الخميس, 17 نوفمبر 2011 الساعة 08:06
الرؤية الاقتصادية - دبي

جورج سوروس، ذلك الرجل الذي استطاع بطموحه جمع ثروة من البورصات العالمية تجاوزت 7 مليارات دولار، بحسب مجلة «فوربس»، التي صنفته في المرتبة الـ24 على قائمة أغنى 400 رجل في الولايات المتحدة.
وسوروس خبير رأسمالي ورئيس مجلس إدارة صندوق «سوروس» ومعهد «المجتمع المفتوح»، يعتبره كثير من المحللين نموذجاً للمضارب الدولي.
ولد سوروس في 11 أغسطس من العام 1930، في بودابست، وكان اسمه جورج شوارتز، وكان اسم والده تيفادار وهو هنغاري يهودي، سجن خلال الحرب العالمية الأولى، وهرب بعدها من روسيا لينضم إلى عائلته في بودابست. وبقي سوروس على قيد الحياة بعد معركة بودابست بين القوات الألمانية والسوفيتية، ما دفعه للعمل كصراف للعملات، بينما كان لايزال عمره 15 عاماً، أثناء التضخم الكبير الذي أصاب اقتصاد هنغاريا بين العامين 1945 و1946.
ومثل كثير من الطلاب في عصره، هاجر سوروس إلى بريطانيا في العام 1947، ليتخرج من كلية لندن للاقتصاد 1952، وعرف عنه تأثره بالفيلسوف كارل بوبر، الذي تمخض بعد ذلك عن نظرية سوروس المعروفة بـ«المجتمع المفتوح وأعدائه».
ومن خلال عمله كموظف في السكة الحديد وكنادل في مطعم «كاغلينو»، تمكن سوروس الإنفاق على دراسته وأنشطته، وبعدها عين كموظف مبتدأ في بنك استثماري في لندن.
وفي العام 1956، توجه سوروس إلى الولايات المتحدة، ليبدأ مشوار حياته في «وول ستريت»، حيث عمل تاجراً في شركة «أف أم ماير» حتى العام 1959، ثم محللاً مالياً في «ورثيم آند كومباني» بين العامين 1959 و1963، وفي غضون هذه الفترة، ولاسيما في خمسينات القرن الماضي، طور فلسفة «الانعكاس» مرتكزاً على أفكار بوبر.
وتقول النظرية «إن الوعي الذاتي جزء من الطبيعة، ومن ثم، فإن الأنشطة الفردية قد تتسبب أيضاً في اضطراب في التوازنات الاقتصادية، ما يؤثر بدوره في نمو الأسواق الحرة»، وآمن سوروس أنه لا يستطيع جني الأموال من هذه الفلسفة، إلا إذا استثمرها لصالحه، ما دفعه إلى التحري والتحقيق ودراسة آليات الاستثمار وأنواعه.
الجنسية الأمريكية
وعقب حصوله على الجنسية الأمريكية، عمل سوروس من العام 1963 حتى 1973، لدى شركة «آرنولد وأس بليشرودر»، حيث وصل إلى منصب نائب الرئيس، لكنه اختار في نهاية الأمر أن يكون مستثمراً لا فيلسوفاً أو موظفاً.
وأقنع الشركة في العام 1967 بتأسيس صندوق استثماري أطلق عليه اسم «فرست إيغل»، ليكون تحت إدارته.
وما إن انقضى عامان حتى أسست له الشركة صندوق تحوط «دابل إيغل»، غير أنه ثار على أنظمة الاستثمار التي بدأت تقيد قدرته على إدارة الصناديق كما يشاء، الأمر الذي قاده إلى الاستقالة من منصبه العام 1973، ليؤسس شركته الاستثمارية الخاصة والتي طورت صندوق «كوانتوم» بمشاركة صديقه جيم روجرز.
والمفارقة أن هدف سوروس لم يكن جني مليارات الدولارات، وإنما كانت أهدافه متواضعة تتمثل في ربح مبالغ كافية من «وول ستريت» لدعم نفسه ككاتب وفيلسوف، واعتبر أن نصف مليون دولار سيكون مبلغاً مناسباً بعد 5 سنوات لتحقيق هدفه، غير أن «خطته الخمسية» تلتها خطط أخرى، وتراكمت المليارات حتى تجاوزت أصوله الصافية 11 مليار دولار.
المضاربات
بعد أن أسس «سوروس» شركة «كوانتوم» في العام 1969 في مدينة كوراكاو، غرب الهند، أجرت عدداً كبيراً من المضاربات المربحة في سوق العملات، وفي العام 1996 وحده، بلغ صافي أرباحها ما يساوي الدخل السنوي لشركة «ماكدونالدز»، إلا أن أكثر الأرباح التي حققها جورج سوروس هي تلك الناتجة عن المضاربات في الجنيه الأسترليني في العام 1992، حيث حقق في شهر واحد ربحاً صافياً يناهز ملياري دولار، أطلق على إثره لقب «الرجل الذي كسر بنك انجلترا» على سوروس. وبدأت قصة سوروس مع بنك «إنجلترا» في العام 1979.
وفي ذلك العام، طرحت كل من ألمانيا وفرنسا مبادرة إنشاء «نظام النقد الأوروبي»، والذي يهدف إلى الحفاظ على استقرار أسعار عملات الدول الأوروبية الأعضاء فيه.
وكان أول الأعضاء الذين انضموا إلى «نظام النقد الأوروبي» ألمانيا وفرنسا وإيطاليا وهولندا وبلجيكا والدنمارك وإيرلندا ولوكسمبورغ، وارتكز النظام النقدي على آلية «صيانة معدلات أسعار الفائدة» والتي كانت الهدف الرئيس، تمهيداً لتأسيس العملة الأوروبية الموحدة، التي أصبحت اليورو فيما بعد.
وعليه، كان على كل من أعضاء «نظام النقد الأوروبي» تحديد متوسط أسعار الفائدة والنطاق الذي يتم السماح فيه بتغييره، والتزم الأعضاء بالحفاظ على معدل أسعار العملة الوطنية بأي وسيلة تبعاً لشروط ذلك النظام، أو الخروج منه.
صيانة مصطنعة
وفي العام 1990، انضمت بريطانيا إلى «نظام النقد الأوروبي» وكان معدل صرف الجنيه الإسترليني ثابتاً عند مستوى 2.95، مع هامش تغيير ارتفاع أو انخفاض في نطاق 6 بالمئة، وبحلول منتصف العام 1992 وبفضل «صيانة معدلات أسعار الفائدة» تم تحقيق انخفاض كبير في وتيرة التضخم في الدول الأوروبية الأعضاء في النظام.
لكن الصيانة المصطنعة لأسعار العملة في النطاق المتفق عليه أثارت شكوك المستثمرين، وزاد الموقف سوءاً بعد اتحاد ألمانيا الشرقية والغربية في العام 1989، وأدى ضعف الاقتصاد في ألمانيا الغربية إلى زيادة النفقات الوطنية، الأمر الذي اضطر «المركزي الألماني» إلى إصدار المزيد من السندات، ودفعت هذه السياسة إلى زيادة التضخم، ما اضطر «البنك المركزي» إلى رفع أسعار الفائدة، الذي جذب بدوره المستثمرين الأجانب وتسبب في ارتفاع الطلب على المارك الألماني وهو ما أسفر عن نمو معدلاته.
النقد الأوروبي
ونظراً لالتزام بريطانيا بموجب اتفاق «نظام النقد الأوروبي» بالحفاظ على معدلات الجنيه الإسترليني ضمن حدود ثابتة للنطاق المتفق عليه مقابل المارك الألماني، أدى ذلك إلى زعزعة استقرار الاقتصاد البريطاني وزيادة معدل البطالة. وكان أي رفع لسعر الفائدة على الإسترليني في ذلك الوقت بعد الزيادة في ألمانيا سيجعل الوضع أكثر سوءاً، ومن ثم، لكن لم تكن هناك أية احتمالات لرفع سعر الفائدة على الإسترليني، ما دفع سوروس وكثير من المستثمرين إلى اعتقاد أن بريطانيا لن تكون قادرة على الحفاظ على سعر العملة المحلية عند المستوى المطلوب، وأنه من الممكن الإعلان عن تخفيض قيمة العملة، أو الخروج من «نظام النقد الأوروبي».
وعليه، اتخذ سوروس قرار شراء عقود مدينة بالجنيه الإسترليني وبيعها بالمارك الألماني، واستثمارها في الأصول الألمانية، ونتيجة لذلك، تم بيع ما يقرب من 10 مليارات جنيه إسترليني، ولم يكن سوروس وحده يضارب على هبوط الجنيه الإسترليني.
ونتيجة لهذه التكهنات، تدهور الوضع الاقتصادي غير المستقر في بريطانيا، وفي محاولة لاستعادة التوازن وزيادة سعر الفائدة أعاد «بنك إنجلترا» شراء احتياطات بنحو 15 مليار جنيه إسترليني، غير أن ذلك لم يحقق النتيجة المرجوة.
وفي يوم 16 سبتمبر من العام 1992، الذي أطلق عليه «الأربعاء الأسود»، أعلن «بنك إنجلترا» رفع أسعار الفائدة من 10 بالمئة إلى 12 بالمئة، ولكن توقعات السياسيين البريطانيين لم تثبت.
وكان سوروس ورفاقه الذين باعوا عقود الإسترليني متيقنين من أنهم سيجنوا أرباحاً هائلة بعد الهبوط المتوالي للعملة البريطانية، وبعد ساعات قليلة زعم «بنك انجلترا» زيادة سعر الفائدة إلى 15 بالمئة، واستمر المضاربون في بيع عقود الإسترليني بكميات كبيرة.
واستمر البيع حتى الساعة 19:00 من ذلك اليوم، وفي اليوم نفسه تم الإعلان عن انفصال بريطانيا «نظام النقد الأوروبي» وأن سعر الفائدة سيتم خفضه إلى 10 بالمئة، وبدأ انهيار سعر الجنيه، وانخفض بنسبة 15 بالمئة مقابل المارك الألماني و25 بالمئة مقابل الدولار في غضون 5 أسابيع، وجلب ذلك أرباحاً ضخمة لـ«كوانتم» بلغت زهاء ملياري دولار في شهر واحد من خلال شراء أصول ألمانية بجنيهات إسترلينية أرخص بكثير.
رصاصة في رأسه
ولم تسلم آسيا وفرنسا من ذكاء سوروس ومضاربته في البورصات والعملات، ففي العام 1997، وخلال الأزمة الاقتصادية التي ضربت الأسواق الآسيوية، اتهم رئيس الوزراء الماليزي مهاتير محمد، سوروس باستخدام ثروته لمعاقبة منظمة «الآسيان» بعد ضم ميانمار كعضو جديد فيها.
وأطلقت عليه السلطات التايلاندية لقب «مجرم الحرب الاقتصادي» الذي «يشرب دم الشعب»، وقال عنه عمدة بانكوك سماك سوندارافيغ، خلال زيارة سوروس للصين، «ألا يشعر بالخجل ليأتي إلى هنا ويرى مصيبتنا الناتجة عن أعماله المشؤومة، فهو لا يستحق إلا رصاصة في رأسه».
«سوسيته جنرال»
وفي العام 1988، عرض عليه الانضمام إلى عملية استحواذ للبنك الفرنسي «سوسيته جنرال» فرفض، وبعد فترة وجيزة، اشترى بعض الحصص في البنك، ما دفع بالسلطات الفرنسية إلى إجراء تحقيق.
وأصدرت محكمة فرنسية حكماً على سوروس في العام 2002، بدفع مليوني دولار بسبب استخدامه معلومات داخلية في الصفقة المذكورة، غير أن سوروس نفي هذه المعلومات واستأنف الحكم مبرراً بأن عميلة الاستحواذ كانت علنية، وفي العام 2006، أيدت المحكمة العليا في فرنسا إدانة جريمة استخدام المعلومات الداخلية.
خسائر
ولم تكن جميع عمليات سوروس في المضاربة في العملات ناجحة، حيث تكبد خسائر بلغت نحو مليار دولار خلال أزمة السوق الروسي في العام 1998. لكن دور سوروس كان حاسماً، ففي العام 1979، وزع جورج 3 ملايين دولار سنوياً لمنشقين في دول أوروبية شرقية مثل حركة «الوحدة» البولندية و«شارتر 77» في تشيكوسلوفاكيا و«أندري ساخاروف» في الاتحاد السوفيتي، ما ساهم في انهيار «الستار الفولاذي» عن هذه الدول، كما أسس في المجر في العام 1984 «معهد المجتمع المفتوح» ليضخ ملايين الدولارات في الحركات المعارضة ووسائل الإعلام المستقلة هناك.
العلاقة بالإعلام
يعتبر سوروس من المدافعين عن استقلال الإعلام وتنوعه، معتقداً أن هذه السمات من بين الملامح المهمة للمجتمعات المفتوحة، وبدعمه، عملت مؤسسات «المجتمع المفتوح» على حماية حرية الصحافة، وتعزيز وصول الجمهور للمعلومات، وزيادة جودة واستقلالية الصحافة. وتلعب مؤسسات «المجتمع المفتوح» دوراً مهماً في دعم الصحافة الاستقصائية، إضافة إلى تقديم المساعدة القانونية الطارئة وتوفير التدريب على السلامة للصحافيين الذين يعملون في بيئات قمعية وخطرة.
حياته السياسية
يعتقد سوروس، بحسب موقعه الإلكتروني أن الثورات تطرف غير ضروري ويؤدي إلى زعزعة الاستقرار، ويركز عمله على دعم المؤسسات والحكومات التي تحمي حقوق المواطنين وتستجيب إلى احتياجاتهم. ويناصر المجتمعات المفتوحة، معتقداً أن التبادل الحر للأفكار والمعلومات يجعل الثورات غير ضرورية، ويفضي إلى مجتمعات سالمة وسياسات حكومية أفضل.
سقوط الشيوعية
وفي نهاية سبيعنات القرن الماضي وبداية الثمانينات، دعم سوروس منشقين أفراد، حسبما يشير على موقعه، في كثير من دول الكتلة الشرقية.
ويعتبر من أوائل المؤيدين لـ«هيلسينكي ووتش»، وراقب التزام الحكومة الروسية بجوانب لقانون النهائي لمؤتمر الأمن والتعاون في أوروبا، والخاص بحقوق الإنسان، وساعد حركة التضامن البولندية.
انتخابات 2004
في 2003، عارض سوروس جهود جورج بوش الابن في الفوز بفترة رئاسة ثانية، وأصبح ذلك ضمن أولوياته الرئاسية، واعتقد أن سياساته كانت خطراً على الولايات المتحدة والعالم.
وفي ذلك العام، ألف كتاباً بعنوان «فقاعة الريادة الأمريكية»، منتقداً الفلسفة التي رأى أنها تمثل دليلاً لإدارة بوش، وتبرع بـ27 مليون دولار لمنظمات كانت تسعى أيضاً إلى تغيير في الفلسفة التي تقود السياسات الأمريكية. وأثناء الحملة الانتخابية لسباق الرئاسة الأمريكية في 2004، تبرع سوروس بـ27.5 مليون دولار أخرى لمنظمات مختلفة سعت لهزيمة بوش.
دعم الحزب الديمقراطي
منذ العام 2004، أسهم سوروس في حملات المرشحين الديمقراطيين في المناصب الفيدرالية وعلى مستوى الولايات وكذلك على المستوى المحلي، ويعتبر أيضاً أحد المساهمين في «اللجنة الوطنية الديمقراطية»، ويقدم إسهاماته، وفق الموقع، بموجب القوانين واللوائح.
وفضلاً عن ذلك، دعم منذ العام 2004 منظمات تشارك في تسجيل وتثقيف الناخبين، كما أسس منظمة «أمريكا فوتس»، وكان أوائل المؤدين لجهود تحسين وتعزيز استخدام المنظمات التقدمية للبيانات لأغراض انتخابية.
وكان سوروس من أنصار الرئيس الأمريكي الحالي باراك أوباما، بداية في حملته في مجلس الشيوخ عن ولاية إيلينوس، ثم عندما خاض السباق على منصب الرئاسة.
واعتقد سوروس أن أوباما يمكنه أن يقدم القيادة الانتقالية اللازمة للدولة، لكن لا تربطهما علاقة شخصية، ولا يعمل في أي منصب استشاري سواء بصفة رسمية أو غير رسمية لأوباما.
وكان دائماً مدافعاً قوياً عن الإصلاح المالي والرعاية الصحية ومعالجة مشكلة التغير المناخي.
وصرف سوروس نحو 5 مليارات دولار في حياته على أعمال الخير، معظمها وزع على الحركات الديموقراطية الخارجية، وبعضها خصص لأهداف ليبرالية في الولايات المتحدة.
ونال سوروس عدداً من درجات الدكتورا الفخرية من جامعات كثيرة مثل «نيو سكول فور سوشال ريسيرش» بنيويورك وجامعة «أكسفورد» في العام 1980، وجامعة «بودابست للاقتصاد» وجامعة «يال» في العام 1991 وحاز سوروس أيضاً جائزة مركز «يال المالي العالمي» من كلية «يال» للإدارة العام 2000، كما فاز بأعلى تكريم من جامعة «بولونيا» في العام 1995.
http://alrroya.com/node/160733
الرؤية الاقتصادية - دبي
جورج سوروس، ذلك الرجل الذي استطاع بطموحه جمع ثروة من البورصات العالمية تجاوزت 7 مليارات دولار، بحسب مجلة «فوربس»، التي صنفته في المرتبة الـ24 على قائمة أغنى 400 رجل في الولايات المتحدة.
وسوروس خبير رأسمالي ورئيس مجلس إدارة صندوق «سوروس» ومعهد «المجتمع المفتوح»، يعتبره كثير من المحللين نموذجاً للمضارب الدولي.
ولد سوروس في 11 أغسطس من العام 1930، في بودابست، وكان اسمه جورج شوارتز، وكان اسم والده تيفادار وهو هنغاري يهودي، سجن خلال الحرب العالمية الأولى، وهرب بعدها من روسيا لينضم إلى عائلته في بودابست. وبقي سوروس على قيد الحياة بعد معركة بودابست بين القوات الألمانية والسوفيتية، ما دفعه للعمل كصراف للعملات، بينما كان لايزال عمره 15 عاماً، أثناء التضخم الكبير الذي أصاب اقتصاد هنغاريا بين العامين 1945 و1946.
ومثل كثير من الطلاب في عصره، هاجر سوروس إلى بريطانيا في العام 1947، ليتخرج من كلية لندن للاقتصاد 1952، وعرف عنه تأثره بالفيلسوف كارل بوبر، الذي تمخض بعد ذلك عن نظرية سوروس المعروفة بـ«المجتمع المفتوح وأعدائه».
ومن خلال عمله كموظف في السكة الحديد وكنادل في مطعم «كاغلينو»، تمكن سوروس الإنفاق على دراسته وأنشطته، وبعدها عين كموظف مبتدأ في بنك استثماري في لندن.
وفي العام 1956، توجه سوروس إلى الولايات المتحدة، ليبدأ مشوار حياته في «وول ستريت»، حيث عمل تاجراً في شركة «أف أم ماير» حتى العام 1959، ثم محللاً مالياً في «ورثيم آند كومباني» بين العامين 1959 و1963، وفي غضون هذه الفترة، ولاسيما في خمسينات القرن الماضي، طور فلسفة «الانعكاس» مرتكزاً على أفكار بوبر.
وتقول النظرية «إن الوعي الذاتي جزء من الطبيعة، ومن ثم، فإن الأنشطة الفردية قد تتسبب أيضاً في اضطراب في التوازنات الاقتصادية، ما يؤثر بدوره في نمو الأسواق الحرة»، وآمن سوروس أنه لا يستطيع جني الأموال من هذه الفلسفة، إلا إذا استثمرها لصالحه، ما دفعه إلى التحري والتحقيق ودراسة آليات الاستثمار وأنواعه.
الجنسية الأمريكية
وعقب حصوله على الجنسية الأمريكية، عمل سوروس من العام 1963 حتى 1973، لدى شركة «آرنولد وأس بليشرودر»، حيث وصل إلى منصب نائب الرئيس، لكنه اختار في نهاية الأمر أن يكون مستثمراً لا فيلسوفاً أو موظفاً.
وأقنع الشركة في العام 1967 بتأسيس صندوق استثماري أطلق عليه اسم «فرست إيغل»، ليكون تحت إدارته.
وما إن انقضى عامان حتى أسست له الشركة صندوق تحوط «دابل إيغل»، غير أنه ثار على أنظمة الاستثمار التي بدأت تقيد قدرته على إدارة الصناديق كما يشاء، الأمر الذي قاده إلى الاستقالة من منصبه العام 1973، ليؤسس شركته الاستثمارية الخاصة والتي طورت صندوق «كوانتوم» بمشاركة صديقه جيم روجرز.
والمفارقة أن هدف سوروس لم يكن جني مليارات الدولارات، وإنما كانت أهدافه متواضعة تتمثل في ربح مبالغ كافية من «وول ستريت» لدعم نفسه ككاتب وفيلسوف، واعتبر أن نصف مليون دولار سيكون مبلغاً مناسباً بعد 5 سنوات لتحقيق هدفه، غير أن «خطته الخمسية» تلتها خطط أخرى، وتراكمت المليارات حتى تجاوزت أصوله الصافية 11 مليار دولار.
المضاربات
بعد أن أسس «سوروس» شركة «كوانتوم» في العام 1969 في مدينة كوراكاو، غرب الهند، أجرت عدداً كبيراً من المضاربات المربحة في سوق العملات، وفي العام 1996 وحده، بلغ صافي أرباحها ما يساوي الدخل السنوي لشركة «ماكدونالدز»، إلا أن أكثر الأرباح التي حققها جورج سوروس هي تلك الناتجة عن المضاربات في الجنيه الأسترليني في العام 1992، حيث حقق في شهر واحد ربحاً صافياً يناهز ملياري دولار، أطلق على إثره لقب «الرجل الذي كسر بنك انجلترا» على سوروس. وبدأت قصة سوروس مع بنك «إنجلترا» في العام 1979.
وفي ذلك العام، طرحت كل من ألمانيا وفرنسا مبادرة إنشاء «نظام النقد الأوروبي»، والذي يهدف إلى الحفاظ على استقرار أسعار عملات الدول الأوروبية الأعضاء فيه.
وكان أول الأعضاء الذين انضموا إلى «نظام النقد الأوروبي» ألمانيا وفرنسا وإيطاليا وهولندا وبلجيكا والدنمارك وإيرلندا ولوكسمبورغ، وارتكز النظام النقدي على آلية «صيانة معدلات أسعار الفائدة» والتي كانت الهدف الرئيس، تمهيداً لتأسيس العملة الأوروبية الموحدة، التي أصبحت اليورو فيما بعد.
وعليه، كان على كل من أعضاء «نظام النقد الأوروبي» تحديد متوسط أسعار الفائدة والنطاق الذي يتم السماح فيه بتغييره، والتزم الأعضاء بالحفاظ على معدل أسعار العملة الوطنية بأي وسيلة تبعاً لشروط ذلك النظام، أو الخروج منه.
صيانة مصطنعة
وفي العام 1990، انضمت بريطانيا إلى «نظام النقد الأوروبي» وكان معدل صرف الجنيه الإسترليني ثابتاً عند مستوى 2.95، مع هامش تغيير ارتفاع أو انخفاض في نطاق 6 بالمئة، وبحلول منتصف العام 1992 وبفضل «صيانة معدلات أسعار الفائدة» تم تحقيق انخفاض كبير في وتيرة التضخم في الدول الأوروبية الأعضاء في النظام.
لكن الصيانة المصطنعة لأسعار العملة في النطاق المتفق عليه أثارت شكوك المستثمرين، وزاد الموقف سوءاً بعد اتحاد ألمانيا الشرقية والغربية في العام 1989، وأدى ضعف الاقتصاد في ألمانيا الغربية إلى زيادة النفقات الوطنية، الأمر الذي اضطر «المركزي الألماني» إلى إصدار المزيد من السندات، ودفعت هذه السياسة إلى زيادة التضخم، ما اضطر «البنك المركزي» إلى رفع أسعار الفائدة، الذي جذب بدوره المستثمرين الأجانب وتسبب في ارتفاع الطلب على المارك الألماني وهو ما أسفر عن نمو معدلاته.
النقد الأوروبي
ونظراً لالتزام بريطانيا بموجب اتفاق «نظام النقد الأوروبي» بالحفاظ على معدلات الجنيه الإسترليني ضمن حدود ثابتة للنطاق المتفق عليه مقابل المارك الألماني، أدى ذلك إلى زعزعة استقرار الاقتصاد البريطاني وزيادة معدل البطالة. وكان أي رفع لسعر الفائدة على الإسترليني في ذلك الوقت بعد الزيادة في ألمانيا سيجعل الوضع أكثر سوءاً، ومن ثم، لكن لم تكن هناك أية احتمالات لرفع سعر الفائدة على الإسترليني، ما دفع سوروس وكثير من المستثمرين إلى اعتقاد أن بريطانيا لن تكون قادرة على الحفاظ على سعر العملة المحلية عند المستوى المطلوب، وأنه من الممكن الإعلان عن تخفيض قيمة العملة، أو الخروج من «نظام النقد الأوروبي».
وعليه، اتخذ سوروس قرار شراء عقود مدينة بالجنيه الإسترليني وبيعها بالمارك الألماني، واستثمارها في الأصول الألمانية، ونتيجة لذلك، تم بيع ما يقرب من 10 مليارات جنيه إسترليني، ولم يكن سوروس وحده يضارب على هبوط الجنيه الإسترليني.
ونتيجة لهذه التكهنات، تدهور الوضع الاقتصادي غير المستقر في بريطانيا، وفي محاولة لاستعادة التوازن وزيادة سعر الفائدة أعاد «بنك إنجلترا» شراء احتياطات بنحو 15 مليار جنيه إسترليني، غير أن ذلك لم يحقق النتيجة المرجوة.
وفي يوم 16 سبتمبر من العام 1992، الذي أطلق عليه «الأربعاء الأسود»، أعلن «بنك إنجلترا» رفع أسعار الفائدة من 10 بالمئة إلى 12 بالمئة، ولكن توقعات السياسيين البريطانيين لم تثبت.
وكان سوروس ورفاقه الذين باعوا عقود الإسترليني متيقنين من أنهم سيجنوا أرباحاً هائلة بعد الهبوط المتوالي للعملة البريطانية، وبعد ساعات قليلة زعم «بنك انجلترا» زيادة سعر الفائدة إلى 15 بالمئة، واستمر المضاربون في بيع عقود الإسترليني بكميات كبيرة.
واستمر البيع حتى الساعة 19:00 من ذلك اليوم، وفي اليوم نفسه تم الإعلان عن انفصال بريطانيا «نظام النقد الأوروبي» وأن سعر الفائدة سيتم خفضه إلى 10 بالمئة، وبدأ انهيار سعر الجنيه، وانخفض بنسبة 15 بالمئة مقابل المارك الألماني و25 بالمئة مقابل الدولار في غضون 5 أسابيع، وجلب ذلك أرباحاً ضخمة لـ«كوانتم» بلغت زهاء ملياري دولار في شهر واحد من خلال شراء أصول ألمانية بجنيهات إسترلينية أرخص بكثير.
رصاصة في رأسه
ولم تسلم آسيا وفرنسا من ذكاء سوروس ومضاربته في البورصات والعملات، ففي العام 1997، وخلال الأزمة الاقتصادية التي ضربت الأسواق الآسيوية، اتهم رئيس الوزراء الماليزي مهاتير محمد، سوروس باستخدام ثروته لمعاقبة منظمة «الآسيان» بعد ضم ميانمار كعضو جديد فيها.
وأطلقت عليه السلطات التايلاندية لقب «مجرم الحرب الاقتصادي» الذي «يشرب دم الشعب»، وقال عنه عمدة بانكوك سماك سوندارافيغ، خلال زيارة سوروس للصين، «ألا يشعر بالخجل ليأتي إلى هنا ويرى مصيبتنا الناتجة عن أعماله المشؤومة، فهو لا يستحق إلا رصاصة في رأسه».
«سوسيته جنرال»
وفي العام 1988، عرض عليه الانضمام إلى عملية استحواذ للبنك الفرنسي «سوسيته جنرال» فرفض، وبعد فترة وجيزة، اشترى بعض الحصص في البنك، ما دفع بالسلطات الفرنسية إلى إجراء تحقيق.
وأصدرت محكمة فرنسية حكماً على سوروس في العام 2002، بدفع مليوني دولار بسبب استخدامه معلومات داخلية في الصفقة المذكورة، غير أن سوروس نفي هذه المعلومات واستأنف الحكم مبرراً بأن عميلة الاستحواذ كانت علنية، وفي العام 2006، أيدت المحكمة العليا في فرنسا إدانة جريمة استخدام المعلومات الداخلية.
خسائر
ولم تكن جميع عمليات سوروس في المضاربة في العملات ناجحة، حيث تكبد خسائر بلغت نحو مليار دولار خلال أزمة السوق الروسي في العام 1998. لكن دور سوروس كان حاسماً، ففي العام 1979، وزع جورج 3 ملايين دولار سنوياً لمنشقين في دول أوروبية شرقية مثل حركة «الوحدة» البولندية و«شارتر 77» في تشيكوسلوفاكيا و«أندري ساخاروف» في الاتحاد السوفيتي، ما ساهم في انهيار «الستار الفولاذي» عن هذه الدول، كما أسس في المجر في العام 1984 «معهد المجتمع المفتوح» ليضخ ملايين الدولارات في الحركات المعارضة ووسائل الإعلام المستقلة هناك.
العلاقة بالإعلام
يعتبر سوروس من المدافعين عن استقلال الإعلام وتنوعه، معتقداً أن هذه السمات من بين الملامح المهمة للمجتمعات المفتوحة، وبدعمه، عملت مؤسسات «المجتمع المفتوح» على حماية حرية الصحافة، وتعزيز وصول الجمهور للمعلومات، وزيادة جودة واستقلالية الصحافة. وتلعب مؤسسات «المجتمع المفتوح» دوراً مهماً في دعم الصحافة الاستقصائية، إضافة إلى تقديم المساعدة القانونية الطارئة وتوفير التدريب على السلامة للصحافيين الذين يعملون في بيئات قمعية وخطرة.
حياته السياسية
يعتقد سوروس، بحسب موقعه الإلكتروني أن الثورات تطرف غير ضروري ويؤدي إلى زعزعة الاستقرار، ويركز عمله على دعم المؤسسات والحكومات التي تحمي حقوق المواطنين وتستجيب إلى احتياجاتهم. ويناصر المجتمعات المفتوحة، معتقداً أن التبادل الحر للأفكار والمعلومات يجعل الثورات غير ضرورية، ويفضي إلى مجتمعات سالمة وسياسات حكومية أفضل.
سقوط الشيوعية
وفي نهاية سبيعنات القرن الماضي وبداية الثمانينات، دعم سوروس منشقين أفراد، حسبما يشير على موقعه، في كثير من دول الكتلة الشرقية.
ويعتبر من أوائل المؤيدين لـ«هيلسينكي ووتش»، وراقب التزام الحكومة الروسية بجوانب لقانون النهائي لمؤتمر الأمن والتعاون في أوروبا، والخاص بحقوق الإنسان، وساعد حركة التضامن البولندية.
انتخابات 2004
في 2003، عارض سوروس جهود جورج بوش الابن في الفوز بفترة رئاسة ثانية، وأصبح ذلك ضمن أولوياته الرئاسية، واعتقد أن سياساته كانت خطراً على الولايات المتحدة والعالم.
وفي ذلك العام، ألف كتاباً بعنوان «فقاعة الريادة الأمريكية»، منتقداً الفلسفة التي رأى أنها تمثل دليلاً لإدارة بوش، وتبرع بـ27 مليون دولار لمنظمات كانت تسعى أيضاً إلى تغيير في الفلسفة التي تقود السياسات الأمريكية. وأثناء الحملة الانتخابية لسباق الرئاسة الأمريكية في 2004، تبرع سوروس بـ27.5 مليون دولار أخرى لمنظمات مختلفة سعت لهزيمة بوش.
دعم الحزب الديمقراطي
منذ العام 2004، أسهم سوروس في حملات المرشحين الديمقراطيين في المناصب الفيدرالية وعلى مستوى الولايات وكذلك على المستوى المحلي، ويعتبر أيضاً أحد المساهمين في «اللجنة الوطنية الديمقراطية»، ويقدم إسهاماته، وفق الموقع، بموجب القوانين واللوائح.
وفضلاً عن ذلك، دعم منذ العام 2004 منظمات تشارك في تسجيل وتثقيف الناخبين، كما أسس منظمة «أمريكا فوتس»، وكان أوائل المؤدين لجهود تحسين وتعزيز استخدام المنظمات التقدمية للبيانات لأغراض انتخابية.
وكان سوروس من أنصار الرئيس الأمريكي الحالي باراك أوباما، بداية في حملته في مجلس الشيوخ عن ولاية إيلينوس، ثم عندما خاض السباق على منصب الرئاسة.
واعتقد سوروس أن أوباما يمكنه أن يقدم القيادة الانتقالية اللازمة للدولة، لكن لا تربطهما علاقة شخصية، ولا يعمل في أي منصب استشاري سواء بصفة رسمية أو غير رسمية لأوباما.
وكان دائماً مدافعاً قوياً عن الإصلاح المالي والرعاية الصحية ومعالجة مشكلة التغير المناخي.
وصرف سوروس نحو 5 مليارات دولار في حياته على أعمال الخير، معظمها وزع على الحركات الديموقراطية الخارجية، وبعضها خصص لأهداف ليبرالية في الولايات المتحدة.
ونال سوروس عدداً من درجات الدكتورا الفخرية من جامعات كثيرة مثل «نيو سكول فور سوشال ريسيرش» بنيويورك وجامعة «أكسفورد» في العام 1980، وجامعة «بودابست للاقتصاد» وجامعة «يال» في العام 1991 وحاز سوروس أيضاً جائزة مركز «يال المالي العالمي» من كلية «يال» للإدارة العام 2000، كما فاز بأعلى تكريم من جامعة «بولونيا» في العام 1995.
http://alrroya.com/node/160733
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق