الاثنين، 8 أغسطس 2011

فقاعة العقارات في الصين: هل ستفرغ بأمان أم أنها ستنفجر؟


Published 28/12/2010 in Arabic Knowledge@Wharton

إن انهيار قيم العقارات في الولايات المتحدة الأمريكية وفي العديد من البلدان الأوربية، والذي أدى إلى ضرر اقتصادي كيبر، قد يتكرر في الصين، حسب تصريحات أساتذة بمدرسة وارتون ومدرسة غوانغوا Guanghua للإدارة التابعة لجامعة بكين. 
وخلال منتدى مشترك نظمته المدرستان بجامعة بكين يوم 10 من مارس،
بحث أستاذ المالية بمدرسة غوانغوا شينزونغ شو Xinzhong XU، قيم العقارات في الصين وخلص إلى أنها قد تؤدي إلى تشكل فقاعة عقارية.
وأكدت كذلك أستاذة العقارات بمدرسة وارتون سوزان واشتر Susan M. Wachter، أنها رصدت بعض الإشارات التحذيرية من تكون فقاعة، لكنها ترى أن الصين قادرة على اتخاذ بعض الإجرءات الوقائية ضد أي انهيار كبير.

مشكلة العقارات في الصين

في الوقت الذي تشهد فيه الولايات المتحدة أكبر تدهور لأسعار العقارات منذ الكساد العظيم، فإن سوق العقارات في الصين حيث تعرف الأسعار ارتفاعا مطردا، تبدو كأنها صورة معكوسة للولايات المتحدة الأمريكية. وحسب العديد من الملاحظين، قد تكون الصين متجهة نحو سلسلة من التضخمات العقارية متبوعة بفترات كساد، تماثل ما حدث في الولايات المتحدة. وكمقياس على ارتفاع أسعار العقارات في الصين، ارتفعت هذه الأخيرة بنسبة 70 % في مدينة بكين و47 % في شنغهاي في الفترة الممتدة بين يناير وأغسطس من السنة الماضية.

وقد ظلت أسعار العقارات في الصين في نمو مطرد رغم تراجع اقتصادي طفيف شهدته البلاد خلال السنة الماضية. ويؤكد شو بشأن ذلك قائلا: "عانت الصين على غرار البلدان الأخرى خلال السنة الماضية، لكن مازال هناك قطاعان أداؤهما جيد، الأول هو مجال الألعاب على الانترنت والثاني هو سوق العقارات".

ويضيف شو بأن أسعار العقارات في بكين وشنغهاي تتساوى مع الأسعار في لندن ونيويورك. 
وإذا ما قارنا ثمن العقارات بمانهاتن مع مثيلاتها في الشارع الدائري الثاني Second Ring Road في بكين، سنجد فارقا ضئيلا لا يتعدى 3 %. ونظرا إلى أن نصيب الفرد الواحد من الناتج المحلي الإجمالي في الصين يقل بكثير عن نظيره في المملكة المتحدة والولايات المتحدة فإن الحصول على سكن ليس في متناول غالبية الصينيين. ويتعدى معدل دخل الأسرة بالنسبة لمعدل أقساط الرهن العقاري 100 % في المدن الأربعة الكبرى في الصين، 143 بالنسبة لبكين و151 لشنغهاي و 111 بالنسبة لشنزن Shenzhen و 167 بالنسبة لهانغزو Hangzhou. ومن بين المدن العشرة الكبرى، هناك مدينة واحدة فقط لاتزال العقارات بمتناول السكان فيها ، وهي مدينة شونكين Chongqing، بولاية سيشوان وسط الصين، حيث تبلغ نسبة دخل الأسرة إلى أقساط الرهن العقاري 48 %.

ماهي الأسباب الكامنة وراء ارتفاع الأسعار؟

كيف ولماذا مازال الناس يرفعون أسعار السكن في الصين؟ يقول شو: "في الولايات المتحدة هناك رهون عقارية أمدها ثلاث سنوات، أما في الصين فهناك رهون تمتد إلى ثلاثة أجيال: أنت ووالديك وأجدادك. وذلك راجع إلى سياسة الإبن الواحد، ولهذا نجد خمس عائلات تغطي رهنا عقاريا واحدا"

بل الأدهي من ذلك، فتحفيز السوق العقاراتية والرفع من الأسعار يصب في صالح الإدارات المحلية. ويأتي هذا نتيجة للإصلاحات المالية التي أدخلت سنة 1994 من أجل تعزيز مداخيل الحكومات المحلية، حيث كانت في تراجع رغم نمو الدخل المحلي الإجمالي في الصين كلها. وقد سعت الإصلاحات إلى تعويض النظام القديم لاقتسام المداخيل بين الحكومة المركزية والحكومة المحلية المبني على حرية التصرف بنظام آخر مقنن.

والنجاح المحقق على وجه العموم يمكن مناقشته مادامت الحكومة المركزية والحكومات المحلية تتمتع ببعض القوة غير المشروطة. ومع ذلك، وبناء على معظم التقديرات، تشكل مبيعات الأراضي والضرائب مابين 40 و60 % من مداخيل الحكومة المحلية، حسب شو. وفي سنة 2009 بلغت أرباح مبيعات الأراضي 1.5 تريليون، أي 40 % من دخل الحكومة المحلية، كما ساهم قطاع العقارات في نمو الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 2 %. كما تعزز السياسة النقدية المتراخية تحفيز الحكومة المحلية لأثمان العقارات المرتفعة. واستنادا إلى شو، شكلت القروض الممنوحة للمستثمرين العقاراتيين والرهون العقاراتية 40 % من مجموع القروض التي منحت في السنة السابقة.

ومن أجل تخفيف الضغط المتصاعد على سعر المساكن، ينصح شو بعزيز التحضر المحلي. فمدن الصين تتسع سنة بعد سنة والحديث جار حول تشييد مدن عالمية ضخمة. المشكلة المطروحة هي أن الناس يرغبون في العيش في المدن الضخمة حيث نوعية الحياة أفضل، فلذلك نجد إقبالا كبيرا على اقتناء مساكن في مدن مثل بكين وشانغهاي. والعديد من الناس الذين يقطنون بعيدا عن هذه المدن يقتنون شقق في هذه المدن الضخمة إن استطاعوا. والنتيجة هي أن العديد من الشقق أضحت مهجورة ولم يستعملها مالكوها قط، كما ينعكس تأثير ذلك على أسواق العقارات في المدن الثانوية، إذ كلما ارتفعت الأسعار في بكين، ارتفعت كذلك في المدن الأخرى.

ولذلك يتعين على الصين إنعاش المدن الصغيرة والكف عن تشجيع المدن الضخمة.

وحسب شو، هناك سبيل آخر لتعزيز وفرة السكن ذو السعر المعقول، يتمثل في جعل ضرائب العقارات تدريجية بصورة تقدمية حيث يدفع الملاك ذوي الدخل المتوسط والمنخفض نسبة أقل من مثلائهم الأغنياء. آخيرا، يرى شو، أنه يجب توفير السكن للمواطنين المحتاجين في المجتمع. وهناك بصيص من الأمل. إذ شملت الموازنة المصادق عليها اثر اختتام المؤتمر الشعبي الوطني في 14 من مارس، 10% لتحفيز الانفاق، بما في ذلك الأموال المخصصة لدعم المساكن المنخفضة الكلفة.

وصرح شو قائلا: "أما بخصوص المستقبل، فأنا لست متفائلا". هناك العديد من المتدخلين المؤسساتيين يسعون لإبقاء الأسعار مرتفعة. وفضلا عن الحكومات المحلية، هناك آخرون لهم مصلحة في الاحتفاظ بقيم العقارات مرتفعة. فالبنوك تخصص 40% من القروض لسوق العقارات، وإذا ما انخفضت الأسعار فستضرر هذه البنوك. فإذا كانت هناك فعلاً فقاعة تتنامى، فإن العواقب ستكون وخيمة على البنوك. إذا هذه هي الدروس التي استفدناها: اليابان سنة 1989 وهونغ كونغ سنة 1997 والولايات المتحدة سنة 2007 فهل سنرى نفس الانهيار في الصين في سنة 2017؟

أوجه التشابه مع الولايات المتحدة خلال سنة 2007

على إثر الانهيار التاريخي لأسعار العقارات في الولايات المتحدة سنة 2007، ظل التشاؤم يخيم على سوق العقارات. وفي سنة 2009، أعيد امتلاك 2.8 مليون منزل و انهارت أسعار المنازل المحجوزة الموجودة في ملكية البنوك بشكل مفرط.

وأشارت واشتر إلى أن ديون الأسر تنامت بشكل كبير في الولايات المتحدة منذ 1975. وبداية من سنة 2000 تصاعدت وتيرة نمو هذه الديون لتتجاوز وتيرة نمو ديون الحكومة أو الشركات، مما جعل نسبتها من الناتج المحلي الإجمالي ترتفع. في الوقت ذاته، كان مؤشر سعر العقارات في تصاعد واستمر الناس في مراكمة الديون العقاراتية بينما تواصل ارتفاع نسبة امتلاك المنازل.

إذن لماذا تجاوزت هذه الوضعية الحدود الطبيعية وكيف تركت لتصبح فقاعة؟ تقول واشتر أن دين الأسرة لم يقتصر فقط على دين عقاري لكن ديون عقارية من نوع خاص. وقد أصبحت ديون الرهون العقاراتية أكثر مجازفة بالنسبة للأسر أكثر من أي وقت مضى. على سبيل المثال، ارتفعت بشكل سريع ديون الرهون العقاراتية غير المقننة والديون غير الأصلية. وعندما بلغت الفقاعة ذروتها سنة 2006، انتقلت الديون غير الأصلية من 0% إلى 50% من مصادر الرهون العقاراتية. وعندما ظهرت الفقاعة مجددا بين الفترة الممتدة من سنة 2004 إلى 2006، ظهرت في السوق أنواع جديدة خطيرة جداً من الرهون، تقتصر على الفائدة والرهون المبنية على خيار الدفع.

و في الوقت نفسه، وخلال الفترة ذاتها انخفضت نسبة المخاطر مما يفيد أن هناك مشاكل تلوح في الأفق، حسب واشتر. "يمكننا الآن أن نلاحظ أنه بمرور الوقت، تقلصت المخاطر السابقة لضمانات الرهون العقاراتية غير الأصلية. وحتى وإن لم نعلم ذلك آنذاك، يمكننا تعقب تلك الأرقام بعد الحدث". إذن أصبح في مقدور الناس أن يحصلوا على رهون عقارية بسهولة، حيث انهارت شروط الإقراض وارتفعت أثمنة العقارات. وفي وقت لاحق، ارتفعت تلك الأسعار بنسبة 30 في المئة عن المعدل على المستوى الوطني، تقول واشتر.

ويمكن إجمال هذه الصعوبات في ما اصطلحت عليه واشتر "إحداث المخاطر شبه الدوري"، حيث تتسابق الوكالات التنظيمية إلى تحرير سوق الرهون العقاراتية وسوق الضمانات المدعومة بالرهون من القيود خلال السنوات الأخيرة. وبما أن عددا من هذه التأمينات كانت تتداول بشكل يتيح لها تجنب نظام السوق، أدت هذه العملية إلى خلق تأمينات مشوبة بالخطر والتي لم تخضع لتقييم ملائم.

السوق الأمريكية تظل في خطر

لقد أخذ انهيار سوق العقارات أشكالا ثلاثة: انهيار أسعار السكن، انهيار موازنة المقترضين الذين تضاعفت أقساطهم مرتين أوثلاث حتى تجاوزت دخلهم، ثم انهيار القطاع المصرفي ككل، تقول واشتر. وقد أدت هذه الظروف إلى تقويض الاقتصاد بأكمله. واستنادا إلى واشتر، لقد حدث هناك شرخ في الارتباط العادي للأسعار بين المنتجات الاستثمارية ومنتجات المقرضين.

واليوم مازالت الرهون العقارية الغارقة والناتجة عن عمليات الحجز موجودة بوفرة رغم جهود الانقاد. وحسب رأي واشتر، فإن التدخل الضخم غير المسبوق للحكومة الأمريكية أنقذ العالم من الويلات المحتملة لانهيار عظيم ثان.

لكن تجنب الكارثة لا يعني الخلاص من كل المشاكل، إذ دفع الانفاق التحفيزي بالدين الأمريكي، كحصة من الناتج المحلي الإجمالي، إلى الارتفاع من نسبة 57 % سنة 2001 إلى 70% سنة 2008. وتم تعميم نظام الرهون العقاراتية على المستوى الفدرالي حيث أضحت كل الرهون تقريبا تمنح عن طريق مصرفي فاني ماي Fannie Mae وفريدي ماك Freddie Mac، وظل القطاع المصرفي يعاني من صعوبات. وفي نهاية المطاف أصبح من الضروري إصلاح فاني ماي وفريدي ماك ومواجهة العجز الفدرالي الضخم. وتقول واشتر: "إنها لعبة انتظار. يجب علينا إعادة الهيكلة وإعادة البناء ومراجعة التخطيط المالي"

هل ستسير الصين على خطى الولايات المتحدة؟

أول ما يلزم القيام به قبل أي قرار حكومي بالتحرك، هو تحديد أي فقاعة محتملة في الأصول وتقييمها. إنها مسائل مثيرة للجدل حسب واشتر.
ففي الولايات المتحدة، قبل سنوات، صرح رئيس الخزينة بن برنانكه أن مراقبة الفقاعات ليست من اختصاص الخزينة الفدرالية. 
وتؤكد واشتر أن الأمور قد تغيرت وهناك توافق كبير حول ضرورة تحديد الفاقاعات، خصوصا أنه أصبح واضحا أن التعامل معها في ما بعد يثقل كاهل الاقتصاد بالنفقات.

وتشير واشتر إلى أن الفقاعة الأمريكية لم تكن فريدة والعديد من حالات الانهيار وسط البنوك كان مردها إلى فقاعات عقارية من قبل.
وتعتقد هي أن الإشارة التحذيرية المهمة هي عندما لا يكون الارتفاع المسجل في أسعار الأصول منسجما مع أسس الاقتصاد، بل مرتبطا بانخفاض تكلفة الدين. حيث تتسع فقاعة الأصول كلما انخفضت الكلفة الأولية للدين.

وتحذر واشتر من أن هناك إشارات تحذيرية واضحة في الصين. هناك دروس يجب استخلاصها من الولايات المتحدة، وهناك دور تلعبه التنظيمات والقوانين وتقويضها بشكل يتيح للمخاطر الانتشار دون مراقبة أمر غير مجد. 
وتضيف واشتر أنه عندما تحدث أزمة يجب عدم الزيادة من الرفع المالي.
  ما فعلناه في الولايات المتحدة هو أننا تركنا نسب القرض إلى القيمة ترتفع مع ارتفاع أسعار السكن.
  وما فهمته أنا هو أن الصين تسير في الاتجاه المعاكس وذلك ما ينصح به حتما ".

ويعترف شو أن مؤشرات الفقاعة موجودة، رغم عدم وجود مؤشرات بسيطة تفيد الإقرار بنعم أو لا، ويضيف قائلا: "السؤال الصعب الذي لا يسطيع أحد الإجابة عليه هو: متى ستنفجر هذه الفقاعة في الصين؟"

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق