ابريل 2012
- سان تزو (227 - 184 قبل الميلاد)، جنرال عسكري صيني،
ويعتبر من أكثر الشخصيات إثارة للجدل في التاريخ الصيني.
هو مؤلف كتاب فن الحرب، ويعتبر من أهم فلاسفة الحرب الصينيين.
يعد مفهوم القوة من المفاهيم المركزية في علم السياسة، بل ومن المفاهيم القديمة "المنتشرة" في تراث الحضارات القديمة.
فعلي سبيل المثال، كانت القوة في الحضارة الصينية تعني "القدرة علي شن الحروب"،
حتي إن فيلسوف الحرب الصيني، سان تزو،
ذكر في كتابه فن الحرب The Art of War
أن "العمليات العسكرية مهمة للأمة،
هي أساس الموت والحياة، وطريق النجاة والدمار،
لذا لابد من اختبارها" (1).
كما تعد القوة من المفاهيم المعقدة، التي رغم بساطتها الظاهرية،
من حيث كونها كلمة تتألف من خمسة أحرف،
فإنه من الصعوبة تحديد ما هو المقصود بالقوة فعلا.
والجدل حول معنى القوة قديم - جديد، فهناك مقولة شهيرة إن "القوة هي الحـق Might is Right".
كما جادل الفيلسوف الفرنسي، ميشيل فوكو، بأن أساس القوة هو التفاعل، ومن مقولاته الشهيرة:
"إذا كان يفترض في القوة أنها توجد في الكون بطريقة مركزة أو منتشرة، فإنها لا توجد على هذا النحو.
القوة توجد عندما تستخدم".
في حين جادل ألفن توفلر
بأن "المعرفة هي القوة"، وأن امتلاك المعرفة هو الأساس لامتلاك الثروة، والقوة العسكرية.
ويلاحظ أنه تاريخيا،
هناك نزوع لتضمين كل شيء في القوة،
على نحو زاد من تعقد مفهوم القوة، وجعله مفهوما مركبا متعدد الأبعاد،
حتى أصبح من الصعب ضبط أنماط السلوك التي تعبر عن "استخدامات" القوة.
فإذا كانت الحرب هي الشكل التقليدي لاستخدام القوة،
فإن شن الحرب لم يعد يقتصر على استخدام القوة العسكرية فقط.
فكما رأى اثنان من جنرالات الحرب الصينيين،
ليانج وإكسيانج سو، في كتابهما "حرب غير مقيدة"،
فإن كل أدوات القوة ستستخدم في الحروب
و"كل المعلومات ستكون منتشرة في كل مكان،
وستكون أرض المعركة في كل مكان" (2).
كما أن الممارسات الدولية كشفت عن أن الدولة تستطيع تحقيق أهداف سياستها الخارجية،
دون الحاجة للاستخدام "الفعلي" للقوة.
وبالتالي،
أصبحت القوة تعني كل شيء تقريبا، يسمح بممارسة الضغط النفسي والسياسي،
الذي هو جوهر القوة،
من أجل تحقيق غايات محددة (3).
ونظرا لمركزية مفهوم القوة في فهم العلاقات الدولية،
بل كل شيء في العالم،
خاصة في فكر المدرسة الواقعية،
ذهبت بعض الآراء للمغالاة في أهميتها،
من خلال التعامل مع القوة على أنها غاية في حد ذاتها.
حيث رأي جورج أرويل، الصحفي الإنجليزي المشهور، أن "غاية القوة هي القوة".
ولكن يكشف الواقع عن أن الدول غالبا لا تمتلك القوة من أجل القوة،
وإنما من أجل ممارسة التأثير في محيطها الخارجي،
ومن أجل تبني سياسة خارجية فعالة، قادرة علي تحقيق وحماية مصالحها في الخارج.
وتعد القوة كذلك من أكثر المفاهيم التي تتطور مع السياق المحيط بها،
حتى إنه يصعب تحديد نقطة النهاية في دائرة حياة مفهوم القوة.
ففي كل مرة يقع حدث كبير في العالم،
يتم الحديث في الدوائر الأكاديمية، ودوائر صنع القرار،
عن ضرورة إعادة النظر في القوة وعناصرها، وما ارتبط بها من "تقييمات"،
خاصة بأشكال القوة،
والتي من أشهرها أن القوة العسكرية هي "الشكل النهائي" للقوة،
وأن القوة الاقتصادية "حلت محل" القوة العسكرية.
حيث يظل مفهوم القوة من أكثر المفاهيم تحولا وتغيرا واستمرارا.
وقد كان للأزمة المالية العالمية التي شهدها العالم منذ 2008،
والمخاوف من تطورها خلال العام الحالي،
دور مهم في عودة الحديث عن انتقال القوة من الولايات المتحدة والدول الأوروبية إلي الصين،
في إشارة إلى تزايد أهمية الاقتصاد في تمكين الدولة من التأثير في العالم.
ولكن قابل هذا الاتجاه اتجاه آخر يتحدث عن أن القوة الاقتصادية غير كافية،
وأن القوة العسكرية للدولة هي القوة المركزية.
وهذا الجدل يعطي مبررا للسؤال الذي طرحه جوزيف ناي في أحد مقالاته،
حول أهمية القوة الاقتصادية، وما إذا كانت حلت محل القوة العسكرية أم لا (4).
وتفيد متابعة التطورات في إقليم الشرق الأوسط
بأن هناك "حدودا" للاستخدام "التقليدي" للقوة،
حتى من قبل الولايات المتحدة، حيث كشفت عن استخدامات "غير تقليدية" للقوة.
وتقدم أزمة البرنامج النووي الإيراني مثالا جيدا.
فرغم حديث إسرائيل المتكرر عن توجيه الضربة العسكرية لإيران منذ سنوات، وتأكيد إدارة أوباما أن الخيار العسكري لا يزال مطروحا، إلا أن "الضربة" لم تنفذ حتى الآن.
وفي المقابل، نفذ هجوم "افتراضي"، استهدف البنية التحتية الإلكترونية للبرنامج الإيراني، عن طريق دورة ستاكس نت.
كما تقدم الثورات التي شهدتها المنطقة العربية، خلال عام 2011، مثالا آخر،
حيث أعادت الحديث مجددا
عمن يملك القوة والقدرة علي التأثير داخل الدول،
هل هي الحكومة، أم المجتمع، أم الشارع؟
علي نحو يعيد التفكير في مقولة هانز مورجنتاو بأن "الإنسان ولد للبحث عن القوة".
وتثير الثورات العربية كذلك تساؤلات خاصة بخريطة انتشار القوة في المنطقة،
خاصة بعد أن نجحت الثورات في كل من مصر وتونس وليبيا في تغيير النخب الحاكمة،
وذلك من قبيل:
ما الذي تحتاج إليه دولة، مثل مصر أو تونس، لتتبع سياسة خارجية مؤثرة، أو للعب دور إقليمي فعال؟
وكيف ستتعامل الدول الغربية مع دول الثورات؟
فمن ناحية،
أعادت هذه الثورات الاهتمام
بعناصر القوة التي تمتلكها الدول،
وبسياسات استخدام القوة،
وعززت من أهمية أشكال أخرى للقوة، ترتكز على "سياسات" استخدام القوة،
مثل القوة الذكية والقوة المدنية.
حيث يلاحظ أن دول المنطقة، بما فيها الدول الصغيرة مثل قطر،
اتجهت لاستخدام "مركب" من عناصر القوة، منحها نفوذا وتأثيرا،
يفوق حجم النفوذ والتأثير الذي تتمتع به دول عربية أخرى،
تتفوق عليها من حيث إجمالي مقدرات القوة التي تمتلكها، مثل السعودية ومصر.
ومن ناحية أخرى، طرحت الثورات العربية تحديات للولايات المتحدة،
باعتبارها القوة الأكبر في عالم اليوم،
حيث هزت هذه الثورات "مرتكزات" القوة الأمريكية في المنطقة.
فكما ترى وزيرة الخارجية الأمريكية، هيلاري كلينتون،
خلقت هذه الثورات "عالما جديدا، وعلينا أن نحدد كيف سنتكيف معه" (5).
وفي هذا السياق،
يثير هذا العدد من الملحق النقاش مجددا
حول مفهوم القوة، والظواهر التي ارتبطت به تاريخيا،
مثل تحول القوة، وانتشار القوة، وإعادة انتشارها، وانتقال القوة، واستخدامات القوة،
في ضوء التحولات التي يشهدها الإقليم.
وفي إطار ذلك،
يتألف هذا الملحق من خمسة أقسام.
حيث تجادل أ. ريهام مقبل، الباحثة في مجلة الديمقراطية، في القسم الأول،
بأن مفهوم القوة هو مفهوم مركب، بطبيعته،
وأن امتلاك عناصر القوة لا يكفي، حتى تكون الدولة مؤثرة،
فلابد من تبني سياسات فعالة لاستخدام القوة.
وتناقش في هذا القسم
تطور مفهوم القوة، من حيث العناصر التي تتشكل منها القوة، وأشكالها المختلفة،
وأبعاد التحول الذي طرأ علي أشكال القوة، في ضوء التطورات الدولية والإقليمية،
وكيف تزايدت أهمية القوة الذكية والقوة المدنية في السياسة الدولية.
وتناقش د. سعاد محمود، المدرس بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية، في القسم الثاني،
الدورة الخاصة بمفهوم القوة، والديناميكيات التي حكمت تطور المفهوم،
والعوامل التي أدت لتحول اهتمام المتخصصين في العلاقات الدولية، وصناع القرار،
من الاهتمام بالقوة الصلبة، إلي الاهتمام بالقوة الناعمة، ثم القوة الافتراضية.
وتجادل
بأن مفهوم القوة هو مفهوم اجتماعي،
يتأثر بالتطورات التي تحدث في العالم،
خاصة ما يتعلق منها بالمصادر الفعلية والمحتملة لتهديد الأمن،
فالتغير في مضمون القوة يعد نوعا من الاستجابة للمصادر المدركة للتهديد.
ويناقش أ. علي جلال، المدرس المساعد بقسم العلوم السياسية بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية،
في القسم الثالث،
الأبعاد المختلفة لانتشار القوة،
ويحلل تأثير الثورات في انتشار القوة، باعتبار الثورات متغيرا قد يترتب عليه إعادة انتشار القوة.
ويجادل
بأن هناك طبيعة مزدوجة للآثار المترتبة على انتشار القوة،
نظرا لتعقد فكرة الانتشار ذاتها،
حيث قد تولد الصراع، وقد تولد التعاون أو التكامل.
كما يناقش د. محمد عبدالسلام، الخبير في دراسات الأمن الإقليمي، في القسم الرابع من الملحق،
استخدامات القوة بأنواعها المختلفة من قبل الفاعلين الدوليين،
ويميز بين ثلاثة أنماط للاستخدام،
هي الإقناع والمكافأة والعنف.
ويجادل
بأن اتخاذ قرار استخدام القوة، بشكل معين،
يتم في إطار عملية ديناميكية تتطور وتتصاعد، مع الوقت،
تبعا لحيوية الهدف الذي يتم العمل على تحقيقه.
فإذا فشل الإقناع، تستخدم المكافأة.
وإذا لم ينجح ذلك، غالبا ما تستخدم القوة العنيفة.
وإذا فشلت القوة العنيفة، تبدأ محاولة الانسحاب أو التسوية أو التفاهم مرة أخرى،
أو يسيطر أمر واقع غير مستقر.
ويعرض القسم الأخير من الملحق وجهة نظر أكاديمية - عملية،
حيث يحلل د. يسار القطارنة، رئيس معهد الطريق الثالث بالأردن،
تأثير التحولات التي طرأت على القوة، من حيث من يملكها، ومن حيث شكل القوة،
في وضع القوة في المنطقة العربية، بعد الربيع العربي،
مع الاهتمام بتحليل حالة قطر، وكيف استطاعت استخدام عناصر القوة المختلفة.
ويجادل
بأن قطر قد استخدمت أدوات القوة الذكية، من أجل التأثير في الإقليم،
في ظل حالة "إعادة انتشار القوة" التي يشهدها.
ولكن يرى
أن هناك قيدين رئيسيين يردان على قوة قطر،
هما
محدودية قوتها العسكرية،
وقدرتها على إدارة علاقاتها مع السعودية، الدولة المهيمنة تقليديا في المنطقة العربية.
4- Joseph S. Nye, Jr., "Has Economic Power Replaced Military Might", Jun.6,2011, project Syndicate:
http://www.project-syndicate.org/commentary/has-economic-power-replaced-military-might-
5- Lexington, "Interview with Hillary Clinton", The Economist, 22 March, 2012.
1- Sun Tzu, The Art of War, translated by Thomas Cleary,(Boston and London: Shambahala Publications, Inc., 1991), p.1.
2- Qiao Liang and Wang Xiangsui, Unrestricted Warfare, (Beijing: PLA Literature and Arts Publishing House, 1999), pp.11-31.
3- Leslie H. Gelb, Power Rules: How Common Sense Can Rescue American foreign Policy, (NewYork: Harper Collins Publishers, 2010), pp.1-10.
http://digital.ahram.org.eg/articles.aspx?Serial=887253&eid=6012
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق