التقليدية إلى مجتمعات نامية أو حديثة، أما التغير فهو يشتمل على مفهوم أشمل من مفهوم التنمية وله أبعاد أكثر اتساعاً.

الاتجاهات في تعريف التنمية وهي ثلاثة:

الرأسمالي: أن التنمية عبارة عن مراحل نمو تدريجي مستمر، وهي تتضمن إشباع الحاجات الاجتماعية للإنسان عن طريق إصدار التشريعات، ووضع البرامج الاجتماعية التي تقوم بتنفيذها الهيئات الحكومية والأهلية، ولذلك فهي تعني الرعاية الاجتماعية التي تتضمن جانباً واحداً من الخدمات الاجتماعية.

الاشتراكي: أن التنمية تعني عملية التغير الاجتماعي الموجهة إلى تغيير البناء الاجتماعي عن طريق الثورة، وإقامة بناء جديد، تنبثق عنه علاقات جديدة، وقيم مستحدثة، بالإضافة إلى تغيير علاقات الإنتاج القديمة، وذلك لصالح الطبقة العاملة، فالتغير يتجه أولاً إلى البناء التحتي – الاقتصادي – من أجل إحداث التغير الاجتماعي المطلوب.

الاجتماعي: وهو اتجاه المفكرين الاجتماعيين حيث يرون أن التنمية هي تحقيق التوافق الاجتماعي لدى أفراد المجتمع، بما يعنيه هذا التوافق من إشباع بيولوجي ونفسي واجتماعي.

العلاقة بين التنمية الاجتماعية والتغير الاجتماعي:
1 – إن مفهوم التنمية الاجتماعية هو أقرب المفاهيم للتغير الاجتماعي مقارنة بمفاهيم التقدم والنمو والتطور.
2 – إن المفهوم (الحديث) للتغير الاجتماعي يتطابق ومفهوم التنمية الاجتماعية بالرجوع إلى مضمون المفهومين.
3 – أما المفهوم المطلق للتغير الاجتماعي فيعني التحول أو التبدل الذي يطرأ على البناء الاجتماعي متضمناً تبدل النظام الاجتماعي والأدوار والقيم وقواعد الضبط الاجتماعي (إيجاباً وسلباً).

إن التنمية الاجتماعية (إيجابية) دائماً، في حين أن التغير الاجتماعي قد يكون تخلفاً.

عوامل التغير الاجتماعي:

أولاً: العوامل الخارجية وهي التي لا دخل للإنسان بها:

أ‌- العوامل الفيزيقية (البيئية):
تحدث البيئة أثراً كبيراً في تطور الحياة الاجتماعية ونظمها، فالناس في كل مكان عليهم أن ينظموا أنماط حياتهم وفقاً لظروف الطقس وتقلباته،كما أنها تحدد نشاطهم أكان زراعة أم رعي أم تجارة، ولا يعني أن العوامل الفيزيقية هي العوامل الأساسية الوحيدة في إحداث التغير، فقد أدى ظهور البترول إلى إحداث تغيرات اجتماعية بعيدة المدى، بالرغم من أنه اكتشف بجهود بشرية، إلى أن ارتباطه بالطبيعة قد أثر على مسار التطور في المناطق التي اكتشف بها، كذلك أحدثت الظروف البيئية كالزلازل والبراكين والفيضانات إلى زوال مجتمعات بأسرها.

العوامل الفيزيقية التي قد تلعب دوراً في إحداث التغير:
المناخ: الحرارة الرطوبة الرياح الأمطار.
التبدلات الجيولوجية والجغرافية: التصحر مثلاً.
وجود الموارد الطبيعية: البترول الغابات المعادن أو نفاد هذه الموارد.
الطاقة الكامنة في المادة: الطاقة الذرية الطاقة الشمسية.
الكوارث البيولوجية: الأوبئة والأمراض.
الكوارث الطبيعية: الفيضانات الزلازل البراكين الأعاصير.
الموقع الجغرافي: كالقرب أو البعد من مصادر الطاقة أو الطرق العامة أو البحار.
تلوث البيئة: بفعل عوامل طبيعية أو صناعية.

ب‌- العوامل الديموجرافية:
وهي حجم السكان ومعدلات نموهم وهجرتهم وخصوبتهم إلى غير ذلك من العوامل الديموجرافية الأخرى.

ج- العوامل الثقافية:
تعمل وسائل الاتصال في أغلب بلدان العالم على نشر الثقافات، فالمجتمعات التي تقع عند مفترق الطرق، كانت وما زالت دائماً مراكز للتغير، وحيث أن معظم السمات الثقافية الجديدة تنتقل من خلال الانتشار، فإن هذه المجتمعات الوثيقة الاتصال بغيرها من المجتمعات، هي أكثر عرضة للتغير السريع.

ويؤدي الاتصال بين المجتمعات دوراً بالغ الأهمية في تنشيط العمليات الاجتماعية وبالتالي يضفي بعداً دينامياً على البناء الاجتماعي القائم.

والاتصال هو تلك العملية التي تنتقل بواسطتها الرسالة أو الفكرة أو الاختراع من المرسل (المصدر) حتى تصل إلى المستقبل.
وعلى الرغم من أن الاتصال والتغير الاجتماعي ليسا مترادفين، إلا أن هذا الاتصال هو العنصر المهم والفعال خلال عملية التغير الاجتماعي.

إن الاتصال هو عملية حيوية لابد منها لإحداث التغير الاجتماعي، وعلى ذلك يحسن الإشارة إلى أن طبيعة هذا التغير الناجم عن انتشار الأفكار الجديدة تتوقف على النسق الاجتماعي نفسه، ولعل مثل (غلي الماء) في قرية لوس مولينوس ببيرو توضح لنا ذلك،
 وتلقي الضوء على مراحل عملية التغير الاجتماعي، وتتمثل المراحل في:
1 – الاختراع: وهي مرحلة خلق الأفكار الجديدة وتطويرها.
2 – الانتشار: وهي مرحلة وصول الأفكار إلى أعضاء النسق الاجتماعي.
3 – النتائج: وهي التغيرات التي تنجم عن استخدام الفكرة الجديدة أو رفضها.

د- عوامل التحديث:
يشير هذا المفهوم إلى نموذج محدد للتغير يظهر في المجتمع، وأن التحديث عملية معقدة تستهدف إحداث التغيرات في جوانب الحياة الاقتصادية والسياسية والثقافية والإيديولوجية.

ويلعب التحديث دوراً هاماً في عملية التنمية التي تستلزم تشبعاً وتعقيداً مستمراً في النظم الاجتماعية التي يتكون منها المجتمع، والتي تتطلب بدورها تغيرات في التزامات الأفراد الاجتماعية والاقتصادية والسيكولوجية، فالتحديث هو أحد عوامل التغير الاجتماعي، وترتبط بالتحديث أشكال عديدة كالتحديث الزراعي والصناعي والاجتماعي، وبالتالي يتطلب ذلك تبني قيم جديدة لم تكن موجودة سابقاً.

هـ- العوامل الاقتصادية:
وهي شكل الإنتاج والتوزيع والاستهلاك ونظام الملكية السائد في المجتمع والتصنيع، وتلعب تلك العوامل دوراً هاماً في إحداث ظاهرة التغير الاجتماعي، وترتبط العوامل الاقتصادية بعوامل أخرى كالسكان والبيئة والتكنولوجيا، وقد يكون للعوامل الاقتصادية السبق في التعجيل بسرعة التغير.

ثانياً: العوامل الداخلية، التي من داخل المجتمع ذاته:
1 – النظام السياسي:
لم يكن النظام السياسي يلعب دوراً في المجتمعات البسيطة زراعية كانت أم رعوية ولم يكن يحقق في هذه المجتمعات درجة من الاستقلال تمنحه القدرة على الحركة والتأثير، ولقد كانت هذه المجتمعات برمتها مجتمعات استاتيكية بطيئة في التغير، ولقد ظهر دور النظام السياسي في التغير الاجتماعي بعد ظهور النظم السياسية المنفصلة عن المجتمع المدني، لقد أصبحت هذه النظام هي التي تشرع لهذا المجتمع المدني، وترسم السياسات لتنظيم عملية التغير الاجتماعي، وتحاول جاهدة أن تعبئ طاقات المجتمع لتنفيذ هذه السياسات.

يقوم النظام السياسي في أي مجتمع بتنظيم العلاقات الخارجية، كما يقوم بوضع إستراتيجية عامة تستهدف تحقيق الرفاهية الاقتصادية والاجتماعية وتحقيق الاستقرار والأمن، وكلما كان النظام السياسي قوياً استطاع أن يكون فاعلاً في إحداث التغيرات الداخلية وضبطها.

قد يلعب النظام السياسي دوراً سلبياً في إحداث التغير ويرتبط ذلك بطرفين:
1 – أن يكون النظام السياسي تابعاً لنظام آخر ينفذ سياساته دون مراعاة للمصالح الداخلية.
2 – أن يكون النظام السياسي نظاماً عدوانياً يمارس التهديد العسكري للدول الأخرى.

ثالثاً: العوامل التكنولوجية:
للتقدم التكنولوجي أثر كبير على المجتمعات، وكان للاختراعات الحديثة أثرها في إحداث تغيير كبير في المجتمعات الإنسانية، ولعل قناعة أوجبرن بدور التكنولوجيا في المجتمع الحديث هي التي دعته إلى اعتبارها عاملاً أول في التغير الاجتماعي، وفي التخلف الثقافي أيضاً، ويقول: إن التكنولوجيا تؤدي إلى التغير الاجتماعي كما أنها تؤدي إلى الاختراعات الاجتماعية أيضاً.

ويرى شنيدر أن معظم التغيرات الاجتماعية ليست ناتجة عن التغير في العمل أو في الدولة ولكن نتيجة للتغيرات التكنولوجية، ويقول: أنه باستمرار التغير التكنولوجي يستمر التغير الاجتماعي، وأن أي اختراع جديد قد يحطم الأساس الاقتصادي للمدينة ويوزع آلاف العمال.

يعتمد التغير الاجتماعي على تغير الأفكار الرئيسية للمجتمع والتي ينبثق عنها أنظمة تنظم العلاقات بين الأفراد والجماعات، والتقدم التكنولوجي ليس عاملاً أساسياً وحيداً في إحداث التغير الاجتماعي، ولا يمكن التعبير باصطلاحات معينة عن التأثير المباشر لهذا العامل، وأن هناك عوامل أخرى تحدث التغير.

رابعاً: العوامل الفكرية والفلسفية:
تحدث التغيرات الاجتماعية كلها نتيجة لأفكار متعددة، ينتج عنها إدامة تنظيم العلاقات بين الأفراد والجماعات، مثال ذلك الفكر الماركسي ومدى تأثيره في بناء روسيا، وقد كان للحركات الفكرية التي سادت العالم أثر كبير في الحياة الاجتماعية وفي التغير الاجتماعي،
 ويرى أحد علماء الاجتماع أن الإيديولوجية تتكون من عناصر أربعة على الوجه الآتي:
1 – الأفكار التي يعتنقها الناس عن البناء الاجتماعي والعمليات الداخلية بما في ذلك عمليات التغير الاجتماعي الدائرة في المجتمع، والمركز الدولي الذي يحتله هذا المجتمع.
2 – الأفكار التي يعتنقها الناس عن تاريخ هذا المجتمع.
3 – تقييم ما يعتنقونه من حقائق.
4 – القيم والأهداف التي ارتضتها القوى الشعبية للمجتمع الذي تنتمي إليه.

ويرى ماكس فيبر أن للعوامل الفكرية أثر كبير في التغير الاجتماعي، فالتغيرات الاقتصادية في نظره وما ينشأ عنها من تغيرات اجتماعية، إنما تنشأ عن تغيرات ثقافية.

ويذهب كل من أوجست كونت وماكس فيبر على أن العوامل الفكرية هي العوامل الحاسمة في التغير.

ويتصف التغير الثوري بالخصائص التالية: السرعة، والانطلاق من داخل الجماعة، والجذرية والشمول، الإيجابية الهادفة، والتقدمية، والشعبية والاعتماد على الأسلوب العلمي.

وبطبيعة الحال فإن أي تغير يطرأ على إيديولوجية المجتمع لابد وأن ينعكس على الظواهر والمؤسسات الاجتماعية، وبالتالي ينعكس على حياة الناس أنفسهم، ونظرتهم إلى المجتمع ونظرتهم إلى الحياة.

مراحل التغير الاجتماعي:
يرى هربرت ليونبرجر أن هناك سلسلة من المراحل يمر بها الفرد قبل أن يأخذ بالنمط الجديد وهي:
1 – مرحلة الإحساس: وهي تتمثل في أول سماع أو معرفة بالموضوع الجديد.
2 – مرحلة الاهتمام: وهي مرحلة تجميع المعلومات حول الموضوع الجديد بغرض تحديد درجة فائدته.
3 – مرحلة التقييم: اختبار المعلومات المستقاة وتفسيرها وفي الظروف السائدة، ومدى ملائمتها.
4 – مرحلة المحاولة: اختبار الفكرة ودراسة كيفية تطبيقها.
5 – مرحلة التبني: التسليم بالموضوع الجديد واعتماده، ليأخذ مكانه في النمط السائد.

إن هذه المراحل السابقة لا تأتي دائماً مرتبة، وإنما قد يطرأ عليها تغيير بإضافة عناصر جديدة، أو حذف بعضها، وقد تتداخل بعض المراحل مع الأخرى.

ويرى عاطف غيث أنه يمكن ملاحظة أربع مراحل في العملية الاطرادية للتغير بوجه عام:
1 – تنتشر سمة أو عنصر جديد خلال النسق من مركز الأصل سواء أكانت هذه السمة أو العنصر الجديد اختراعاً داخل الثقافة الواحدة، أم استعارة من ثقافة أخرى نتيجة لعملية الانتشار وتتداخل عوامل عديدة في التأثير على معدل الانتشار، ويعتمد ذلك على مدى قوة تأثير السمات الجديدة وعلى تقبلها.

2 – يحدث صراع لدى السمات القديمة من قبل السمة الجديدة، من أجل البقاء، وقد تكمل أو تنمي السمات الأخرى الكائنة للنسق الثقافي، لأنها تعمل على مراجعة كفاءة الوظائف القائمة لعناصر النسق.

3 – يثير انتشار العناصر الجديدة تغيرات توافقية في السمات المتصلة به، وقد يعاد تنظيم مظاهر الثقافة القائمة أحياناً لتتمكن من مواجهته أو امتصاص هذه السمة الجديدة.

4 – يأخذ العنصر الجديد مكانه في النسق الثقافي، ما لم يتعرض إلى صراع في حال دخول تجديدات أخرى، تضاف إليه في فترات تطول أو تقصر، وفي حال كثرة دخول أدوات جديدة فإن ذلك يؤدي إلى صراع الأدوات السابقة لعدم استعمالها استعمالاً كافياً، وحتى يتم الأخذ بالعنصر الجديد ويتوافق مع عناصر سابقة علمية، يقتضي استمرار استعماله مدة معقولة من الزمن لتكون كافية لاستيعابه على أن لا يأتي ما يناقضه، وإلا فإن ذلك سيؤدي إلى صراع في النسق.

ويرى جورج ميردوك أن الاختراعات هي أساس التغير الثقافي بوجه عام، فحينما تخترع فكرة أو آلة ما، فإنها تنتقل من الشخص المخترع وتسري عند أفارد مجتمعه، وتبدأ التغيرات التوافقية بعد ذلك، ويستغرق ذلك وقتاً من الزمن، ولن يؤخذ بالاختراع الجديد، حتى يثبت كفاءته وبعد أن يمر بمراحل معينة.

وهناك من يرى أن للنمط المغير أربع خصائص هي:
الشكل: الذي يمكن أن يلاحظ ويدرس فيه ومن خلاله التغير.
المعنى: أي أن له ارتباطات ذاتية وعاطفية في الثقافة نفسها.
الاستعمال: أن يكون استعمال النمط الثقافي يمكن ملاحظته من الخارج.
الوظيفة: أن يؤدي عملاً، ويكون مترابطاً مع الأجزاء ويستدل على ذلك من خلال الإطار العام.

ولذلك فإن عملية التغير تتضمن تلك الخصائص، وتعتمد على عملية القبول على مدى التكلفة، ففي حالة عدم توفر الإمكانيات اللازمة للأخذ به، فلن تتم عملية القبول.

ويرى تالكوت بارسونز أن القبول للعنصر الجديد أسرع في حالة انخفاض التكلفة، والجهد، وفيه رضى وإشباع للحاجات.

خصائص التغير الاجتماعي:

خصائص التغير حسب رأي ولبرت مور:
- السرعة هي السمة الغالبة على التغير الاجتماعي المعاصر.
- الترابط المتغير زماناً ومكاناً بحيث يتتابع حدوثه ولا يكون متقطعاً.
- النوع المخطط نتيجة لزيادة تدخل وتحكم الدول المعاصرة.
- الوسائل التكنولوجية التي تكسب خبرات جديدة للفرد والمجتمع.

وأشار كل من أحمد زايد و اعتماد علام إلى خصائص التغير الاجتماعي:
1 – أن تكون التغيرات ذات تأثيرات عامة وملموسة.
2 – أن تتصف التغيرات بالاستمرارية.
3 – قد لا يسبق استكمال حدوث التغير الإعلان عنه أو إعلام الأفراد به.
4 – قد تبدأ التغيرات بطيئة ثم تتراكم بمرور الزمن.
5 – قد يكون التغير الاجتماعي مخططاً أو مبرمجاً.
6 – توافر إمكانيات الحراك الاجتماعي وزيادة معدلاته.
7 – انتشار المعايير العقلية والعلمية ونماذج التفكير المنطقي داخل الثقافة العام للمجتمع.
8 – سيادة نموذج للشخصية يتيح للأفراد أداء الأعمال التي يقومون بها في إطار نظام اجتماعي يتسم بخصائص معينة النمو الذاتي، المشاركة، سيادة المعايير العقلية.

أهمية التغير الاجتماعي:
أدى ظهور العمل ودوره كنسق اجتماعي وطرحه للعديد من التجديدات العلمية والتكنولوجية في بناء المجتمعات الصناعية المعاصرة، إلى دوام تفاعلات التغير في بناء هذه المجتمعات، ومن ثم انتشاره إلى معظم أرجاء العالم كنمط ثقافي أكثر كفاءة.

فإذا قلنا أن الظاهرة التكنولوجية هي أهم مظاهر العالم الصناعي المتقدم فإن ظاهرة التغير يجب أن تنال نفس القدر من الاهتمام على مستوى المجتمع الإنساني الشامل.

إنه إذا كان العالم يضم ثلاثة تجمعات نسقية أساسية وهي العالم الأول والثاني والثالث،

 فإن هذه التجمعات تنفصل على أساس قدر التقدم الناتج عن قدر امتلاكها للمعرفة العقلانية والكفاءة التكنولوجية التي تيسر هذا التقدم وتنتجه،

 فإلى جانب أهمية التغيرات التنموية التي قد تخضع لها بلاد العالم الأول والثاني،

 فإن بلاد العالم الثالث عادة ما تخضع لتغييرات جذرية تعمل على إلغاء الهوة التي تفصل بينها وبين بلاد العالم الأول والثاني، ومن تحررها من قيود التبعية والاستغلال التي تمارسها المجتمعات المتقدمة.

http://hamdisocio.blogspot.com/2010/08/blog-post_4364.html

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق