علاقة التضخم في المملكة بارتفاع أسعار النفط
سعود بن هاشم جليدان
سعود بن هاشم جليدان
استطاعت المملكة أن تحافظ على معدلات تضخم منخفضة بسبب السياسات النقدية والمالية المتحفظة التي تبنتها منذ فترة طويلة.
وتخللت فترات الاستقرار النسبي في الأسعار فترات تضخم قوية تزامنت مع التغيرات المفاجئة في أسعار النفط.
وكانت
أقوى فترات التضخم في منتصف السبعينيات من القرن الماضي، وذلك بعد تضاعف
أسعار النفط عدة مرات والارتفاع الكبير في الإنفاق الحكومي الذي نتج عنه.
وسجل التضخم أكبر معدلاته في فترة السنوات الثلاث الممتدة ما بين عامي
1974- 1977. وبلغ معدل التضخم في المملكة أعلى مستوياته في عام 1975 حين
وصل إلى نحو 35 في المائة.
ولم يقتصر التضخم المرتفع في
تلك الفترة على اقتصاد المملكة, بل شمل معظم دول العالم، وكان مصحوباً
بتغيرات عالمية في السياسات المالية والنقدية وسياسات أسعار الصرف.
واستمرت معدلات التضخم مرتفعة في كثير من دول العالم حتى بداية الثمانينيات من القرن الماضي.
وبعد
بلوغ أسعار النفط قمتها السابقة في أول الثمانينيات بدأت في التراجع
التدريجي ما خفض من مستويات الإنفاق الحكومي في المملكة وانخفضت الضغوط
التضخمية العالمية والمحلية.
وحافظت المملكة على مستويات تضخم
منخفضة منذ بداية الثمانينيات وحتى بدأت أسعار النفط في الارتفاع القوي
خلال السنوات القليلة الماضية.
وعادت الضغوط التضخمية
في الظهور وبلغت أوجها في عام 2008. ولم تقتصر الضغوط التضخمية على
المملكة, بل شملت عددا كبيرا من بلدان العالم ومن بينها الدول المصدرة
للنفط.
وشهدت الدول المصدرة للنفط كما يعتقد أعلى
معدلات التضخم العالمية وخصوصاً منطقة الخليج العربي، حيث تقود الارتفاعات
المفاجئة في أسعار النفط إلى طفرات قوية في الإنفاق الحكومي والخاص.
ويبدو من السرد التاريخي والتحليل الفني أن هناك علاقة إيجابية بين ارتفاع أسعار النفط والتضخم في منطقة الخليج.
وهذه العلاقة أكبر في دول الخليج منها في الدول الرئيسة المستوردة للنفط.
ويعود الارتباط الإيجابي في منطقة الخليج على ما يبدو إلى تسبب الارتفاع الحاد لأسعار النفط في إحداث صدمة قوية في الطلب المحلي.
وفي المقابل
يقتصر تأثير ارتفاع أسعار النفط في الدول المستوردة على رفع تكاليف الطاقة
والتي ترفع بدورها تكاليف الإنتاج الكلية وتؤدي إلى حدوث صدمة في العرض
الكلي وترفع الأسعار بمقدار ارتفاع تكاليف الطاقة.
أما في الدول المعتمدة على تصدير النفط كدول الخليج العربية فإنها تتعرض
لتأثير هزة العرض مضافا إليها هزة الطلب الناتجة عن ارتفاع المداخيل
النفطية.
وهذا يفسر إلى حدٍ كبير التأثير القوي لارتفاع أسعار النفط على التضخم في الدول الخليجية.
ومع أن ارتفاع أسعار النفط نعمة كبيرة تمكن الدول
المصدرة له من الإنفاق على مشاريع التنمية ورفع مستويات الرفاه في المجتمع,
إلا أن تسببه في ارتفاع معدلات التضخم قد يكون وبالاً على ذوي الأجور
المنخفضة والثابتة.
فقد عانت بعض فئات المجتمع منخفضة الدخل غلاء
المواد الغذائية وارتفاع أسعار بعض السلع الأساسية. وعانى المستأجرون مثلاً
أثناء السنوات القليلة الماضية في منطقة الخليج تصاعد مستويات الإيجارات.
ومع أن الدخول النفطية ارتفعت بشدة خلال الطفرات النفطية إلا أن أجور جزء كبير من السكان لم تواكب مستويات التضخم في المنطقة.
ونتج عن التضخم تشوهات في توزيع الدخول والثروة لصالح ملاك الثروات وأصحاب الدخول المرتفعة.
وقد حاولت حكومات الخليج التغلب على بعض النواحي السلبية للتضخم ولكنها لم تكن كافية للتخلص من الآثار السلبية كافة.
وكان من أبرز تلك الإجراءات
دعم بعض السلع الأساسية ورفع أجور موظفي الدولة ومخصصات الضمان الاجتماعي.
وكان تأثير دعم السلع الأساسية محدوداً وبطيئاً وجاء بعد فترة من ارتفاع
الأسعار.
أما رفع أجور موظفي الدول فقد أفاد جزءا كبيرا من السكان, ولكنه
لم يشمل العاملين في القطاع الخاص والذين يعاني الكثير منهم أصلاً تدني
الأجور.
ويرى البعض أن تراجع أسعار النفط الأخير خفض من الضغوط التضخمية التي كانت سائدةً قبل فترة، وهذا يبدو صحيحا، ولكن الجميع لا يتمنى استمرار انخفاض أسعاره ويتمنون عودتها للارتفاع.
ويرى البعض أن تراجع أسعار النفط الأخير خفض من الضغوط التضخمية التي كانت سائدةً قبل فترة، وهذا يبدو صحيحا، ولكن الجميع لا يتمنى استمرار انخفاض أسعاره ويتمنون عودتها للارتفاع.
ومن شبه المؤكد أن
أسعار النفط ستعود إلى الارتفاع مستقبلاً بعد انقشاع آثار الأزمة المالية
العالمية ـ إن شاء الله. وهناك أمل ألا تصاحب ارتفاع أسعار النفط مستقبلاً
ضغوط تضخمية تسيء إلى أوضاع جزء كبير من السكان.
ولهذا ينبغي الاستفادة من التجارب المكتسبة أثناء الفترة الأخيرة في مكافحة التضخم،
وتقييم أساليب التصدي لارتفاع الأسعار وفاعليتها في مكافحة التضخم. وينبغي
كذلك وضع الآليات المناسبة في الوقت الحالي لكي يمكن تطبيقها عند عودة
معدلات التضخم إلى الارتفاع بقوة مستقبلاً.
ولعل من أهم الآليات التي يمكن تبنيها في المنطقة هو ربط مستويات الأجور بالقطاعين الخاص والعام بمستويات التضخم.
وكذلك العمل المستمر لتبني سياسات مكافحة الاحتكار المحلي حتى الأجنبي والاستمرار في تقوية فتح الأسواق ودعم المنافسة.
كما ينبغي عدم التسرع في رفع مستويات الإنفاق الحكومي بقوة عند حدوث الطفرات النفطية, وذلك للحد من تأثيراته السلبية على مستويات التضخم.
وقد
أوضحت الأزمة المالية العالمية ضرورة ادخار المزيد من الفوائض النفطية في
أوقات الطفرات النفطية وإنفاقها في أوقات التراجع الاقتصادي. ولعل
من المهم أيضاً تقييم آثار وتوقيت أساليب السياسة النقدية التي اتبعت
أثناء فترة التضخم العالية, خصوصاً سياسة سعر الصرف التي تبدو متزمتة في
بعض الأحيان.
الصحيفه الاقتصاديه الالكترونيه
الصحيفه الاقتصاديه الالكترونيه
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق