السبت، 8 يونيو 2013

مراحل النمو الاقتصادي : و.و. روستو

مراحل النمو الاقتصادي  : و.و. روستو


تأليف : و.و. روستو

ترجمة : برهان الدجاني

نشر هذا العرض لكتاب روستو في نيسان / ابريل 1962 ، العدد الثامن عشر ، الرائد العربي

ليس صافي السلوك الانساني سعياً وراء شيء أقصى ، بل موازنة بين اهداف انسانية بديلة ومتناقضة في أكثر الاحيان .

و.و. روستو

1- نظرية في تاريخ النمو الاقتصادي للمجتمعات البشرية ، 

وما يرافق هذا النمو من تحول في المؤسسات غير الاقتصادية ،

 تعتمد تجريد الوقائع العامة والاساسية في تجارب النمو التاريخية المختلفة النماذج ،

 وتعميمها في " مراحل إنمائية " تتفاوت خصائصها باعتبار الدور الذي تؤديه في كل من التكنولوجيا الحديثة

وما يتولد عنها من مؤسسات .

هذه المراحل ، كما يراها روستو، ليست سوى تجريدات عامة لظروف موضوعية تاريخية .

 من هنا كان الفارق بينها وبين المراحل الماركسية .

 واما النمو الاقتصادي وما يرافقه من تحول في المؤسسات غير الاقتصادية

 فلا يرى روستو انه يعبر عن حتمية علاقة سببية من جهة العامل الاقتصادي وحده ، كما يعل الفكر الماركسي ايضاً .

 اما المراحل التاريخية للنمو ،كما يتميزها روستو ، فخمس تتدرج من : 

1 – مرحلة المجتمع التقليدي

2 – المجتمع المؤهل للانطلاق

3 – المنطلق

4 – السائر نحو النضوج

5 – مرحلة الاستهلاك الشعبي ، وهي المرحلة التي بلغتها بعض المجتمعات في عصرنا الحديث ،

 والتي تستطيع بعض المجتمعات الاخرى المتقدمة اقتصادياً ان تدخلها ساعة تشاء .

المجتمع التقليدي

مشيد اجتماعي – اقتصادي ، تنتظم مؤسساته الانتاجية وتتحدد نظريته الى العالم الطبيعي ،

 باعتبار الموروث العلمي السابق لنيوتن : معطيات التكنولوجيا الحديثة .

 اما المحدودية فهي الصفة الغالبة في المجتمع التقليدي .

 وهي محدودية لا تنفي التقدم التكنولوجي في نطاق المعطيات العلمية السابقة لنيوتن ، لكنها تضع حداً لامكانية التقدم الانتاجي ،

 بحيث لا يمكن للمجتمع ان يتعداه الا بعد ان تتم له وسائل العلم الحديث .

 ويرى روستو ان هذه المحدودية الانتاجية تحتم على المجتمع التقليدي تركيز جهود كبيرة في الزراعة باعتبارها مورداً رئيساً للحياة ،

 تكون النتيجة نشوء نظام اجتماعي هرمي قليل المرونة ، يقوم على طبقية متيبسة ، وعلى الولاء العائلي ،

 ويعتبر الارض مصدراً للقوة والجاه ، ويعتمدها رابطاً مصلحياً بين الافراد والطبقات ،

 حتى اذا واجه هذا المجتمع تحدياً خارجياً عنيفاً ، تولد فيه نوازع حركية جذرية .

 واذا ما نمت مؤسساته نمواً داخلياً تلقائياً ، على ضوء بعض المعطيات العلمية النيوتونية ، بدأت فيه نزعات للتحول ،

 ونمت بعض قطاعاته بسرعة ، وتمت له الشروط الاولى لتعدي مرحلة المجتمع التقليدي الى مرحلة اخرى .

الشروط المؤهلة للانطلاق

إن هذه المرحلة الجديدة ، أي مرحلة الشروط المؤهلة للانتقال ،

 لا تختلف من حيث البنيان الاجتماعي والقيم والمؤسسات السياسية الامركزية ، اختلافاً جذرياً عن مرحلة المجتمع التقليدي.

 ولعل الفارق الرئيس بين المرحلتين لا يعدو ان يكون فارقاً في طبيعة حركية المجتمعين .

 فحركية المجتمع التقليدي لا تتعدى اطر ذلك المجتمع لأنها حركة داخلية جزئية بالضرورة ،

 بينما تتميز مرحلة المجتمع المؤهل للانطلاق بظهور نوازع للتحول الجذري :

 تحول جذري في المؤسسات السياسية – الاقتصادية

وتوسع في أفاق المطامح الفردية والجماعية التي تدفع بافراد المجتمع الى العمل المثمر والى أخذ المبادرة .

مرحلة الانطلاق

اذا ما تعطلت العقبات التي تعترض سبل التنامي ، دخل المجتمع مرحلة الانطلاق ،

 وهي المرحلة التي تسيطر فيها القوى الفاعلة لاجل التقدم في كل مرافق الحياة ، فيصبح النمو والتنامي ظاهرة طبيعية في المجتمع .

 وهنا تختلف الحوافز الدافعة في هذا الاتجاه .

غير ان انماط التجارب التاريخية أظهرت فعالية عاملين رئيسين : التكنولوجيا و"الثورة " السياسية

بمعنى انتقال الحكم السياسي " الى جماعة تعتبر تحديث الاقتصاد قضية جدية وتعطيها المقام الاول بين القضايا السياسية " .

 وفي هذه المرحلة ترتفع نسبة التثمير من خمسة الى عشرة بالمئة،

 فتتوسع الصناعات الجديدة بسرعة وتنشط ويتم تصنيع القطاع الزراعي .

يتبع الانطلاق فترة طويلة من التقدم المستمر ، مع شيء من التقلب ،

 بينما يحاول الاقتصاد المتنامي الآن ان يعمم التقنية الحديثة على جميع نواحي نشاطه وتزاد نسبة التثمير الاهلي الى 20 بالمئة ،

 كما ينمو الانتاج باسرع من زيادة السكان .

 ويتغير في هذه المرحلة ، مرحلة النضوج ، تركيب خط الانتاج والتجارة وتنمو في المجتمع الحاجة الى استيراد سلع جديدة ،

 بينما يتمكن الاقتصاد الوطني بدوره من تصدير بضائع جديدة .

ونستطيع من ناحية الشكل ان نعرف

"النضوج "

بأنه المرحلة التي يظهر الاقتصاد فيها مقدرته على تجاوز الصناعات الاصلية التي حركت مرحلته الانطلاقية ،

 وعلى تمثل احدث الاكتشافات المعاصرة في الحقل التقني وتطبيقها على جانب كبير من موارده ، إن لم يطبقها على الموارد كلها . "

 وهذه هي المرحلة التي يظهر فيها الاقتصاد ان لديه المعرفة التقنية والمهارة الادارية

 اللتين تمكنانه من انتاج اي صنف يختاره من بين النطاق الكلي للاصناف " .

وكما دلت التجارب التاريخية ،

فان فترة الانتقال ، من بداية الانطلاق الى النضوج ، تمتد حوالى الستين سنة .

عصر الاستهلاك الشعبي

هذه هي المرحلة " التي تتجه فيها قطاعات الاقتصاد الرئيسة ، مع الوقت ، الى انتاج البضائع والخدمات الاستهلاكية الثابتة .

 وهذه الفترة هي التي يكاد الاميركيون ان يخرجوا منها ، والتي بدأت اوروبا الغربية واليابان الاستمتاع بخيراتها ،

والتي تراود دول الاتحاد السوفياتي مراودة صعبة " .

هذه هي المراحل الخمس التي يعرض لها روستو في كتابه عن مراحل النمو .

 فما هي قيمة هذا التقسيم ؟ .

2 - المرحلة التاريخية ، كتجريد لحالات تاريخية موضوعية مميزة ، لا تكون مادة لنظرية في التاريخ .

 فالمرحلة التاريخية هي مجرد اداة لتحليل السياق التاريخي وتفسيره وتوضيح دلالات الاحداث وعلاقاتها .

 فقيمة تقسيم مرحلة ما ، تعتمد اذن ،

 على شمول الدلالات الموضوعية للمراحل المحددة ،

 وعلى وضوح مراكز التحول الفارقة بينها ،

 وعلى نوعية انتظام السياق المرحلي في نمط ما محدد من حيث علاقاته الداخلية ومن حيث اتجاهه .

مسألتان يستجلبهما روستو من وجهة نظر مراحل النمو : الحرب والماركسية .

 المسألة الاولى درستها المدرسة الماركسية المتأخرة تحت عناوين الاستعمار – " الامبريالية " .

الحرب في التاريخ الحديث

نظرية مراحل النمو لا تحاول ان تقدم تفسيراً عاماً لاسباب الحروب .

 وما تحاول هذه النظرية ان تفعله هو ان تربط مراحل النمو بانواع محددة من الحروب ،

 كحروب الاستعمار وحروب العدوان الاقليمي وحروب السيطرة على ميدان القوي الاوراسيوية .

الاستعمار

هي حركة نمت في حلبة القوى الاوروبية مع اطلالة القرن الخامس عشر .

 دوافعها مختلفة ، أهمها النزاع على التجارة ،

 في إطار نظام توازن القوى الاوروبي المبني على التزاحم والهادف الى الاحتكار،

 والى تنمية المجتمعات التقليدية المستعمرة لكي تصبح سوقاً للتصدير .

 حتى اذا ما استقر الحكم الاستعماري في منطقة ما ،

 تحول دافعه الرئيس تدريجياً عن حقيقته الاقتصادية الى مسألة " الهوية القومية " ،

 وتحولت معه المصلحة الاستعمارية لتشمل الامة ، بعد ان كانت محصورة في القلة المستفيدة اقتصادياً .

 ومع هذا التحول ، تتغير نوعية المؤسسة الاستعمارية لتصبح القضية الاساسية للاستعمار ،

 قضية ممارسة القوة العسكرية للامة المستعمرة التي تريد اذ ذاك ان تفرض هيبتها كدولة ناضجة من دون ان يؤثر ذلك ،

 بالطبع ، على مصالحها الاقتصادية التقليدية .

تعتمد العلاقة بين مجتمع تقليدي مستعمر ومجتمع متقدم مستعمر ، ونضال الاول ضد الاستعمار في الاساس على مراحل النمو .

 والعلاقة مباشرة بين الاثنين .

 " فمقدرة الشعوب المستعمرة في ارغام المستعمرين على التخلي عن الحكم كانت مباشرة الارتباط بمراحل النمو " .

 ولقد كان للدروس الايجابية والسلبية التي تلقتها الشعوب المستعمرة أثرها في توليد نوع من الشروط المؤهلة لانطلاق هذه الشعوب .

 ووفق ذلك كله ، نشأ في هذه المجتمعات مفهوم قومي متعال على الروابط القديمة الدائرة حول العشيرة او الاقليم ،

 وما لبث هذا المفهوم القومي ان تبلور حول الكره المتراكم للحكم الاستعماري .

 " وفي النتيجة ، نشأ عن هذه الاطارات نصف الحديثة تحالفات محلية ولدت ضغطاً سياسياً او ضغطاً عسكرياً

 قادراً على ارغام المستعمرين على الانسحاب .

 وهكذا ، فان حروب التحرير التي تتخلل التاريخ الاستعماري ، ابتداء من حرب 1776 في اميركا حتى حرب التحرير في الجزائر ،

 مرتبطة بشكل ما بمراحل النمو ، بل هي مرتبطة على وجه التحديد بحركية فترة الشروط " .

العدوان الاقليمي

تسلسل نوع من الحروب عن مرحلة الشروط .

 التحالفات السياسية السابقة للاستقلال والملائمة لتحقيقه ، لا تنسجم مع المرحلة الاستقلالية التي تستكمل فيها شروط الانطلاق .

 فالعدوان الاقليمي ينبثق عن هذا التطور الانتقالي غير المحدد في فترة الشروط الممهدة للانطلاق ،

 كأداة للتجميع الوطني الداخلي وللكسب الخرجي الزهيد الكلفة .

النضال من اجل توازن القوى الاوراسيوي

هي الفترة التي يدرسها " الماركسيون المحدثون " تحت عنوان الاستعمار .

 فبعد مساهمة بوخارين وهيلردنغ وروزا لوكسنبرغ والاقتصادي البريطاني هوبسون ،

 ظهرت نظرية لينين التي وحدت اراء هولاء وربطت بينهم وبين الخط الماركسي الاورثوذكسي

في كتابه " الاستعمار أعلى مراحل الرأسمالية "

 ثم في مجموعة مقالاته التي جمعت تحت اسم : الاستعمار والحروب الاستعمارية " .

أما بالنسبة لروستو ، فتشير هذه الحروب

 بالتحديد الى الحرب العالمية الاولى والثانية والى الحرب الباردة التي يؤرخها منذ شهر حزيران / يونيو 1951

عندما بدأت مفاوضات الهدنة الكورية ،

 وهي حروب نمت في اوضاع " تفاوت النمو " بين دول اوروبا ثم بين دول اوروبا وآسيا ، بعد ان دخلت اليابان حلبة الصراع .

 وهذه الحروب هي محاولات لضرب التيارات التي تحاول ان تقفز من الاوضاع الدولية المتوازنة ،

 وابقاء نوع من توازن القوى العسكرية والاقتصادية في فترة النضوج .

نقد الماركسية على ضوء مراحل النمو

أوجه الشبه العامة بين التتابع التاريخي الماركسي والتحليل القائم على مراحل النمو ستة :

1 – كون النظامين يدرسان التطور المجتمعي من زاوية اقتصادية .

2 – كونهما يتفقان بان للتغير الاقتصادي نتائج اجتماعية وسياسية واقتصادية

من دون ان تجعل نظرية مراحل النمو هذه علاقة حتمية من وجهة واحدة .

3 – اتفاق النظامين حول المصلحة الطبقية ،

 لكن من دون ان تقر نظرية مراحل النمو ، هنا ايضاً ، بان العامل الطبقي هو العامل الاوحد في عنلية التغير .

4 – اتفاق حول دور العامل الاقتصادي في الحروب ، لكن من دون ان تفرده نظرية النمو .

5 – اتفاق حول مسألة الرفاه كهدف بعيد للعملية الانمائية .

6 – اتفاق عام حول طريقة التحليل القطاعية .

اما أوجه الخلاف فكثيرة وأساسية .

 روستو لا يوافق على فرضيات ماركس عن الدوافع ، خاصة دافع الربح ، ثم يعتبرالانسان وحدة اكثر تعقيداً مما افترض ماركس ،

 وبذلك لا يرى امكان افراد نزعة فيه والقول انها النزعة الوحيدة .

 ثم ان روستو لا يعتبر " صافي السلوك الانساني ... سعياً وراء شيء أقصى ،

 بل موازنة بين اهداف انسانية بديلة ، متناقضة في كثير من الاحيان ،

 ازاء مجالات الاختيار التي يرى البشر انها مفتوحة امامهم " .

 وبعد ان ينتقد روستو فرضيات ماركس ينتقل الى نقد اخطاء النظام الماركسي الفنية ،

 فيوضح رأيه في نظرية ماركس المالثوسية عن السكان وركود الاجور ونسبة الربح النازعة نحو الانخفاض

ومواقف النظام الكلاسيكي الاخرى التي تطبع الاقتصاد الماركسي .

3- ماذا يرى روستو بعد مرحلة الاستهلاك الشعبي ؟ . 

هل يستحيل التنبوء بما يأتي بعد ذلك ؟ .

إن التنبوء عملية صعبة هنا ، كما هي في كل حالة .

 الذي يقرر طبيعة المرحلة القادمة هو طبيعة تصرف الافراد في الاوضاع الجديدة .

 وقد بدأت بعض اعراض مرحلة جديدة تتضح في الولايات المتحدة الاميركية ، لكن التعميم على أساس هذه الاغراض عملية لا علمية . 

هذه الاعراض هي اتجاه عند الاميركيين لزيادة النسل وتوسيع الاسرة في وجه زيادة الدخل ،

 بدل ان تحول الزيادة الى رفع مستوى المعيشة .

غير ان التعميم ،كما قلنا ، عملية لا علمية اذا اعتمدت على اعراض جزئية خلال فترة قلقة من مراحل النمو .

4- ماذا يمكن ان نقول عن روستو ؟ . 

هل هو ماركسي ؟ .

 الواقع ان الاجابة الدقيقة على هذا السؤال هي في غاية التعقيد .

 غير اننا نستطيع ان نشير الى ظاهرتين مهمتين في تفكير روستو من شأنهما ان تضعان بينه وبين " الماركسية – العقائدية "

 حداً فاصلاً لا يصعب بعده التمييز بين خطي التفكير .

الظاهرة الاولى ان فكر روستو ، بخلاف الفكر الماركسي ، ليس فكراً مذهبياً ،

 بمعنى انه لا يحاول ان يقدم مذهباً فكرياً مغلقاً ، ولا يدعي تفسير قواعد الارتباطات المجتمعية على اساس بديهيات مطلقة ،

 لأنه ينكر ان تكون للنوازع البشرية وتيرة واحدة ، وينكر بالتالي قدرة الفكر الاجتماعي على التنبوء الدقيق والمحدد .

 هذه نقطة تميز اولى بين روستو وبين الفكر الماركسي .

 بقيت ملاحظة اخرى .

 فهنالك فارق نوعي بين الماركسية وبين نظرية روستو .

 فالماركسية ليست علماً مجرداً وحسب ، ولا هي تسجيل لوقائع التاريخ وسياقه فقط ،

 انما هي في الاصل التزام حياتي لمعطيات النظرية ، وطريقة في التفكير .

فالماركسية ليست علماً فقط ، لكنها ايضاً ، وفبل كل شيء ، مزاج فكري .

 وهنا يكمن الفارق العملي بينها وبين نظرية روستو .

" نظرية النمو " لا تقدم اكثر من سلسلة من المشاهدات العلمية ،

 ترفض ان تتنبأ على أساسها كما ترفض ان تعتبرها بالضرورة طريقة ملزمة في الحياة .

في هاتين الملاحظتين يكمن فارق اساس بين روستو وماركس .

 فان كان الاثنان قد التقيا حول "الجزئيات العلمية "

 فمما لا شك فيه ان لكل واحد منهما رأيه المستقل في قيمة هذه المعلومات ودلالاتها الاجتماعية والتاريخية .

http://www.al-hakawati.net/arabic/

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق