في عام 1975، كان معدل صرف الدولار أقل من عشر روبيات هندية، ومنذ ذلك الوقت ومعدل صرف الدولار يرتفع بشكل شبه مستمر، حتى اقترب من حاجز الـ 70 روبية الأسبوع الماضي،
ففي 28 آب (أغسطس) الماضي ارتفع معدل صرف الدولار إلى 68.825 روبية، قبل أن يتراجع بشكل محدود حاليا،
وبكل المقاييس تعد الروبية الهندية أسوأ العملات الآسيوية أداء لهذا العام،
فمنذ بداية العام وحتى الآن فقدت الروبية نحو ربع قيمتها،
فما أهم العوامل المسؤولة عن هذا التراجع؟
قيمة العملة المحلية لدولة ما
هي أحد أهم المؤشرات على صحة اقتصادها المحلي،
وعندما تتراجع العملة المحلية، فإن ذلك يعني أن الاقتصاد يواجه مصاعب تتعلق بقدرته على تعبئة موارد النقد الأجنبي من مصادره المختلفة، وهذا هو الواقع الذي يعيشه الاقتصاد الهندي حاليا.
تتعدد العوامل المسؤولة عن تراجع الروبية الهندية،
وأهم هذه العوامل هو تراجع معدلات النمو،
فمنذ نشوء الأزمة المالية العالمية ونمو الاقتصاد الهندي يتراجع بعد معدلات النمو الاستثنائية التي حققها حتى 2008.
لم تكن الهند هي الاقتصاد الناشئ الوحيد الذي واجه هذه المصاعب في النمو بعد الأزمة ولكنه من أكثرها تأثرا،
فمعظم قطاعات الاقتصاد الهندي، بصفة خاصة القطاع الصناعي والتعدين،
شهدت انحسارا في مستويات نشاطها ومعدلات نموها، وهو ما انعكس في صورة ارتفاع معدلات البطالة.
آخر البيانات المتاحة تشير إلى أن الاقتصاد الهندي نما بمعدل 4.4 في المائة في الربع الثاني من هذا العام،
وهو معدل أقل من معدل النمو المتوقع الذي كان يدور حول 4.7 في المائة،
بينما كان معدل النمو ضعف هذا المعدل تقريبا في سنوات الرواج،
الأمر الذي عزز المخاوف حول تراجع معدلات النمو عن المعدل المحقق خلال العقد الماضي.
من ناحية أخرى، يمثل عجز ميزان المدفوعات أحد الأسباب الأساسية المسؤولة عن التراجع في معدل صرف الروبية،
ويرجع ذلك الخلل الواضح بين صادرات الهند ووارداتها من الخارج، مع عجز الدولة عن تدبير الكميات المناسبة من النقد الأجنبي التي تكفي لتمويل احتياجاتها من الواردات من الخارج.
لقد أدى ارتفاع أسعار النفط إلى ضغوط شديدة على الروبية، حيث تستورد الهند نحو 80 في المائة من احتياجاتها من النفط من الخارج.
المشكلة الأساسية هي أن ضعف الروبية يؤدي إلى تعقيد وضع الميزان التجاري للهند
لأنه يؤدي إلى تزايد الطلب على الذهب الذي ينظر إليه على أنه ملجأ ضد التضخم،
حيث تقدر واردات الذهب في 2013 بنحو 1017 طنا،
في الوقت الذي تستهدف فيه الحكومة قصر واردات الذهب على 700 طن فقط.
من الواضح أن أكبر سلعتين تستوردهما الهند هما الذهب والنفط،
وعندما ترتفع أسعار النفط ترتفع فاتورة الواردات وبالتالي تتراجع قيمة الروبية
الأمر الذي يصب في زيادة الطلب على الذهب الذي يستورد أساسا من الخارج.
المشكلة هي أن تراجع قيمة العملة يؤدي إلى تعقد وضع الميزان التجاري في حالة عدم استجابة الصادرات، لأن انخفاض قيمة العملة يؤدي ارتفاع فاتورة الواردات ومن ثم تزايد العجز.
هذا التزايد في فاتورة الواردات يحدث تأثيرا مزدوجا،
فمن ناحية يؤدي إلى تراجع قيمة الروبية،
ومن ناحية أخرى، يؤدي تزايد الحاجة إلى رفع ميزانيات الدعم لكي تحافظ الحكومة على أسعار السلع للطبقات المستحقة.
يؤدي تزايد الإنفاق على الدعم إلى سوء وضع العجز المالي مع تزايد تكلفة الوقود وارتفاع أسعار الواردات،
وهناك تخوف من أن تؤدي خطط الغذاء الرخيص التي تتبعها الهند إلى زيادة عجز الميزانية.
فأخيرا تم إقرار خطة لرصد 20 مليار دولار لتوفير الحبوب الرخيصة للفقراء،
وهو ما أدى إلى تصاعد المخاوف حول تزايد العجز بصورة أكبر في المستقبل،
بالطبع عندما ترتفع ميزانيات الدعم الحكومي فإن عجز الميزانية يتعمق مما يؤدي إلى زيادة الحاجة نحو المزيد من الاقتراض وارتفاع مستويات الدين المحلي.
في ظل هذا الوضع يصعب أن تلزم الحكومة نفسها بنسبة عجز الميزانية المستهدفة الناتج،
الذي يصل إلى 4.8 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي،
ومن المؤكد أنه مع تزايد الضغوط المالية ستضطر الحكومة إلى تخفيض بعض الجوانب الأخرى من إنفاقها العام،
وهو ما سيؤدي إلى آثار معاكسة على النمو الضعيف أساسا.
أكثر من ذلك فإن استمرار ضعف الروبية مع ضعف النمو يضع صانع السياسة النقدية في مأزق،
فلو حاول أن يرفع من معدلات الفائدة لكي يساند الروبية، ويحارب التضخم الذي يبلغ نحو 6 في المائة حاليا، فإنه سيؤدي إلى تراجع النمو بصورة أكبر.
لقد أدى تزايد واردات الهند من النفط والذهب إلى ارتفاع نسبة العجز في الناتج المحلي،
الأمر الذي أدى إلى تراجع ثقة المستثمرين بالاقتصاد الهندي، وهو رابع العوامل المسؤولة عن تراجع الروبية،
وقد فشلت الحكومة حتى الآن في أن تقنع المستثمرين الأجانب بأن يضخوا رؤوس أموال في الاقتصاد الهندي،
ويمكن القول بشكل عام
إن انسحاب الاستثمارات من الهند يتوافق مع اتجاهات التدفقات الخارجية للأموال الأجنبية من أسواق الدول الناشئة بعد إعلان الاحتياطي الفيدرالي أنه سيوقف برنامج شراء السندات، في إشارة إلى تحسن الوضع الاقتصادي في الولايات المتحدة،
حيث تسعى أموال صناديق الاستثمار حاليا خلف العوائد الأعلى في الغرب،
وهو ما أدى إلى ضغوط على عملات الدول الناشئة،
مثل الروبل الروسي والريال البرازيلي والراند الجنوب إفريقي والروبية الإندونيسية والليرة التركية.
حاولت الحكومة الهندية التعامل مع نتائج التراجع في قيمة العملة باتخاذ مجموعة من الإجراءات
كان من أهمها رفع الضريبة على واردات الذهب من الخارج من 2 إلى 8 في المائة،
كما حاول البنك المركزي وقف الضغط على الروبية من خلال فتح نافذة خاصة للشركات النفطية المملوكة للدولة للسماح لها بشراء احتياجاتها من الدولار التي تقدر بنحو 8.5 مليار دولار شهريا بشكل مباشر لشراء النفط من الخارج، الأمر الذي أدى إلى تراجع سعر الدولار لنحو 67 روبية حاليا،
كذلك حاولت الحكومة فتح القطاعات المختلفة أمام الاستثمار الأجنبي ليشمل قطاعات مثل الدفاع وتجارة التجزئة والتأمين وذلك لجذب المستثمرين الأجانب، غير أن الحكومة فشلت حتى الآن في أن تقنع المستثمرين الأجانب بأن يضخوا رؤوس أموال إضافية في الاقتصاد الهندي.
ويمكن القول
إنه على الرغم من هذه المحاولات لمساندة الروبية، فإن تراجع الروبية سيستمر لأنه ذو طبيعة هيكلية، ولن تتحسن الروبية ما لم تتحسن أوضاع الاقتصاد الهندي.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق