الاثنين، 1 أغسطس 2011

الوصايا الثماني للسوق المالية السعودية

 الثلاثاء, 19 إبريل 2011 الساعة 09:29
عبدالحميد العمري عضو جمعية الاقتصاد السعودية

أنحازُ دائماً إلى الإجابات المحددة، ولا سيما في القضايا المحددة سلفاً لنا بلغة الأرقام كالسوق المالية.
أواجه الكثير من الأسئلة، التي يطرحها دائماً عليّ الكثيرُ من المهتمين بأوضاع سوقٍ استودعوا فيها أموالهم ومدخراتهم، وأصبحتْ الأسئلة تتركز في الآونة الأخيرة على:

هل من أمل في خروج السوق المالية من وعثاء سفرها الطويل في وحْل الخسائر المريرة منذ أكثر من خمس سنوات مضت؟
وإن كان ذلك ممكناً، أو قابلاً للتحقق، فكيف لها أن تخلع عنها رداء الانكسار والتردّي الذي تكتسيه؟
وعليه، أُعيدُ وأبلور إجابتي عن تلك الأسئلة الحائرة، وفق اجتهادي، التي آمل أن تسهم فعلاً في إيجاد مخرجٍ حقيقي للخروج من هذه الحالة المنتكسة للسوق، وهي إجاباتٌ أو وصايا أجمع شتاتها، الذي كتبته في أكثر من تقرير ومقال، لتكون مصفوفةً أمام القارئ ها هنا، في نقاط محددة هي على النحو الآتي.

  الوصية الأولى:
ضرورة إعادة بناء وتأسيس استراتيجية أفضل تنظم وتفحص جيداً اكتتابات الشركات العاملة (أو العائلية)، مع التأكيد على أن يُضاف إلى عامل الربحية عند تحديد سعر الطرح، عوامل أخرى كالمديونية، والملاءة، والقدرة على استمرار تلك الشركات في ممارسة نشاطها، وتحقيق النمو فيه عبر خطوط الزمن، إضافة إلى ما سيأتي ذكره بعد قليل من محاور بالغة الأهمية، لإرسائها كأساسيات في صلب بناء تلك الاستراتيجية المؤمل أن ترى النور قريباً.

الوصية الثانية:
أن علاوات الإصدار لأغلب الاكتتابات في ما بعد 26 فبراير 2006، اتسمت بالمبالغة فيها، (وصل متوسط علاوة الإصدار للاكتتابات المحددة أسعارها سلفاً إلى 44 ريالاً للسهم)، بما يقتضي نظامياً العمل منذ اللحظة على معالجة هذا الخلل الخطير بعد ثبوت وقوعه، واتخاذ كل الإجراءات المانعة لتكراره، وإيقاف تداعياته السلبية القاسية على مختلف أطراف السوق المالية، وتحديداً مجتمع صغار المستثمرين.

الوصية الثالثة:
أنه حتى الطريقة القائمة الآن المتمثلة في طريقة بناء سجّل الأوامر، لم تُثمر كثيراً في الحدِّ من الارتفاع المبالغ في العلاوة، حيث تراجعت بنحو 20 بالمئة إلى نحو 35 ريالاً للسهم، بصورةٍ تؤكد الأهمية القصوى للوصية السابقة، وضرورة العمل بصورة عاجلة قبل الإعلان والموافقة على أي اكتتابات مقبلة.

الوصية الرابعة:
أن التجربة الراهنة للاكتتابات اتسمّت بالخلل نتيجة لعدد من الأسباب؛ كان من أهمها عدم وجود ما يُلزم المتعهد بالتغطية، بأن يشتري ما لم تتم تغطيته بالاكتتاب، وهو ما سمح للمشاركين في عملية الاكتتاب (مدير الاكتتاب، المتعهد بالتغطية) بالابتعاد كثيراً في اتجاه المبالغة في التسعير، وبالطبع، فإن الثغرة الأخطر هنا تمثلتْ في وجود طريق مفتوح للعودة أمام المتعهد بالتغطية، أتكئ فيها على عدم وجود ما يلزمه بشراء ما تعهد بتغطيته، إن لم يجد من يشتري من المكتتبين، رغم أنها الحد الفاصل لتحقيق العدالة أثناء عملية نقل ملكية الأصول بين البائعين والمشترين، وكونها أيضاً من أوائل الشروط اللازمة لحماية مصالح المستثمرين من أي ممارسات غير عادلة، أو غير سليمة، أو التي قد تنطوي على احتيال، أو غش، أو تدليس، أو تلاعب (الفقرة 4 من المادة الخامسة من نظام السوق المالية).

  الوصية الخامسة:
أن جميع ما سبقت الإشارة إليه أعلاه من اختلال قد تسبب في حرمان السوق من إدراج الشركات المساهمة المجدية استثمارياً، والشركات العائلية العريقة تاريخاً، والمتينة مالياً، والجيدة السمعة تجارياً، في مقابل تدافع عدد من الشركات البائرة، دون تعميم، لتُدرج في السوق بأعلى الأثمان، تحوّلت في ظلّه من (عملية الاكتتاب) إلى (عملية تخارج)، أفضتْ لاحقاً بصورة مفرطة واسعة النطاق إلى تحقق المبدأ الاقتصادي (السلعة الرديئة تطرد السلعة الجيدة). وتكفي الإشارة هنا إلى الحقيقة الصادمة حول جدوى تلك الاكتتابات على السوق المالية، إذ إنه وفقاً لآخر النتائج المالية للشركات المدرجة بنهاية الربع الرابع من العام 2010، لم تتجاوز مساهمة 68 شركة تم طرحها بعد فبراير 2006، في القيمة المضافة لمكاسب السوق السنوية أكثر من 1.2 بالمئة، مقابل استحواذها على ما نسبته 44.6 بالمئة من إجمالي الأسهم المدرجة في السوق، في المقابل ستجد أن اكتتابات ما قبل فبراير 2006، (9 شركات مساهمة فقط) وصلت مساهمتها في القيمة المضافة للمكاسب السنوية للسوق حتى نهاية الربع الرابع من العام الجاري إلى 14.0 بالمئة، مقابل استحواذها على ما نسبته 4.6 بالمئة فقط من إجمالي الأسهم المدرجة في السوق، إنه فارقٌ كبيرٌ جداً بين الفريقين.

الوصية السادسة:
يُضاف إلى سلّة التأثيرات السلبية أعلاه، الضرر الكبير الذي أُلحق بأسعار الشركات الجيدة استثمارياً، وامتد إلى هزِّ ثقة مجتمع المستثمرين في السوق، بدتْ شواهده واضحة للعيان، عبر انخفاض الإقبال على الاكتتابات، وانخفاض قيمة التعاملات اليومية في السوق بصورة أعادتنا إلى ما قبل العام 2003.

الوصية السابعة:
لقد أصبح من الضرورة الحتمية، الآن، لإنقاذ ما يُمكن إنقاذه، أن تتجه «هيئة السوق المالية» في إطار الاستراتيجية المأمولة لاجتذاب الشركات نحو الإدراج في السوق، وأن تعتمد (زيادة) رأس المال بدل (اكتتابات التخارج) القائمة الآن، والتي تمنع من استلام المساهمين البائعين لمتحصلات الاكتتاب، وأن تُلزم (المتعهد بالتغطية)، وإكمال دوره الرئيس في عملية الطرح بدفع قيمة ما لم تتم تغطيته.

الوصية الثامنة:
أعتقد أنه من أهم أسباب عدم إقرار «هيئة السوق المالية» لتجزئة السوق (سوق رئيسة، سوق موازية)، يكمن في تصورها للموقف المحرج، الذي قد تواجهه بعد التجزئة، والمتمثل في أن السوق الموازية ستضم في أغلبها معظم الشركات المساهمة، التي تم طرحها للاكتتاب في ما بعد فبراير 2006، وكأن لسان الحال حينئذ سيقول، (كأنك يا أبو زيد ما غزيت)؛ إذ ترى أنها ستكون غير قادرة على مواجهة معضلة طرد ما أدرجته خلال السنوات الأخيرة إلى سوق موازية، بما يعني في حقيقته عدم توافر الأهلية الكاملة لتلك الشركات بالإدراج في السوق الرئيسة، والحقُّ يقال هنا، فرغم صحة ذلك، فإنه يأتي أفضل بكثيرٍ من استمرار الوضع الراهن المليء بالمساوئ والمثالب، التي لا حصر لها، بل إنه سيعيد التوازن والجاذبية الاستثمارية إلى السوق المالية المحلية، من خلال تمييزه بين الشركات المساهمة ذات العوائد، والأخرى الخاسرة عالية المخاطر، بصورة ستفضي عبر الزمن إلى اجتذاب أفضل الشركات المساهمة خارج منصة تعاملات السوق إلى تلك المنصة.

إنني أتمنى أن تجد هذه المحاور أُذناً صاغية من لدن «هيئة السوق المالية»، وأن تأخذها على محمل الكلمة النصوح دراسة ومراجعة ومناقشة، وأن هذه المحاور لا تتجاوز كونها أفكاراً واجتهادات آمل إضافتها إلى أرصدة الجهود الكبيرة، التي بذلتها وتبذلها للارتقاء بواقع السوق المالية المحلية، وأنها لن تخرج عن دائرة انفتاحها إعلامياً واجتماعياً على مختلف الآراء والمقترحات، التي تهدفُ إلى تحقيق روح ومقتضى الغرض الرئيس من وجودها في هيكل النظام المالي، وفقاً لما نصّت عليه تحديداً المادتان الخامسة والسادسة من نظام السوق المالية، وهو ما سبق أن قامتْ به من قبل في خصوص الكثير من المقترحات خلال السنوات القليلة الماضية؛ كموضوع الاعتماد على مؤشر السوق للأسهم المتاحة للتداول (المؤشر الحر)، والكشف عن ملكية كبار الملاك، والإفصاح عن التغيرات فيها، وتعديل المؤشرات الأساسية للسوق، باستبعاد مؤشرات الشركات الحديثة الإدراج، وغيرها من المقترحات، التي وجدتْ أذناً صاغية، وعقلاً منفتحاً من لدنها.

للتواصل مع الكاتب:


a.alamri@alrroya.com

http://alrroya.com/node/128018

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق