السبت، 3 يناير 2015

درس من تاريخ النفط.. الطلب لن ينمو للأبد


د. أنس بن فيصل الحجي

عند ذكر ''الذروة'' في مجال النفط،

يعتقد البعض أن الحديث يتعلق بفكرة ''ذروة إنتاج النفط'' التي شاعت في السنوات الأخيرة،

لكنه في الحقيقة يتعلق بفكرة أقل شيوعا وهي ''ذروة الطلب''.

وعلى الرغم من أن هناك خلافا كبيرا حول ''ذروة إنتاج النفط''،

إلا أن هناك اتفاقاً بين الخبراء على شكل منحنى استهلاك الطاقة في بلد ما،

وبالتالي منحنى استهلاك النفط.

وشكل هذا المنحنى هو بيت القصيد 

لإثبات فكرة مفادها

أن ما يهدد مستقبل النفط ليس نضوبه، إنما عدم نمو الطلب العالمي

بالشكل الكافي بما يضمن الاستقرار الاقتصادي والسياسي في الدول النفطية.

منحنى استهلاك الطاقة والنفط

إذا نظرنا إلى منحنى استهلاك الطاقة لدولة ما أو منطقة ما خلال فترة طويلة من الزمن

نجد أن استهلاك الطاقة يزداد بسرعة في البداية،

وهي فترة النشوء والتنمية الاقتصادية.

ويستمر النمو في فترة التصنيع وارتفاع الدخول،

إلا أن هذا النمو يبدأ بالتقلص في فترة ''الرفاهية'' حتى يتلاشى،

 ثم يصبح النمو سالبا

ويبدأ الاستهلاك بالانخفاض لسببين: 

الأول

زيادة الكفاءة في الاستخدام، التي تمكّن من إنتاج وحدات إضافية من الناتج المحلي بطاقة أقل،

والآخر

انتقال الصناعات الثقيلة والكثيفة الطاقة إلى دول أخرى.

وإذا نظرنا إلى بيانات الدول الأوروبية والولايات المتحدة،

نجد أن استهلاك الطاقة في هذه الدول يتبع هذا المنحنى،

وأن هذا الاستهلاك في مرحلة الانخفاض.

مثلا، 

كان استهلاك الطاقة في الولايات المتحدة في صعود مستمر،

ثم تباطأ النمو،

ثم أصبح النمو صفرا (أصبح المنحنى مستقيما) منذ عام 2000،

ثم انخفض منذ عام 2007.

وإذا نظرنا إلى منحنى استهلاك النفط نجد أنه مماثل لمنحنى استهلاك الطاقة،

 إلا أن الملاحظ

أن الانخفاض في استهلاك النفط عند انخفاض استهلاك الطاقة أكبر من الانخفاض في استهلاك الطاقة،

وذلك لوجود بدائل للنفط،

بينما ليس هناك بدائل للطاقة ككل.

وإذا نظرنا إلى البيانات الأوروبية والأمريكية 

نجد أنها تدعم هذه النتيجة،

حيث انخفض استهلاك النفط في السنوات الأخيرة أكثر من انخفاض استهلاك الطاقة.

الصين والدول الناشئة

هناك اتفاق بين الخبراء

على أن الدول الناشئة ستتبع منحنى استهلاك الطاقة الذي تبعته أوروبا والولايات المتحدة خلال 200 سنة الماضية

مع بعض الفروق البسيطة.

وإذا قارنا استهلاك الطاقة في الدول الناشئة حالياً باستهلاك الدول الصناعية خلال العقود الماضية،

نجد أن الصين حاليا في مكان الولايات المتحدة منذ 100 عام مضت.

وإذا حاولنا توقع مستقبل استهلاك الطاقة في الصين بناء على ما حصل في الولايات المتحدة أو أوروبا،

 فإنه من الواضح أن استهلاك الطاقة في الصين سيزداد إلى أضعاف ما هو عليه الآن.

وبما أن منحنى استهلاك النفط قريب من شكل منحنى استهلاك الطاقة،

فإنه يمكن الاستنتاج بسهولة أن استهلاك الصين من النفط سيتضاعف مرات عدة خلال العقود القادمة.

ويمكن للبعض أن يستنتج بسهولة 

أنه حتى لو انخفض الطلب على النفط في كل من أوروبا والولايات المتحدة،

فإن الطلب على النفط في الصين والدول الناشئة سيكون كبيرا

لدرجة أن الطلب العالمي على النفط سيستمر في النمو،

لذلك لا خوف من ارتفاع أسعار النفط.

لكن هذه الاستنتاج باطل لأسباب عدة، منها:

1- أن الصين والدول الناشئة

تستفيد من التقدم التكنولوجي الذي يمكنها من زيادة الكفاءة في استخدام الطاقة من جهة،

واستخدام الطاقة الجديدة والمتجددة من جهة أخرى.

هذا يعني أن منحنى استهلاك الطاقة في الدول الناشئة

سيكون أخفض من منحنى استهلاك الطاقة التاريخي في الدول الصناعية،

ويكون منحنى استهلاك النفط أخفض بكثير من منحنى استهلاك النفط تاريخيا في الدول الصناعية.

2- نظرا للتقدم التكنولوجي المذكور سابقا، 

ونظرا لسياسة الطفل الواحد في الصين وانخفاض عدد المواليد من ارتفاع الدخل في الدول الناشئة

فإن النماذج الرياضية توضح

 أن هذه الدول ستصل إلى ذروة استهلاك الطاقة قبل الذروة التي وصلتها الدول الصناعية بسنوات طويلة.

مثلا، 

إذا استغرق وصول الدول الصناعية إلى ذروة استهلاك الطاقة 150 عاما،

فإن الدول الناشئة قد تصل إلى تلك الذروة خلال 60 عاما.

3- إذا نظرنا إلى منحنيات استهلاك الطاقة التي تقارن الصين والهند بالدول الصناعية،

نجد فعلا أن استهلاك الفردين الصيني والهندي يعادل ما كان يستهلكه الفرد الأمريكي منذ 100 عام تقريباً.

والذين يتوقعون نموا مماثلا لاستهلاك الفرد الأمريكي في كل من الصين والهند خلال العقود القادمة

يتجاهلون حقيقة لا يمكن التغاضي عنها إطلاقا 

وهي أن هذا النوع من المقارنات يركز على البيانات الأوروبية والأمريكية في فترات الاستقرار السياسي.

بعبارة أخرى، حتى تكون المقارنة والاستنتاج صحيحا،

فإن هناك فرضا أساسيا

وهو أن الصين والهند ستنعمان بالاستقرار السياسي خلال 100 عام القادمة،

وهو أمر لا يعتقده أحد.

سأكون أكثر تفاؤلا حول مستقبل النفط

إذا تم ضمان أن الصين لن تعاني قلاقل سياسية في العقود القادمة.

4- الطلب على الطاقة في الصين والدول الناشئة 

قسمان،

 قسم ذاتي نابع من نمو الاقتصاد المحلي،

وقسم نتج عن انتقال المصانع والشركات من أوروبا وأمريكا واليابان إلى الصين إلى هذه الدول.

هذه الصناعات ستنتقل مرة أخرى إلى دول جديدة متى وصلت الدول الناشئة إلى مستوى معين من التطور.

هذا يعني أن نمو الطلب على الطاقة في كل من الهند والصين لن يستمر بالمعدلات الحالية.

5- إذا قارنا التوقعات طويلة المدى للطلب العالمي على النفط

التي تمت خلال 50 سنة الماضية بالبيانات الحقيقية

نجد أن الطلب الفعلي كان دائما أقل من المتوقع بكثير.

وعند ذكر كلمة ''كثير'' فإن الفرق كبير فعلا بكل المقاييس،

 ويتجاوز 20 مليون برميل يوميا!

خلاصة القول

 إن هذه التطورات التي تحد من نمو الطلب العالمي على النفط على المدى الطويل من حقائق الحياة،

وإن ارتفاع أسعار النفط يسرع هذه التطورات،

لذلك فإن الخوف في المستقبل ليس من ''ذروة إنتاج النفط''

إنما من ''ذروة الطلب على النفط'' ..

فهل تستوعب الدول النفطية هذا الدرس التاريخي؟

- الاقتصادية 9 اغسطس 2011

http://www.resourcecrisis.com/index.php/oil/765-lesson- from-the-history-of-oil

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق