بواسطة بشير يوسف الكحلوت بتاريخ 11 سبتمبر 2011
كان
للقرار الصادر في الأسبوع الماضي بشأن زيادة رواتب المواطنين في القطاعين
الحكومي والعام وفي السلكين الدبلوماسي والعسكري، تأثير إيجابي سار، في
نفوس من شملهم القرار، وأجمع من استطلعت الصحف آراءهم على أن مثل هذه
الخطوة،كانت ضرورية وملحة ليس فقط للتعديل من
الارتفاع الذي طرأ على تكاليف المعيشة، وإنما أيضاً للتخفيف من معاناة
شريحة واسعة من أفراد المجتمع القطري كانت أقساط قروضهم المصرفية تستنزف
جزءاً كبيراً من رواتبهم الشهرية.
وفي حين كانت هناك دراسات توصي بحلول
ومقترحاتٍ لمشاكل تعثر المقترضين عن السداد، وتحول دون حدوث المزيد من
حالات التعثر، فإن القرار الأميري بزيادة رواتب العاملين والمتقاعدين،
وبنسبة لا تقل عن 60 بالمائة، قد تجاوز في كرمه وعطائه كل الحلول المطروحة
لحل مشكلة تعثر الديون.
الجدير بالذكر أن التكلفة السنوية للزيادة تصل إلى
نحو 10 مليار ريال سنوياً إضافة إلى ما ستدفعه الحكومة من أموال لصندوق
التقاعد تصل في مجموعها إلى 10 مليار ريال أخرى، في حين أن جملة قروض
القطريين المصرفية لا تتجاوز 25 مليار ريال.
وقد انسجم صدور قرار الزيادة
مع خبر تبوأ قطر المركز الأول بين دول الشرق الأوسط على مقياس التنافسية
الدولية، والمركز 14 على المستوى العالمي، فكان القرار بذلك تجسيد صادق
لمقولة أن قطر لديها أعلى متوسط دخل فردي في العالم.
وللقرار جوانب أخرى إيجابية غير منظورة،
من حيث أنها تعالج الآثار السلبية لمشكلة تعثر القروض على البنوك، فتعيد
إحياء ما جُمد منها لتشارك في ضخ المزيد من السيولة وتقلل من المخصصات
لصالح الأرباح، وهو ما سيعزز من أرباح البنوك في الربع الأخير من العام.
كما أن زيادة الرواتب ستعمل على إتاحة الفرصة للقطريين للحصول على قروض
وتمويلات مصرفية جديدة، وتساعد في تأهيل الكثير من طلبات القطريين لقروض
الإسكان، بعد أن كان المتبقي من الرواتب الصافية لا يسمح بتمرير الكثير من
تلك الطلبات. وهذا التطور في مجمله سينعكس إيجاباً على نشاط المقاولات
وعلى الاقتصاد القطري بوجه عام.
وفي جانب آخر سيعمل القرار على تنشيط
الطلب الاستهلاكي على السلع والخدمات فيزيد الطلب على منتجات القطاع الخاص،
كما أن زيادة الرواتب يمكنها أن تعيد جانب من الأفراد القطريين إلى
الاستثمار في بورصة قطر، فينتعش التداول من جديد وتتعزز العوامل الداخلية
التي تدفع في هذا الاتجاه.
وفي مقابل هذه الإيجابيات المتعددة
للقرار، فإن هناك بعض الجوانب التي لا يمكن إغفال تأثيرها على الاقتصاد
بوجه عام أو على بعض الجماعات والأفراد منه بوجه خاص.
ونبدأ بالآثار
المباشرة مثل زيادة تكلفة التشغيل على المجتمع.
وإذا كان السعر الحالي
لبرميل النفط ووجود فائض كبير في الموازنة العامة يسمح بتمرير أعباء تلك
الزيادة دون أن يصاحب ذلك عجز في الموازنة العامة للدولة، فإن أي انخفاض في
سعر النفط عن 70 دولاراً للبرميل سيؤدي إلى حدوث مثل هذا العجز مستقبلاً.
وبالنسبة لشركات القطاع العام مثل قطر للبترول والشركات التابعة لها
كصناعات، فإن الزيادة في رواتب القطريين سوف تزيد من التكاليف وتقلل
الأرباح المتوقع تحقيقها في الربع الرابع من العام، ومن ثم يؤثر ذلك على
مجمل أرباح العام 2011 والأعوام التالية، وقد يؤثر بالتالي على الأرباح
الموزعة.
وقد ساهمت هذه التوقعات في تقليص ارتفاع أسعار الأسهم بعد الإعلان
عن خبر الزيادة في الأسبوع الماضي، فلم يرتفع المؤشر إلا ليوم واحد
فقط.
وقد ينتقل أثر زيادة التكاليف إلى شركات أخرى مثل بنك قطر الوطني،
والريان، والخليجي، وقطر للتأمين، والكهرباء والماء، وبروة، وكيوتيل،
والملاحة، ووقود إذا ما تقرر استفادة القطريين في هذه الشركات من قرار
الزيادة.
وهذه الزيادة في تكاليف تشغيل الشركات ستعمل على تقليص الأرباح
المتحققة والموزعة، وبالتالي فإن تأثيرها سيكون سلبي بعض الشيء على أسعار
الأسهم في البورصة.
على أن الأثر السلبي الأهم للقرار سيكون
في زيادة جاذبية العمل في القطاع الحكومي، وابتعاد القطريين عن العمل في
القطاع الخاص، وذلك ما يخالف التوجهات الحكومية و استراتيجية التنمية
المعتمدة في إطار رؤية قطر لعام 2030، التي تطالب القطاع الخاص بتشغيل نسبة
من العاملين فيه من القطريين.
فإذا ما زاد القطاع الخاص كالبنوك وشركات
التأمين والصناعة والخدمات، رواتب موظفيه القطريين فإن ذلك سيزيد من
التكاليف ويقلل من الأرباح للشركات.
وإذا سلمنا بأن هناك فجوة قائمة بين
رواتب القطريين وغير القطريين في الوظائف المتماثلة، فإن قرار زيادة
الرواتب يزيد من تلك الفجوة، ويضع ضغوطاً على المؤسسات والشركات لزيادة
رواتب غير القطريين أو البعض منهم على الأقل في صورة ترقيات، وعلاوات
مختلفة.
ورغم أن وزارة الاقتصاد والأعمال متنبهة
إلى أهمية الحيلولة دون قيام التجار بنقل أثر الزيادة إلى أسعار السلع
والخدمات، ورغم أن مصرف قطر المركزي يعمل مع وزارة الاقتصاد والمالية على
إدارة السيولة في الاقتصاد من خلال إصدار السندات الأوذنات الحكومية، فإن
ذلك كله لن يحول دون حدوث زيادة في الأسعار ولو بعد فترة من الزمن.
فمن
شأن الزيادة في الرواتب أن تُحدث زيادة في كمية النقود المتداولة وفي سرعة
تداول النقود، كما أنها ستعمل من خلال تنشيط الاقتصاد على زيادة الطلب على
السلع والخدمات فيتحرك الرقم القياسي للأسعار إلى أعلى.
ولأن معدل التضخم
منخفض في الوقت الراهن دون مستوى 2%، فإن أثر الزيادة عليه قد لا يظهر قبل
مرور سنة.
ويظل ما كتبت رأي شخصي يحتمل الصواب والخطأ والله جل جلاله، أجل وأعلم،،،
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق