أ.د.عبد الحسين العنبكي *:
كانت كتاباتي قبل تغيير سعر الصرف
وحتى صدور كتابي الأخير عن سعر الصرف المغالى فيه في 2018
مبنية على رؤيا علمية ومنطقية مبرهنة في كثير من تجارب العالم،
اما الان
فانا اكتب بعد تغيير سعر الصرف
لأجيب على التساؤلات وبعض ردود الأفعال
والآثار التي ظهرت جراء التطبيق في السنة الأخيرة 2021
لأبين أن التضخم في العراق مشخص منذ أمد طويل
على أنه ذو أسباب هيكلية موروثة مستدامة
وأخرى نقدية غير مستدامة تمر وتزول
وثالثة مرتبطة بالتضخم العالمي
وللوقوف على أوجه المشكلة يمكن تناول الاتي :
أولا: مصادر التضخم في العراق:
- ارتفاع كلف الإنتاج في الكثير من السلع المنتجة محليا
جراء غياب شبه كلي للبنى التحتية
وتزايد الكلف غير المرئية (المخفية) المتأتية من الفساد والابتزاز
والاضطرار لدفع الرشا والاتاوات الكثيرة
والمتسلسلة مع تسلسل حلقات الإنتاج
وطول الدورة الورقية لتحصيل الإجازات والتراخيص
والتأخيرات في إيصال المكائن والآلات والمواد الأولية وغيرها.
- ارتفاع كلف سلاسل التوريد بالنسبة للسلع المستوردة،
فضلا عن التسلل السريع لأي تضخم عالمي لكثرة الاعتماد على الاستيرادات.
- عدم وجود منافسة حقيقية وهنالك تدخلات حكومية في جهاز الأسعار
اما ان تخلق احتكارات او احتکارات قلة
تعطي الفرصة المواتية للحصول على أرباح احتكارية
تنعكس في ارتفاع الأسعار.
- لا توجد علاقة قوية ومستدامة للتضخم بتخفيض قيمة الدينار العراقي امام الدولار
الا بحدود بسيطة في بداية التخفيض وقد تكيف الاقتصاد لوضعها
وحصلت له الكثير من الآثار الإيجابية تذکر لاحقا.
. اما التضخم الراهن فهو (مستورد)
متأتي من ارتفاع مهول في أسعار المواد الغذائية في البورصات العالمية
حيث ارتفع سعر طن الحنطة على سبيل المثال من 200 دولار الى 600 دولار.
. هنالك صدمة عرض حصلت جراء کورونا والتغيرات المناخية
التي ادخلت الاقتصاد العالمي في تضخم ركودي Stagflation
والخروج من عنق الزجاجة هذا ليس أمرا يسيرا،
ونحن في العراق نعاني من تضخم ركودي منذ أمد طويل قبل کورونا
لان هنالك تناقض بين سياساتنا
المالية التي هي توسعية
والنقدية التي كانت لفترة طويلة انكماشية
فكان أحدهما يقضم مکاسب الاخرى فيتزامن التضخم مع الانكماش.
ثانيا: تغيير سعر الصرف ضرورة حتمية:
نعم كل تخفيض لقيمة عملة بلد ما سيحمل معه حتما ضغوط تضخمية إلا أنها محمودة
وحيث أن الاقتصاد العراقي ريعي بامتياز وكل شيء مستورد،
وقد فشلت أساليب الحماية للمنتج المحلي لتعزيز قدرته التنافسية
نتيجة عدم احکام الإدارة الكمركية
الناجم
عن وجود باحة شمالية (إقليم كردستان)
الذي لا يلتزم بالقوانين الاتحادية وبما ان قانون التعرفة الكمركية اتحادي
وهو جزء من منظومة السياسات الاقتصادية الكلية
التي هي بالضرورة مهام اتحادية دستوريا وعرفا في كل دول العالم الا في العراق
وعليه لا يمكن السيطرة على الاستيرادات
لا من حيث الكم
لان هنالك العديد من المنافذ الحدودية غير الرسمية في الإقليم
تدخل منها بضائع مهربة،
ولا من حيث سعر التعرفة الكمركية
لان إدارة المنافذ الحدودية الرسمية غير ملتزمة بفرض التعرفة الاتحادية،
والعامل الآخر لعدم احکام الإدارة الضريبية
هو الفساد المستشري فيها
والإبقاء بل منع تطبيق الأنظمة المؤتمتة
من قبل الموظفين الحكوميين المغتنين على الفساد
وإذا ما طبقت هذه الأنظمة
سوف تحد كثيرا من مكاسبهم ورشاهم وقدرتهم على الابتزاز،
عليه فإن أفضل وسيلة لتقليص الاستيراد واحلاله بالمنتج المحلي
هو الوصول الى سعر صرف مكافي
يحقق تكافؤ او تعادل القوى الشرائية (PPP | Purchasing Power Parity)
للدولار داخل البلد وخارجه
وهذا يعني سعر صرف حقيقي متأتي من قوى السوق اي ان يكون معومة ،
ولان التعويم قد يؤدي إلى انخفاض كبير في قيمة الدينار
فلابد من التدرج
اي اعتماد أسلوب التعويم المدار
وهذا ما حصل في 2021 حيث تم تخفيض قيمة الدينار بنسبة 23%،
وقد تعالت الأصوات من المنتفعين من رخص الدولار
سواء كانوا من أصحاب المصارف
الذين يغزون منجم الذهب (مزاد العملة ) كل صباح لجني الأرباح السهلة
او من ذوي رؤوس الأموال التي تستحوذ على الدولارات الرخيصة في العراق
لتهربها إلى الدول التي يكون فيها الدولار غالي
او من الذين يستثمرون دولاراتهم خارج العراق وتنمي أصولهم خارج العراق
وما العراق عندهم إلا جزيرة منعزلة ومتخلفة يأخذون دولاراتها الرخيصة
لاستثمارها في بلدان اکثر امنا ويسرا وبعيدا عن المسائلة.
لقد مضى القرار بعد ان کنت أطالب به منذ 15 سنة
وكان ممكن ان يكون لو طبق في فترات الرخاء
بتكلفة أقل وبأثار سلبية اجتماعيا اقل وبأثار إيجابية اقتصاديا اکبر،
إلا أن ذلك لم يحصل إلا في فترة الشحة المالية الخانقة في 2020
عندما وجدت الحكومة نفسها غير قادرة على دفع رواتب موظفيها
البالغة بحدود 47 تريليون دينار
وكان من الممكن أن ينعكس ذلك في آثار كارثية
تمتد الى الشارع بأعمال غير محسوبة العواقب
لولا تغيير سعر الصرف الذي وفر للموازنة بحدود 23 تريليون دينار،
فالقرار كان لأجل دفع الضرر الأكبر بالضرر الأصغر من وجهة نظر السياسيين،
اما من وجهة نظري فهو يبقى قرار إصلاحي
وتبقى له الكثير من الآثار الإصلاحية
وإن تأخر تطبيقه وان يأتي متأخرا خيرا من أن لا يأتي ابدا ولا يفرط به المنتفعين،
والتراجع عن هذا القرار الإصلاحي سوف يحدث ارباك كبير في السياسات الاقتصادية
ويمثل نكوص وعودة عن الإصلاح
لصالح دعم الاستيرادات وقمع المنتج المحلي
والإبقاء على البلد كالرجل المريض المشلول
نوزع لشعبه المرتبات التي تتناقص سنويا
كلما تعاظم عدد الموظفين والمتقاعدين ليأكل ويشرب كل ما مستورد،
اما دعم القرار والتكيف معه
وهو الخيار الوحيد أمامنا ولا مناص منه
فسوف يجعلنا نمر بفترة نقاهة لتظهر الاثار الإيجابية بقوة وبسرعة اكبر
وتتراجع الاثار السلبية العرضية بقوة وبسرعة اكبر.
ثالثا: تساؤلات غير المختصين:
لقد أمعن الناس في القول
أن التضخم مصدره تغيير سعر الصرف،
القاصي والداني ، المتعلم والجاهل،
علق التضخم على شماعة سعر الصرف،
دون أن يلتفت الى
ان تزامنه مع موجات من الضغوط التضخمية التي اجتاحت العالم
نتيجة حقن تريليونات الدولارات في الاقتصاد العالمي
لإخراجه من الانكماش المصاحب لجائحة كورونا،
كما انه اجراء جاء متأخرا وفي ظروف عسر وليس في ظروف يسر
ليتزامن مع الكثير من الأحداث العالمية،
وما تبعها من صراع قوى افضى للحرب الأوكرانية
فتضاعفت أسعار البورصات لمختلف السلع والخدمات عدة أضعاف في السنة الأخيرة
وبالأخص المواد الغذائية وبعض مواد البناء،
فاصبح التضخم المستورد هو الأساس في تغذية الضغوط التضخمية
بعد أن كاد اثر تغيير سعر الصرف
ان يمتص من خلال مزيد من التشغيل والانتعاش وتحريك عجلة الاقتصاد.
كما يذهب الكثير الى القول ،
لماذا لا نبني مصانع ومزارع وخدمات أولا
ثم بعد ذلك تغير سعر الصرف لنحمي المنتج المحلي ؟،
او يختصرها البعض قائلا ، این هو المنتج المحلي کي نحميه؟،
وهنا
علينا أن نركز في جدلية ايهما يحفز الاخر،
كما يتساءل البعض من غير المختصين،
أي هل نبني قاعدة إنتاجية أولا ثم نخفض قيمة الدينار ام العكس؟،
ونحن بدورنا نسأل
من يبني القاعدة الإنتاجية؟،
فاذا بنتها الحكومة ستكون مالكة لها،
وعندها تصبح تلك القاعدة الإنتاجية حكومية
وهي افشل قاعدة إنتاجية
لان الحكومات منتج فاشل في معظم دول العالم
لم ولن تصبح منافسة حتى بعد قرون
ولدينا قاعدة إنتاجية حكومية فاشلة بامتياز
وغير قادرة حتى على دفع رواتب العاملين فيها،
بل تتحمل أعبائها الموازنة العامة للدولة،
وإذا بنينا قاعدة انتاجية من قبل القطاع الخاص
وهو الأرجح وهو قطاع غير منافس
ويحتاج الى حماية من السلع المستوردة
ولازال يعيش على عكازات الدعم المختلفة
كما هو حاصل الآن
وستبقى في طور الحضانة لعقود
مالم نصلح هيكل الدعم ،
عليه
فان اعتماد جهاز اسعار غير مشوه (بما فيه تشوه سعر الصرف)
وإعطاء تسهيلات ادارية خالية من الفساد والابتزاز
هو من يوجد قاعدة انتاجية مبنية على معايير اقتصادية صحيحة
ولكي لا يكون جهاز الأسعار مشوه،
وبما أن سعر الصرف هو أيضا سعر
فلابد من تقليص الدعم الموجود له
لحين اختفاء ذلك الدعم تدريجيا مع الزمن
حتى يكون سعر صرف حقيقي ،
عليه
فان الحكومات عليها ان ترسم السياسات فقط
والمنتج هو القطاع الخاص
والقطاع الخاص ليس لدينا سلطان عليه
إلا بمقدار ما نخلق له فرص مربحة كي يعمل
و الفرص المربحة هو من يجدها ويشعر بها ويلج إليها بشكل طوعي تلقائي
بحساباته الاقتصادية البحتة (ربح وخسارة ) وليس لأجل عين احد،
ولذلك لابد من ايجاد بيئة تشريعية ومؤسسية شفافة وواضحة
وخالية من الفساد والابتزاز والتعقيدات الادارية
التي نجملها بمصطلح (بيئة الأعمال)
كي يتشجع القطاع الخاص ويعمل
ولذلك لا بد من أن يكون الإجراء التحفيزي بدعم قدرته التنافسية
من خلال تغيير سعر الصرف أولا
كي يقتنع بوضع رأسماله في اقتصاد
يمكن أن يستعيده بأقصر مدة ويربح
وهذا من حقه الطبيعي.
كما يلومنا بعض المنتجين
بان تغير سعر الصرف قد اضرهم ولم ينفعهم؟
كيف ذلك
فهذا خلاف المنطق الاقتصادي،
محتجين أن صناعتهم او انتاجهم النهائي (المحلي)
معظم بل كل مدخلاته Inputs مستوردة،
فازدادت كلف انتاجه وقلت قدرته التنافسية،
وأقول هنا،
أن الجدوى في الاقتصاد تتحقق من خلال منتج محلي تكون فيه قيم مضافة كبيرة
وإذا كانت كل مدخلاتك مستوردة فإن المحتوى الأجنبي في سلعتك كبير جدا
وهذا يعني ان البلد ليس له ميزة نسبية في إنتاجها
ويعني أيضا أنها صناعة مرتبطة ومتشابكة مع الخارج
وليس مع أنشطتنا الاقتصادية المحلية
فعندما تنشط صناعة ما
لابد ان تنشط الصناعات المتكاملة معها في الخارج
ولا تنشط أنشطتنا المحلية
خاصة إذا طالبتم بسعر صرف تمييزي
كما سمعت من اكثر من صاحب مصنع
أن نعتمد سعر صرف آخر أي (دولار رخيص) كما السابق
لمدخلاتكم المستوردة لتكون رخيصة
وسعر صرف (بسعر الدولار الغالي الجديد) لمنتجاتكم النهائية
كي تكون السلع المستوردة المشابهة لسلعكم النهائية غالية ،
أي أن كل رجل اعمال
يريد ان نفصل الاقتصاد العراقي على مقاسه وخدمة لربحه
أي أن نحميه باتجاهين (مدخله رخيص ومنتجه غالي ) وليخسأ الاخرون،
وهذا غير ممكن بالمطلق،
لان مسطرة تغير سعر الصرف هي مسطرة واحدة
لتتيح الفرص المتساوية لإنتاجك النهائي كي ينافس الأجنبى
ولمنتجي المواد الأولية او السلع نصف المصنعة المشابهة للتي انت تستوردها
لكي يتنافسوا مع المدخلات المستوردة التي كنت تستوردها لمعملك،
وبهذه الطريقة
يمكن أن يتحول انتاجك النهائي
من سلعة ذات محتوى اجنبي بالكامل
الى سلعة بدأت يحل فيها المدخل المحلي رويدا رويدا محل الأجنبي
وتزداد القيم المضافة فيها رويدا رويدا
حتى تصل بعد فترة الى سلعة اغلب مدخلاتها محلية
وبذلك تكون صناعتك سببا في تحفيز انتاج وصناعة او نشاط المدخلات المحلية
فيكون بذلك ارتباط صناعتك بالاقتصاد المحلي وليس بالاقتصاد الأجنبي
وتستكمل حلقة سلاسل القيم المضافة مع حلقاتها في داخل الاقتصاد اکثر مما هي مع الخارج
فيصبح اقتصادنا اکثر استقلالا واقل تبعية مع الوقت
فيتضاعف الأثر ويتسارع النمو ويزداد التشغيل في صناعتك
والصناعات المزودة لك بالمواد الأولية والمدخلات الأخرى
وتزداد الدخول الموزعة للمشتغلين
ويكون هنالك تكيف حقيقي للاقتصاد مع تغير سعر الصرف
فتحصل التنمية الواسعة،
فيقابل
التضخم الحاصل من تغيير سعر الصرف
زيادة حقيقية في الدخول
فيتاكل التضخم رويدا رويدا
وتتحسن القوة الشرائية للناس
لان دخلهم الحقيقي
أي ما يحصلون عليه بدخلهم النقدي من سلع وخدمات سوف يزداد
فيكون تغير سعر الصرف قد اعطی مراده،
وتكون مسطرة التغيير الواحدة قد حققت العدالة بين جميع المنتجين،
اما رجل الاعمال
الذي لا تستطيع صناعته ان تنافس وتستمر بعد عبور الاقتصاد فترة تكيف
فعليه أن يراجع حسابته
لأنه يكون قد اخطأ حساباته الاقتصادية يوم انشأ مصنعه
وربما يكون قد توهم بقرارات حكومية غير صحيحة وانتقائية ووقتية
سرعان ما زالت فزالت معها جدوى مشروعك،
وهذا يعني أن صناعتك غير ذات جدوى
وان استمرارها سوف يكون مكلف
ويحتاج الى عكازات مستدامة لكي تستدام
وان البلد ليس لديه ميزة نسبية في إنتاجها.
حتى بعض الاقتصاديين العراقيين للأسف
يفكرون بالاقتصاد الجزئي وليس الكلي،
يفكرون برواتبهم الشخصية
التي تأكلت بنسبة تغيير سعر الصرف أو ربما أقل،
وهنا أود القول
نحن أيضا نعيش على الرواتب
وحتما تراجعت القوة الشرائية لدخولنا كما انتم،
ولكن هذا أخف الضرر
مقارنة
فيما لو توقفت الحكومة عن دفع رواتب الموظفين،
فقد وفر تغيير سعر الصرف بحدود 23 ترليون دينار في موازنة 2021
في ظرف وضع مالي حرج جدا،
وهذه مسألة طبيعية
فالإصلاح كما الدواء المر
علينا تحمل آثاره الوقاية لتفادي اثارة الاستراتيجية بعيدة الأمد،
ففي مصر مثلا
تراجع المستوى المعاشي 40 ٪ جراء تعويم الدولار
وكان على الحكومة ان تحمي الشرائح الهشة
لأنها فترة ولابد ان تمر
فالاقتصادي لا يفكر بالمستهلك فقط وإنما بالمنتج أيضا
فسعر الصرف المغالي فيه لعملة بلد ما
يعد بمثابة
دعم صافي للسلع المستوردة
وقمع صافي للمنتج المحلي ،
يعني بمثابة تعرفة كمركية سالبة
أي نحمي المستورد ونقمع المحلي ،
تخفيض قيمة الدينار امام الدولار 23%
وفرت حماية للمنتج المحلي بنفس النسبة
ويفترض
أن يتكيف الاقتصاد وتشجع المنتج وتوسع الانتاج والتشغيل
ونمتص البطالة وتوزع دخول لعناصر الانتاج
فتكون الزيادة في الدخول مواجهة للتضخم الذي حصل
فتدور العجلة الاقتصادية وتصبح لدينا قاعدة إنتاجية متينة ،
اما ان نبقى نؤجل العلاج هذا
لأنه دواء مر فيه اثار جانبية
فأننا نحكم على المريض بالموت ،
نعم تكيف الاقتصاد المصري مثلا
وتوسع الانتاج بعد المرور بالفترة الصعبة
ودخلت له استثمارات أكثر من ۱۲۰ مليار دولار في فترة سنة ونصف
وانخفض لديهم الاستيراد
وصار النقد الأجنبي يحقن في دورة الدخل المحلية ،
اما اذا كنتم تريدوننا ان نبقى فقط نصدر النفط
وتأتي الدولارات وتخرج فورا لاستيراد كل شيء
فلا ينصلح الاقتصاد
وسوف لن ينصلح وضع الفقير مطلقا ،
انا اتكلم هنا إقتصاد وليس عواطف
فاذا تريدون كلام العواطف والتباكي على الفقراء ليلا ونهارا
كما يفعل بعض الساسة فهذا مكانه ليس هنا،
أنا هنا مختص ومؤتمن على الرأي العلمي الصحيح،
نحن لم ننسى الفقراء
فقد خصصنا في موازنة 2021 مبلغ 3 ترليون دينار من فرق سعر الصرف
الى شبكة الحماية الاجتماعية لدعم الشرائح الهشة والفقيرة
ولكن الصراع السياسي هو من شطبها في مجلس النواب شطبها نعم ،
وقد سمعت همس بعض النواب يقولون لن تمر هذه التخصيصات
لان هذه الوزارة ستنتفخ ماليا
وهي تابعة لحزب ما ( ولا أدري أي حزب أصلا)
فسوف ينتفخ الحزب بالتبعية وتنتفخ لجنته الاقتصادية وينتفخ انتخابيا
فشطبوها دون أن يرف لهم جفن على فقراء العراق
الذين عادوا يتباكون عليهم ويتاجرون بهم بعد الانتخابات .
رابعا: اتهام من اقر تغيير سعر الصرف بالخيانة والعمالة:
تعج مواقع التواصل بهذه التهم حتى من قبل مثقفين،
وقد طرحت عليهم سؤال من جنس الاتهام،
قائلا: وفقا لهذا الكلام
يعني
ان الاقتصاديين الايرانيين متآمرين على ايران
لأنهم خفضوا التومان مقابل الدولار مرارا وتكرارا،
وكذلك الاقتصاديين الأتراك متآمرين على تركيا
لانهم خفضوا الليرة الى أدنى حد مقابل الدولار من اجل دعم انتاجهم الوطني،
وكذلك الاقتصاديين الصينيين متآمرين على الصين
لانهم في 2020 فقط خفضوا الإيوان 24 ٪ مقابل الدولار ،
اما مصر ام الدنيا فإن اقتصادیها مجرمين وقتلة
لانهم عوموا الجنيه مقابل الدولار
مرة واحدة ؟،
فاذا كان جوابك نعم
كل هؤلاء متآمرين
فلنتآمر حالنا حال الناس وحشر مع الناس عید،
واذا كان جوابك لا
فلماذا يحل لهم ما لا يحل لنا؟
فبهت الذي اتهم.
صمت هنينة واردف قائلا:
ایران محاصرة، قلت ولكن تركيا غير محاصرة،
قال
تركيا تخفض الليرة كي تزيد صادراتها ونحن بلد ليس لديه ما يصدره،
قلت نعم،
ولكن كل اقتصاد يمر بمرحلة نمو معينة يخدمها إجراء تخفيض عملتها،
فاذا كانت تركيا منتجة ومصدرة وتريد ان تبقى صادراتها منافسة فهذا جيد لها ،
ولكن بلد مثل العراق
ليس لديه صادرات ولكن لديه استيرادات كبيرة لكل احتياجاته
ويخدمه إجراء تخفيض قيمة عملته
ليس في زيادة صادراته لأنها غير موجودة
ولكن يخدمه في تخفيض استيراداته وإحلالها بالمنتج المحلي رويدا رويدا،
وهناك مرحلة صعبة يجب ان نعبرها كما عبرها الشعب المصري قبلنا
وصار يجني ثمارها ووصل معدل نمو الناتج المحلي الإجمالي ۸٪
وهو اعلى مستوى يصله منذ عقود بفضل تعويم الجنيه
ولكي نبدأ نحذو حذوها
علينا أن نبدأ اولا بعدم جعل النقد الأجنبي رخيص،
لان ذلك ادى الى استيراد كل شيء،
بل السفر المفرط لأتفه المبررات والسياحة الخارجية بدل الداخلية
والعلاج في الخارج بدل الداخل
والدراسة في الخارج في أسوأ الجامعات التي تبيع الشهادات بالدولار
لأن أصحاب الدولارات الرخيصة افشل من ان يدرسوا في الداخل،
فالدولار مثل اي سلعة
يهرب من المكان الرخيص ليجد نفسه في المكان الغالي
وبما انه رخيص لدينا وغالي عند جيراننا والعالم
فقد كان يدخل اقتصادنا ويخرج مسرعا
فيتسرب الطلب المحلي للسلع الاجنبية
وتصبح السلع المحلية غير منافسة
فتخرج من السوق
وتتعطل القاعدة الإنتاجية لدينا
ويبقى شبابنا دون عمل.
لم يتوقف عن الإفتاء رجما في الغيب قائلا:
لم يحصل أي تقدم ولا أي صناعة محلية جراء تغيير سعر الصرف؟
فقلت
وكيف حكمت بذلك،
الامر يحتاج الى قاعدة بيانات تحتوي كم كبير من المؤشرات
فهل لديك بيانات
عن كم اجازة معمل منحت خلال السنة مقارنة بالسنوات السابقة
وكم معمل كان يعمل 50 % من طاقته المتاحة مثلا فاصبح الان 70 %،
هذا يعني تشغيل وانتاج للإحلال المحلي محل الأجنبي
أنت لا تدركه لأنه غير متعلق بك بشكل مباشر،
اما نحن أهل الاختصاص ندركه.
ثم أصر قائلا:
وهل في العراق انتاج وطني حتى تدعمه برفع سعر الدولار
كل ما موجود عدد من الصناعات البائسة
التي لا ترتقي الى 10% من جودة الانتاج المستورد
فسيكون التنافس غير شريف وعلى حساب كاهل المواطن البائس الفقير؟،
قلت يا أستاذ
ان المنطق الاقتصادي هو ذاته ينطبق على البلدان بمستوياتها التنموية المختلفة
فالبلد المتطور خفض قيمة عملته
تجعل صادراته منافسة أكثر ويزداد الطلب عليها
فيتحرك الاقتصاد
اما البلد الذي لا يملك قاعدة انتاجية رصينة مثلنا
فان خفض قيمة عملته
تجعل الاستيرادات مرتفعة الكلفة
فيتحفز الانتاج المحلي ليحل محل المستورد
أي يتشجع المنتجين المحليين او المستثمرين الأجانب الدخول أسواق هذا البلد
لان الطلب سيكون مشجع على ما ينتج محليا
فتحصل التنمية وتبني قاعدة إنتاجية ،
بخلاف ذلك
يعني الاستسلام لمنطق (ما عدنا انتاج محلي)
ونبقى طول عمرنا نستورد كل شيء ولا ننتج أي شيء
وبالتبعية فإن أولادنا لا يجدون فرص عمل لا حاضرا ولا مستقبلا.
اخيرا اود التنويه
إلى أن المتضرر الأكبر من تخفيض قيمة الدينار
هو صاحب الدخل المحدد بقوانين ولوائح إدارية غير مرنة
كما هو حال بالنسبة لرواتب موظفي الدولة،
وبما أن من أهم الاختلالات الإدارية والاقتصادية
في حقبة العقدين الأخيرين
هو تحول العراق الى دولة موظفين،
وبما انه لا احد يستطيع التخلي عن موظف فائض في مرافق الدولة كافة
مهما كانت انتاجيته متدنية ،
فان العلاج الأنجع للخروج من هذه الكارثة
هو ان نجعل رواتب الموظفين تتآكل من خلال تخفيض قيمة الدينار،
فتتحول الوظيفة العامة إلى طاردة
فيما تصبح الوظائف في القطاع الخاص إلى جاذبة،
ذلك أن القطاع الخاص يستطيع ان ينقل أعباء اثر التضخم وتأكل دخله بدرجة أو بأخرى
من خلال تحميلها على أسعار السلع او الخدمات التي ينتجها
فيحمي نفسه من تراجع قوته الشرائية بدرجات متفاوتة بين نشاط وقطاع واخر،
الا موظف الدولة فليس له القدرة على نقل اعبائه
الا السيئين منهم الذين يمكن أن يعوضوها بمزيد من الابتزاز والفساد،
وإذا ما استطعنا وضع آليات وقيود صارمة لردع الفساد
فسيكون القطاع الحكومي أقل جاذبية حتما،
وتتوجه المزيد من الكفاءات نحو القطاع الخاص
فترفده بطاقات كانت محتكرة ومحتجزة لدى الحكومة دون إنتاج
مما يساهم حتما في تحسين نوعية الإنتاج في القطاع الخاص
وتدنية كلفته وتعزيز تنافسيته وجعل الفرص المربحة فيه اكبر.
(*) المستشار الاقتصادي في الأمانة العامة لمجلس الوزراء العراقي
حقوق النشر محفوظة لـ شبكة الاقتصاديين العراقيين.
يسمح بإعادة النشر بشرط الإشارة إلى المصدر.
4 حزيران / يونيو 2022
Iraqi Economists Network - شبكة الاقتصاديين العراقيين
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق