الجمعة، 3 يناير 2014

تحديات ما بعد الموازنة

د. مقبل صالح أحمد الذكير : تحديات ما بعد الموازنة


د. مقبل صالح أحمد الذكير

ما زالت بلادنا رغم كل خطط التنمية الطموحة والموازنات الحكومية المتلاحقة،
 تواجه التحديات الاقتصادية الجسيمة نفسها التي تفرضها طبيعة اقتصادنا الريعي
الذي جعل برامج الإنفاق العام تتقلب بحدة مع تقلب إيرادات النفط،
الأمر الذي حد من آثاره الإيجابية على معدل نمو اقتصادنا.
لقد بات المخلصون يخشون من مبالغات في تقدير تكاليف المشاريع وهدرا عند التنفيذ.
في وقت نحن فيه بأمس الحاجة إلى رفع كفاءة الإنفاق لمواجهة تحديات نمو السكان بتركيبته الشبابية
التي ما فتئت تولد ضغوطا متزايدة على مختلف الخدمات العامة.
إن جدوى الإنفاق الحكومي لا تقاس بضخامة الاعتمادات المالية وإنما بفاعلية وكفاءة هذه النفقات.
ومن مقتضيات هذه الكفاءة 
- كما قال بحق زميلنا الدكتور عبد الرحمن السلطان -
فصل السياسة المالية عن إيرادات النفط،
حيث ينمو الإنفاق الحكومي بمعدلات مستقرة لا تتأثر بالتذبذبات التي تحدث في أسعار النفط مهما كانت حدتها.
 ثم تقدير الإنفاق بما يناسب الطاقة الاستيعابية لاقتصادنا،
والحد من الإنفاق الحكومي الاستهلاكي غير الضروري،
وجدولة المشاريع التي هي تحت التنفيذ حاليا على فترات أطول.
علينا أن نتعامل مع فوائض النفط وفق منظور طويل الأمد،
فلا يصح أن نقع تحت وهم الأمن المالي وقت ارتفاع عوائد النفط،
فنقبل الإنفاق على مشروعات غير مجدية أو غير ضرورية.
إن إهمال هذه الترتيبات يجعل عامة المواطنين ضحية التأثير التضخمي لهذه النفقات.
ويجعل طلب المقاولين المنفذين للمشاريع الحكومية مزاحما لطلب الناس على حاجاتهم فيؤذيهم لأن دخولهم ثابتة؛
 ما يجعلهم غير قادرين على مجاراة مقاولين صبت المليارات صبا في حساباتهم المصرفية.
لهذا ما زال القلق ينتابنا حول مدى نجاحنا في الاستفادة من فوائض إيرادات النفط
في بناء قاعدة إنتاجية وخدماتية قادرة على تنويع اقتصادنا،
وعلى فك الاختناقات في مختلف القطاعات،
وعلى توليد وظائف كافية لاستيعاب أبنائنا المتوقع تخرجهم في الداخل والخارج.
لقد ظلت مشكلتنا على الدوام مشكلة إدارية ورقابية أكثر من كونها مشكلة توفير اعتمادات مالية.
إن اقتصادنا في حاجة إلى تطوير عمل الأجهزة الحكومية
ليس بزيادة تدخلها إداريا في حياة الناس والشركات،
وإنما باتجاه تسهيل شؤون حياتهم وتحسين طرق ممارسة نشاطاتهم.
وما من سبيل لبلوغ هذه الغايات سوى الاستمرار في إجراء الإصلاحات الاقتصادية والإدارية اللازمة لتوفير:
 بيئة اقتصادية صحية،
ومناخ استثماري مشجع،
وسياسات اقتصادية فعالة،
وجهاز قضائي عالي الكفاءة يضمن سيادة القانون، ويقضي على الفساد بأشكاله كافة.
لهذا كان العمل الأصعب يبدأ بعد اعتماد الموازنات.
لقد تبدلت اهتمامات الناس، وتغيرت تطلعاتهم، وزاد وعيهم،
فلم يعد يهمهم كثيرا ضخامة الأرقام أو نوع السياسة المالية
بقدر اهتمامهم بمدى نجاح هذه الاعتمادات والسياسات في توفير حاجاتهم
من السكن الملائم، والتعليم النوعي والفرص الوظيفية المناسبة، والخدمات العلاجية الكافية.
 فالاعتمادات والمشاريع التي لا تسهم في تقديم حل استراتيجي دائم للاختناقات المتأزمة
التي يعانون منها في مختلف القطاعات،
وتلك التي لا تولد فرص عمل جديدة لشبابهم،
وإنما تولد فرصا تستفيد منها شركات وأيد عاملة أجنبية، لن تهمهم من قريب أو بعيد.
ولهذا، لم تكن التنمية في يوم مجرد زيادات كمية في مخصصات الإنفاق العام،
بقدر ما هي أيضا إدارة نوعية فذة لهذه الأموال،
تتبنى أساليب إدارية مرنة، وأفكارا تنموية محفزة، تعمل في وسط قانوني وتنظيمي متطور.
كنت قد كتبت قبل عامين متمنيا
أن نستهدف مجالا أو اثنين ونعطيهما أقصى تركيز واهتمام نوعي
 يتعدى مجرد الزيادة التقليدية في الاعتمادات المالية.
كأن نركز مثلا على قطاعي التعليم والخدمات.
ففيما يتعلق بالتعليم علينا تبني خطة شبيهة مثلا بخطة كوريا التعليمية K-12.
واليوم يحدونا الأمل أن يضطلع بهذا الدور المحوري، برنامج ''تطوير'' التعليمي
الذي يشرف عليه وزير التربية والتعليم ويحظى برعاية ملكية من لدن خادم الحرمين الشريفين - شافاه الله.
أما بالنسبة للخدمات، فإن توجيه عناية خاصة لتطوير هذا القطاع بمفهومه الواسع
يمكن أن يسهم في حل مشكلة البطالة بتوليد وظائف كافية لأبنائنا.
فهو قطاع يمكن أن يكون أكثر جذبا لقوى العمل الوطنية الجديدة في السنوات المقبلة،
إذا رافقها استراتيجية تطويره برامج تعليم وتدريب مناسبة.
كما يمكن لهذا القطاع أن يكتسب مع مرور الوقت ميزة نسبية تسمح بزيادة مساهمته في تكوين الدخل الوطني.
ومن المعلوم أن قطاع الخدمات يسهم اليوم بنسبة كبيرة في تكوين الدخل في الدول المتقدمة.
ومن أمثلة هذه الخدمات:
خدمات الحج والعمرة،
والخدمات المصرفية والمالية، 
وخدمات التأمين، 
وخدمات السياحة 
بما فيها الخدمات الطبية ونحوها.
نحن أمام تحديات جسام، ومرحلة تاريخية فاصلة،
لا مكان فيها
لمن يهدر الفرص،
ولا لمن تتقزم غاياتهم فيخلطون الشخصي منها بالقومي.
إننا إزاء مرحلة حرجة تتطلب رجالا مخلصين قادرين على مضاعفة الجهود وتقدير المخاطر
 وفهم الحاضر والبناء للمستقبل.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق