السبت، 16 نوفمبر 2013

هل يمكن أن يكون معدل الفائدة الاسمي سالبا

هل يمكن أن يكون معدل الفائدة الاسمي سالبا

هل يمكن أن يكون معدل الفائدة الاسمي سالبا (1 من 2 )

أ.د. محمد إبراهيم السقا


معدل الفائدة الاسمي هو ببساطة معدل الفائدة الذي يقوم البنك (سواء كان البنك التجاري أو البنك

 المركزي) بدفعه على المودعات لديه،

ومن الناحية النظرية يمثل معدل الفائدة الاسمي الذي يساوي صفرا في المائة، أو ما يطلق عليه أحيانا 

معدل الفائدة الصفري، أرضية معدل الفائدة الاسمي، أو الحد الأدنى الذي يمكن أن ينخفض إليه معدل

 الفائدة.

حيث لا يتصور نظريا أن ينخفض معدل الفائدة دون الصفر في المائة، أي أن يصبح معدل الفائدة 

الاسمي سالبا،

ويرجع السبب ببساطة إلى أنه إذا كان معدل الفائدة سالبا، فإنه سيكون من الأفضل لصاحب المال في هذه 

الحالة الاحتفاظ بالنقود في صورة سائلة، بدلا من إيداعها أو إقراضها والحصول على معدل عائد سالب،

 ولذلك فإنه عندما يصل معدل الفائدة إلى الصفر أو مستويات قريبة منه ينشأ ما يسمى بمصيدة السيولة،

 حيث تتوقف عمليات الإقراض، وتبدأ ظاهرة اكتناز النقود في صورة سائلة، سواء لدى الأفراد أو 

البنوك.

ولكن لماذا تنشأ مصيدة السيولة؟

 للإجابة عن هذا السؤال دعنا نتخيل أن مدخرا ما ذهب إلى البنك بمدخراته لإيداعها في البنك، فأخبره 

موظف البنك بأنه سيحصل على قيمة اسمية أقل لمدخراته بعد انتهاء مدة الإيداع، لأن معدل الفائدة الذي

 يدفعه البنك سالب،

على سبيل المثال

إذا كان معدل الفائدة الذي يدفعه البنك هو سالب 1 في المائة سنويا،

فإن ذلك يعني أن المودع لوديعة قيمتها 100 ريال أو المشتري لسند قيمته 100 ريال سيحصل على قيمة 

هذا الإيداع أو قيمة هذا السند في نهاية السنة بقيمة تساوي 99 ريالا،

 بمعنى أن المدخر أو المقرض هو الذي سيقوم من الناحية الفنية بدفع فائدة إلى البنك أو إلى المقترض من

خلال التنازل عن جزء من القيمة الاسمية لأمواله،

وليس من المتصور من الناحية النظرية أن يحدث هذا الأمر،

لأن المدخر أو المقرض الرشيد لن يجد في هذه الحالة الدوافع الكافية التي تدفعه إلى استثمار مدخراته،

 وكبديل أفضل سوف يكتنز تلك الأموال ليحصل على عائد صفري عليها، والذي هو في جميع الأحوال

 أفضل من الحصول على عائد سالب على الأموال، أي يصبح من الأفضل للفرد في هذه الحالة اكتناز

 السيولة كخيار أنسب بدلا من إقراضها بمعدلات عائد سالبة.

وعلى العكس من معدل الفائدة الاسمي، فإن معدل الفائدة الحقيقي (معدل الفائدة الاسمي مطروحا منه 

معدل التضخم المتوقع)، يمكن أن يتحول بسهولة إلى معدل سالب،

ويكمن الفرق بين معدل الفائدة الاسمي والحقيقي 

في أن معدل الفائدة الاسمي هو المعدل الذي يقوم البنك بدفعه على المودعات لديه بغض النظر عن القوة 

الشرائية لمدفوعات الفائدة على هذه المودعات،

 أما معدل الفائدة الحقيقي فيعكس القوة الشرائية للمودعات، فعندما يكون معدل الفائدة الحقيقي موجبا، أي

 عندما يكون معدل الفائدة الاسمي أعلى من معدل التضخم المتوقع، فإن ذلك يعني أن القوة الشرائية

 للمودعات سوف تتزايد مع مرور الوقت، وهو ما يمكن المودعين من إنفاق قدر أكبر في المستقبل،

الأمر الذي يشجع المودعين على الاحتفاظ بالمزيد من المودعات الآن،

أما إذا كان معدل الفائدة الحقيقي سالبا، أي عندما يكون معدل الفائدة الاسمي أقل من معدل التضخم 

المتوقع، فإن القوة الشرائية للمودعات تتراجع بمرور الوقت، الأمر الذي يدفع بالادخار نحو التراجع

 الآن، ومن ثم زيادة مستويات الإنفاق الاستهلاكي.

معدل الفائدة الاسمي السالب يعد إذنا بمثابة عقاب مالي أو ضريبة تفرض على كل من يحتفظ بمودعاته 

بالعملة ذات معدل الفائدة السالب،

 وعندما يقوم البنك المركزي بفرض معدل فائدة سالب على مودعات المصارف لديه،

فإنه يهدف في هذه الحالة إلى الحد من إقبال البنوك على الاحتفاظ بفوائض السيولة لديها في البنك 

المركزي، أي أنه يقوم بتغريم البنوك على أصولها غير المستخدمة في عمليات الإقراض، وإجبار تلك 

البنوك على إقراض فوائض السيولة لديها.

معدل الفائدة الاسمي السالب سوف يساعد إذن على خروج السيولة من البنوك،

لسببين

الأول هو امتناع البنوك عن إيداع فوائض السيولة لديها لدى البنك المركزي بسبب سياسة معدل الفائدة

 الاسمي السالب، لأنها سوف تحقق في هذه الحالة خسائر ناجمة عن انخفاض القيمة الاسمية لتلك

 المودعات المصرفية لدى البنك المركزي،

 الثاني هو حرص البنوك على زيادة الإقراض مع تراجع معدلات الفائدة الرسمية لدى البنك المركزي إلى

مستويات سالبة لتحقيق أي قدر من الفوائد الموجبة على فوائض السيولة لديها.

يفترض إذن أن معدل الفائدة الاسمي السالب يساعد على تشجيع مستويات الإنفاق على المستوى الكلي،

حيث يؤدي ناحية إلى زيادة إقبال قطاع الأعمال على الاقتراض لأغراض الاستثمار، بسبب انخفاض 

تكلفته في ظل معدلات الفائدة السالبة،

كما أنه أيضا يشجع أيضا الإنفاق الاستهلاكي من قبل القطاع العائلي لتجنب الفائدة السالبة على مدخراته، 

حيث سيكون من الأفضل للقطاع العائلي إنفاق هذه المدخرات بدلا من الحصول على عائد سالب عليها 

في حال إيداعها في البنوك،

أو يشجع الأفراد على زيادة استخدام البطاقات الائتمانية للاستفادة من تكلفة الاقتراض المنخفضة،

 أو يتزايد إقبال الأفراد على الاقتراض من البنوك لتمويل إنفاقهم الاستهلاكي،

خصوصا من السلع المعمرة،

وهو في جميع الأحوال يؤدي إلى زيادة مستويات الإنفاق الكلي، وهو ما يؤدي إلى مزيد من التوظف 

لمواجهة هذه الزيادة في الطلب.

غير أن هناك مخاطر محتملة في ظل هذا المناخ،

إذ ربما لا يجد المقترضون من يقرضهم عند هذه المعدلات السالبة بسبب انتشار مصيدة السيولة،

 حيث يصبح اكتناز السيولة أفضل من معدل الفائدة السالب.

أو أن يقوم الأفراد بالتخلص من السيولة من خلال عمليات شراء سلع معمرة مثل السيارات أو التعجيل

 ببعض مشروعاتهم المؤجلة مثل شراء مسكن.

غير أنه يمكن في هذه الحالة إجبار المكتنزين على استخراج السيولة وإقراضها، على سبيل المثال من خلال فرض ضرائب على السيولة.

الفكرة الأساسية من معدل الفائدة السالب إذن

هي التشجيع على إنفاق الأموال بدلا من ادخارها،

كما أن هذه السياسة سوف يترتب عليها مزيد من الاقتراض ومن ثم دفع مستويات الطلب الكلي

 ومستويات التوظف بالتبعية.

 إذا كان الأمر كذلك،

 فإن معدل الفائدة الاسمي السالب يمكن أن يكون من السياسات النقدية التي يمكن استخدامها في أوقات

 الكساد.

http://www.aleqt.com/2009/12/11/article_314574.html


هل يمكن أن يكون معدل الفائدة الاسمي سالبا؟ (2 من 2 )

أ.د. محمد إبراهيم السقا


منذ أن بدأت الأزمة المالية العالمية، والأصوات تتعالى بضرورة أن تجرب البنوك المركزية أسلحة غير

 تقليدية لمواجهة الأزمة، 

ومن هذه الأسلحة غير التقليدية فرض معدلات فائدة سالبة على مودعات البنوك لدى البنك المركزي، 

وذلك لإجبار تلك البنوك على الاستمرار في ممارسة دورها التقليدي في الاقتصاد كوسيط مالي بعد أن 

توقفت معظم البنوك عن الإقراض، مما يسهم في تعميق مستويات الكساد.

على سبيل المثال

 قام بنك إنجلترا (البنك المركزي البريطاني) بضخ أكثر من 140 مليار إسترليني في الاقتصاد المحلي

 من خلال شراء البنك لسندات حكومية وأصول شركات، بصفة خاصة من البنوك التجارية،

ومن الناحية النظرية يفترض أن تقوم البنوك باستخدام هذه الأموال لأغراض عمليات الإقراض لقطاع

 الأعمال والقطاع العائلي الأمر الذي يحفز مستويات الإنفاق الكلي ورفع مستويات التوظف.

غير أن الذي حدث هو أن معظم هذه الأموال انتهت عند بنك إنجلترا نفسه في صورة مودعات 

للمصارف البريطانية.

كذلك واجهت اليابان المشكلة نفسها سابقا، عندما رفضت البنوك اليابانية الاستمرار في عمليات 

الإقراض على الرغم من تحفيز البنك المركزي بسبب سوء الأوضاع المصاحبة للأزمة،

 وواقع الحال يشير إلى أن البنوك في معظم دول العالم تقلص من عمليات الإقراض، وأن ودائع 

المصارف لدى البنوك المركزية أصبحت إحدى السمات الملازمة للأزمة في معظم دول العالم.

هناك بنك مركزي واحد في العالم أخذ زمام المبادرة وأعلن تبني سياسات معدل الفائدة السالب على

 المودعات المصرفية.

فقد دفعت الأزمة الاقتصادية بالبنك المركزي في السويد إلى التوقف عن اعتبار الصفر أرضية لمعدل

 الفائدة الاسمي،

وبدءا من الثامن من تموز (يوليو) 2009، وفي خطوة غير مسبوقة في التاريخ أعلن ريكسبانك (البنك 

المركزي السويدي)، أن سعر الفائدة على المودعات المصرفية لديه، أي المعدل الذي تحصل عليه 

البنوك على مودعاتها لدى البنك المركزي السويدي، هو سالب 0.25 في المائة،

وهو ما يعني عمليا تخفيض سعر النقود إلى أدنى من الصفر،

وهي أول مرة يخترق فيها بنك مركزي أرضية معدل الفائدة (معدل الفائدة الصفري) في التاريخ.

بالنسبة للبنوك السويدية فإن هذا المعدل يعد بمثابة فرض ضريبة على احتياطيات البنوك النقدية لدى

 ريكسبانك.

أي أن البنك المركزي في السويد يجعل معدل الفائدة على مودعات البنوك عقابيا، حيث تصبح المودعات

 لدى البنك المركزي أمرا مكلفا للبنوك،

وهو ما يجبر البنوك التي لديها مودعات لدى البنك المركزي على أن تدفع للبنك المركزي فائدة 0.25 

في المائة لكي تحتفظ بمودعاتها لديه.

فكيف للبنوك أن تفعل ذلك وهي مطالبة في الوقت ذاته بدفع فائدة لمودعي هذه الأموال لديها؟

البنوك التجارية لن تجد أمامها إذن سوى خيار واحد، وهو إقراض فوائض السيولة لديها، بدلا من 

إيداعها لدى البنك المركزي بمعدلات فائدة سالبة،

وهو ما يضمن تأكد البنك المركزي بأن البنوك ستقرض فوائض السيولة لديها، 

وأن القطاعات المختلفة في الاقتصاد المحلي ستحصل على الائتمان اللازم لها.

إن الهدف المعلن لسياسة معدلات الفائدة السالبة هو تشجيع البنوك التجارية على الإقراض لأنها بهذا

 الشكل تتجنب ببساطة معدل الفائدة العقابي،

ومن ثم تمارس دورها التقليدي كوسيط مالي يحقق هامش وساطة يتمثل في الفرق معدل الفائدة الذي 

تدفعه للمودع، ومعدل الفائدة الذي يدفعه المقترض،

وذلك لفك حالة مصيدة السيولة التي يعانيها الاقتصاد السويدي،

أي عدم خروج النقود من البنوك إلى الاقتصاد الحقيقي نتيجة للجوء البنوك إلى اكتناز الأموال بسبب 

حالة عدم التأكد حول الأداء الاقتصادي على المستوى الكلي.

وللتقليل من آثار مثل هذه الخطوة على عمليات الإيداع الجديد في البنوك السويدية

قامت الحكومة أيضا بإقراض البنوك نحو 100 تريليون كرونة سويدية (13 مليار دولار) بمعدل فائدة

 ثابت لكي تشجعها على الإقراض

وذلك لمحاولة الخروج من أسوأ حالة ركود تشهدها البلاد منذ الحرب العالمية الثانية،

حيث يتوقع أن تشهد البلاد هذا العام انخفاضا في مستويات الاقتصادي بنسبة 5.4 في المائة هذا العام، 

لذلك يحرص البنك المركزي على أن يشجع البنوك على بدء عمليات الإقراض للشركات وللأفراد.

من الممكن طبعا أن يكون معدل الفائدة الحقيقي سالبا، وذلك عندما يكون معدل التضخم المتوقع أعلى من

 معدل الفائدة الاسمي.

أما أن يكون معدل الفائدة الاسمي سالبا، فهذا بالتأكيد سياسة جديدة على العالم،

ولذلك فإن البنوك المركزية في العالم تتابع عن كثب ما ستنتهي إليه التجربة السويدية، والتي ربما، في

 حالة نجاحها، تؤدي إلى تغيير مفاهيمنا عن السياسة النقدية في أوقات الكساد.

بل إن هناك بعض الدلائل التي تشير إلى أن الخطوة الجريئة التي أقدم عليها ريكسبانك جذبت الاهتمام

 العالمي ودفعت بعض البنوك المركزية في العالم إلى التفكير بصورة جدية في جدوى تبني تلك الخطوة،

 على سبيل المثال

أعلن البنك المركزي البريطاني أنه ربما يتبع المثال السويدي بعد أن أصبحت الخيارات محدودة أمامه

 للخروج من الأزمة الحالية.

كذلك قام الاحتياطي الفيدرالي في الولايات المتحدة أخيرا بخفض معدل الفائدة إلى 0.005 في المائة،

 في إشارة إلى أنه في حالة استمرار الأوضاع في الاقتصاد الأمريكي سيئة،

فمن الممكن أن يقوم الاحتياطي الفيدرالي بالمضي قدما نحو معدل فائدة سالب على الدولار.

ولكن ما مخاطر تلك الخطوة التي أقدم عليها بنك السويد المركزي؟

من الممكن أن يترتب على الخطوة السويدية مجموعة من الآثار الخطيرة

أهمها

 إمكانية حدوث حالات خروج هائلة للأموال من القطاع المصرفي إلى الخارج السويدي 

بحثا عن معدلات عائد أعلى على فوائض السيولة لديها، بدلا من إيداعها لدى بنك السويد المركزي،

الأمر الذي يمكن أن يحدث تراجعا كبيرا في قيمة الكرونة السويدية،

المشكلة الثانية هي أن سياسة معدلات الفائدة السالبة تعد من السياسات الجديدة تماما،

حيث لم تطبق سابقا على نحو رسمي في أي دولة في العالم، ومن ثم تظل السياسة تحت التجربة، وغير

 معلومة النتائج مما يشيع حالة من عدم التأكد،

وأخيرا فإنه من المحتمل أن يكون لهذه السياسة آثارا سيئة على سوق النقود،

ومن ثم من الممكن أن تشجع من عمليات المضاربة، بما تخلقه من مخاطر جمة.

إذا نجحت الخطوة السويدية فإنها ستشجع الكثير من البنوك المركزية في العالم على تبني هذه السياسة،

 وفرض معدلات فائدة سالبة على المودعات المصرفية في أوقات الأزمة،

وسيضاف معدل الفائدة السالب بالتالي إلى سلة السياسات النقدية التي تستخدمها البنوك المركزية في 

أوقات الكساد.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق