اللجنة العلمية | 2/8/1432 هـ
أولاً: المقصود بتبدل الدار واختلافها هو:
اختلاف الدولتين اللتين ينتسب إليها الشخصان فإن كان ذلك بين مسلمَيْن لم يؤثر شيئاً لأن دار الإسلام دار أحكام فباختلاف المنعة والملك لا تتباين الدار فيما بين المسلمين لأن حكم الإسلام يجمعهم(10).
وقد عرَّف الفقهاء دار الإسلام بأنها:
الدار التي تظهر فيها أحكام الإسلام وتقام فيها شعائره وتجري عليها أحكامه ويأمن من فيها بأمان المسلمين سواء كان مسلماً أو ذمياً(11).
فالمعتبر في كون الدار أو البلاد إسلامية
فالمعتبر في كون الدار أو البلاد إسلامية
هو سيادة سلطة المسلمين وتطبيق وإظهار أحكام الإسلام عليه سواء كان غالب سكانها مسلمين أو غير مسلمين
ومن الفقهاء من اكتفى في تعريف دار الإسلام
بغلبة الأحكام والقدر على إظهارها بحرية وأمان من غير اشتراط السيادة والسلطة والغلبة للمسلمين فيها
والصحيح ما عليه جماهير الفقهاء
فغلبة الأحكام تأتي تبعاً للسلطة وظهورها الحقيقي لن يتحقق إلا بذلك فهما شرطان لا ينفك أحدهما عن الآخر وعليهما مدار الحكم.
وهذا هو القول المتفق مع الحقيقة المقررة لمعنى الإسلام والمتناسق مع القواعد العقلية والوقائع التاريخية والمعاصرة.
وعليه لا تكون البلاد التي حكمها الكفار من بلاد الإسلام لكون الأغلب من سكانها مسلمين لأن المسلمين وإن كثروا فيها فهم مغلوب على أمرهم ما دامت السلطة ليست بأيديهم وإنما بأيدي كفرة متى رأوا ما يرضيهم منعوهم من إظهار شعائرهم.
وعليه فإن الولايات المتحدة الأمريكية مثلاً ليست دار إسلام رغم أن قانونها نص على توفر كامل الحرية لكل الديانات والدعوة إليها وإظهار أحكامها على النفس دون اعتراض من السلطات.
كما أن ألبانيا مثلاً ليست دار إسلام رغم أن أغلب سكانها من المسلمين لكن السلطة والغلبة للكفار فيها فلا بد من تحقق وصف السلطة والغلبة للمسلمين على الدار مع أمنهم وقدرتهم على إظهار أحكام الإسلام وهو تابع للأول وأما قلة السكان من المسلمين أو كثرتهم فلا عبرة بها(12).
ويقابل دار الإسلام دار الكفر
وتعاريف الفقهاء لها متفقة في المدلول والمعنى على أن دار الكفر هي:
الدار التي تظهر فيها أحكام الكفر وتكون السلطة فيها لغير المسلمين وإن كانوا قلة والمسلمون كثرة.
فلا بد من الوصفين معاً كما في دار الإسلام.
وهناك من اكتفى بغلبة الأحكام الكفرية وهذا لا يكفي لأنها لا تغلب وتظهر ظهوراً حقيقياً إلا إذا كانت السلطة والسيادة لهم.
وإن اختلاف الدارين يترتب عليه اختلاف في أحكام شرعية كثيرة
وليس المراد هنا تفصيل ذلك بل التنبيه على أصول هذه المسألة لبيان الأثر فقط،
فالأصل أن المسلم مكلف بالتزام أحكام الشريعة الإسلامية ولا أثر لاختلاف الدار والزمان والمكان في ذلك فالحلال حلال في دار الإسلام أو في دار الكفر وكذا الحرام(13).
وقد أنكر الله على اليهود الذين زعموا أن أداء الأمانة والوفاء بالعهد لا يلزم مع غير اليهود فقال سبحانه:
وقد أنكر الله على اليهود الذين زعموا أن أداء الأمانة والوفاء بالعهد لا يلزم مع غير اليهود فقال سبحانه:
(وَمِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِقِنْطَارٍ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ وَمِنْهُمْ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِدِينَارٍ لا يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ إِلَّا مَا دُمْتَ عَلَيْهِ قَائِماً ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لَيْسَ عَلَيْنَا فِي الْأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ وَيَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ بَلَى مَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ وَاتَّقَى فَإِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ) (آل عمران:75، 76).
فالاعتداء على الناس وظلمهم وخيانتهم وسفك دمائهم بغير حق محرم في كل حال ودار وما اختلف فيه الفقهاء من الأحكام التي تختلف باختلاف الدارين ليس سببه المنازعة في هذا الأصل وإنما لعلل وأسباب أخرى.
فالاعتداء على الناس وظلمهم وخيانتهم وسفك دمائهم بغير حق محرم في كل حال ودار وما اختلف فيه الفقهاء من الأحكام التي تختلف باختلاف الدارين ليس سببه المنازعة في هذا الأصل وإنما لعلل وأسباب أخرى.
فمنع الأحناف من إقامة الحدود على المسلمين في بلاد الكفر
سببه إناطة ذلك بالإمام وهو غير قادر عليه في دار حرب لعدم الولاية
ولذا لو رجع الجاني إلى دار الإسلام بعد ذلك فإنه لا يقام عليه الحد عندهم أيضاً
لأن الفعل لم يقع موجباً أصلاً
بخلاف ما لو فعله في دار الإسلام ثم هرب لدار الحرب(14).
وكذلك قالوا في سقوط القصاص:
وكذلك قالوا في سقوط القصاص:
إذا كان القتل في دار الحرب لتعذر الاستيفاء ولوجود الشبهة في وجوب القصاص لكونه في دار الحرب والقصاص لا يجب مع الشبهة.
وكذلك قالوا في الدية:
فتكون في ماله لا على العاقلة إذا كان خطأ
لأن العاقلة تتحمل عنه بطريق التعاون لما يصل إليه بحياته من المنافع من النصرة والعزة والشرف بكثرة العشائر والبر والإحسان لهم ونحو ذلك وهذه المعاني لا تحصل عند اختلاف الدارين(15).
وكراهة الفقهاء للزواج بالكتابيات إنما كان للمحاذير المترتبة على ذلك.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(10) ينظر: الموسوعة الفقهية الكويتية (2/304)، والمبسوط، للسرخسي (30/34).
(11) ينظر: بدائع الصنائع، للكاساني (7/211)، وحاشية الدسوقي (1/363)، ونهاية المحتاج، للرملي (5/456)، والموسوعة الكويتية (20/201)، والأحكام السياسية للأقليات المسلمة، سليمان توبو لياك، ص(15).
(12) ينظر: اختلاف الدارين وآثاره، د. عبد العزيز الأحمدي ص (109 وما بعدها)، وفقه الأقليات، خالد عبدالقادر ص(51 وما بعدها)، بتصرف.
(13) ينظر: الأم، للشافعي (4/24)، وأحكام الأحوال الشخصية للمسلمين في الغرب، للرافعي ص(82-90).
(14) ينظر: بدائع الصنائع، للكاساني _7/213).
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق