الجمعة، 23 سبتمبر 2011

ثورات الأسعار في سياق تاريخي

الأربعاء, 21 سبتمبر 2011 الساعة 08:45


د. زياد ملاعب - مستشار إحصاءات وعلم المخاطر



ثورات الأسعار في سياق تاريخي













يبدو أن أسعار كل شيء تقريباً تأخذ اتجاهاً صعودياً، ولو قدّر لك أن تسأل أي شخص في أي مكان حول العالم، فإنه سوف يقول لك إن أسعار الطعام والشراب والسلع الأساسية والطاقة والوقود والمنسوجات والمنازل والسلع والخدمات، والمنتجات الأخرى كافة التي تأتي بينها، ترتفع أسعارها بشكل دائم، ولم يحدث أن انخفضت على الإطلاق.
فهل كان هذا هو الحال دائماً عبر التاريخ؟
أم أن الأسعار قد تنخفض أحياناً، أو تميل إلى الاستقرار على الأقل؟

وإذا كانت الأسعار تأخذ مستوى مستقراً، فكم طول المدة التي تحافظ فيها على استقرارها قبل أن تواصل ارتفاعها مرة أخرى؟
وعندما ترتفع، كم طول المدة التي تواصل فيها ارتفاعها؟

وما هو مقدار هذه الزيادة؟
وعلى ماذا يدل ارتفاع الأسعار بشكل مستمر؟
وأخيراً وليس آخراً، هل يمكن القول إن أسعار السلع يتم تحديدها بشكل أساسي من خلال قانون العرض والطلب على وجه حصري؟
أم إنه توجد هناك عوامل أخرى تؤدي إلى ظهور موجات من ارتفاع الأسعار؟

التاريخ فقط
إن هذه الطائفة من الأسئلة تتعلق بالتاريخ، والتاريخ فقط.. 

ومثلما هو ماثل أمام العيان، وكما يتبين جلياً من خلال بعض الأعمال البحثية الرائعة، والتجميع الدقيق لسجلات أسعار المواد الغذائية «الاستهلاكية الإنجليزية» والوقود والمشروبات والمنسوجات منذ العام 1264 من قبل الباحثين المؤرخين، من أمثال هنري فيلبس براون وشيلا هوبكنز، فإن معظم التضخم الذي حدث خلال القرون الثمانية الماضية قد تم في أربع موجات كبيرة من ارتفاع الأسعار.
لقد بدأت الموجة الأولى التي تسمى «ثورة الأسعار في العصور الوسطى» في القرن الثاني عشر، واستمرت حتى أوائل القرن الرابع عشر.

وبدأت الموجة الثانية المعروفة باسم «ثورة الأسعار في القرن السادس عشر»، في القرن الخامس عشر وانتهت في القرن السابع عشر..
ويعتقد أن الموجة الثالثة التي يمكن أن نطلق عليها اسم «ثورة الأسعار في القرن الثامن عشر»، قد بدأت في العام 1730 تقريباً، ووصلت إلى ذروتها خلال الثورة الفرنسية (1789-1799)، والحروب التي شنها نابليون من العام 1790 وحتى العام 1815.
وبدأت الموجة الرابعة التي يطلق عليها «ثورة الأسعار في القرن العشرين» في العام 1896، واستمرت حتى يومنا هذا، ونحن في العام 2011.
الموجة الرابعة
وبناءً على ما تقدم، يمكننا القول إننا الآن نمر بخضم الموجة الرابعة من ثورات الأسعار العظيمة، وبالتالي قد لا تكون المسألة مثيرة للاستغراب عندما نلاحظ ارتفاع الأسعار في كل مكان تقريباً، مع وجود استثناء بسيط من توقف الارتفاع في بعض الدول خلال الفترة من عشرينات إلى السنوات الأولى من ثلاثينات القرن الماضي، منذ أن بدأت هذه الموجة قبل 115 عاماً تقريباً في العام 1896.
وعلى الرغم من هذا الوضع القاتم لدورات الأسعار،

يمكننا أن نستقي خبراً جيداً من هذا التحليل، ألا وهو أن هذه الموجات من الزيادات في الأسعار غالباً ما تصل إلى نهاية لها، وتميل الأسعار إلى الاستقرار لفترة من الوقت، قد تصل إلى ثمانين عاماً أو نحو ذلك، وذلك قبل أن تنطلق الموجة المقبلة من الزيادة.. 
لكن الخبر السيئ في كل هذا السيناريو أن هذه الموجات السعرية تنتهي دائماً بإطلاق أزمة حادة.
وعندما ندرك يقيناً أن الموجة الرابعة العظيمة التي نحن في صددها اليوم لم تنته بعد، وبالتالي لا بد من طرح سؤال غاية في الأهمية، وهو:

متى وكيف ستنتهي هذه الموجة؟
وبطبيعة الحال، لا يمكن لأي أحد أن يقدم الإجابة الشافية عن هذا السؤال المهم منذ بدء البشرية بدراسة التاريخ، ولا يمكن لكائن من كان أن يخبرنا على وجه اليقين ماذا سيحدث بعد ذلك.
ومع ذلك، فإن دراسة التاريخ تعود علينا بالنفع والفائدة من خلال الخبرة التي استقيت بشق الأنفس في الماضي، 

ويمكننا تعزيز بصيرتنا إزاء ما يمكن توقعه من خلال دراسة آخر ثلاث موجات كبيرة قبل الموجة الحالية، للتعرف إلى الطرق التي وصلت فيها إلى نهايتها.
وفي هذا الإطار، ينبغي التنويه في هذا المقام إلى أن الموجات والثورات السعرية السابقة تتفاوت في ما بينها من حيث المدة والحجم والسرعة وقوة الزخم، لكن في الوقت نفسه تشترك مع بعضها بعضاً في عدد من السمات، ومنها الهيكل المشترك للموجة، وكيفية بدايتها وطريقة نهايتها، إلى درجة التطابق.
كما أن كل واحدة من هذه الموجات مرت من خلال أربع مراحل.
دعنا الآن نتناول المرحلة الأولى، وفيها نجد أن الأسعار قد ارتفعت ببطء خلال فترة طويلة من الازدهار، كما لم تكن هناك زيادات حادة فيها، ولم تشهد تقلبات، بل كانت ثابتة في معظمها، وفي نطاق تقلبات الأسعار السابقة.
وبدأت المرحلة الثانية عندما أخذت الأسعار تختلف بصورة عشوائية وراء حدود التوازن السابقة.

وانطلقت المرحلة الثالثة عندما أخذ الناس والحكومات يدركون أن هذا التباين في الأسعار قد بدأ بالفعل، وأنه سيستقر لفترة من الوقت، وأن التضخم في طريقه إلى الارتفاع المتواصل.
وجاء تعاملهم مع هذه المعضلة بطرق شتى، أدت في مجملها إلى رفع الأسعار إلى مستويات أعلى بكثير.
وسعت الحكومات إلى زيادة حجم المعروض من النقود، إلى جانب تعزيز سرعته من التداولات، وهي إجراءات زادت الطين بلة، وأخذت الأسعار في التضخم البطيء، لكنها كانت بالتأكيد تترسخ بصورة وطيدة، ما يعني الوصول إلى نقطة اللا عودة، لتصل في نهاية المطاف إلى المرحلة الرابعة والأخيرة من الموجة.

ويصف المؤرخ ديفيد فيشر المرحلة الرابعة على النحو التالي:
لقد بدأت المرحلة الرابعة والأخيرة مع انطلاق حمى التضخم الجديدة التي رسخت جذورها، فارتفعت الأسعار إلى مستويات أعلى، وأصبحت تبتعد كثيراً عن سمة الاستقرار.

وشرعت في دورات من الزيادة والانخفاض، في إطار حركة من التقلب المتزايد، وشعر الناس بالصدمات الشديدة في حركات أسعار السلع الأساسية.
كما تم توسيع وتقليص المعروض من النقود من حين إلى آخر، وبالتالي أصيبت الأسواق المالية بحالة من عدم الاستقرار.

ونما الإنفاق الحكومي بمعدل أسرع من العائدات، وارتفع الدين العام بمعدل سريع. وفي ثورات الأسعار كافة، فإن أكثر الأمم التي عانت أكثر من غيرها بسبب الضغوط المالية كانت على النحو التالي:
إسبانيا في القرن السادس عشر، وفرنسا في القرن الثامن عشر، والولايات المتحدة في القرن العشرين.
وهناك العديد من حالات الخلل الأخرى التي تعتبر أكثر خطورة.

ولو أخذنا الأجور التي كانت تواكب الأسعار في البداية، سيتبين لنا أنها تراجعت كثيراً الآن، ولم تتمكن من مواكبة زيادة الأسعار.
وانخفضت عائدات العمال مقارنة بالزيادة في أسعار الأرض ورأس المال.
وزاد الأغنياء ثراءً والفقراء بؤساً وشقاءً، وخسر الناس الأسس التي كانوا يستندون إليها، وعانى الفقراء بشكل فظيع، ولوحظت زيادة في التفاوت بين الثروة والدخل.
لذلك ظهر الجوع والتشرد والبطالة والجريمة والعنف وإدمان الخمور والمخدرات والتفكك الأسري.
وكان لهذه الأحداث المادية عواقب ثقافية.

وعلى صعيد الأدب والفنون، يلاحظ أن المرحلة ما قبل الأخيرة من كل ثورة سعرية تكون موسومة بحقبة داكنة من الهواجس والكوابيس المزعجة.
وفي هذه الحقبة على وجه التحديد، يفقد الناس الثقة تجاه المؤسسات.
كما كانت تلك الفترة أيضاً فترة من البحث اليائس عن القيم الروحية.

ويظهر فيها اختلاف الطوائف والجماعات مع بعضها بعضاً، وغالباً ما تستشري مشاعر الغضب الجامحة والابتعاد عن العقلانية بشكل سريع.
ويتحول المثقفون بشراسة ليقفوا ضد مجتمعاتهم التي تحاول احتواءهم.

وبما أن الشباب يواجهون مستقبلاً مجهولاً ويجهلون ماضيهم تماماً، فإنهم يميلون إلى الشعور بالاغتراب، وتبني الأفكار والقيم الثقافية التي لم يألفها المجتمع والناس من حولهم على الإطلاق.
الموجة الكبيرة
وفي نهاية المطاف، تتحطم الموجة الكبيرة عندما تبلغ ذروتها بقوة مدمرة، الأمر الذي يؤدي إلى ظهور أزمة ثقافية تشتمل على الانكماش السكاني والانهيار الاقتصادي والثورات السياسية والحروب الدولية والعنف الاجتماعي.
وتؤدي هذه الأحداث مجتمعة إلى التخفيف من الضغوط التي ترزح تحتها ثورة الأسعار.
وكانت النتيجة الأولى تسجيل هبوط سريع في قيم إيجارات المنازل وأسعار الفائدة. وأعقب هذا الانكماش القصير، وإن كان حاداً، عصر من التوازن استمر لسبعين أو ثمانين عاماً.

وتوقف التضخم على المدى الطويل، كما استقرت بعض الأسعار، ثم تراجعت أخرى، قبل أن تستقر مرة أخرى.
وبدأت الأجور الحقيقية في الارتفاع، مع تسجيل انخفاض على العوائد من رأس المال والأرض.
وكان لانتعاش التوازن عواقب اجتماعية مهمة.

ففي البداية، استمر التفاوت في النمو، وجاء ذلك كتأثير مباشر للثورة السعرية السابقة، لكن مع ظهور وترسيخ الديناميكيات الجديدة، تقلصت حالات التفاوت تدريجياً، وكانت هذه الأوقات الأفضل للعمال والحرفيين والناس العاديين.
ومع أن مالكي الأراضي واجهوا ضغوطاً كثيرة، إلا أن الأوضاع الاقتصادية مالت إلى التحسن بالنسبة إلى معظم الناس.

وحققت الأسر نمواً بصورة أقوى، وانخفضت معدلات الجريمة، وقل استهلاك المخدرات والخمور بشكل مستمر، وانخفضت معدلات نشوب الحروب الخارجية، وكانت أقل حدة عند ظهورها، مع أن الحروب الداخلية لتوحيد البلاد أصبحت أكثر انتشاراً، وكانت تحقق نجاحاً ملحوظاً.
التوازن
وكان لكل فترة من فترات التوازن سمة ثقافية مميزة لها، وتميزت جميعها في مراحلها اللاحقة من خلال بروز أفكار النظام والانسجام، ومن النماذج الدالة على ذلك ظهور عصر النهضة في القرن الثاني عشر، عصر النهضة الإيطالية وعصر التنوير في أوائل القرن الثامن عشر والعصر الفيكتوري.
وبعد سنوات عديدة من التوازن والسلام النسبي، ازداد نمو السكان بسرعة أكبر، وتحسنت مستويات المعيشة، وبدأت الأسعار والإيجارات والفائدة في الارتفاع مرة أخرى، وانطلقت موجة جديدة من الطلب الكلي على السلع والمنتجات.

بيد أن ثورة الأسعار التالية لم تأخذ الوتيرة ذاتها على وجه التحديد، لكنها كانت مماثلة لها في العديد من جوانبها.
ومثلما يقول مارك توين، إن التاريخ لا يعيد نفسه، وإنما ينطبق ذلك على قوافي الشعر.
ومما يؤسف له في هذا الشأن أن الكثيرين من علماء الاقتصاد في الولايات المتحدة، وجزء كبير من العالم في وقتنا الراهن، لا يضعون المشاكل الملحة في سياقها التاريخي.

لذا نجد أن الدورات والأمواج والثورات ودراسة الأسعار لا تكون معروفة عموماً لمعظم الاقتصاديين، خصوصاً خبراء الاقتصاد، الذين يركزون على النظرية الكينزية أكثر من غيرها، ناهيك عن القادة السياسيين والقائمين على التخطيط الاجتماعي، كما يطال هذا الجهل رجال الأعمال والمستثمرين من الأفراد، حتى خلال رحلة كفاحهم مع ثورة الأسعار الحالية والأسعار التي تزداد بسرعة هائلة والأحداث المالية والاقتصادية المضطربة في جميع أنحاء العالم.
إن هؤلاء جميعاً يفضلون التعامل مع الحرائق حال نشوبها، من دون أن يتحملوا عناء دراسة التاريخ والاستفادة من العبر التي يقدمها.

ومن جانبنا نعتقد أن هذا التجاهل أو الجهل يعتبر خطأ جسيماً.

شارك في كتابة المقال البروفيسور بروس بوجيسيك
z.malaeb@alrroya.com

http://alrroya.com/node/15022
الوتيرة
الوتـيرة أو المنوال في الإحصاء هي القيمة الأكثر تكرارًا في أي مجموعة.
لنفترض أن ولدًا يحسب البيض الموجود في أعشاش 77 طائرًا.
ولنفترض أن الولد اكتشف أن هناك أربعة أعشاش بكل منها بيضة واحدة، وأن هناك 65 عشًا بكل منها بيضتان، وخمسة أعشاش بكل منها ثلاث بيضات، وثلاثة أعشاش بكل منها أربع بيضات.
فالأعشاش التي تحوي بيضتين هي الأكثر شيوعًا إلى حد بعيد.
إذن يكون الرقم اثنان هو الوتيرة أو القيمة الشكلية في هذه المجموعة من الأرقام.
كما أن الوتيرة نوع من المعدل الذي كثيرًا مايكون مفيدًا في دراسة الإحصاء.
انظر أيضًا: المعدل؛ المتوسط؛ الوسيط؛ الإحصاء
http://mosoa.aljayyash.net/encyclopedia-10223/

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق