الأربعاء، 10 أكتوبر 2012

صـراع الأشــباه ونظريات تفسير الثورات

محمد عبد الهادى

صـراع الأشــباه وهدف ونظريات تفسير الثورات











لذلك يخطئ من يعتقد أن الأوضاع في مصر ستهدأ بعد إعلان اسم الفائز في جولة الإعادة لانتخابات الرئاسة يومي السبت والأحد المقبلين, فالنتيجة في حالة فوز أي من المرشحين الدكتور محمد مرسي أو الفريق أحمد شفيق,

وفي غياب دستور يحدد صلاحيات الرئيس, لن تنال الرضا العام, برغم سعي كل منهما بعد الجولة الأولي إلي كسب تأييد قوي سياسية خارج جمهوره الأساسي ومغازلة فئات ومؤسسات أخري لضمان أكبر دعم شعبي وسياسي.

تظل الصراعات السياسية أمرا طبيعيا, لاسيما في مجتمع شهد تجريفا منظما وعمليات إقصاء لمدة 37 عاما متصلة,

لكن بدلا من العمل لعلاج رواسب الماضي, سيطر علي الساحة نهم تيارات الإسلام السياسي للسلطة مقابل محاولة إحياء النظام السابق, وذلك في مواجهة الرغبة الشعبية في بناء نظام سياسي جديد, ومحاولات الاستحواذ علي مؤسسات الدولة كررت تجارب الإقصاء, وروح الانتقام طغت علي التسامح, وتصفية الحسابات غلبت البناء, والابتزاز استمر في إزاحة المعايير, والاغتيال المعنوي وتشويه السمعة أصبحا سلاحا, حتي باتت الفوضي في كثير من الأحيان تفاوض الدولة.

وزاد علي ذلك تفكك وحدة الميدان أمام الطموحات الشخصية (التي لولاها أيضا لكانت الثورة في قصر الرئاسة),

واستعلاء الوفاء للجماعة السياسية علي الوفاء لحلم شهداء 25 يناير ببناء وطن للجميع,

فانفتحت الساحة أمام جماعات المصالح التي ارتبطت بالنظام السابق لتدخل إليها بأمان, حيث توفر لها الدخول الآمن بدلا من الخروج الآمن, وكذلك أمام سياسيين يشبهون إلي درجة كبيرة المعارضة النظامية للنظام السابق وبعضهم عمل معه, وعقد الصفقات

حتي صارت الحياة السياسية حافلة بصراعات الأشباه الذين يتخفون وراء شعارات الثورة وأهدافها.




ولم تقدم جماعة الاخوان سوي تصورات لسلطة شمولية جديدة تقوم علي قوانين النظام السابق نفسها وتنظر بالنظرة نفسها إلي مؤسسات الدولة, بما فيها مؤسسات الأزهر والقضاء والصحف القومية,

فالمدخل هو السيطرة علي الرأس وليس إقامة نظام جديد وكأن الثورة كانت هدية لكي تحل الجماعة محل الحزب الوطني المنحل...

فالجماعة تقترب من وضع الشعب لها في خانة واحدة مع الحزب المنحل.. ولن يسامح المصريون الثورة ومنسوبيها إذا انتهي الحال إلي نظام شمولي جديد..

وبسبب مواقفها لم تنجح جماعة الإخوان المسلمين (وذراعها السياسية حزب الحرية والعدالة) حتي الآن في الانخراط في الجماعة الوطنية بجميع أطيافها, وعجزت عن تفهم قلق الجماعة الوطنية منها, وترفض الاعتراف بوجود هذا القلق المشروع والتعامل معه.

وشتت أطراف الصراع الجهود- منذ تنحي الرئيس السابق- بعيدا عن القضايا الحقيقية ودلست علي الناس ومارست تصرفات غير مسئولة في التعامل مع حقوقهم, ومع إعداد دستور جديد فإن حقوق الشعب هي التي تفرض علي صناع الدستور مواده وصياغاته وليست المصالح الخاصة..

وشغل البعض الناس وانشغل الآخر بمحاكمة جنائية للرئيس السابق ورجاله عن جرائم ارتكبوها بعد 25 يناير,

ولم يدفع أحد نحو محاكمة سياسية علي الأقل للتاريخ لنعرف كيف نجح في حكم بلد عريق كمصر30 عاما دون خيال أو إبداع وكان علي وشك أن ينجح في تحويله إلي عزبة يورثها لنجله؟...

فالإجابة عن ذلك ولو من خلال جلسات استماع ــ يشارك فيها ثوريون ومثقفون حقيقيون وعلماء اجتماع سياسي- تكشف لنا الكثير

وربما تجيب عن السؤال الحائر: من قتل المتظاهرين؟...

فأعز ما تملكه أي ثورة هم شهداؤها.

لكن صراعات الأشباه علي السلطة طمست الأدلة قبل أن يتلفها مجهول, فبرغم الاختلافات بين طرفيها في الظاهر فإن ما يجمع بينهما (الوصول للسلطة وعدم إجراء تغيير وعدم قبول الآخر السياسي أو الطائفي) أكثر بكثير مما يفرق بينهما,

وحتي عندما عاد البعض إلي الميدان أو خاطبه من الخارج لم يعد إليه ولم يخاطبه بروح توافقيه, وكانت النتيجة أن تفرقت دماء الشهداء بين عشرات الائتلافات والجماعات والتيارات والمجالس والطموحات, وظلم الجميع أنفسهم والثورة وشهداءها..

وباتوا في قفص الاتهام فحق عليهم قول الله تعالي بئس للظالمين بدلا.

هدف الثورات

إن هدف الثورات هو تشكيل نظام سياسي جديد لإحداث تغيير في القوة السياسية في المجتمع وفي توزيع الثروة لتحقيق عدل اجتماعي يلغي وسائل المهادنة والصفقات ويعتمد العمل المباشر لتحقيق مطالب الثورات وأهدافها, لكن ذلك لم يحدث,

فنتائج16 شهرا توضح أن كل ما جري لم يكن سوي نتائج صراع بين طرف يحاول ترميم النظام السابق وآخر يسعي لإحلال نظام شمولي آخر مكانه ويعتمد قوانينه, فكان من الطبيعي أن يعتمد الشارع قوانينه في مواجهة النظام السابق بالتشكيك في نتائج الانتخابات وأحكام القضاء.

فالقوي السياسية والثورية في مواجهة هذا الصراع لم تعمل بشكل كاف منذ البداية لبناء شرعية جديدة بعد ثورة25 يناير.... فالشرعية هي سيادة رأي الجماعة الوطنية ورضا الشعب الذي هو أساسا مصدر السلطات, وثورته عمل شرعي يسمو فوق القوانين,

لكن بعض تلك القوي أخضعتها لقوانين العمل السياسي السابقة, ولم يؤسسوا لشرعية جديدة, بل ساروا في مسار تلاحقه الشكوك في شرعيته وتم تصميمه بشكل لا يؤدي إلي نجاح الثورة في تحقيق أهدافها كاملة,

واستغلته قوي أخرى لمحاولة فرض سلطة فعلية لا هي دستورية ولا هي ثورية..

والأخيرة( شرعية الميدان) تمت الإساءة إليها باستدعائها وقت الحاجة إليها لتشريع قوانين ثورية في اللحظات الأخيرة لتخدم مصالح خاصة!!.

ولأن الشرعية هي التي تعطي الثورة الحق في هدم النظام السابق, وبناء نظام جديد ( بمعني أن الشرعية تعطي سلطة يترتب عليها المشروعية ولا تحتاج الثورة بالتالي إلي مشروعية القوانين السابقة علي وجودها),

فإن إهمال القوي السياسية والثورية شرعية25 يناير واستسلامها لعمل الآخرين بقوانين الحركة السياسية في السابق- تحقيقا لمصالح وطموحات خاصة وليس لمصلحة الوطن- أوصلنا إلي ما نحن فيه,

ويتجلي ذلك في الحديث عن دستور.. 1971 فإذا كان هذا الدستور لايزال علي قيد الحياة نظريا.. فالنظام السابق إذن لم يسقط عمليا!.. وربما يفسر ذلك إلتفاف الشعب حول الثورة ثم التصويت في الانتخابات الرئاسية لمصلحة إحدي قيادات النظام السابق بما وضعه في جولة الإعادة.

نظريات  لتفسير أسباب قيام الثورات

هناك نظريات عديدة لتفسير أسباب قيام الثورات, منها 

نظرية أرسطو (الانفصال بين ملكية الثروة الاقتصادية وبين السلطة السياسية),

ونظرية كارل ماركس (الاستغلال الاقتصادي للطبقة المالكة لأدوات الإنتاج),

ونظرية بارسونز والسون ودانيال بل (عدم التناسق بين المركز الاجتماعي والدخل المادي),

ونظرية وليم كوزنهوز (انقطاع الصلة بين الحاكم والجماهير بسبب فساد الجماعات الوسطية الموالية للنظام الحاكم),

ونظرية جيمس ديفز (تراجع التوقعات بتحسن الوضع الاقتصادي وإحباط الجماهير),

ونظرية كارل دوتش (عدم التوازن بين قدرة الحكومة وأعبائها),

ونظرية هاري ايكستين( عدم تعبير السلطة عن المجتمع)....

ويمكن القول إن ثورة25 يناير قامت لكل هذه الأسباب مجتمعة.. لكن صراعات الأشباه نجحت في شغل الجميع عن التعامل معها, ولم تساعد في توفير الإرادة السياسية للتغيير, وقد نعود معها إلي نقطة البداية وينادي الناس من جديد علي الجيش.

لو أن الجهود اتجهت مبكرا لوضع دستور يؤسس لبناء النظام السياسي الذي يعبر عن طموحات جموع المواطنين, لاحترم الجميع نتائج الانتخابات وأحكام القضاء برضا كامل, وتجنبنا أزمة الثقة المفقودة والممتدة في العملية الديمقراطية وفي حكم القانون...

لكن ربما كانت هناك فرصة أمام الجميع للمراجعة ولمعالجة الأخطاء, إلا أن مواقف ما يسمي بـــالنخبة لا تدعو للتفاؤل, فأسوأ من فساد الحاكم هو فساد الطبقة السياسية وكذبها وعنادها في الحق.

لن تنجح ثورة 25 يناير في تحقيق أهدافها إلا حينما يعود الصراع بين أضداد... بين قوى تحاول إعادة عجلة الزمن للوراء ولو بأشكال مختلفة وبين قوي سياسية وثورية تتدارك الأخطاء وتسعي لبناء الدولة الوطنية الحديثة.. دولة مدنية ديمقراطية..

بين قوى تظن أن الشعب سيعود إلي سيرته الأولي تحت اللافتات نفسها أو بإلباس هذه اللافتات لباسا دينيا وقوي تعبر عن تغيير قد حدث في جينات الشعب بظهور أجيال جديدة تؤمن بانتزاع حقوقها وليس بانتظارها هوم دليفري...

فمن طبيعة صراعات الأشباه أنه لا يستطيع أي طرف فيها الحسم لمصلحته فهي بطبيعتها صراعات مفتوحة تتحول بمرور الوقت وفي غياب دستور إلي صراعات فراغ يتحمل البلد تكلفتها العالية...

فأيا كانت نتيجة جولة الإعادة للانتخابات الرئاسية ستكون البلاد وهي بدون دستور أمام فرز جيد.. لذا ربما تكون ثورة 25 يناير بشبابها المستمسك بحق الشهيد من أطول الثورات في التاريخ عمرا.


http://www.ahram.org.eg/The-Writers/News/154256.aspx

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق