تغيير الجغرافيا الاقتصادية.. البرازيل وإفلاس الرجل الذكي
الأربعاء, 24 فبراير 2010 الساعة 07:41
تنوعت ردود الفعل تجاه الأزمة المالية العالمية التي دهمت العالم من أقصاه إلى أقصاه لم تستثن أحداً والتي سببها في جوهر الأمر هذا الابتكار المجنون
المتمثل في التوريق عبر المشتقات المالية التي جعلت من الأصل الواحد منبعاً لتفريخ أصول مالية عديدة ما جعل البعض يطلق عليها مصطلح أسلحة المال الشامل على وزن أسلحة الدمار الشامل المحولة توريقاً
من قرض لشراء منزل لعميل إلى جعل هذا القرض ضمن محفظة لإصدار سندات يستدين البنك بموجبها من مؤسسات مالية أخرى، وتستمر حلقات الاستدانة،
فإذا توقف العميل الأول عن تسديد ما عليه من مستحقات انهارت العملية بكاملها بما يشبه انهيار حلقات الدومينو.
ولجأت دول العالم إلى بلورة الإجراءات التى يتعين اتخاذها للخروج من الانكماش مخافة أن تقع فى حفرة الركود.
وربما كان تدخل الدول مالياً هو النموذج الأشهر عبر حزم الحوافز المالية كما يدلل على ذلك نموذج الولايات المتحدة الأمريكية، حيث ضخت الدولة 700 مليار دولار في البداية لإنقاذ البنوك المنهارة ولتخصيص أموال هائلة للاستثمار في البنية التحتية ولإنقاذ ما يمكن إنقاذه على الرغم من مخاطر هذا التدخل المالي المساند في رفع الدين الأمريكي العام وإحداث المزيد من الأعباء الضريبية غير المرغوب فيها.
ويصف الملياردير الأمريكي وارن بافيت أصل الأزمة المالية الأمريكية التي أدت إلى إفلاس الكثير من المصارف والمؤسسات فيقول «إن الدَّين هو الوسيلة الوحيدة التي تجعل من الرجل الذكي مفلسًا!».
ومن الدول التي أفلحت في الخروج من نفق الانكماش، ترد البرازيل في المرتبة الأولى إذ هربت بنجاح من وضعية استيراد المنتجات وتصدير المواد الخام إلى وضعية الإنتاج الصناعي ارتكازاً على مواردها وتعظيماً للقيمة المضافة وتحقيقاً للاكتفاء من عديد من الاحتياجات وتصديراً للمنتجات الصناعية والمواد الخام وفق فلسفة معتمدة للتنمية والاعتماد على السوق المحلية عبر زيادة شريحة الطبقة الوسطى بوسائل تقليص الفقر حيث ذكر رئيسها لويس إيغناسيو لولا داسيلفا أن طموحاته تمثلت في الرغبة في إعادة صياغة الخريطة السياسية والجغرافية للعالم قبل تركه لمقعد الرئاسة العام الجاري.
ونوه بأن الرأسمالية وبعد الأزمة المالية التي عصفت بالعالم ستكون (حيواناً مغايراً تماماً) وبأن الدول النامية ستكون مسؤولة عن تحقيق نسبة كبيرة من النمو الاقتصادي للعالم.
الناتج المحلي الإجمالي للبرازيل وبفضل ارتفاع الطلب المحلي أخرج الاقتصاد من نفق الانكماش، وهو الأول من نوعه الذي تعيشه البرازيل منذ العام 2003، ونما الاقتصاد بمعدل جيد في العام 2009 وتوفرت فرص للتشغيل وأتيحت إعفاءات ضريبية إضافية وتراجع معدل الفائدة على القروض الاستثمارية، ما أفضى إلى ارتفاع إنفاق المستهلك، وأسهم في تحريك عجلة الاقتصاد إنتاجاً واستهلاكاً ما صب بالنهاية في دعم عملية إخراج البرازيل من نفق الانكماش بصورة أسرع مما كان متوقعاً.
وأكد تحليل لـ(بلومبيرغ) حدوث ذلك على الرغم من عثرات حركة التصدير لتراجع الطلب في بعض الأسواق العالمية كنتاج للأزمة المالية الاقتصادية.
ويصف البعض البرازيل بأنها من الدول التي دخلت نفق التراجع مبكرة، ولكنها كانت من الدول التي خرجت من ذلك النفق مبكرة كذلك، مسجلة معدلاً عالياً للنمو تجاوز 5 بالمئة مع توقع بارتفاع المعدل حال دخول حقول نفطية خصبة مجال الانتاج حيث تقوم شركة النفط الوطنية البرازيلية (بتروبراس) - حسب تايم الأمريكية - بتنفيذ استثمارات بقيمة 174 مليار دولار ضمن خطة توسعية على مدى أربعة أعوام مقبلة.
وفي ضوء تنامي النهم الآسيوي للصادرات الزراعية والمعادن البرازيلية، ونظراً لقيام البرازيل بضخ 263 مليار دولار في البنية التحتية مع تنويع الصادرات، ،ولأن النظام المصرفي البرازيلي ظل خاضعاً لتنظيم محكم فقد فلتت من الأصول المنكشفة وتفادت الأزمة التي لحقت بمصارف أمريكا وأوربا، كما ترشح البرازيل لأن تصبح الدولة الخامسة من حيث الأهمية الاقتصادية في العالم العام 2020، حسب توقعات صندوق النقد الدولي، متجاوزة في المرتبة كل من بريطانيا وفرنسا ولكي تصبح النمر الاقتصادي اللاتيني الأول.
وتلحظ تقارير أن النهضة الاقتصادية البرازيلية لم تتم بقفزة واحدة إنما تمت على مراحل على النحو التالي:
في العام 1990 استقرت البرازيل على باقة من السياسات الاقتصادية بعد تجريب العديد من الخيارات مثل تفعيل أدوات استقطاب الاستثمارات الأجنبية وتشجيع التجارة الخارجية وتشجيع المستثمرين المحليين، كما حدت البرازيل من جموح الاستدانة العامة من قبل حكومتها الاتحادية وحكومات الأقاليم فيها، وتمت تقوية شوكة المصرف المركزي الذي أبدع في السيطرة على التضخم والحيلولة من دون حدوث المغامرات المصرفية المنفلتة وعودة المصارف إلى سيرتها الأولى في تفخيم التوريق وهي العوامل التي أفضت باقتصادات أمريكا وبريطانيا إلى فخ الأزمة.
وخلال العام 2001 تنبأ البعض بأن البرازيل وروسيا والهند والصين من الدول المرشحة للهيمنة عالمياً في مجال الاقتصاد، وشكك الكثيرون في مجرد إضافة دولة كرة القدم والكرنفالات القوس قزحية إلى قائمة عمالقة في دنيا الاقتصاد مثل روسيا والهند والصين.
صفوة القول إن البرازيل قدمت وتقدم أنموذجاً بارعاً للتصرف حيال المتغيرات والمستجدات على الساحة الاقتصادية المحلية والخارجية، وجعلت السامبا رقصاً اقتصادياً يحقق الطموحات، فهل تعي الدول النامية الأخرى هذه الدروس الاقتصادية، لا السامبا؟.
للتواصل مع الكاتب:
i.eltinay@alrroya.com
http://alrroya.com/node/60375
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق