5 كانون الثاني 2022
مفارقة التكافؤ الريكاردي في سلوك الأفراد النقدي: العراق انموذجا
د. مظهر محمد صالح
۱ - تمهيد
قادت التبدلات التي طرأت على نظام السياسة النقدية في العراق
منذ العام ٢٠١٥ الى اهمية البحث عن سلوك الأفراد النقدي
من خلال إسقاط نظرية تكافؤ ريكاردو
والتي يطلق عليها في أدبيات القرن العشرين الاقتصادي
ة Ricardian Equivalence
واستخدامها في تحليل تصرفات الأفراد النقدي
وانتقال ذلك على سلوك الأفراد في الانفاق
ومدى تأثر ذلك الانفاق وقوى الصرف المختلفة في السوق
بمفاعيل السياسة النقدية بدلاً من التأثر بمفاعيل السياسة المالية
وعلى وفق التكافؤ الريكاردي
وهو ما سأطلق عليه لاحقا ان جاز لي التعبير)
مصطلحاً مستحدثا
هو المفارقة النقدية لتكافؤ ريكاردو او مفارقة ريكاردو النقودية
Monetary paradox of Ricardian Equivalence
اي فرضية تحليل سلوك الأفراد في الصرف او الانفاق
تحت تأثير السياسة النقدية وليس السياسة المالية
كما جاءت بها النظرية في بادئ تشكيلها.
اذ قدم Barro استاذ جامعة هارفرد نظريته 1974
والتي تسمى اصطلاحا Ricardian Equivalence Barro
في بحثه-الموسوم:
Barro, Robert J,
"Are Government Bonds Net Wealth"1117–1095 :
(6) 82 .Journal of Political Economy.
اذ يقوم التكافؤ الريكاردي على نظرية اقتصادية
تقول
ان تمويل الانفاق الحكومي من الضرائب الحالية والضرائب المستقبلية والعجز المالي
سيكون له في النهاية تأثيرات متكافئة equivalences تماماً على الاقتصاد الكلي
ما يعني ان تحفيز الاقتصاد عن طريق تمويل المصروفات او النفقات الحكومية
من خلال الاقتراض أو الدين العام
لا يؤثر تماماً او لا يحدث اي اثر على تحفيز الاقتصاد وخلق مضاعف انفاقي
بسبب ان جمهرة المستثمرين والمستهلكين
يفهمون سلوكياً وبشكل جيد
ان اطفاء الديون وتسديدها مستقبلاً
سيكون من حصيلة الضرائب المستقبلية ايضاً.
لذا فإنها نظرية تقدم على فرضية اقتصادية
تنص على
أن المستهلكين والمستثمرين يتطلعون إلى المستقبل
ومن ثم يستوعبون قيود الميزانية الحكومة.
وبناء على ذلك
انصرفت جدليات نظرية التكافؤ الريكاردي
على تحليل سلوك الأفراد كقوة دائنة
تتولى نشاطات ادخارية فائقة
تبنى على إجمالي توقعاتهم بشأن تعاظم الأثر الضريبي
وما سيدفعه المكلف مستقبلًا
وما ستفرض عليهم من أعباء ضريبية
مقابل اطفاء او تسديد ذلك الدين الحكومي.
ما يعني
ان تراكم الادخار
وسلوك الطلب النقدي الموازي الشديد التحوط
(سيقابل او يلغي) الزيادة في الانفاق الحكومي
ضمن ظاهرة الطلب الفعال.
وهذا ما كان يريد الاقتصادي Barro الوصول اليه
ان السياسة المالية الكينزية Keynesian fiscal Policy
هي سياسة ضعيفة غير مؤثرة في توليد الطلب الفعال
ومن ثم ضعيفة في توليد النشاط الاقتصادي وتحفيزه
بما يعزز الناتج المحلي الإجمالي والنمو الاقتصادي.
ولا ننسى ان تكافؤ ريكاردو
قد اشتق من دراسة قدمها
الاقتصادي الكلاسيكي David Ricardo في العام ۱۸۲۰
كان عنوانها: مقال في نظام التمويل.
حيث شخص ريكاردو ظاهرة ما
اذا كان هناك ثمة فرق في تمويل الحرب
بنحو ۲۰ مليون باون استرليني من الضرائب الجارية)
او بإصدار سندات حكومية بفترات استحقاق تمتد الى ما لانهاية
ودفع فائدة سنوية في الأعوام اللاحقة لحائزي تلك السندات
وبواقع ١ مليون باون استرليني سنويا
يتم تحصيلها من الضرائب السنوية المستوفاة من المكلفين أنفسهم
وعلى وفق فائدة افترضها بنسبة 5٪ سنوياً.
وقد استنتج ريكاردو من خلال الظروف المحيطة بالإنفاق
بأن المبالغ المتأتية عن البديلين هما بالقيمة نفسها.
بالرغم من ذلك
فقد ساورت ريكاردو الشكوك بشأن النتائج التطبيقية
التي بنيت على استنتاجه
ما جعلته يوضح جاهداً في تفسير فرضيته
على اساس
ان الافراد سلوكياً لا يجرون تقييماً للضرائب التي يدفعونها
وعلى النحو الذي يقارنون فيه
كلفة الضريبة بمنفعة العائد من الفائدة
المتأتية من حيازتهم للسندات الحكومية
ذلك لقصر نظرهم لمسارات الضريبة
وهو أشبه ما يسمى اليوم
بالوهم المالي fiscal illusion.
- التحول في نظام السياسة النقدية في العراق.
أ - مفارقة الانفاق والسلوك النقدي في العراق: المرحلة الاولى.
اولاً:
مر نظام السياسة النقدية في العراق the monetary policy regime
بمرحلتين مختلفتين في استخدام اهدافه الوسيطة intermediate targets)
لبلوغ أهداف البنك المركزي العراقي وغاياته
في الاستقرار والنمو الاقتصادي منذ العام ۲۰۱٥
بالتحول من استخدام الأهداف الوسيطة
التي تتصدى الى جانب المطلوبات او الخصوم liabilities
في الميزانيات العمومية للجهاز المالي والمصرفي على وجه الخصوص
وعلى وفق غايات اساسية هي بلوغ الاستقرار في المستوى العام للأسعار
والذي مارسته السياسة النقدية المتشددة tighten policy
منذ العام ۲۰۰٦ ولغاية العام ٢٠١٤
والتأثير في سلوك الأفراد النقدي
عبر توفير مناخ الاستقرار في دالة الطلب النقدي
وخفض سرعة تداول النقود الفائقة
تحت تأثير التوقعات التضخمية التي كانت ترسلها قوى السوق
او القوى الخالقة للتوقعات التضخمية وقت ذاك
ومن ثم تهدئة سلوك الانفاق لدى الافراد
لتتبدل أبجديات السياسة النقدية تدريجياً
بالتحول
نحو استخدام الأهداف الوسيطة intermediate targets)
والتي تصدت هذه المرة
الى جانب الموجودات او الأصول Assets
في الميزانيات العمومية للجهاز المالي بشكل عام
والجهاز المصرفي خصوصا
لبلوغ غايات النشاط الانمائي growth and development)
في هذه المرحلة
عن طريق تعظيم سيولة الاقتصاد
والتأثير في سلوك الأفراد في الطلب النقدي لأغراض المعاملات
وتحريك توجهاتهم في الانفاق والصرف
منوهين الى مرحلتين مهمتين من مراحل السياسة النقدية
كما ذكرنا آنفا
ب - السياسة النقدية المتشددة tighten policy (٢٠٠٦-٢٠١٤).
اختارت السياسة النقدية في هذه المرحلة -أهدافها الوسيطة- ضمن النظام النقدي
في التعاطي مع جانب المطلوبات liabilities
في الميزانيات العمومية للجهاز المصرفي
(كما ذكرنا آنفاً
لبلوغ غايات الاستقرار في المستوى العام للأسعار
ومواجهة قوى السوق المولدة للتوقعات التضخمية
كهدف استراتيجي اول لسياسة البنك المركزي العراقي
ضمن توجه عام
بأن السياسة النقدية تقوم على مبدأ
فن إدارة التوقعات the management of expectations.
إذ شهدت البلاد معدلات سنوية للتضخم ظلت في نطاق المرتبتين العشريتين
ومثلت امتدادا لإرث الحصار الاقتصادي في تسعينيات القرن الماضي
وبمعدلات سنوية بلغت بين الاعوام ۲۰۰۳-۲۰۰٦
بنحو متقلب بلغ %۲۰% -۲۲٪ وقت ذاك.
وكان الهدف الوسيط للسياسة النقدية هو متغير سعر الصرف،
اثر التحسن الذي اخذ يشهده الاقتصاد العراقي
ولاسيما في تطور النمو في الناتج المحلي الإجمالي
من ٦٥،٣ مليار دولار عام ٢٠٠٦
الى ١٣١ مليار دولار في العام ۲۰۰۸
جراء تحسن عوائد الصادرات النفطية على وجه الخصوص.
حيث استخدمت السياسة النقدية يومها
مثبتا اسميا nominal anchor
وهو
بلوغ سعر الصرف التوازني او الطويل الأجل
من خلال تبني
نظام الصرف الثابت الزاحف crawling pegs
ذلك بربط الدينار العراقي بعملة بلد تتمتع سلة اسعاره بالانخفاض
وهو دولار الولايات المتحدة
( اي بجعل الدينار العراقي عملة متفوقة من حيث القيمة الخارجية للنقود
من منطلق ان السعر هو القيمة
اي قيمة السلع والخدمات والمنافع معبرا عنها بالنقود).
اذ عمل المثبت الاسمي
من خلال دور الأهداف التشغيلية للبنك المركزي
التي اعتمدت أدوات السياسة النقدية غير المباشرة indirect Instruments،
منها
الكمية (اي التأثير في مناسيب السيولة
ومنها
الاشارات السعرية signals
اي اشارتي سعر الصرف الزاحف وسعر فائدة السياسة النقدية policy rate )
ذلك باحتواء قدرات قوى السوق المتحكمة بعرض العملة الأجنبية وقت ذاك
والحد من توليدها لموجات من التوقعات التضخمية
عبر الأهداف التشغيلية للسياسة النقدية operational targets
كما ذكرنا.
وباستخدام (وسائل السياسة النقدية غير المباشرة)
والتي في مقدمتها
عمليات السوق المفتوحة بالعملة الاجنبية fx-omo
والعمل على ممارسة التعقيم اليومي
لمناسيب السيولة النقدية sterilisations
النافذة المركزية لبيع وشراء العملة الاجنبية
سجلت الأسعار في نهايات العام ۲۰۰۸
ظاهرة ما يسمى باللاتضخم disinflation
اي انخفاض معدلات النمو في الأسعار
وبات النمو السعري السنوي للعراق لا يتعدى %٦
ودخول البلاد للمرة الاولى
مستوى عام للأسعار في درجة المرتبة العشرية الواحدة
(اي بعد مرور عقدين من الازمنة التضخمية
وتدهور مستوى الحياة الاقتصادية).
وفي الوقت نفسه
ارتفع سعر صرف الدينار العراقي ازاء العملة الاجنبية بنحو ٢٣
عبر سياسة رفع تدريجية gradual
مارسها البنك المركزي بين الأعوام ۲۰۰٦-۲۰۰۸
جاءت في خضم سياسة نقدية متشددة نسبيا tighten policy
ارتفعت فيها فائدة السياسة النقدية policy rate هي الاخرى
لتطلق إشاراتها التي بلغت أكثر من ۲۰٪
قبل ان تتراجع الى %۱۲
ثم لتستقر اليوم بنحو ٤٪.
كما تحول البنك المركزي من خلال ترتيبات الايداع والاقراض القائمة لديه
من كونه الملجأ الأخير للإقراض Last LLR Lending Resort
ليصبح لأول مرة في تاريخه
الملجأ الأخير للاقتراض LLB في قبول الودائع من المصارف،
ما جعل الدينار العراقي ذو جاذبية عالية
لكنه ساعد على
تفوق الادخار المرغوب
وتبدل سلوك الطلب النقدي نحو الاستثمار في السيولة النقدية
بسبب ارتفاع معدلات الفائدة الحقيقية real interest rates
على معدلات الفائدة الاسمية nominal interest rates
جراء الانخفاض في معدلات النمو السنوي في المستوى العام للأسعار
وهبوط التوقعات السعرية الى دون مستوى الفائدة الاسمية،
فضلا عن غياب القوى المولدة للتوقعات التضخمية في سوق الصرف الموازي).
ومع ثبات سعر صرف الدينار العراقي
وحرية التحويل الخارجي
وتغطية الدينار العراقي coverage
ولاسيما النقد الاساس base money بالعملة الاجنبية
التي فاقت نسبة التغطية المذكورة ١٥٠٪ ،
فقد تحول النظام النقدي العراقي
في مجال تصنيف أنظمة الصرف
الى حالة أشبه
بترتيبات مجلس العملة currency board arrangements.
تزامن نظام الصرف مع الاستقلالية القانونية الواسعة للبنك المركزي العراقي
بموجب قانونه رقم ٥٦ لسنة ٢٠٠٤ مع شدة المادة ٢٦ منه
والتي نصت صراحة
على حظر اقراض الحكومة سواء بشكل مباشر او غير مباشر
او حتى تلقي أوامر حكومية في نطاق تسيير السياسة النقدية
كما جاء في نصوص اخرى من القانون
والتي اقتصرت
بان يُساءل البنك المركزي امام مجلس النواب حصريا
إزاء تطبيق اهدافه وقد أدت تلك السياسة النقدية الصارمة
الى اتباع البلاد الى إجراءات
سميت
بالنقد العزيز dear money policy
ما كلفت الموازنة العامة كثمن لاستقرار الدينار
خلال أعوام مكافحة النشاطات التضخمية ۲۰۰٦-۲۰۰۸
قرابة ۸ تريليونات دينار
سددتها المالية العامة الى البنك المركزي
عن فروقات تحويل عائد الموازنة من العملة الاجنبية كثمن للاستقرار
جراء تعاظم سعر صرف الدينار العراقي تدريجيا
حتى بلغ الارتفاع في سعر صرف الدينار revaluation
خلال المدة في أعلاه قرابة ٢٣٪
كما نوهنا انفاً.
في حين شهد السلوك النقدي للأفراد
نزعة نحو التشبث بالسيولة النقدية المرتفعة القيمة للدينار العراقي
الذي بات متحرراً من قيود التحويل الخارجي
ما انعكس على انخفاض سرعة تداول النقود
ليسجل الطلب النقدي ارتفاعاً حاداً في التحوط بالسيولة المحلية وعدها اداة للثروة.
اذ تصاعد سلوك النزعة نحو الادخار المرغوب والاكتناز
إزاء التصرف في الدخل النقدي
وتفوقها على أية نزعة نحو الانفاق ولاسيما الاستثمار الحقيقي
فالدينار العراقي الذي بات يولد أثرا مستمرًا للثروة wealth effects
بفضل قوته الشرائية المتعاظمة
والسير سلوكياً نحو ممارسة النزعة الكينزية
المسماة
بمفارقة الرفاهية paradox of thrift
ذلك بتفضيل تراكم الادخار المرغوب على الاستثمار المرغوب
( وهي نزعة لم تساعد او تشجع على الانفاق الإنمائي
ازاء فضيلة السلوك الادخاري وتفوقها على سلوك الانفاق الاستثماري
تحت قوة (وتورم) القيمة الخارجية للعملة الوطنية
والتي أسندت باحتياطيات اجنبية عالية التغطية).
ومن هنا بدأت (مفارقة تكافؤ ريكاردو
Ricardo equivalence paradox)
في تأثيرها على سلوك النقدي او دالة الطلب النقدي
التي تأثرت بسعر الفائدة الحقيقي ازاء معدلات الفائدة الاسمية
وانكماش الانفاق او الاثر التحفيزي
ذلك حتى في الأسواق النقدية غير المنظمة
unorganized money markets
التي ارتفعت فيها معدلات الفائدة الربوية بشكل لافت بما لا يقل عن ٥٠٪ سنويا.
اذ يلحظ ان ضريبة التوقعات اللاتضخمية non inflation tax
التي هي بمثابة منحة ضريبية grant tax
او يمكن تسميتها ايضا بالضريبة السالبة
جاءت جراء ارتفاع القوة الشرائية للنقود
- negative (or non-inflationary expectation) taxes
or (high purchasing power of money negative tax)
و أخذت تظهرها أسعار الفائدة الحقيقية
وفق تعريف الاقتصادي الأمريكي Irving Fisher
وتوليدها لأثر الثروة الموجبة positive wealth effects
وكأنها (منحة ضريبية).
اذ كان ينبغي لها ان تشجع الانفاق والصرف
وبشكل خاص الانفاق الاستثماري
وتقوى من فرص الطلب الكلي للأفراد،
بل نجد العكس
ان ميول الأفراد نحو الانفاق قد انخفضت جداً
لتأثرهم بقيمة السيولة النقدية القوية
والدخول المباشر في مفارقة الازدهار الكينزية
Keynesian paradox of thrift
ذلك بتفضيل الادخار المرغوب على الاستثمار المرغوب،
طالما ان الاحتفاظ بالنقد
يولد ثروة مضافة ذاتية بفعل قوة السياسة النقدية المتشددة.
مما تقدم نستنتج جلياً ان هناك ثمة تطابق
بين مفارقة الازدهار الكينزية paradox of thrift من جهة
وبين نظرية التكافؤ الريكاردي Ricardian equivalence من جهة اخرى
في التأثير في سلوك الأفراد النقدي
وانكماش ظاهرة الانفاق الفردي
على الرغم من اثر الثروة الموجب
الذي ولدته قوة القيمة الخارجية والداخلية للدينار العراقي
والتحول التدريجي فيهما نحو الارتفاع.
اذ تحول السلوك النقدي تدريجيا نحو ظاهرة فخاخ السيولة gradual liquidity traps.
وهو تطابق نقودي عكسي monetary reverse match
لنظرية Barro في نفيه للنظرية الكينزية
من دور العجز الممول بالاقتراض
وما يقوده الى انكماش الانفاق
بسبب الفعل الضريبي الذي سيستقطع الادخارات مستقبلًا
ذلك في نقده للسياسة المالية الكينزية
والتي تسمى اصطلاحا Barro - Ricardian Equivalence
كما نوهنا سلفاً
والتي أخذت حيزا أوسع في كتابات Barro في بحثه المنشور في سنة ١٩٨٩:
Barro, R (Spring 1989).
"The Ricardian approach to budget deficits".
The Journal of Economic Perspectives. 3 (2): 37–54.
اذ يأتي التطابق النقودي العكسي monetary reverse match
بين Keynes وبين Barro
(في السياسة النقدية
القائمة على اثر النقد العزيز في توليد عائد مستقبلي
بسبب قوة العملة
على خلاف السياسة المالية
وعلى وفق التكافؤ الريكاردي وتحوط الأفراد ادخاريا
لمواجهة الضرائب وأعبائها المستقبلية.
وهو ما نطلق عليه هنا اصطلاحا ان جاز لي التعبير
بمفارقة تكافؤ ريكاردو النقودية
Monetary Ricardian equivalence paradox
فالسلوك الادخاري يقوم على اثر النقد العزيز في توليد الثروة
ما يتطلب المزيد من الانكماش في الانفاق الفردي
جراء دفع الضريبة السالبة او اللاتضخمية
او التي اسميتها بالمنحة الضريبية tax grant .
وهنا يتماثل ما ذهب اليه Barro في نظريته بشأن التكافؤ الريكاردي
وانعدام اثر التمويل بالعجز عن طريق الاقتراض من الافراد
وتراجع الانفاق وخضوع مدخولات الافراد المقبلة الى الادخار
وحالات انكماش الصرف
بسبب ( مفارقة الرفاهية الكينزية Paradox of thrift )
على نحو مطابق لتكافؤ ريكاردو Ricardian equivalence
لكي تسمى مفارقة تكافؤ ريكاردو كما ذكرنا
وهو الامر الذي يسهم في منع الانفاق
وتقوية انكماش الطلب الكلي
والأثر التحفيزي لنمو النشاط الاقتصادي
ولكن من جانب السياسة النقدية وليس السياسة المالية.
وهذه حقا مفارقة ريكاردو Ricardian equivalence paradox
التي أطلقنا عليها اصطلاحاً من جانبنا في ظل هذه المساهمة الفكرية.
ج- مفارقات الانفاق والسلوك النقدي في العراق: المرحلة الثانية.
اولا:
أدت السياسة النقدية التكييفية الملبية للنشاط الحقيقي
للبنك المركزي العراقي Accommodative policy
والتي آلت الى تخفيض سعر صرف الدينار العراقي ازاء عملة الدولار بنحو ۲۳ ٪
وبأسلوب الصدمة shock ذلك في نهاية العام ٢٠٢٠،
الى حصول أثرين ،مهمين
أولهما:
رفع قيمة الايرادات النقدية الحكومية بالعملة الاجنبية
ازاء معادلها الديناري بنحو ٢٣%
وهي تشكل أكثر من ٩٠٪ من إيرادات الموازنة العامة
مما دعم من مناسيب السيولة المحلية
بنسبة زيادة في النقد الاساس
بما لا يقل متوسطها عن ٣٠٪ خلال عام واحد
ثانيهما:
حصول تضخم جراء التخفيض ارتفعت فيه الأسعار خلال العام المنصرم ۲۰۲۱
من تضخم كان يقترب من الصفر بالمئة سنويا zero inflation
الى ارتفاع تدريجي بدأ يلامس اليوم قرابة %۸ بالمئة سنويا
وهو آخذ في الصعود ويتوقع بلوغه ١٠٪ سنويا.
ثانيا:
كما عد الأثر التضخمي الذي ولدته صدمة سعر الصرف
بما يسمى بضريبة التضخم inflationary tax
وهي الضريبة التي أدتها السياسة النقدية
بالتضحية بجانب من الاستقرار
وعلى حساب انخفاض القوة الشرائية للأرصدة النقدية الحقيقية
real money balances
التي وفرت للمالية العامة ايرادا صافيا لم يقل عن ۱۲ تريليون دينار
في الموازنة العامة الاتحادية للعام ۲۰۲۱
والتي ستكون نقطة النقاش الاساسية
في موضوع كلفة الرفاهية ازاء التضخم لاحقاً
welfare cost of inflation.
ثالثا:
مثل تخفيض سعر الصرف الدينار بالنسبة للموازنة العامة
ولادة ظاهرة ما يسمى (بالتكييف النقدي monetary adjustment)
اي تحقيق إيرادات إضافية للموازنة العامة نسبتها ۲۳٪
من قيمة الايرادات النفطية الدولارية السنوية للحكومة
جراء فروقات التحويل
وهي تعد في الأحوال كافة
من باب الضرائب التضخمية inflation taxes)
كما نوهنا آنفا.
اذ ساعدت الايرادات الضريبية التضخمية
في سد جانب مهم من جوانب العجز في الموازنة التشغيلية للعام ۲۰۲۱
وبما يقرب من ۲۰ تريليون دينار
وبعد طرح ما يترتب من تخفيض على مدفوعات الحكومة الخارجية
فإن صافي إيرادات الضريبة التضخمية
بات لا يقل تقديرها السنوي عن ۱۲ تريليون دينار
والتي اشرنا اليها في اعلاه
ولكن ثمة مسألتين لا بد من تداركهما:
(۱) كان يجب ان يحصل تكييفا ماليا fiscal adjustment
ملازما
للتكييف النقدي في الايرادات المالية
ونقصد هنا
في الايرادات غير النفطية للحكومة
فالمؤشرات المالية المتوفرة تدلل
ان ما هو مخطط من إيرادات غير نفطية في موازنة ۲۰۲۱
هي بنحو ۲۰ تریلیون دینار
ولكن عمليا لم يتحقق منها
سوى ۸ تريليونات دينار،
يعني ذلك
ان الايرادات غير النفطية لم تحقق التكييفات المالية اللازمة
بل حلت الإيرادات النقدية الناجمة عن التكييف النقدي
monetary adjustment
محل تدني تحصيله الضرائب المالية التقليدية
وهو أمر يقع على عاتق الإدارة المالية في الأحوال كافة
اي حصل هناك احلال ضريبي تولد من السياسة النقدية
بسبب التكييف النقدي monetary adjustment
لمصلحة ضعف التكييف المالي في السياسة المالية
كما ذكرنا
وهي ظاهرة اتكالية للسياسة المالية على السياسة النقدية.
(۲) استمرار ارتفاع معدلات التضخم
وزحف الاسعار الى حافة الصعود ربما ستلامس نسبتها ٪۹-۸
ما سيولد أثرا يسمى بأثر انخفاض الأرصدة النقدية الحقيقية
وتدني القوة الشرائية للدخول النقدية
ولاسيما دخول الطبقات الفقيرة والمحرومة
والقوى المجتمعية محدودة الدخل.
د - السياسة النقدية أمام مأزق الكساد.
بقيت درجات التحول التي واجهتها السياسة النقدية في العراق
من المرحلة الشديدة التحديات challenges في العام ۲۰۲۰
الى المرحلة العالية الفرص opportunities في العام ٢٠٢١
بسبب مفاجئات احدثتها دورة الأصول النفطية كمتغير خارجي
على طبيعة الاقتصاد الريعي للعراق
بعد مغادرة الأزمة الصحية العالمية 19 COVID اغلاقاتها lockdowns
وحرب أسعار النفط طوال العام ۲۰۲۰
والتي مثلها ارتفاع معدلات العوز او العجز shortages
في ثنائيتي العجز الاقتصادي في العراق
اي عجز الحساب الجاري لميزان المدفوعات
الذي تقلب في اشهر العام ۲۰۲۰ بين سالب %۸ وسالب ۲۳
رافقهما انحدار في نمو الناتج المحلي الاجمالي الى قرابة سالب ٩،٥٪ - ٥ ، ١٠٪.
في حين لامست البطالة مستويات عالية بلغت ٪۲۷
وزادت معدلات الفقر لتقارب ۳۳٪ من السكان
ومولت المالية العامة العراقية فجوة العجز في نشاط ميزانيتها للعام ۲۰۲۰
بسياسة التوسع بالدين العام الداخلي
الذي زاد هو الآخر خلال عام واحد بنحو ۳۰ تريليون تقريباً
فوق رصيده السائد وقت ذاك
ليصبح اليوم قرابة ٧٢- ٧٤ تريليون دينار كدين عام داخلي
ما يعني
ان السياسة النقدية للبنك المركزي
(تستحوذ حاليا على ٤٤ تريليون دينار من إجمالي رصيد الدين الداخلي أنفا
وأسهمت في سد احتياجات التمويل الحكومي في العام ۲۰۲۰
بحوالي ٢٠-٢٥٪ من الانفاق الحكومي الكلي
اي التمويل بالتضخم
او ما يسمى بتنقيد الدين العام debt monetizing).
فضلا عن استمرار هبوط الاحتياطيات النقدية بالعملة الاجنبية للبنك المركزي العراقي
تحت ضغط الدفاع عن نقطة الاستقرار السعري
طوال حالة الكساد التي أصابت الاقتصاد الكلي في العام ۲۰۲۰
ولاسيما الدفاع عن استقرار قيمة الدخل النقدي للأفراد
ودعم مستوى المعيشة والقوة الشرائية للنفقات الحكومية
والتي كلفت السياسة النقدية
تناقص في الاحتياطي الأجنبي قارب ۱۲ ملیار دولار،
في وقت ظلت السياسة النقدية تواجه (باحتياطياتها من النقد الأجنبي)
مخاطر تردي الايرادات النفطية
لدعم الاستقرار في الاقتصاد الكلي
و الحفاظ على القوة الشرائية للدينار العراقي.
وبناءً على ما تقدم،
فقد شهدت البلاد ظاهرة ركودية
وهي استمرار ما يسمى (بالتضخم الصفري zero inflation )
اي ان هناك نموا سعريا سنوياً صار يلامس او يقترب من (صفر )
ولاسيما عند احتسابه في الاشهر الاخيرة من العام ۲۰۲۰ ،
في حين ظل السلوك النقدي للأفراد او طلبهم على النقود
يتخبط في ممارسات فخ السيولة liquidity trap
اي ان فخاً نقديا عاليا اثر على سلوك الأفراد النقدي
وتعاظم الاحتفاظ بالدينار العراقي
وانكماش الانفاق الأسري او العائلي
بسبب ارتفاع سعر الفائدة الحقيقي real interest rate
الذي غدت بموجبه الفائدة الاسمية nominal interest rates
أعلى من التضخم نفسه
او حتى اعلى من مستويات توقعه
وإزاء ذلك
وبسبب كون النقد الأجنبي عملة عالية الندرة (العملة الصعبة)
والدينار العراقي بات مقوما
فوق مقدرة الاحتياطيات على التغطية coverage
التي انخفضت من اكثر من ١٠٠٪ الى أقل من ٨٢٪
ما يعني أمرا
بات يهدد الثروة الاحتياطية السيادية السائلة الساندة للاستقرار
ويُعرض الاحتياطيات الاجنبية
الى صدمة خارجية external shock شديدة الخطر.
اذ حذر صندوق النقد الدولي
من ان استمرار سعر صرف الدينار العراقي على هذا الارتفاع
في اقتصاديات العجز
سيؤدي لامحالة الى استنفاد الاحتياطي الأجنبي
بجعله دون الخط الاحمر red tape خلال ستة أشهر،
جراء الصدمة الاقتصادية الخارجية
الناجمة عن تدهور النمو في الاقتصاد العالمي
الذي دخل مرحلة الهبوط وبنحو (سالب ٤%) في العام ۲۰۲۰
وما ولده من صدمة خارجية للاقتصاد الريعي العراقي.
وبناء على ذلك
اتخذت دائرة السياسة الاقتصادية العليا في البلاد
خلال شهر كانون الاول /ديسمبر ۲۰۲۰ قرار تخفيضي
على سعر صرف الدينار العراقي ازاء الدولار الأمريكي
بنسبة بلغت ٪۲۳ ضمن سياسة تسمى fine tune policy
اي سياسة اتخاذ خطوات اقتصادية أصغر
لتفادي مداهمة خطر اكبر على الاقتصاد الوطني
مما لا يمكن مواجهته).
وهو الإجراء الذي أدى الى
رفع تغطية الدينار العراقي coverage لقاء العملة الاجنبية
الى ٨٣ % بعد تردي التغطية
وتوقع نزولها من ۱۰۰٪ الى ٦٣٪ في نهاية العام ٢٠٢٠
والتي كان من المتوقع انخفاضها الى ٥٠٪ بعد مدة قصيرة ايضاً،
ذلك في ضوء تعاظم تمويل الانفاق الحكومي
عن طريق التمويل بالتضخم او تنقيد الدين العام وفي اتجاه تصاعدي.
اذ جاء قرار التخفيض
عبر استخدام ما يسمى ( بصدمة التخفيض المباشر في سعر الصرف)
تتناسب مع الصدمة التي يولدها العجز المفاجئ في حركات ميزان المدفوعات.
اذ اشر ايضاً متوسط عائد برميل النفط العراقي المصدر
انخفاضاً في معدله السنوي بلغ أقل من ٣٨ دولار في العام ٢٠٢٠
مع صادرات نفطية أمست هي الاخرى تجري بكميات أقل
من متوسطات الانتاج ومستويات التصدير عن السنوات السابقة
وبنحو تخطى واحد مليون برميل يومياً
ذلك استناداً الى (اتفاق اوبك بلص
للقضاء على التخمة النفطية oil glut في سوق الطاقة
التي زادت على ١٠٪ فوق مستوى الطلب
واستمرت لغاية الأشهر الاولى من عام (۲۰۲۱)
ذلك مقارنة بأسعار النفط التي كانت سائدة في العام ۲۰۱۹
والبالغة متوسطاتها بنحو ٦٣ دولار للبرميل
مع كميات مصدرة أوسع من كميات إنتاج وتصدير عام ۲۰۲۰
بقرابة واحد مليون برميل يومياً.
هـ - تطور السياسة النقدية نحو جانب الاصول في النظام المصرفي.
(۱) في ضوء حالة الكساد الكبير الذي شهده الاقتصاد العراقي
في ثلاثية
النمو الصفري السعري
والاتجاه السالب للنمو في الناتج المحلي الإجمالي
وارتفاع البطالة بمرتبتين عشريتين
في نهاية العام ٢٠٢٠
بدأت السياسة النقدية للعراق
بالتحول في
اختيار أهدافها الوسيطة intermediate targets
نحو تنشيط الانفاق الكلي او الطلب الفعال
وتحفيز النمو الاقتصادي
والتحول
من سياسة مقيدة tighten تستهدف التضخم فحسب
الى سياسة نقدية ملبية Accommodative policy
تلبي النشاط الاقتصادي الحقيقي
ذلك من خلال التأثير في السلوك النقدي
صوب رفع درجة سرعة تداول النقود
والانتقال بوظائف الطلب النقدي وتشكيل دواله
نحو التعاطي بالمعاملات
بدلا من التحوط الفائق بالادخار النقدي دون الاستثمار
و الوقوع في فخاخ السيولة
وان الهدف الوسيط للسياسة النقدية intermediate target
في هذه المرحلة
لابد ان يتعاطى مع جانب الأصول او الموجودات Asset side
في الميزانيات العمومية للسوق المالية عموما ومصرفية خصوصا
ذلك بالتركيز على سيولة الاقتصاد وتعظيمها
ورفع كفاءة الانفاق الكلي
واطلاق اشارات سعرية وكمية من جانب الأهداف التشغيلية
واستخدامها الفاعل للأدوات غير المباشرة للسياسة النقدية
والتي تولت بالإضافة
الى عمليات التيسير الكمي quantitative easing
التي مارسها البنك المركزي العراقي لتعظيم عرض النقد
ذلك بخصم حوالات الخزينة بسعر فائدة منخفض متوسطه ۳٪ سنويا
عبر عمليات السوق الثانوية المفتوحة،
جاءت مبادرات البنك المركزي الائتمانية
او ما يسمى بالتيسير الائتماني credit easing
في منح صناديق ومصارف الإسكان
قروض ميسرة طويلة الأجل خالية من الفائدة
مع قروض تمويل المشاريع الصغيرة والمتوسطة
وبقوة تمويل زادت على ثلاث مليارات دولار أمريكي ،
والتي أكدت جميعها
ان ثمة تحول في السياسة النقدية
اتجهت نحو جانب الأصول assets side
مستهدفة الاقتصاد الحقيقي هذه المرة
عبر تعظيم سيولة الاقتصاد العامة وتحريرها
والتصدي لفخاخ liquidity traps
التي تراكم الادخارات دون تفعيل الجانب الاستثماري في الانفاق.
وهنا ارتفع (النقد الاساس 0-M
الى رصيد زاد على ١٠٦ ترليون دينار في نهايات العام ۲۰۲۱
مقارنة بنحو ٧٥ تريليون دينار في مطلع العام ٢٠٢٠).
وبناء على ما تقدم ،
فقد أخذ النظام النقدي في العراق ومنذ العام ۲۰۱٥
منحى تدريجياً مختلفًا في اختيار الهدف الوسيط
وتحقيق مسار آخر لميكانيكية الانتقال النقدي
وهو ما يسمى بقنوات الائتمان المتفوقة super credit channels
وهو اتجاه سبق ان تبناه الاقتصادي الامريكي Bernanke ,Ben
الذي ركز على الهدف الوسيط في تعظيم سيولة الاقتصاد
ودورها في مؤازرة العمليات الائتمانية
من خلال التركيز على
جانب الأصول assets في الميزانيات العمومية للمصارف
كما ذكرنا .
اذ تشكل مسالة
تعظيم السيولة liquidity في الاقتصاد
وإتاحة الائتمان
مفتاح الانفاق الكلي وتحفيز النمو الاقتصادي الحقيقي.
ففي دراسة نشرها. Bernanke في العام ۱۹۹٥
تحت عنوان:
Bernanke, Ben S., and Mark Gertler. 1995.
"Inside the Black Box:
The Credit Channel of Monetary Policy Transmission.
" Journal of Economic Perspectives, 9 (4): 27-48.
بين (برنانكي) في دراسته أنفا،
ان نظرية قناة الائتمان في ( ميكانيكية الانتقال النقدي MTM)
او انتقال السياسة النقدية
ستؤدي لامحالة الى تقييد مشكلات المعلومات المجتزأة او المشتتة في أسواق الائتمان
والتي تتدهور حالتها وتسوء
في فترات تطبيق السياسة النقدية المقيدة او تقييد النقود tighten money.
ويرى ( برنانكي)
ان تزايد كلفة العلاوات او كلفة أقساط التمويل الخارجي على الاقتصاد
(اي الفرق في التكلفة بين الأموال الداخلية والأموال الخارجية
تعزز دوما تغير في السياسات النقدية وتأثيرها على الاقتصاد الحقيقي
ولاسيما تبني السياسة النقدية الملبية غير المقيدة Accommodative policy
على تنشيط الاقتصاد الحقيقي).
3- نظرية تكلفة الرفاهية الناجمة عن ضريبة التضخم والتكافؤ الريكاردي.
أ - منذ ان تناول الكاتب الاميركي مارتن بيلي Martin Bailey في العام ١٩٥٦
في مقاله الذي حمل عنوان : كلفة الرفاهية على التمويل التضخمي
Bailey, Martin (1956).
"The Welfare Cost of Inflationary Finance".
Journal of Political Economy. 64 (2): 93–110.
بدء الاقتصاد الكلي يأخذ في الاعتبار
كيف تشمل
(تكلفة الرفاهية التي يسببها التضخم) في التغيرات في الرعاية الاجتماعية
الناجمة عن ذلك التضخم نفسه.
اذ عد تأكيد (مارتن بيلي)ومن بعده (ملتن فريدمان) في العام ١٩٦٩
ان الأرصدة النقدية الحقيقية real money balances هي أشبه ما بالسلعة الاستهلاكية
وان التضخم هو بمثابة ضريبة tax تفرض على تلك الارصدة الحقيقية.
اذ يتم احتساب كلفة الرفاهية بتحديد المساحة الواقعة تحت منحنى الطلب النقدي.
وعلى الرغم من ان الكاتبين Fischer و Lucas قد توصلا في بحثيهما منذ العام ۱۹۸۱
ان الوزن الثقيل من كلفة الرفاهية welfare cost هي منخفضة جدا
ولا تتعدى عند فشر ٣،. بالمئة من قيمة الناتج المحلي الإجمالي
عندما يرتفع التضخم من (صفر) بالمئة الى (١٠) بالمئة باستخدام الاساس النقدي،
الا ان التقدم الحاصل في القياس الاقتصادي
قد اظهر تزايدا مهماً في كلفة الرفاهية welfare cost ازاء ضريبة التضخم . inflation tax
فالكاتب الاقتصادي Lagos وزملاءه
قد توصلوا الى نتائج مغايرة لتلك التي جاء بها Lucas و Fisher وغيرهما
في بحثهم المنشور في العام ٢٠٠٥ بعنوان:
Lagos, Ricardo; Wright, Randall (2005).
"A Unified Framework for Monetary Theory and Policy Analysis".
Journal of Political Economy. 113 (3): 463-84
موضحين
ان كلفة الرفاهية welfare cost جراء التضخم السنوي البالغ ١٠ بالمئة
لا تقل كلفتها عن ٣-٤ بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي.
ب- في ضوء ما تقدم،
ولو تم التسليم بنتائج Lagos وفريقه آنفا،
فان كلفة الرفاهية في العراق في نهاية العام ۲۰۲۱
ستحتسب بافتراض مفاده
ان التضخم السنوي لامس (۸) بالمئة)
وان كلفة الرفاهية welfare cost هي بنحو بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي
المقدر بنحو ۱۷۸ مليار دولار،
فإن الكلفة المذكورة على الرفاهية في العراق welfare cost
ستكون بنحو ۸ تريليون دينار
وهي ضريبة تضخم inflation tax
اقتطعت من الارصدة النقدية الحقيقية للأفراد
من حاملي الدينار العراقي (حصريا)
( من خارج قوى الدولرة dollarisation في الاقتصاد.
ج-واخيرا،
لابد من تدقيق تكافؤ ریکاردو Ricardian equivalence
ودوره في موضوع التضخم وكلفة الرفاهية welfare cost
فبقدر تعلق الامر بالأرصدة النقدية الحقيقية للأفراد وعدها بمثابة سلعة استهلاكية
يمكن القول
ان افراد المجتمع الاقتصادي في العراق
فئتان هم
الأولى
من حائزي الأرصدة النقدية الحقيقية بالدينار
قد تعرضوا جراء ضريبة التضخم الى التأثر بالخسارة losses
بارتفاع كلفة الرفاهية التي فرضتها ضريبة التضخم بشكل مباشر على أرصدتهم الحقيقية
وهم أمسوا في نطاق نظرية اللاتكافؤ الريكاردي
Non Ricardian-equivalence
اما الفئة الثانية
من الأفراد وهم الفئة المدولرة جزئيا partial dollarisation
فإنها ستخضع بشكل او بآخر الى نظرية التكافؤ الريكاردي
اذا جاء التضخم بسبب هبوط سعر صرف الدينار
مما ولد تعويضًا متكافئًا equal compensation
من ارتفاع الارصدة النقدية الحقيقية بالعملة الاجنبية
وهي تعادل كلفة الرفاهية على ارصدتهم النقدية الحقيقية بالدينار العراقي.
4- الاستنتاجات
أ- على الرغم من اختلاف Barro مع Keynes
في موضوع اثر الانفاق في السياسة المالية على النشاط الاقتصادي
وتقييم اثرهما في انكماش السلوك الإنفاقي للأفراد
ولاسيما تأثيرات عجز الموازنة على النمو الضريبي المستقبلي
ولجم سلوك الانفاق الفردي
بسبب التنامي الادخار الفردي لسد العبء الضريبي على الدخل مستقبلا
مقابل سد العجز في الموازنة بالموارد الضريبية
كما جاء به ،Barro ،
الا ان الاقتصاديين Barro و Keynes يلتقيان في نقطة السياسة النقدية،
اذ تصبح
مفارقة الرفاهية paradox of thrift لجون كينز
الرديف
لتكافؤ ریکاردو Ricardo equivalence
عند تطبيق السياسة النقدية المتشددة على سلوك دالة الطلب النقدي
وانعكاساتها على انكماش الانفاق
لبلوغ تكافؤ ريكاردو نفسه
وهذا ما دعاني ان اطلق عليه اصطلاحا:
- (مفارقة تكافؤ ريكاردو النقودية
Monetary Ricardian equivalence paradox.
وهو إسهام فكري استنباطي).
ب توصلت الدراسة الى ثمة علاقة
بين نظرية التكافؤ الريكاردي Ricardian equivalence
ونظرية كلفة الرفاهية للتضخم welfare cost of inflation
بكون التضخم هو بمثابة ضريبة tax تفرض على الارصدة النقدية الحقيقية للأفراد ،
ولكن في مجتمع اقتصادي ثنائي العملة ومدولر جزئيا
فإن نظريتين تظهران مضمونهما بين كلفة الرفاهية والتكافؤ الريكاردي،
فالأولى
ترتبط كلفة الرفاهية welfare cost جراء التضخم
ارتباطا مباشرا بنظرية التكافؤ الريكاردي Ricardian equivalence
الشريحة الأفراد التي تتناصف أرصدتها النقدية الحقيقية (افتراضا)
بين الدينار العراقي والدولار الأمريكي
بسبب قدرتها على (تعويض) ضريبة التضخم المفروضة على ارصدتهم النقدية بالدينار
ذلك بارتفاع قيمة ارصدتهم من العملة الاجنبية
مع انخفاض سعر صرف الدينار العراقي او حتى التضخم نفسه.
والثانية،
هي الفئة التي تمثل أرصدتها النقدية الحقيقية بالدينار
(والتي لا تمتلك التعويض بكل اشكاله)
فإن كلفة الرفاهية welfare cost
ستلتقي بنظرية اخرى
هي اللاتكافؤ الريكاردي - Non Ricardian equivalence لامحالة.
(*) باحث وكاتب اقتصادي أكاديمي، نائب محافظ البنك المركزي الأسبق،
والمستشار المالي لرئيس الوزراء العراقي
مظهر محمد صالح مفارقة التكافؤ الريكاردي في سلوك الأفراد النقدي: العراق انموذجا
صفحة 1 من 16
حقوق النشر محفوظة لـ شبكة الاقتصاديين العراقيين.
يسمح بإعادة النشر بشرط الإشارة إلى المصدر.
5 كانون الثاني 2022
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق