د. محمد آل عباس
طرحت قناة
"العربية" سؤالا حول أرباح الشركات (كما فهمته) وكم نحتاج من النمو في
هذه الأرباح كي ينعكس على أسعار الأسهم في السوق السعودية.
ونظرا لما لهذا السؤال
من أهمية وعمق مما يجعل خمس دقائق غير كافية إطلاقا للإجابة عنه إجابة وافية، بل
قد لا تجانبني الحقيقة إذا قلت إنه بحاجة إلى دراسة علمية متعمقة وفق منهج علمي
واضح وصارم، لذلك آثرت الإجابة عنه من خلال هذا المقال مع التأكيد أنه بحاجة إلى
أكثر من مقال واحد أو بحث.
لقد اجتهد الباحثون حول
العالم لتفسير التباين في أسعار الأسهم مركزين في محاولاتهم على كشف العلاقات
السببية معتمدين في ذلك على المنهج الاستقرائي في صورته الإيجابية, وذلك في سعي
محموم للوصول إلى تلك المعادلة التي يمكن من خلالها التنبؤ بأسعار الأسهم في
المستقبل القريب.
ولقد كانت ومازالت تلك
المعادلة الموعودة تمثل الحلم العظيم والكنز المفقود ولا أشك أبدا أن من يمتلكها
سيحقق ثروة عظيمة جدا.
إنها تشبه المعادلة الكيماوية التي يحلم بها كل
كيماوي لتحويل النحاس أو الحديد إلى ذهب.
وتأسيسا لهذا المقال أود أن
أوضح أن أثر المعلومات المحاسبية التي يتم اختزالها في رقم الأرباح تخضع لما يسمى
نظرية كفاءة السوق Market Efficiency أي قدرة السوق على عكس المعلومات في أسعار الأسهم.
وفي هذا الخصوص يمكن تقسيم كفاءة السوق إلى:
كفاءة ضعيفة Weak-Efficiency : أي أن أسعار الأسهم قد تأثرت بالكامل بجميع المعلومات
التاريخية, بمعنى آخر أن الأسعار اليوم لا تعكس تلك المعلومات بل تتأثر السوق فقط
بالمعلومات الجارية في السوق والمعلومات الداخلية التي لا يعرفها إلا ذوو النفوذ
في الشركات. وفي هذا المستوى يصبح التحليل الفني قليل الفائدة بدرجة كبيرة.
كفاءة شبه قوية Semi-strong Efficiency وهنا تعكس أسعار الأسهم جميع المعلومات التاريخية وكذلك
الحالية المتاحة أو المعلنة وهنا يقل تأثير التحليل الأساسي وقدرة المحللين على
تحقيق أرباح غير عادية.
كفاءة السوق القوية Strong Efficiency وهنا تعكس الأسعار جميع المعلومات حتى
الداخلية وتصبح قدرة ذوي النفوذ على تحقيق أرباح غير عادية ضعيفة جدا, وهذا
المستوى نادر جدا في الأسواق العالمية مع أن جميع الهيئات والمنظمات تأمل الوصول
إليه.
وهكذا فإنه كلما تناقصت كفاءة السوق
يصبح التحليل والتنبؤ بالأسعار أمرا في غاية الصعوبة, خاصة مع دخول السوق إلى
منطقة الكفاءة الضعيفة حيث تتحكم في حركة أسعار الأسهم الحركة العشوائية Random Walk التي يستحيل معها التنبؤ باتجاه السهم في المستقبل القريب جدا،
وأعتقد أن السوق السعودية قد استقرت في هذه المنطقة الضعيفة جدا وأصبح البعض يحقق من المعلومات الداخلية أرباحا غير عادية تفوق
الخيال, كما أصبح تأثير نشر رقم الأرباح عديم التأثير لأنه عند الإعلان
يصبح من ضمن المعلومات التاريخية التي تأثرت بها الأسعار.
وإذا كانت هذه الحال مع كفاءة السوق فإن العديد من الدراسات أكدت أيضا أن
تأثير رقم الأرباح إذا كان موجودا لا يفسر أكثر من 10 في المائة من سعر السهم
وتبقى 90 في المائة هي محل السؤال والاستفسار, والرابح
الأكبر هو من يعرف تلك المعلومات، التي تعد خليطا من المعلومات الاقتصادية
والسياسية والنفسية.
إضافة إلى ذلك ووفقا
للتحليلات التي قدمها الكاتب الاقتصادي عبد الحميد العمري في عدد
"الاقتصادية" رقم 4675 الأحد 5/7/1427هـ, وأشار فيها إلى أن الحصص من أسهم الشركات المساهمة
السعودية المطروحة للتداول بعد حسم حصة الحكومة وحصة المستثمر الأجنبي وكبار
المساهمين لا تتعدى 15 في المائة, أي ما يقارب 497 مليون سهم فقط.
وبناء على كل ما سبق وإذا
أخذنا في الاعتبار أن تأثير رقم الأرباح لا تتجاوز 10 في المائة فإن هذا التأثير
لن ينعكس إلا على 15 في المائة من أسهم الشركة فقط (في المتوسط) وهي الأسهم محل
التداول.
وهكذا وإجابة عن سؤال قناة
"العربية"
فإنه إذا نمت أرباح جميع الشركات السعودية بنسبة
5 في المائة فإن 10 في المائة منها لن تؤثر إلا في 15 في المائة من حجم السوق، أي
أنه لو كانت محفظة السوق ذات مؤشر بمقدار 11000 نقطة ونمت الأرباح بمقدار 5 في
المائة فإن التأثير لن يتجاوز عشر نقاط فقط.
وهكذا يبدو التأثير
ضعيفا جدا, وبهذا المقياس ووفقا لهذه المعادلة فنحن في حاجة إلى عشر مرات من هذا
النمو إذا أردنا أن نحصل على تأثير بمقدار 100 نقطة في محفظة السوق.
أضف إلى هذا أن تأثير
رقم الأرباح في المؤشر سوف يتضمن تلك الشركات التي تراجع نمو الأرباح فيها.
والحقيقة أنني لم اطلع
حتى الآن على دراسة ناقشت مثل تلك التأثيرات, ولكن من المتوقع أن يكون التأثير
سلبيا, خاصة إذا كانت شركات قيادية.
وعلى هذا يجب أخذ متوسط النمو في جميع الشركات
التي حققت أرباحا لنعرف أثرها في السوق ككل.
ومما يجدر الاهتمام به أن هذا العرض بني على فرض أن جميع الشركات حققت أرباحا, أما إذا أدخلنا أثر تلك الشركات التي
حققت خسائر فسيكون التأثير كبيرا في النمو في المؤشر اعتمادا على رقم الأرباح فقط.
وكما أشرت في أول المقال أن للسؤال من
الأهمية ما يبرر كتابة عدة مقالات ولكني حاولت الاختصار ما استطعت, كما أنه من
الضروري الحذر عند الخروج باستنتاجات من هذا الطرح ومن المهم التأكيد على ضعف
تأثير المعلومات المتاحة في المؤشر نتيجة قلة الأسهم المطروحة للتداول, وهو أمر
يجب على هيئة السوق أن تدرسه بعناية وأن تحاول أن تقنع الشركات ومؤسسيها بطرح
كميات أكبر من 30 في المائة
كما أن هذا الطرح يعارض ما ذهب إليه العديد من
المحللين وكذلك ما قررته إدارة السوق المالية في الإمارات الشقيقة من السماح
للشركات بتملك 10 في المائة من أسهمها,
وهو شديد الخطورة حتى وإن كانت الظروف تستدعي مثل هذا الإجراء لكي تقوم الشركة
بدور صانع السوق لأسهمها.
هذا ما أردت طرحه ردا على ذلك السؤال,
فإن أخطأت فمني ومن الشيطان وإن أصبت فمن الله وحده والحمد لله.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق