الاثنين، 14 نوفمبر 2011

المقاصة وفرط الثقة

الأربعاء, 2 نوفمبر 2011 الساعة 08:11
مارك رو - أستاذ في كلية الحقوق بجامعة هارفارد

في محاولة لخفض احتمالات تكرار الانهيار المالي، على غرار ما حدث أثناء الفترة 2007-2008، يسعى القائمون على التنظيم الآن إلى دعم المؤسسات على المدى الأبعد، على الأقل عندما يكون بوسعهم تحويل انتباههم بعيداً عن الأزمات الملحة، مثل أزمة الديون في اليونان، وأزمة سقف الدين الحكومي في أمريكا، واحتمالات انتقال العدوى في منطقة اليورو من الديون السيادية إلى الديون المصرفية.
وكان المحور الأكثر أهمية في جهودهم يتلخص في تعزيز دور المقاصة للمشتقات المالية، والأدوات التي أدت إلى تفاقم انهيار المجموعة الدولية الأمريكية وغيرها من المؤسسات، في ظل الأزمة المالية الأخيرة. 

لكن المقاصة ليست الدواء الشافي من كل داء، وأوجه القصور التي تعيبها بعيدة المدى، على الرغم من سهولة عدم الانتباه إليها.
عندما تسعى شركة ما إلى حماية نفسها من تقلب أسعار العملة،

فمن الممكن أن تقلل من تعرضها للعملة المستهدفة بالاستعانة بأحد المشتقات المالية (على سبيل المثال، بوسعها أن تعد بالدفع لشريكها التجاري في حال ارتفاع اليورو، على أن يُدفَع لها إذا هبطت قيمة اليورو).
وعلى الرغم من أن استخدام الشركة للمشتق المالي يعمل على تقليل تعرضها لخطر هبوط قيمة اليورو، فإن المشتق المالي يأتي مغلفاً بمخاطر جديدة، مخاطر الطرف المقابل.

فهنا تخاطر الشركة في حال فشل شريكها التجاري، كما حدث للمجموعة الدولية الأمريكية «وبير شتيرنز» و«ليمان براذرز»، بألا يُدفَع لها في حال هبوط قيمة اليورو.
والأسوأ من ذلك،كما رأينا في الأزمة المالية، أن أي شائعة عن الإعسار،

في حال احتفاظ العديد من المؤسسات المالية بالعديد من هذه العقود، من الممكن أن تحض جميع الأطراف المقابلة لمشتقات مؤسسة ما إلى المطالبة بضمانات أو الدفع في وقت واحد، وهو ما من شأنه أن يؤدي إلى موجة من هروب الأموال أشبه بهروب الأموال الكلاسيكي من البنوك، وهو ما قد ينتشر آنئذ إلى شركات أخرى.
وللحد من مخاطر هروب الأموال في أسواق المشتقات المالية، فإن الجهات التنظيمية في مختلف أنحاء العالم على استعداد للمطالبة بتنفيذ التداولات على هذه المشتقات، عن طريق دور المقاصة أو أسواق الأوراق المالية.

والواقع أن دور المقاصة تتمتع بالعديد من المزايا، لكن ليس بالقدر الذي قد يتصوره القائمون على التنظيم.
لكن كيف تعمل المقاصة أولاً؟

بعد أن تُتِم الشركة التي تحتاج إلى حماية نفسها من خطر العملة مقايضة الدولار باليورو مع أحد البنوك، فإن كلاً من الطرفين يسلم جانبه من المقايضة إلى إحدى شركات المقاصة.
وتتحول الالتزامات الناجمة عن ذلك بين الشركة والبنك إلى التزامات لصالح ومن جانب شركة المقاصة.
وتحمي شركة المقاصة نفسها بالحصول على وديعة مقدماً من البنك (في حال فشل البنك، ولنقل في العام 2015)، ومراقبة الأداء الإجمالي للبنك مع شركة المقاصة. وعندما يفوز البنك بصفقة مشتقات، فإن شركة المقاصة تدفع للبنك، وعندما يخسر البنك فإنه يدفع لشركة المقاصة.
وعندما ينفذ البنك العديد من الصفقات على دفاتر شركة المقاصة، فإن شركة المقاصة تظل على الجانب الآمن، ما دام صافي التداولات صفر تقريباً، ويصر القائمون على التنظيم على أن المخاطر النظامية تتضاءل في هذه الحالة، لأن النظام المالي لن ينشغل بجمع الديون، واحداً تلو الآخر. وهذا صحيح، لكن ما دامت عملية المعاوضة مستمرة.
وتعمل المقاصة أيضاً على تعزيز الشفافية، لأنها من الممكن أن ترفع التقارير عن تعرضها الكلي إلى الجهاز التنظيمي، الذي يتمتع بموقف أفضل يسمح له بتنظيم مقاصة مركزية، مقارنة بقدرته على تنظيم العديد من البنوك المبهمة.

وهذا أيضاً من شأنه أن يعزز من قوة النظام المالي.
لكن المخاطر، والعديد منها نظامي وكبير، تظل قائمة. ومن المؤسف أن بنية المقاصة تحجب هذه المخاطر.

والأمر الأكثر وضوحاً، مع انتقال العديد من الصفقات من البنوك إلى المقاصة، أن شركة المقاصة ذاتها سوف تتحول إلى مؤسسة أكثر أهمية بالنسبة للنظام بالكامل.
أي إنها سوف تصبح أضخم من أن يسمح لها بالإفلاس.
وبالقدر نفسه من التعقيد، في حين يكون بوسع شركة المقاصة والمشاركين فيها المعاوضة بين المكاسب والخسائر بهدف تقليل المخاطر التي يتعرض لها أولئك داخل المقاصة، فإن المقاصة لا تلغي بالكامل الخطر الأساس الذي يواجه النظام المالي برمته.

وفي كثير من الأحيان لا تفعل المقاصة أكثر من نقل هذه المخاطر إلى الدائنين خارج المقاصة.
وإليكم السبب:

لنتخيل أن مؤسسة مالية ضعيفة (ولنقل بنك أوف أمريكا) يتعين عليها أن تفصل بين عقدين، عقد مع المجموعة الدولية الأمريكية، وآخر مع «سيتي بنك».
وكان «بنك أوف أمريكا» مديناً بمئة مليون دولار لكل منهما.
وكان العقد مع المجموعة الدولية الأمريكية عقد مشتقات مالية يمر عبر المقاصة، لكن العقد مع «سيتي بنك» من نوع آخر، ربما مجرد قرض عادي، ولا يمر عبر المقاصة. وكان لدى «بنك أوف أمريكا» أيضاً عقد مع بير شتيرنز عبر المقاصة بمبلغ مئة مليون دولار، حيث يمثل «بير شتيرنز» الجانب الخاسر.
من دون المقاصة، فإن «بنك أوف أمريكا» يملك أصلاً قيمته مئة مليون دولار (المئة مليون دولار المدين بها له بير شترينز)، لكنه في الوقت نفسه مدين بمئتي مليون دولار.

وإذا كان بحوزة «بنك أوف أمريكا» مئة مليون دولار فقط (إذا كانت هذه الالتزامات تشكل الأصل الوحيد لديه ومسؤولياته الوحيدة)، فهذا يعني أنه سوف يضطر لدفع خمسين مليون دولار لكل من المجموعة الدولية الأمريكية و«سيتي بنك».
وكل منهما سوف يخسر خمسين مليون دولار. وإذا كانت المجموعة الدولية الأمريكية تمثل أهمية نظامية حيوية، فإن عجزها عن جمع مبلغ المئة مليون دولار بالكامل يعني إفلاسها.
وهنا يأتي دور المقاصة في حماية المجموعة الدولية الأمريكية، التي يعوض عقدها الفائز مع «بنك أوف أمريكا» عن خسارة «بير شتيرنز» لعقد مع «بنك أوف أمريكا».
وهنا تزيل المقاصة خطر الطرف المقابل لهذه المؤسسات الثلاث، لكن فقط عن طريق تحويل المخاطر إلى «سيتي بنك»، الذين تنتهي به الحال إلى خسارة المئة مليون دولار بالكامل، بدلاً من خسارة خمسين مليون دولار.
في هذا المثال المجرد، تعمل المجموعة الدولية الأمريكية و«بير شتيرينز» و«بنك أوف أمريكا»، فضلاً عن وكلاء هذه المؤسسات، وجماعات الضغط، وواضعي السياسات الداعمين، على الترويج للمقاصة على أساس أنها تقلل من المخاطر التي يتعرض لها المشاركون فيها.
وهذا ما يحدث حقاً حسب المعلن، لكن فقط بالنسبة للمشاركين فيها.

لكن «سيتي بنك» يخسر الآن خمسين مليون دولار إضافية، لأنه غير قادر على الاستفادة من أصول المقاصة.
وإذا تسببت هذه الخسارة الإضافية في دفع «سيتي بنك»، الذي يتمتع بأهمية نظامية حيوية، إلى حافة الهاوية، فإن هذا يعني أن المقاصة لم تنجح في تقليص المخاطر النظامية طبقاً لما هو معلن.
والواقع أن نجاح المقاصة في تقليص المخاطر النظامية يتوقف على الأهمية النظامية النسبية لهؤلاء داخل وخارج المقاصة، والمجموعة الدولية الأمريكية في مقابل «سيتي بنك» في هذا المثال الأساسي، وليس على قدرة المقاصة على تقليص المخاطر بين الأفراد المشاركين فيها.
وفي هذا المثال، إذا كان «سيتي بنك» غير مستقر، ولا يقل أهمية على مستوى النظام بالكامل من المجموعة الدولية الأمريكية، فإن المقاصة تكون بهذا قد حجبت حقيقة مفادها أنها لم تنقذ المجموعة الدولية الأمريكية، إلا من خلال نقل المخاطر من المقاصة إلى «سيتي بنك»، الذي قد يفلس بعد ذلك.
إن الكثير من الأنشطة التنظيمية الأخيرة كانت تركز على تمكين وتعزيز المقاصة والمطالبة بها في إتمام هذه الأنواع من ترتيبات التمويل.

صحيح أن المقاصة تقدم العديد من الفوائد، بما في ذلك تعزيز الشفافية، وتحسين عملية التسعير والتقييم، وتركيز النشاط التنظيمي بشكل أفضل، ويتعين علينا أن نحاول جعل هذه الأنشطة قابلة للتطبيق.
لكن القائمين على العملية التنظيمية بالغوا في تقدير الفوائد الإجمالية التي قد تعود بها المقاصة على الجميع.
  فالحق أن القدر الأعظم مما يبرر باعتباره تقليصاً للمخاطر النظامية لا يعدو في واقع الأمر كونه تحويلاً للمخاطر إلى أطراف أخرى.

ينشر بالتعاون مع «بروجيكت سينديكيت»

http://alrroya.com/node/157394

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق