السبت، 26 أكتوبر 2013

لمحات من تاريخ الدولة العراقية وسياساتها في الثروات الطبيعية

لمحات من تاريخ الدولة العراقية  وسياساتها في الثروات الطبيعية


احمد عبدالهادي الجلبي 

عند تأسيس الدولة العراقية الحديثة 

كان أهم مصدر لدخلها هو المبالغ التي خصصتها الحكومة البريطانية لمساعدة العراق 

وكذا التمويل المالي الذي قدمه الجيش البريطاني للحكومة آنذاك لأن القطاع الزراعي كان بحالة سيئة.

ورغم أن النفط كان في أرض العراق منذ الأزل إلا أن عمليات استخراجه واستثماره بشكل حديث

 لم يتم العمل على إنجازها إلا على يد شركة ( IPC)

واستخرجت نفط العراق لأول مرة عام 1928 ليمثل مصدر دخل للعراق 

إلا أن حصة الأسد من ريعه كانت تذهب لهذه الشركات الأجنبية واستمر الأمر كذلك حتى عام 1951 

عندما رضخ البرلمان الإيراني لدعوة السياسي البارز الدكتور محمد مصدق(1880-1967)

لتأميم شركات النفط. وفي عام 1952

قررت الشركات الأجنبية إصدار قانون المناصفة بتوزيع عوائد النفط بينها وبين دول المنطقة ومنها العراق. 

فقامت الحكومة العراقية في حينها بخطوة مهمة جدا

عندما بادرت بتخصيص ريع النفط بنسبة 100% وبعد ذلك بنسبة 70% ليكون خاصا بميزانية (مجلس الأعمار) 

الذي أسسه (مجلس النواب) آنذاك برئاسة رئيس الوزراء وبعض الخبراء، 

وكانت مهمة (مجلس الأعمار) 

التخطيط للمشاريع الكبيرة وتنفيذها وبميزانية خاصة لا علاقة لها بميزانية الدولة، 

فأُنجزت مشاريع سدود دوكان ودربندخان والثرثار والحبانية وقنوات الري وقصر الرئاسة ومبنى وزارة الدفاع الحالية 

التي كانت بناية مجلس النواب سابقاً وخط السكك ومحطة القطار العالمية في منطقة العلاوي 

وهذه الأعمال تركت الأثر الإيجابي الطيب في نفوس العراقيين زمن ذاك. 

إلا أن ثورة 14 تموز 1958 ألغت هذا المجلس ودمجت ريع النفط تماماً مع ميزانية الدولة العامة 

واعتمدت على الوزارات في تنفيذ مشاريع الأعمار 

وبذلك أنهت وجود هيئة مختصة للأعمار

ولم يتم مناقشة هذا القرار ومراجعته لانشغال العراقيين آنذاك بالأحداث السياسية.

ولنذكر بقانون رقم (80) الذي صدر في عام 1960 

والذي مُنعت بموجبه الشركات الأجنبية المنقبة عن النفط في بلادنا،

هذا القرار كان يُعد وطنياً وواجه ترحيباً حاراً من قبل الشعب العراقي يوم ذاك،

 واعتبروه تخلصاً من احتكار شركة (IPC). 

التي خرجت من العراق وتوجهت صوب الخليج العربي لتباشر نشاطاتها هناك 

وبدأت بالبحث واستخراج النفط في أراضيهم 

فكانت قراراتنا السياسية سبباً في تطور الخليج العربي وتطوير صناعة النفط لديه! 

في حين تراجعت صناعته في العراق وتراجعت عمليات التنقيب والاستخراج 

وأصبح قطاعنا النفطي دون مستوى السعودية والكويت والإمارات 

كل ذلك بسبب ظروف العراق السياسية وأساليب إدارته التي أتبعت.

وينبغي أن نذكر المواطن العراقي إن العالم برمته فيه (18) حقلاً نفطياً عملاقا نصفه في بلادنا!!!

ودعونا نتحدث قليلاً عن تطور صناعة النفط في الدول المحيطة مقارنة بالعراق. 

لدينا الآن مصفى الدورة الذي تأسس عام 1955 ويعمل بطاقة (90) ألف برميل يومياً 

بينما دولة السعودية أسست استثمارا نفطياً بقيمة (12) مليار دولار لبناء مصافٍ جديدة من أجل تصدير المنتجات 

النفطية وليس إنتاج النفط الخام!

بينما ما زال العراق يستورد مشتقات النفط بل ويعاني المواطن من أزمات حادة في الوقود الغازي والنفطي!

هذه المسألة -مسألة مشتقات النفط- تحتاج إلى (7) سنوات ضمن برنامج عمل أعماري تقني حقيقي

 لمعالجتها جذريا وتحقيق الاكتفاء الذاتي بل والتصدير إذا بدأنا العمل منذ الآن .

إن العراق طبقا للدراسات الاقتصادية بحاجة إلى (22,000,000) لتر بنزين و(22,000,000) لتر كازويل 

فيما كانت حاجة البلد أواخر أيام النظام السابق (15) مليون لكليهما.

وينبغي أن نناقش مشكلة حقيقة تتعلق بالميزانية العامة والاعتماد التام على النفط لتغطية ميزانية الدولة.

هذه السياسة البائسة وغير الحكيمة غطت على سوء الإدارة حكومياً التي أدت إلى خراب القطاعات الأخرى 

كالقطاع الزراعي والصناعي والتجاري وغيرها،

فالزراعة على سبيل المثال دُمرت بعد أن حل الاستيراد بديلاً عنها 

فلماذا نزرع الأراضي وميزانية البترول كافية للاستيراد! 

لماذا نزرع ونحصد ونحقق اكتفاءً ذاتيا بل ونصدر من منتجاتنا إذا كانت الحكومة لا تكلف نفسها بإصلاح الأراضي الزراعية 

ودعم الفلاحين وسن القوانين الخاصة بهم وبملكية الأرض وتنمية وتطوير قنوات الري وشبكات البزل؟

الخاتمة

نود في الخاتمة أن نتحدث عن ضرورة الخروج من اعتماد النفط بوصفه الشريان المغذي لميزانية الحكومة 

والإعلان الواضح والتنفيذ الفعلي لحقيقة أن الثروة الغازية والنفطية هي ملك الشعب العراقي.

إن الظروف السياسية والإدارات الفاشلة التي حكمت العراق

هي التي جعلتنا نعيش وهم الاعتماد التام على النفط بوصفه المصدر الأساسي لرؤوس الأموال العراقية حكومياً. 

في حين نحن نرى أن العديد من الدول متقدمة اقتصاديا وبوضع أفضل بكثير من العراق وهي لا تملك النفط.

وعلى سبيل المثال 

يمكن أن نذكر تجربة تركيا التي عمدت منذ الثمانينات إلى الإنتاج وتبني سياسة (تراكم رأس المال) 

فأصبحت وهي الدولة غير النفطية تتمتع بنظام اقتصادي ممتاز في المنطقة.

بل أن أكثر الدول غنى في العالم لا ثروة نفطية لها 

فسويسرا الأكثر غنى في أوربا كلها لا تملك سوى الطبيعة الجميلة من جبال ووديان ومناظر وصناعة الساعات 

وعلى ذات المنوال سائر الدول الأوربية 

التي يُضرب المثل بها وبمستوى دخل مواطنيها وعمرانها وتحضرها رغم أنها دول غير نفطية.

أما بلدنا الذي يملك الطاقات والموارد الطبيعية والبشرية

وفي أرضه ظهرت الزراعة وبناء المدن قبل (10) ألاف عام فأمنوا الغذاء وأسسوا الحضارات 

فسكانه اليوم يلهثون لتأمين غذائهم وخبزهم ومائهم حتى باتت هذه الأوليات هي أهم أهدافه من الحياة

في حين أن تلك الأمور حقوق طبيعية للإنسان 

في الدول المتقدمة بل وفي الدول المحيطة بالعراق إقليميا ودول الخليج العربي.

https://www.facebook.com/iraqchangeline/posts/517631464993161

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق