الأربعاء، 11 يونيو 2025

صلابة التكيّف المالي على مرونة التكيّف النقدي آليات سداد الدين العام الداخلي.

د. مظهر محمد صالح

7 حزيران 2025



Soft Monetary Dominance الهيمنة النقدية الناعمة


شهد الاقتصاد العراقي 

خلال السنوات الماضية تداخلا ً واسعًا بين السياسة المالية والنقدية،

 حيث تحمّل البنك المركزي أدوارًا مالية مباشرة

من تمويل العجز إلى استقرار السوق

مما أدى إلى ضبابية في الأدوار 

وأضعاف بعض أوجه فاعلية أدوات السياسة النقدية في فترات زمنية مختلفة.


ففي الاقتصادات الريعية، 

حيث تُهيمن الموارد الطبيعية–وفي مقدمتها النفط–على بنية الإيرادات العامة، 

تبرز إشكالية عدم التوازن بين 

صلابة التكيّف المالي في تعظيم الموارد غير النفطية Non-oil Revenues 

ومرونة التكيّف النقدي ، كالقدرة على التمويل بالتضخم Inflationary Finance 

أو ممارسة سياسة النقد الرخيص في تمويل غير مباشر لعمليات الموازنة العامة 

من خلال توليد النقود باقل التكاليف ولاسيما عبّر أليات خصم السندات والحوالات الحكومية ,

حيث غالبًا ما تكون السياسة المالية مقيدة بمتطلبات الإنفاق العام المتضخم، 

وضعف تنويع الإيرادات، وارتفاع الالتزامات الاجتماعية والسياسية، 

ما يجعلها أقل قابلية للتكيّف مع الصدمات الدورية 

أو التحولات المفاجئة في أسعار النفط واشتداد دورات الأصول النفطية.


 او في المقابل، 

تُترك السياسة النقدية مُمثلة بالبنك المركزي–وحيدة 

في مواجهة تداعيات تلك الصدمات، وتُطلب منها الاستجابة السريعة 

عبر أدوات سعر الصرف، أو ضخ السيولة، أو التدخل في سوق العملة،

 رغم محدودية حيز المناورة المتاح لها.


وهذه من اشد نماذج التداخل والتفاعل او التعارض 

بين السياستين المالية والنقدية في آن واحد.


حيث يشهد الاقتصاد العراقي في المرحلة الراهنة 

تحوّلا ً نوعيًا في توازن القوى بين السياستين المالية والنقدية، 

و ربما يمثل ذلك ً تحولا ً تدريجيا محتملا 

(من الهيمنة المالية القوية الى الهيمنة النقدية الناعمة Soft Monetary Dominance) 

والتي تعني أن الهيمنة النقدية ليست مطلقة أو حادة، بل تتم بشكل مرن وتدريجي، 

حيث توجد درجة من التنسيق مع السياسة المالية، لكن بدون أن تفقد السياسة النقدية استقلالها تمامًا ، 

ذلك بحكم الاستقلالية القانونية او الواسعة للسياسة النقدية المغطاة بالقانون رقم 56 لسنة 2004.


فبعد سنوات من الهيمنة المالية Fiscal Dominance 

التي اعتمدت بشكل كبير على الإنفاق الحكومي الممول من الإيرادات النفطية،

 بدأت ملامح مرحلة جديدة يتبلور فيها دور البنك المركزي 

كمحور رئيس في ضبط التوازنات الاقتصادية الكلية،

 لا سيما عبر أدوات السياسة النقدية. 


حيث ُ حافظ البنك المركزي على استقلاله

بدرجات من التحكم بالتضخم وإدارة سعر الصرف ،

تخللها تنسيق مرن ومدروس مع السلطة المالية 

لضمان استقرار السوق وابعاد شبح الركود 

وتغطية الاحتياجات التمويلية الضرورية للمالية العامة

دون تهديد للسيطرة النقدية.


اذ يتجلى هذا التحول 

في انضباط استقلالية البنك المركزي في رسم سياساته، 

وتقنينه لتمويل العجز المالي من خلال التوسع النقدي، 

إضافة إلى تبني إجراءات أكثر صرامة احيانا ومرنة أحيانا ،

 في ضبط السيولة العامة والسيطرة على التضخم، 

حتى وإن تعارض ذلك مع الأهداف التوسعية للمالية العامة.3


اذ ياتي هذا التحول في الهيمنة النقدية الناعمة 

ليعكس توجهًا نحو تعزيز الاستقرار النقدي، 

لكنه في الوقت نفسه يضع أمام صناع القرار تحديات كبيرة

 في التوفيق بين ضرورات الانضباط النقدي ومتطلبات التحفيز الاقتصادي والتنمية المستدامة ، 

ذلك في ظل اقتصاد لا يزال ريعيًا ومعتمدًا في نشاطه الكلي و بشكل كبير على الإنفاق العام.


من ناحية اخرى ،

 فقد تجلت هذه الإشكالية بوضوح 

بين (الهيمنة المالية القوية Hard Fiscal Dominance) 

التي تحاول المالية العامة فيها في سد جوانب من روافعها التمويلية

 على تخفيض فاعلية قرارات البنك المركزي المستقلة،

وبين (Hard Monetary Dominance الهيمنة النقدية الصارمة ).


وهي شديدة التعقيد و المتجلية بالاستقلالية الواسعة والصارمة ،

 بعد ان أظهرت السياسة النقدية مستويات من السماح بظهور (الهيمنة النقدية الناعمة).

حيث تكون السياسة النقدية مستقلة بالكامل 

و تراعي في الوقت نفسه ظروف السياسة المالية عند اشتداد الأزمات الاقتصادية

ولاسيما دورات الأصول النفطية الهابطة والالتزامات ريعية الاقتصاد.


فعلى الرغم من محاولات البنك المركزي 

تطبيق سياسات نقدية أكثر مرونة واكثر استقلالية تتقلب بين اتجاهين ، 

إلا أن الصلابة الهيكلية للمالية العامة دستوريا ً 

سواء في شكل إنفاق جار ٍ ثابت أو عجز متكرر 

ظلت تقف عائقًا أمام بناء نموذج اقتصادي متوازن ومستقر 

وغالبًا ما أدت هذه الديناميكية المختلّة 

إلى تحميل السياسة النقدية أعباء ً تفوق وظيفتها الطبيعية،

 ما يُفضي إلى اختلالات نقدية ،

 مثل 

التوقعات التضخمية 

او التقلبات في سعر الصرف 

والنمو غير المستقر للسيولة العامة.


إن معالجة هذا الخلل البنيوي 

اقتضى إعادة تشخيص العلاقة بين التكيّف المالي والتكيّف النقدي ،

 بما يضمن مرونة منسجمة بين طرفي السياستين النقدية والمالية ، 

ذلك بما يحقق توازنًا قادرًا على امتصاص الصدمات 

ودعم التنمية المستدامة في بيئة اقتصادية شديدة التقلب 

وتتعرض لضغوط دورات الأصول النفطية .


وبهذا فان الآثار المتوقعة 

ستبقى تحافظ على تقليل الضغوط التضخمية 

وحماية احتياطيات البلاد من العملة الاجنبية 

و تعزيز صدقية البنك المركزي داخليًا ودوليًا ،

 فضلا ً عن تمهيد الطريق لإصدار أدوات دين داخلي مستقر ّ وتنمية ومستدامة.



اشكالية تمويل النفقات العامة بالموارد النفطية بين التكيف النقدي والتكيف المالي:


تُعد العلاقة بين تمويل النفقات العامة والموارد النفطية 

من أبرز الإشكاليات البنيوية التي تواجه الاقتصاد العراقي. 

ففي ظل هيمنة الريع النفطي،

الذي اعتمدت الدولة و لعقود طويلة على مورد أحادي لتمويل موازناتها،

 ما جعلها عرضة للتقلبات الحادة في الأسواق العالمية للطاقة ،

 وقد فرض هذا الواقع تحديات مزدوجة على صعيدي التكيّف المالي والتكيّف النقدي.


فعلى مستوى التكيّف المالي،

 لم تُفلح السياسات المالية 

في بناء قاعدة إيرادات متنوعة مستدامة غير نفطية 

أو في إعادة هيكلة الإنفاق العام بما ينسجم مع الأهداف التنموية طويلة الأمد. 

وغالبًا ما كان الإنفاق العام 

توسعيًا في فترات الوفرة النفطية،

وانكماشيًا وقاسيًا في فترات الانكماش النفطي ، 

دون وجود آليات مرنة لضبط الدورة الاقتصادية أو امتصاص الصدمات.4


أما على صعيد التكيّف النقدي،

 فقد وجد البنك المركزي نفسه في وضع دفاعي،

 حيث اضطر أحيانًا 

إلى استخدام أدوات نقدية غير موجهة نحو تحقيق الاستقرار الكلي

 بقدر ما كانت تستجيب لضغوط تمويلية ناتجة عن العجز المالي،

 سواء عبر تثبيت سعر الصرف أو ضخ السيولة لتغطية الالتزامات الحكومية،

 ما أدى في كثير من الأحيان إلى تضخم نقدي واختلالات في سوق العملة.


إن استمرار الاعتماد على الموارد النفطية في تمويل النفقات 

دون إصلاحات هيكلية على المستوى المالي والنقدي،

 من شأنه أن يعمّق هشاشة الاقتصاد،

 ويحول دون بناء منظومة تكيّف مالي ونقدي متكاملة

 قادرة على امتصاص الصدمات، وتحقيق الاستقرار والنمو على المدى البعيد.


وبناء على ما تقدم ، فثمة آليتين أساسيتين 

اعتادت السياستين النقدية والمالية على تبادل الأدوار بينهما:


الآلية الأولى( خفض القيمة الخارجية للنقود )  التكيف النقدي Monetary Adjustment:

اي خفض سعر الصرف 

اذ يقود بالغالب الى توفير رافعة للمالية العامة بقوة شرائية منخفضة للنفقات الحكومية 

و (تساعد استدامة النفقات الاسمية التشغيلية كالرواتب والأجور والمعاشات التقاعدية والرعاية الاجتماعية) ولكن (لا تساعد استدامة المدفوعات الخارجية كخدمات الديون والاستيرادات والمدفوعات الخارجية الحكومية) طالما هناك جمود في توسيع قاعدة الايرادات غير النفطية 

(فانه مجرد شراء دينار ارخص ممول بايرادات النفط نفسها المبدل من البنك المركزي )

ما يعني 

ان التكييف المالي سيصبح مشتق من التكييف النقدي ليس الا!!.

 The fiscal adjustment is derived from the monetary adjustment



الآلية الثانية:في حالة تعزيز القيمة الخارجية للنقود Outside Money 


بغية مواجهة الضغوط التضخمية وتوقعاتها، 

بمعنى ان هناك تكييفا نقديا Monetary Adjustment 

فان المالية العامة سترتفع عندها القوة الشرائية لنفقاتها العامة

 لقاء انخفاض عوائد الموازنة بالدينار الاسمي Nominal ID


وإزاء التصلب Rigidity في استخدام التكليف المالي ثانية في تعظيم الموارد الغير نفطية.

ستضطر المالية العامة الى (الاقتراض) من السوق المصرفية الحكومية 

ولاسيما وهي السوق الأكبر ماليا ً في بلادنا. 


وفي ظل ظاهرة التسرب الخارجي في مستوى السيولة 

حسب المعادلة النقدية الكلية للبلاد، 


فان هذه الآلية ستجبر السياسة النقدية 

الى قبول خصم السندات الحكومية وتوسيع القاعدة النقدية 

من خلال عمليات السوق المفتوحة


 طالما ان العملة الاجنبية قد جرى تحصيلها 

بالتكيف النقدي العالي المرونة Monetary Adjustment . 


ذلك بتحمل الموازنة عجز مالي يمول

 عن طريق قدرة روافع السياسة النقدية

 في اتاحة السيولة الكافية للحكومة بعملية مستمرة

 باتت تستوعب اليوم حوالي 50% من الدين العام الداخلي

 و هو إصدار نقدي مضاف 

بسبب الهيمنة المالية  Fiscal Domination .


سداد الدين العام الداخلي والتكيف المشترك للسياسات :

 رؤية في تفاعل معادلة النقود الخارجية وأشباهها:


أ-تمكنت السياسة النقدية في السنوات الأخيرة 

من خلال قدراتها الاحتياطية الاجنبية العالية

 من تحويل أشباه النقود الخارجية Semi Outside Money

الى نقود خارجية فعالة لمصلحة المالية العامة، داخل  الجهاز المصرفي

ذلك طالما انها ظلت تمتلك القدرة 

على تغطية النقد الوطني المصدر بخصم أدوات الدين الداخلي،

التي هي بحوزة المصارف التجارية 

وعبر عمليات السوق المفتوحة Open Market Operations

وبنسبة تغطية زادت على 75% لتلك الاصدارات من أدوات الدين المخصومة 

والمغطاة باحتياطات النقد الأجنبي

 دون الإخلال بالمادة 26 من قانون البنك المركزي العراق

 رقم 56 لسنة 2004 التي تحظر اقراض الحكومة  

ولكن تسمح بتداول البيع والشراء

 او ما تسمى بعمليات السوق المفتوح OMO، ما يعني ولادة ًنقود خارجية مجددا 

ذلك في خضم عوامل ايجابية يوفرها التفاؤل في الحساب الجاري لميزان المدفوعات

 وانعكاس ذلك على توفير رافعة اقتراض حكومية من الجهاز المصرفي ، 

عدتها المالية العامة رافعة مريحة لتمويل العجز لغرض التوسع في الانفاق العام

وجلها جاءت من ابتياع حوالات الخزينة الى الجهاز المصرفي الحكومي.


فالنقد المصدر الى التداول 

والبالغ اليوم بما يزيد على 100 تريليون دينار 

ازاء احتياطيات من النقد الأجنبي 

التي تراكمت عبر نسب عالية موجبة 

من تدفقات الحساب الجاري الى الناتج المحلي الإجمالي،

 والتي قاربت تلك الاحتياطيات الاجنبية على 132 ترليون دينار 

على نحو لم يؤد الى ضغوط تضخمية 

اخذت تعني

 بان اثر الدين الداخلي قد وسّع من الاساس النقدي M0

ذلك بسبب توافر عوامل تنسيقية اعتمدتها السياسة النقدية

 وفي مقدمتها: سعر الصرف البالغ 1320 دينار لكل دولار 

وهو سعر توازني سمح للمالية العامة بالاقتراض الداخلي بأريحية عالية

 بدلا ً من الاقتراض الخارجي في السنوات المنصرمة ،

 بل حول الاصدار النقدي من خلال تملك جانب من النقد شبه الخارجي Semi Outside Money

الذي هو بحوزة الجهاز المصرفي ليتم خصمه لدى البنك المركزي عبر ذلك الاقتراض العام،

البالغ رصيده بما يزيد على 85ً تريليون دينار و تحويله مجددا إلى نقد خارجي Outside Money

اي اصدار نقدي مغطى بموجودات او أصول احتياطية اجنبية 

مقابل استبدال حوالات الخزينة بالدينار العراقي المصدر

 بدلا ً من كونها

 نقود داخلية Inside Money  

او شبه نقود خارجية Semi outside Money

وظلت تمثل موجودات او اصول لمصلحة الجهاز المصرفي 

لتخصم لمصلحة الميزانية العمومية للسلطة النقدية للبنك المركزي

من خلال عمليات السوق المفتوحة.


 اذ بات ما بحوزة تلك الميزانية العمومية للبنك المركزي من الأصول المالية الحكومية 

يزيد اليوم على 50% من إجمالي الدين العام الداخلي المتداول 

والذي هو بحوزة السوق المصرفية أساسا.



ب-من جهة اخرى ، 

فان النقود الخارجية المصدرة والعاملة خارج الجهاز المصرفي في اقتصادنا

 هي أساسا ً من الارصدة النقدية الخاملة العاملة خارج الجهاز المصرفي 

ولكنها بالرغم من ذلك

 لم تشكل مصدر اضطراب للسياسة النقدية او استقرار الاقتصاد الكلي 

على الرغم من ان 90% من الاصدار النقدي هو بالغالب خارج الجهاز المصرفي.6


منوهين الى ان الأرصدة النقدية الخاملة خارج المصارف

 (بكونها الأموال النقدية التي يكتنزها الأفراد أو المؤسسات التي لا تُودع في النظام المصرفي) 

وتتضمن هذه الأموال النقدية السائلة ، الأموال التي تحتفظ بها الوحدات الاقتصادية

 في المنازل أو المكاتب أو أي مكان آخر بعيدًا عن المصارف.


وأن أسباب الاحتفاظ بالنقد خارج المصارف كما هو معروف في اقتصادنا

 يأتي من صفات موروثة منها الثقة المحدودة في النظام المصرفي،

 حيث يفضل البعض الاحتفاظ بأموالهم نقدًا 

بسبب المخاوف من الأزمات المالية لدى مؤسسات غير شفافة لايعرف عنها الكثير . 


فضلا ً عن عدم توفر خدمات مصرفية مناسبة

خاصة في المناطق الريفية أو التي تفتقر إلى بنية تحتية مصرفية ،

او سهولة الوصول إلى الأموال

 التي جرى الاحتفاظ بالنقد لديها او الاستخدام الفوري عند الحاجة،

ما لا يخفى انه في ظل هيمنة سوق رمادية اللون Grey Market

مازالت نسبتها بنحو 70% من إجمالي عمليات السوق، 


فان الاقتصاد غير الرسمي 

أصبح في قضية استخدام النقد خارج المصارف

 مجرد أداة لتجنب الضرائب أو التعاملات المسجلة.


وبالرغم من ذلك

 فان الأسباب الثقافية والاجتماعية الموروثة

 تفضل الاحتفاظ بالنقد 

كطريقة تقليدية لتخزين الثروة حتى اللحظة في مركبات الاقتصاد النقدي الكلي

 وان هذه العقد الثقافية الموروثة 

ستحولها أساليب الدفع الإلكتروني الى نقود خاملة

ولكن داخل الجهاز المصرفي هذه المرة، ما لم يتم استثمارها.



ج-تأسيسا ً على ما تقدم، 

يمكن القول 

ان النقود شبه الخارجية  Semi Outside Money

التي أسسها الدين العام الداخلي والبالغة أكثر من 85 ترليون دينار

 ( وهي من عوامل الاصدار النقدي ومكونات النقد الاساس)

لا تولد اية ضغوط تضخمية طالما انها مغطاة بالنقد الأجنبي 

ما جعلها تتحول تلقائيا الى نقود خارجية  تماما Outside Money  

 بدلا ً من كونها نقود شبه خارجية 


وان هذا التحول التلقائي من النقود الشبه الخارجية الى النقود الخارجية محكوم بعاملين:


الاول:التغطية العالية التلقائية للنقود شبه الخارجية

 Automatic High Coverage of Semi Outside Money


الثاني:سعر الصرف الرسمي العقلاني 

الذي سمح بالاقتراض الداخلي ليبلغ أكثر من 85 ترليون دينار 

دون حدوث اضطرابات في السيولة المتنامية

التي مصدرها التمويل بالاصدار النقدي غير المباشر ،

عبر تداول وخصم السندات وحوالات الخزينة السيادية 

كما ذكرنا انفا لدى البنك المركزي العراقي.


سيبقى التحوط ازاء ارتباط الدين العام بالكتلة النقدية المصدرة من الاقتراض الداخلي 

قضية جدلية بين أوساط السياسة الاقتصادية بشقيها المالي والنقدي

 بخصوص الحفاظ على الاستقرار الاقتصادي.

اذ ان توافر ارصدة نقدية خارج او داخل الجهاز المصرفي 

ستبقى غير مستثمرة أو غير مستخدمة لفترة زمنية طويلة 

وغالبا ً ما تكون هذه الأموال محفوظة

 في المنازل او في حسابات مصرفية جارية أو صناديق

 دون تحقيق عائد أو فائدة منها، 

حيث تعد غير مثالية من الناحية الاقتصادية لكونها تؤدي إلى فقدان فرص استثمارية ،


 لذا يمكن استثمار هذه الأرصدة 

في مشاريع تحقق أرباحًا أو تعود بالفائدة على الاقتصاد الوطني.

كما تتأثر تلك النقود بالتضخم ،

فالقوة الشرائية لهذه الأموال قد تتراجع بمرور الوقت 

بسبب معدلات نمو التضخم في الامد الطويل، 

فضلا ً عن ضعف الكفاءة الاقتصادية 

التي تعني وجود أموال غير مستثمرة ويصعب الاستفادة منها كموارد مالية.


ولكن يبقى التساؤل،

هل من نقطة تعادل لقياس العلاقة 

بين تراكم الدين العام الداخلي الذي هو بحوزة السلطة النقدية

والاحتياطي الأجنبي في اقتصاد ريعي ؟ 


هذا ما سنتناوله في ادناه.7


عمليات التكيف النقدي المشترك بين السياستين النقدية والمالية..!

آليات ومشاهد إطفاء الدين العام الداخلي:


ان ما يمكن أن يتحمله الاقتصاد الوطني والسياسة الاقتصادية

 هو مراقبة الحساب الجاري لميزان المدفوعات الى الناتج المحلي الاجمالي 


و يقتضي على السياسة المالية العمل على إطفاء الدين الداخلي 

كلما حصل تحسن إيجابي في تلك النسبة وهذا يعد أمر تلقائي 

ينبغي ان يتم من خارج امثليات عمليات التكييف النقدي المشترك

Optimise of Joint Monetary Adjustment Operations 


اي عمليات التكيف بين السياسة النقدية والسياسة المالية

 لمصلحة احتواء الدين العام الداخلي ضمن النظامين المالي والنقدي،

 اذ مازال البنك المركزي يحتفظ بأكثر من 50% من ذلك الدين الحكومي الداخلي كما ذكرنا، 

والذي بات يشكل الاساس النقدي للبلاد.

 وبخلافه فان تعثر السداد التقليدي لأصل الدين الداخلي 

يقتضي اعتماد إطار من (التكيف المشترك بين السياستين المالية والنقدية)


 تكون من بين اولوياته

 لا مناص عند الضرورة القصوى 

من خفض القيمة الخارجية للنقود (سعر الصرف) 

في حال تعثر السداد وتمدده الى الاجل البعيد، 


ولاسيما اذا ما انخفضت الاحتياطيات الاجنبية للبلاد

 دون انخفاض معدلات أرصدة الدين الداخلي


 او ايجاد اية موجودات وطنية تقايضها المالية العامة من الدومين العام ازاء ذلك الدين

 وعلى وفق قوة (مؤشري الحساب الجاري لميزان المدفوعات ودورة الأصول النفطية) 

كعوامل خارجية مؤثرة في استقرار الاقتصاد الكلي.


اذ يعد الحساب الجاري لميزان المدفوعات الى الناتج المحلي الإجمالي

 عامل مراقبة للدين العام الداخلي المتراكم غير المسدد

كأحد أهم المؤشرات لقياس طاقة تحمل الدين 

وتأثيراته في درجة الاستقرار على المدى الطويل 

ولاسيما مشكلات نمو معدلات التضخم،

ذلك في نطاق سياسة مالية

تتطلع الى

 التعزيز المالي Fiscal Consolidation

اي 

الخفض السنوي للعجز في الموازنة العامة 

والتخفيف من رصيد الديون الداخلية 

لتحقيق هدفي الاستقرار والنمو الاقتصادي المستدام.


وبهذا الشأن 

وبغية اعتماد أسس مشتركة بين السياستين النقدية والمالية لإطفاء الدين الداخلي تدريجيا

وعد ذلك من أساليب التكيف  Fiscal Adjustment


فيمكن الذهاب الى الحلول التالية:

 

أولهما:

 البدء باطفاء الدين العام الداخلي المتراكم في الميزانية العمومية للبنك المركزي ،

 كلما اقترب ذلك الدين من قيمة الاحتياطيات الاجنبية 

وتحويل الجزء الحدي من النقود الخارجية Marginal Outside Money

الى ما يعادله من قيمة العجز السنوي في الحساب الجاري لميزان المدفوعات

 المقسوم على الناتج المحلي الإجمالي السنوي



ثانيهما :

 قبول البنك المركزي

 ( التكيف النقدي-المالي الهجيني Hybrid Monetary -Fiscal Adjustment)

هو قبول السلطة النقدية 

التنازل عن الفائدة السنوية المفروضة على تلك الأصول المالية الحكومية 

التي هي بحوزة الميزانية العمومية للبنك المركزي (اي تصفير الفائدة السنوية) 

ذلك الى حين تحسن وضع الموازنة العامة 

والتخلص من فجوة العجز في الحسابين الجاري لميزان المدفوعات والموازنة العامة او أحدهما 

والبدء بخريطة طريق محكمة باطفاء الدين العام الذي بحوزة السلطة النقدية.8


ان ما جاء في اعلاه، 

لاينفي من اعتماد سياسة إطفاء رصيد الدين العام الداخلي المتراكم لدى المالية العامة 

والذي يحتل اليوم في جله (رصيد الموجودات الداخلية للميزانية العمومية للبنك المركزي).



ثالثهما:

وبخلاف ما جاء في ثانيا ً اعلاه،

 ستتحمل السياسة النقدية ضغوط الكتلة النقدية من النقد الخارجي Outside Money


في حال انخفاض الاحتياطيات الاجنبية

 ذلك عند تفوق قيمة النقود الخارجية المصدرة 

على ما يقابلها من احتياطيات او أصول أجنبية ، 

لنحصل على اتجاهين حاكمين او ضاغطين امام صناع السياستين النقدية والمالية 


وهما أمام ثلاثة مشاهد محتملة:


المشهد الأول:

تخفيض قيمة العملة و سداد الدين العام الداخلي،

و هي عملية مبادلة الديون بالتضخم Debt Inflation Swap

و هو ما يطلق عليه بالتكيف النقدي لمصلحة تمويل الموازنة العامة 

لاطفاء جانب من الديون، Monetary Adjustment 

الا ان ذلك يعد من أسوأ أنواع التمويل بالغالب

 لما يتركه من عوامل سعريه سيئة على الاستقرار العام.


المشهد الثاني:

التنازل عن تقاسم اطفاء الدين بنسبة من ارباح البنك المركزي السنوية 

وعد ذلك من الحوكمة الجيدة للسياسة النقدية 

لكون راسمال البنك المركزي اساسه تخصيص من الموازنة العامة 

فضلا ً عن ان الموازنة العامة مسؤولة عن استدامة رأسمال الميزانية العمومية للبنك المركزي 

طبقا للقانون رقم 56 لسنة 2004.


المشهد الاخير او التكميلي:

واخيرا في حال تعذر المشهدين في أعلاه 

من استكمال سداد كامل قيمة الديون الحكومية المتراكمة في الميزانية العمومية للبنك المركزي 

تجري اضافة الى ذلك 

عملية مبادلة بقية الديون الحكومية بأصول حقيقية

 تتصرف بها السلطة النقدية كموجودات فاعلة في دعم الاستقرار النقدي،

لذى نرى، ان من الانصاف 

ان تتحمل السياسة النقدية عن طريق التكيف النقدي Monetary Adjustment 

التنازل عن جانب من الارباح السنوية لإطفاء عبء ذلك الدين بنسبة متناسبة،

 قبل ان يتاح للسياسة المالية التكيف المالي Fiscal Adjustment

التنازل عن موجوداتها الحقيقية

لمصلحة الميزانية العمومية للسلطة النقدية

 لإطفاء نصف ديون المالية العامة.


وهو تعاون أمثل بين السياستين النقدية والمالية

 في احتواء مشكلات استدامة الدين الداخلي لفترات تكاد تكون طويلة 

ربما تشكل قيدا على استدامة الاستقرار في نطاق تحقيق أهداف السياستين النقدية والمالية.


وهذا ما يقتضي الذهاب إلى سيناريوهات الحلول الاتية:


سيناريو الحل الاول:

وهو السيناريو الاسهل الذي يقضي الدخول بالتمويل التضخمي العالي 

عن طريق خفض القيمة الخارجية للنقود 

و بما يوازي استدامة 75% من النفقات التشغيلية لإطفاء الدين الداخلي

 لقاء هذا الاستقرار 

و لمصلحة الحفاظ على الاحتياطيات الاجنبية عند الخط الأحمر Red Tape

و هو أسلوب الصدمة القوية أو المتدرجة. 

و مع ذلك فهو حل غير مقبول سياسيا و لا اجتماعيا في الغالب..!9


اما السيناريو الثاني: 

فيتمثل في أفضلية تعزيز السياسة النقدية Monetary Anchoring

هو ان تتخلى المالية العامة عن (تكيفاتها المالية) الممكنة 

لمصلحة إطلاق يد( التكيفات النقدية) بمرونة أوسع 

وهذا يمثل تحولا ً سياساتيا ً حادا من الهيمنة المالية الى الهيمنة النقدية

 It represents a reversal from fiscal dominance to monetary dominance

اي بمعنى 

ان هناك تحولا ً اقتصاديًا كبيرًا 

تصبح فيه السياسة النقدية هي القوة المسيطرة على المالية العامة 

بعد ان كانت السياسة المالية هي المهيمنة، 

وهو ما يمكن أن يشير إلى تطرف في استقلالية البنك المركزي،

 أو إلى اعتماد أكبر على الأدوات النقدية 

لضبط تحركات الاقتصاد الكلي وعموم النشاط الاقتصادي 

بدلا ً من الاعتماد على الإنفاق الحكومي 

بسبب تصلب التكيف المالي ًدستوريا Fiscal Adjustment Rigidity

ولكن هو امر مرفوض سياسيا في بلد ريعي

 يعتمد على الإيرادات النفطية في تمويل النفقات العامة بنسبة 90.%

ولاسيما عندما يرفض البنك المركزي تمويل العجز المالي

 في التمويل بالتضخم Inflationary Finance بطباعة الدينار، 

ويتمسك بإجراءات نقدية صارمة حتى لو سببت ضيقًا ماليًا للحكومة،

فهذا“يمثل تحولا ً من الهيمنة المالية إلى الهيمنة النقدية.


اذ يحمل هذا المشهد 

منح البنك المركزي صلاحيات أوسع 

لمكافحة التضخم وضبط سوق العملة 

من خلال:

أ-إرساء نظام صرف أكثر مرونة.

ب-استخدام أدوات السوق المفتوحة بكفاءة عالية.

ج-تقنين تدخل البنك المركزي في تمويل الحكومة.


 السيناريو الثالث او الاخير:

يقوم على استراتيجية التكيف المزدوج المدمج (Dual Adjustment Strategy)


اذ يتحدد هذا المشهد او السيناريو

على الجمع بين السيناريو الأول والسيناريو الثاني 

ذلك بخفض (الهيمنة المالية) وتحويلها 

من حالة إلغاء كلي 

إلى حالة قبول الشراكة مع (الهيمنة النقدية) 

عند نقطة التوازن ذات القبول السياسي الاقتصادي والقانوني.

وهي ارادة مشتركة

 لكنها ستمنح البنك المركزي في بلد شديد الريعية

 صلاحيات المالية العامة في حماية الاستقرار والاستدامة المالية 

وفي نطاق أوسع لمواجهة دورات الأصول النفطية،

 ويأتي في مقدمتها تملك اصولا ً حقيقية حكومية 

تحول حالا ً الى أصول مالية و بالتدريج 

في مكونات صافي الثروة في الميزانية العمومية للبنك المركزي

 و بآليات الشراكة مع السوق في عملية Debt-Equity Swap 

و هو ترتيب مالي يتم فيه تحويل جزء من ديون الدولة 

إلى حصص ملكية (أسهم)، مبادلة الديون بالأصول


وغالبًا ما يُستخدم في حالات شائعة في إعادة الهيكلة المالية 

أو إنقاذ الشركات العامة أو حتى تسوية ديون الدولة

لإطفاء ما بحوزة البنك المركزي من أدوات الدين الحكومية

والتخفيف من عبء الدين العام الداخلي.10


الاستنتاجات والتوصيات:

على الرغم من ان (السيناريو الثالث) لإطفاء الدين العام الداخلي ،

 يبقى أكثر صعوبة سياسيًا وإداريًا، إلا أنه الأكثر استدامة،

خاصة في ظل الضغوط المتزايدة على المالية العامة، 

وحاجة الاقتصاد العراقي إلى بناء أدوات مرنة 

لمواجهة الأزمات وتقليل الارتهان للتقلبات النفطية،

ويؤدي الى تحقيق توازن حقيقي بين التكيّف المالي والتكيّف النقدي، 

ويفضي إلى إدارة رشيدة للدورة الاقتصادية وتوفير مساحة للإنفاق التنموي بعيدًا عن الهشاشة الريعية.


ولكن هذا لاينفي من العمل على الامد المتوسط او الطويل

 من تنفيذ إصلاحات مالية ونقدية بالتوازي ضمن إطار تنموي شامل،

من خلال:

ربط الإنفاق بسعر نفط معياري فاعل حقيقي.

حيث يمنع الإفراط في الإنفاق خلال فترات ارتفاع أسعار النفط،

 مما يقلل من مخاطر العجز عند انخفاضها. 


و يوفّر موارد احتياطية يمكن استخدامها في أوقات الأزمات (هبوط الأسعارًأو الكوارث) 

فضلا عن كونه يعزز الانضباط المالي Fiscal Consolidation او التعزيز المالي

و يجعل السياسة المالية أكثر استقرارا و توقعا. 


ويفضي ايضا ً إلى أهمية 

(إنشاء صندوق سيادي للثروة لعزل الفوائض النفطية عن النفقات الجارية

 كما فعلت بلدان عديدة و منها النرويج تحديدا و بلدان نفطية أخرى).


كما تبقى اهمية استمرار التنسيق الوثيق بين وزارة المالية والبنك المركزي

 ضمن لجنة عليا احترافية للسياسات الاقتصادية 

بمثابة شرط ضرورة في تسيير هدفي الاستقرار والتنمية المستدامة في بلادنا

 بما يحقق الاستدامتين المالية والاقتصادية 

و في نطاق مايسمى بالاستدامة الحيوية الاقتصادية للبلاد 

والتي عادة ما يعبر عنها بأمثلية معيار الأرصدة المالية الرئيسة غير النفطية.


او الرصيد الاولي غير النفطي للمالية العامة.

Non-Oil Primary Fiscal Balance -NOPEF,s

و هو مؤشر مالي

 يستخدم لتقييم الاستدامة المالية في البلدان النفطية، 

ويُقيس الفائض أو العجز في الموازنة العامة

 بعد استبعاد الايرادات النفطية ، 

و قبل احتساب مدفوعات فوائد الدين.11


الكاتب:

الدكتور مظهر محمد صالح:

 باحث اقتصادي و أكاديمي. 

مستشار رئيس مجلس الوزراء العراقي.12


عن الشبكة:

تهدف شبكة الاقتصاديين العراقيين 

الى التأسيس لمرجعية اقتصادية في العراق 

تعمل على اعطاء الاولوية للاقتصاد قبل السياسة 

وتنشر الثقافة الاقتصادية

 بين أفراد الطبقة السياسية ًخاصة وأفراد المجتمع العراقي عامة

متبنّية خطابا اقتصاديا علميا 

وساعية الى موقعا ً مؤثرا ًفي الرأي العام والمجتمع العراقي

 يمكنها من إيصال كلمتها الى صاحب القرار السياسي 

والتأثير على قرارات السياسة الاقتصادية.


ملاحظة:

-لا تعبر الآراء الواردة في الإصدار بالضرورة 

عن آراء أو اتجاهات تتباها الشبكة،

 وانما تعبر عن رأي كاتبها.

iraqieconomists.net

info@iraqieconomists.net

WhatsApp +964 786 629 6600


https://iraqieconomists.net/ar/wp-content/uploads/sites/2/2025/06/%D8%AF-%D9%85%D8%B8%D9%87%D8%B1-%D8%B5%D9%84%D8%A7%D8%A8%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%AA%D9%83%D9%8A%D9%8A%D9%81-%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%A7%D9%84%D9%8A-%D8%B9%D9%84%D9%89-%D9%85%D8%B1%D9%88%D9%86%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%AA%D9%83%D9%8A%D9%8A%D9%81-%D8%A7%D9%84%D9%86%D9%82%D8%AF%D9%8A.pdf



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق