الثلاثاء, 1 نوفمبر 2011 الساعة 07:33
ماجد رابي - خبير مالي واقتصادي
قد لا يكون موضوعي جديداً في فحواه، ولكن قد يكون كذلك في تساؤلاته حول
ما إذا كان ما يحدث حالياً في الاقتصادات العالمية أزمة أم دورة اقتصادية؟
أم هي شيء آخر جنينا به على أنفسنا بأيدينا؟
وفي سبيل الوقوف على إجابة شافية لمثل هذه التساؤلات
فالاقتصاد الحديث عرف الأزمة بأنها اضطراب فجائي يطرأ على التوازن الاقتصادي في دولة ما أو دول عدة.
ويطلق لفظ أزمة بشكل خاص على الاختلال في التوازن الاقتصادي العام لاقتصاد دولة أو مجموعة من الدول.
وذلك عندما يختل توازن العرض والطلب على الإنتاج وتظهر تجليات هذه الأزمة في التذبذبات الحادة في الأسواق وخاصة أسواق المال.
وتكون الأزمة إما عنيفة أو بطيئة من حيث تأثيرها، أو تكون قصيرة أو طويلة من حيث مدتها الزمنية.
أما الدورة الاقتصادية فهي عبارة عن انتظام في التعاقب للظواهر الاقتصادية السلبية بشكل منتظم تؤدي إلى التراجع في الأداء الاقتصادي العام بحيث يسهل التنبؤ بها نتيجة للكثير من المتغيرات الاقتصادية التي تستخدم للقياس الحالي والمستقبلي، كما أن الدول تستطيع معالجتها من خلال حزمة من سياسات اقتصادية محددة.
وتعرف الدورات الاقتصادية بدورات «كندارتيف» (نسبة إلى العالم كندارتيف) والذي حددها في ثلاث دورات تتراوح ما بين الركود والكساد من حيث الأثر وما بين 5 سنوات إلى 70 سنة من حيث المدة الزمنية.
ولكن السؤال
هل ما يحدث حالياً هو أزمة بالمفهوم أعلاه
وهنا لا بد من القول إن وصف ما حدث بكونه أزمة هو وصف غير دقيق وغير منصف، وتوصيفاً يبعدنا عن المساهمة الصحيحة في وضع حلول جذرية لتداعيات ما يحدث، وذلك لانتفاء أركان تعريف الأزمة عن مجريات الأمور الحالية.
كما ينتفي أيضاً أركان تعريف الدورة الاقتصادية، فما حدث لم يكن مفاجئاً للخبراء والمتخصصين والعاملين في المجال المالي ولم يكن ما يحدث ضمن الانتظام والتعاقب الطبيعي لمثل هذه الأمور بحيث نكون قد وصلنا إلى قمة الدورة الاقتصادية والتي يبدأ بعدها الاقتصاد في الدخول في حركة عكسية ليبدأ من جديد في دورة اقتصادية أخرى.
أن ما يحدث حالياً
والذي اتفق عليه مجموعة كبيرة من رجال الاقتصاد والمال العالميين
ما هو إلا سلسلة كبيرة من التراكم في مجموعة من الأفعال والقوانين التي مورست ومازالت تمارس في ميادين المال والاقتصاد بحيث أصبحت طبيعية على الرغم من كون جوهرها يتنافى مع الطبيعة البشرية ومع المصلحة الاقتصادية العليا للمجتمع،
والتي أصبحت محصورة في مصلحة فئة محدودة اختزلت الشعوب والمصالح الاقتصادية العليا بمصالحها الشخصية وذلك عبر تراكمات طويلة خلال عشرات السنوات بحيث أصبحت هذه الأفعال والسلوكيات الشاذة مقننة وتتحكم في مجريات الأمور، بحيث أطلقت أيدي هؤلاء وعلى رأسهم البنوك والسماسرة والذين عاثوا في الأرض فساداً بغطاء من القوانين التي كان لهم الباع الطويل في سنها وتشريعها بغية رفع الرقابة عن أفعالهم وضمان عدم المحاسبة،
فمنذ الأزمة العالمية في العام 1929 وحتى وقتنا الحاضر تغيرت الكثير من القوانين التي كانت تنظم عمل أسواق المال والقطاع البنكي بشكل خاص من حيث الأداء ومن حيث الرقابة في الولايات المتحدة، بما يعطي هذه الأسواق الحرية شبه المطلقة في التصرف ومن ثم تبعت الولايات المتحدة بقية الدول سائرة على النهج الأمريكي نفسه.
لهذا فإن مجريات الأمور قد تفاقمت بشكل متسلسل في ظل الوضع الحالي، حيث بدأت بانهيار لبعض المؤسسات المالية هنا وهناك سواء كان في أوروبا أو أمريكا أو في غيرها من أصقاع الأرض.
ولم يقتصر الأمر على ذلك فحسب، بل تعداه إلى أن أصبحت اتحادات وكيانات اقتصادية بأكملها تنطوي تحتها مجموعة كبيرة من الدول مهددة بالانهيار تحت وطأة تلك الديون، سواء كانت سيادية أو غير سيادية.
ومازالت هذه الدول تسارع الزمن في سبيل التخلص من هذا العبء الثقيل، ومازالت ترصد مئات المليارات من خلال حزم متتابعة من الدعم لإنقاذ نفسها وإنقاذ أنظمتها متجاهلين أساس هذه المشكلة وأن ما يحدث ليس مجرد أزمة عابرة أو مجرد أزمة سيولة، وإنما هو السير الطبيعي لأمور بنيت في الأساس على خطأ، فلا بد من أن يكون مآلها إلى الزوال .
وأن ما يحدث حالياً ليس أزمة العام 1929 أو أزمة 1987 أو أزمة المكسيك العام 1994 أو حتى أزمة النمور الآسيوية،
وإنما هو بمنزلة تجليات حقيقة لأنماط اقتصادية ومالية فاسدة في جوهرها وإن ظهرت براقة، حيث أظهرت الأحداث الحالية الواقع الحقيقي لنظام قائم في أغلبه على الوهم والتنبؤ والاحتمال والتعامل الورقي بمعزل عن الاقتصاد الحقيقي، الذي يقاس بحجم الإنتاج من السلع والخدمات، وليس فقط ما تم تحقيقه من ربح قياسي في زمن قياسي.
لذلك فإنه ومهما أنفقت هذه الدول من ملياراتها والتي هي حقوق لشعوبها لإنقاذ ذلك الوهم، فلن تكون بأكثر من مسكنات مؤقتة سرعان ما تعود الحقيقة إلى الظهور بصورة أكثر شراسة من سابقتها حتى يتم استئصال هذا الداء من جذوره.
فما يحدث هذه الأيام ليس مجرد أزمة، وليس دورة اقتصادية، وليس تصحيحاً لمسار، وليس أزمة سيولة، وإنما هو حقيقة لوهم تملكنا لسنوات طويلة أبعدنا عن الواقع.
http://alrroya.com/node/157134
ماجد رابي - خبير مالي واقتصادي
قد لا يكون موضوعي جديداً في فحواه، ولكن قد يكون كذلك في تساؤلاته حول
ما إذا كان ما يحدث حالياً في الاقتصادات العالمية أزمة أم دورة اقتصادية؟
أم هي شيء آخر جنينا به على أنفسنا بأيدينا؟
وفي سبيل الوقوف على إجابة شافية لمثل هذه التساؤلات
لا بد من الوقوف على حقيقة معنى الأزمة والدورة الاقتصادية في الفكر الاقتصادي الحديث.
فالاقتصاد الحديث عرف الأزمة بأنها اضطراب فجائي يطرأ على التوازن الاقتصادي في دولة ما أو دول عدة.
ويطلق لفظ أزمة بشكل خاص على الاختلال في التوازن الاقتصادي العام لاقتصاد دولة أو مجموعة من الدول.
وذلك عندما يختل توازن العرض والطلب على الإنتاج وتظهر تجليات هذه الأزمة في التذبذبات الحادة في الأسواق وخاصة أسواق المال.
وتكون الأزمة إما عنيفة أو بطيئة من حيث تأثيرها، أو تكون قصيرة أو طويلة من حيث مدتها الزمنية.
أما الدورة الاقتصادية فهي عبارة عن انتظام في التعاقب للظواهر الاقتصادية السلبية بشكل منتظم تؤدي إلى التراجع في الأداء الاقتصادي العام بحيث يسهل التنبؤ بها نتيجة للكثير من المتغيرات الاقتصادية التي تستخدم للقياس الحالي والمستقبلي، كما أن الدول تستطيع معالجتها من خلال حزمة من سياسات اقتصادية محددة.
وتعرف الدورات الاقتصادية بدورات «كندارتيف» (نسبة إلى العالم كندارتيف) والذي حددها في ثلاث دورات تتراوح ما بين الركود والكساد من حيث الأثر وما بين 5 سنوات إلى 70 سنة من حيث المدة الزمنية.
ولكن السؤال
هل ما يحدث حالياً هو أزمة بالمفهوم أعلاه
وهل فعلاً ما حدث كان مفاجئاً وغير متوقع
وهل ما حدث كان يسير بسلاسة وانتظام بما يخدم اقتصاد الدول بحيث إن ما حدث فاجأ الجميع؟وهنا لا بد من القول إن وصف ما حدث بكونه أزمة هو وصف غير دقيق وغير منصف، وتوصيفاً يبعدنا عن المساهمة الصحيحة في وضع حلول جذرية لتداعيات ما يحدث، وذلك لانتفاء أركان تعريف الأزمة عن مجريات الأمور الحالية.
كما ينتفي أيضاً أركان تعريف الدورة الاقتصادية، فما حدث لم يكن مفاجئاً للخبراء والمتخصصين والعاملين في المجال المالي ولم يكن ما يحدث ضمن الانتظام والتعاقب الطبيعي لمثل هذه الأمور بحيث نكون قد وصلنا إلى قمة الدورة الاقتصادية والتي يبدأ بعدها الاقتصاد في الدخول في حركة عكسية ليبدأ من جديد في دورة اقتصادية أخرى.
أن ما يحدث حالياً
والذي اتفق عليه مجموعة كبيرة من رجال الاقتصاد والمال العالميين
ما هو إلا سلسلة كبيرة من التراكم في مجموعة من الأفعال والقوانين التي مورست ومازالت تمارس في ميادين المال والاقتصاد بحيث أصبحت طبيعية على الرغم من كون جوهرها يتنافى مع الطبيعة البشرية ومع المصلحة الاقتصادية العليا للمجتمع،
والتي أصبحت محصورة في مصلحة فئة محدودة اختزلت الشعوب والمصالح الاقتصادية العليا بمصالحها الشخصية وذلك عبر تراكمات طويلة خلال عشرات السنوات بحيث أصبحت هذه الأفعال والسلوكيات الشاذة مقننة وتتحكم في مجريات الأمور، بحيث أطلقت أيدي هؤلاء وعلى رأسهم البنوك والسماسرة والذين عاثوا في الأرض فساداً بغطاء من القوانين التي كان لهم الباع الطويل في سنها وتشريعها بغية رفع الرقابة عن أفعالهم وضمان عدم المحاسبة،
فمنذ الأزمة العالمية في العام 1929 وحتى وقتنا الحاضر تغيرت الكثير من القوانين التي كانت تنظم عمل أسواق المال والقطاع البنكي بشكل خاص من حيث الأداء ومن حيث الرقابة في الولايات المتحدة، بما يعطي هذه الأسواق الحرية شبه المطلقة في التصرف ومن ثم تبعت الولايات المتحدة بقية الدول سائرة على النهج الأمريكي نفسه.
لهذا فإن مجريات الأمور قد تفاقمت بشكل متسلسل في ظل الوضع الحالي، حيث بدأت بانهيار لبعض المؤسسات المالية هنا وهناك سواء كان في أوروبا أو أمريكا أو في غيرها من أصقاع الأرض.
وسارعت هذه الدول في تأميم هذه البنوك وضخ المليارات فيها لدعمها ومنعها من الانهيار وفرض الوصاية عليها وإعادة هيكلتها وقيام كيانات مالية بالاستحواذ على كيانات أخرى بدعم من البنوك المركزية وحكومات تلك الدول.
إلا أن كل ذلك لم يمنع من تسارع الأحداث وتطورها لتطال اقتصادات دول بأكملها، فهناك دول قد أعلنت إفلاسها وهناك الكثير من الدول مازالت تحتضر تحت وطأة الديون المتراكمة وفوائدها الكبيرة. ولم يقتصر الأمر على ذلك فحسب، بل تعداه إلى أن أصبحت اتحادات وكيانات اقتصادية بأكملها تنطوي تحتها مجموعة كبيرة من الدول مهددة بالانهيار تحت وطأة تلك الديون، سواء كانت سيادية أو غير سيادية.
ومازالت هذه الدول تسارع الزمن في سبيل التخلص من هذا العبء الثقيل، ومازالت ترصد مئات المليارات من خلال حزم متتابعة من الدعم لإنقاذ نفسها وإنقاذ أنظمتها متجاهلين أساس هذه المشكلة وأن ما يحدث ليس مجرد أزمة عابرة أو مجرد أزمة سيولة، وإنما هو السير الطبيعي لأمور بنيت في الأساس على خطأ، فلا بد من أن يكون مآلها إلى الزوال .
وأن ما يحدث حالياً ليس أزمة العام 1929 أو أزمة 1987 أو أزمة المكسيك العام 1994 أو حتى أزمة النمور الآسيوية،
وإنما هو بمنزلة تجليات حقيقة لأنماط اقتصادية ومالية فاسدة في جوهرها وإن ظهرت براقة، حيث أظهرت الأحداث الحالية الواقع الحقيقي لنظام قائم في أغلبه على الوهم والتنبؤ والاحتمال والتعامل الورقي بمعزل عن الاقتصاد الحقيقي، الذي يقاس بحجم الإنتاج من السلع والخدمات، وليس فقط ما تم تحقيقه من ربح قياسي في زمن قياسي.
لذلك فإنه ومهما أنفقت هذه الدول من ملياراتها والتي هي حقوق لشعوبها لإنقاذ ذلك الوهم، فلن تكون بأكثر من مسكنات مؤقتة سرعان ما تعود الحقيقة إلى الظهور بصورة أكثر شراسة من سابقتها حتى يتم استئصال هذا الداء من جذوره.
فما يحدث هذه الأيام ليس مجرد أزمة، وليس دورة اقتصادية، وليس تصحيحاً لمسار، وليس أزمة سيولة، وإنما هو حقيقة لوهم تملكنا لسنوات طويلة أبعدنا عن الواقع.
http://alrroya.com/node/157134
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق