Hakim AL Abadi
21 نوفمبر
لغة الزهور ( 8 ) ...مهرجون وثقافة مسخ
ياسمين – 1 ... لك في عنقي ما للياسمين في عنق دمشق
الدكتور حكيم العبادي
حين سقط الاتحاد السوفيتي وإنهار جدار برلين في أواخر القرن الماضي ، صرح مدير إذاعة صوت اميركا تصريحا ً بالغ العمق لأهل الوعي ( من غير العرب طبعا ً )... قال باختصار : - ( لقد أسقطنا الاتحاد السوفيتي بصوت أميركا والكوكا كولا ) !!! ...
وهو يقصد طبعا ً : التأثير الاعلامي لإذاعة صوت اميركا وتأثير السلع الاستهلاكية على مواطني الاتحاد السوفيتي .... وكان هذا صحيحا ً إلى حد ٍ...كبير ... فقد هيأ هذان العاملان المناخَ العام لكي يضرب الفشل الاقتصادي لسياسة السوفيت ضربته القاصمة .
ما علاقة هذه المقدمة بالياسمين ؟؟؟ ... الزهرة الرقيقة ، المثيرة ، الحالمة ؟؟؟
ببساطة لأن الياسمين زهرة خطيرة !!! ... خطيرة دينيا ً... وخطيرة سياسيا ً... والدين كما هو معلوم لعبة السياسة الأولى ... وسلاحها الأشد فتكا ً ... وهكذا فقد تم توظيف هذه الزهرة دينيا ً أولا ً... وانتقل هذا التوظيف لخدمة اللعبة الأكبر : السياسة .
يدعي الهنود ، والمصريون ، والفرس ، والصينيون ، واليونانيون ، وربما العديد من شعوب الشرق القديمة ، أنهم موطن الياسمين الأصلي ، يشاركهم في هذا بلدان حوض البحر المتوسط وشمال افريقيا أيضا ً ...
ولا أرى ضيراً في هذا طالما كان الحديث لا يتجاوز حرارة العاطفة وأوهامها التي تبعث الخيلاء في نفوس البسطاء من الناس والفخر بأوطانهم ...
لكننا حين نتحدث بطريقة علمية ممنهجة ، ونتوخى الدقة ، ونكتب بمنطق الباحثين ، يكون للموضوع بعده الآخر .
قادني لهذه المقدمة ما جاء في بعض القواميس العربية المتداولة في مدارس الدول العربية المختلفة ... واكرر (القواميس ) ... اي الكتب الاكثر علمية ودقة ورصانة كما يفترض ...والتي تقول ان اصل كلمة (ياسمين) فرعوني او يوناني ...
وهذا افتراض مضحك حد المرارة اذا سمعته من لغوي ... صحيح ان الكلمة موجودة في هذه اللغات ... وصحيح ان الياسمين قد عُرف منذ الالف الثاني قبل الميلاد في مصر الفرعونية وبعدها في بلاد الاغريق والهند ...
لكن هذا لا يعني أنها فرعونية أو يونانية أو حتى هندية الاصل !!! ...
أما لماذا فدعونا نناقش الموضوع بمنطق ٍ وهدوء .
عند البحث عن أصول الكلمات المشتركة في اكثر من لغة عالمية ... يبحث اللغويون والاجتماعيون والمؤرخون في معناها غير الشائع ... ولا يعوِّلون على المعنى الشائع ...
فهذا مشترك في جميع اللغات ولا قيمة له... فالكلمات حين تنتقل من لغة الى أخرى ، تنتقل بمعانيها كما هو معروف ، ولهذا لا يعول على المعنى المشترك ...
ودعوني أضرب لكم مثلا ً .
كلمة بيرفيوم ( perfume ) موجودة في العديد من لغات العالم ... وبلفظ متشابه تقريبا ... وهي تعني ( عطر ) في جميع هذه اللغات ...ولكنها جاءت من مصدر واحد بالتأكيد هو لغتها الأصلية ... ولكي نعرف هذا المصدر ، ومن اي لغة جاء ت ، علينا أن نبحث لها عن معنى آخر غير العطر في هذه اللغات ... حيث سنجد أن لها معنىً آخر في اللغة اللاتينية فقط ....
إذ أنَّ كلمة ( بيرفيوم ) عبارة عن مصطلح من كلمتين هما ( per) وتعني (خلال ) ... و ( fumum) وتعني ( دخان) ... ومعنى المصطلح كاملا ً هو : ( خلال الدخان) ...
ولما كانت العطور في عصورها الأولى تنبعث مع الدخان بإحراق بعض المواد العطرة بوضعهاعلى جمر النيران كما ينبعث البخور في المباخر (كما هو الحال مع الدخون في دول الخليج حاليا ً) ... أدركنا فورا ً أن مصدرها لاتيني ... ولا ينازع في هذا ذو عقل ومنطق.
نعود الى الياسمين ونرى أن معنى كلمة ( ياسمين ) أو ( jasmine ) هو نبات الياسمين أو زَهـَرَه ُ في جميع لغات العالم ... إلا في الفارسية ... حيث أن معناها ( هدية الرب والزهرة العطرة ) ...
فضلا ً عن كونها من أشهر أسماء الإناث عند الفرس فقط ، قبل انتقالها الى اللغات الأخرى ... وهكذا يتضح مصدرها ... وتشير المصادر الغربية إلى كيفية انتقالها الى باقي حضارات العالم ، وترسم طريقا ً واضحا ً لهذا بعبورها البحر الاحمر باتجاه مصر والدول الاخرى ... وفي احتلال الفرس قديما ً لجميع الدول التي اشتهرت فيها هذه الزهرة ما يدعم هذا القول من الناحية التأريخية ... غير أن العاطفة في الكتابة ، والتحيز ، والجهل المركب دفعهم الى تجاوز هذه الحقيقة .
المصيبة الثانية في هذا الموضوع هو أن أحد العباقرة من المعجميين العرب قام بتأنيث الكلمة وقال أن مؤنثها هو (ياسمينة ) ... وفات هذا المعجمي البليغ أن العديد من اسماء الزهور الفارسية معربة بدورها ك : ( نسرين وسوسن وجلنار وغيرها ) ولم نسمع عبقريا أنثها وجعل منها : ( نسرينة او سوسنة او جلنارة ) ...
ولو أنه قد فسر لنا الياسمينة بأنها مفرد زهور الياسمين لهان الامر والله ، إذ يجوز أن يقال لزهرة الورد إصطلاحا ً : وردة ... ولكنه الجهل والحمق والانغلاق ... فتاء التأنيث لديه لا تتعدى التأنيث بمعناه لا بوظيفته .
ذكرني هؤلاء بنماذج للثقافة العربية علا نجمها في السنين الاخيرة ... كاتب وإعلامي ( كبير ) سرق فكرة الكاتب ( الان بيس ) في كتابه المشهور : ( ما يعرفه الرجل عن المرأة ) ...والمشهور بمفارقته غير السارة للكاتب ... والذي نـُشر في السبعينات وأثار ضجة ً كبيرة وكتابات نقدية لاذعة في حينه ...واتهموه بالتحايل والنصب والسخافة ... حيث كانت صفحات الكتاب البالغة ثلاثمائة صفحة ، فارغة ً تماما ً ... وربما أراد الكاتب ان يقول أن الرجل لا يعرف شيئا ً عن المرأة !!!! ... خصوصا ً وأن الكاتب ( الان بيس ) معروف بكونه شاعرا ً ...
أما صاحبنا العبقري فقد عنون كتابه الذي صدر في العام الماضي بعنوان آخر هو : (كيف تكسب المال بأقل مجهود ) ... وهكذا قام بصفته عبقريا ً إعلاميا ً وكاتبا ً مجليا ً بسرقة الناس والضحك على ذقونهم ... وربط الموضوع بالمال لأنه ما يبحث عنه ...
متناسيا ً بمنتهى الغباء أن ( الان بيس ) سرق الناس ولكنه أوصل فكرة ... ومع ذلك رفضها الناس وسقط الرجل ...
أما صاحبنا ، فقد أعادها علنا ً وسرق الناس دون أي فكرة سوى التفاهة والسخافة مستغلا ً جهل العرب وعدم سماعهم ب ( الان بيس ) أصلا ً ... والمؤلم أنه لم يسقط ... لأن الوسط الذي مارس فيه هذا الفعل ، وسط ٌ يحترم الكذاب والنصاب والتافه .
داعية اسلامي كبير جدا ً ، من نفس جنسية الكاتب الكبير والاعلامي السابق ... قام جهارا ً نهارا ً بسرقة كتاب كاتبة سعودية ونقل منه مئات الصفحات ، دون أن يكلف نفسه تغيير حرف ٍ واحد ٍ منها ... أو يغير تسلسلها على الأقل ... ( لزوم الفهلوة على الأقل ) ... وحكمت عليه إحدى محاكم السعودية بتعويض 150 الف ريال وسحب الكتاب من الاسواق ...
يطالعني كل يوم على القنوات الفضائية ، يعلمني الثقافة ، ويدعوني دون حياء ولا خجل ، الى الفضائل والايمان والشرف ...ويعلمني كيف اصبح مسلما ً ملتزما ً !!! ... حتى أكاد اتقيأ القهوة التي اتناول.
لا أكاد أقرأ ثلاثة أسطر للغالبية العظمى من شعرائنا وكتابنا دون أن تصفعني ، وبقوة ، فكرة مسروقة ، أو عبارة محرفة ، أو تناص ، أو مقاربة ٍ ما لكاتب عالمي ... هذا طبعا ً حين لا أجد نصا ً صريحا ً مسروقا ً .
أما كارثة الكوارث ومصيبة المصائب ... فهي دون شك كتابة الفيس بوك ... حيث صار الجميع كتابا ً وناشرين ...
وصرت تفتح عينك صباحا ً على قصة وزير النقل الياباني الذي يفحص دقة تعبيد الشوارع في اليابان بوضع قدح ماء على سيارته ويسير بها في الشارع المفحوص ... فاذا بقي الماء ثابتا ً في القدح ولم ينسكب ، يتأكد حضرة الوزير الخروف أن التعبيد جيد !!! ... وكأن اليابان التي وصلت ما وصلت من الرقي العلمي لا تملك من وسائل الفحص إلا هذه الطريقة الساذجة التي قد يستخدمها وزير في الصومال وليس في اليابان ...
وتغلق عينك على قصة معلمة المدرسة الطيبة ( مسز طومبسون ) التي اهتمت بالطالب اليتيم المتخلف علميا ً ، ودفعته الى التفوق وصار اكبر طبيب أورام وصاحب اكبر مستشفى في اميركا ( الدكتور ثيودور ستوتارد ) ... وأقسم لكم أنه لا يوجد أي طبيب في اميركا بهذا الاسم ... وهذه مجرد قصة خيالية قصيرة للكاتبة الامريكية ( اليزابيث سايلنس بيلارد ) ... نشرتها سنة 1976 في مجلة حياة العائلة الامريكية ...
استعارها عقل فهلوي عربي وصنع منها قصة على غرار الكيفية التي كـُتب بها التأريخ العربي ...
وبين هذا وذاك يمر عليك فاصل من المديح للسيد اردوغان الذي جعل تركيا تاسع أغنى دولة في العالم !!!!!!!!!!!!!!!... وانتبهو لكلمة ( أغنى ) ... وأعتقد أن ناقل الخبر لا يميز بين الغـِنى وبين الناتج المحلي الإجمالي للدول ... حيث تأتي تركيا في المرتبة 16 على العالم (حسب تصنيف صندوق النقد الدولي لسنة 2011 ) ...
ونقل الخبر يتضمن الكثير من الجهل ... فلو انتبه الناقل لوجد أن الهند هي الثالثة في هذا التصنيف العالمي ( قبل المانيا واليابان ) ...وروسيا هي السادسة ...والمكسيك هي الحادية عشرة .... وهي من أفقر دول العالم ...وإيران في المرتبة ال 17 أي بعد تركيا مباشرة ... ومصر 26 ... وبنغلاديش 44 ... بينما قطر وهي الاولى في متوسط دخل الفرد عالميا ً تأتي في المرتبة 55 ، أي بعد بنغلاديش ب 11 مرتبة ... بينما حلم اي بنغالي ان يعمل فراشاً أو حمالا ً او سائقا في قطر....
وهذا يعطيكم صورة واضحة عن سطحية وتفاهة الوعي الشائع على صفحات الفيس بوك ... وكيف يتم تناقل الاخبار دون تمحيص ولا إدراك .
أضحكتني قبل عدة أيام صورة صحن من ( الكفتة ) وتحته تعليق لعبقري (ة ) في تاريخ المطابخ يقول أن هذا الطبق من المطبخ التركي .... وحين تقول له - يا سيدي ( سيدتي ) ليس للاتراك مطبخ !!! ... تكون كمن شتمت أسلافه ... يثور ويحاجج ويبتئس ويسخر من جهلك... فبعضهم يعتقد أن لكل دولة مطبخا ً كما أن لكل بيت مطبخاً !!!! ... ولذلك سأكتب قريبا ً جدا ً عن المطابخ العالمية ( بمعناها الاصطلاحي ) وكيف نشأ ت ... وما هي الدول التي تمتلك مطابخا ً ... ولماذا نشأت المطابخ في دول بعينها ...
وأرجو أن اخرج سليما ً من هذا (التطاول ) كما قد تراه السيدة التي اعترضت على معاني الورد في مقال سابق .
الفيس بوك يا سادتي سيكون القاصم الأعظم لما تبقى من المعرفة في العقل العربي ... حيث مر التأريخ العربي بكم هائل من التزييف والتحريف والبتر والاضافة والتغيير وقصص الملفقين طالت حتى المعاجم ، وبدوافع عديدة : طائفية وسياسية وعنصرية وقبلية وشوفينية وثأرية ومنفعية ووووو ... وصار مسخا ً لا يميز فيه الغث من السمين ، إلا ذو حظ ٍ عظيم من الوعي والثقافة ...
حصل هذا حين كان من يتصدى للكتابة هم النخبة الموهوبة من مثقفي العرب ... فكيف سيكون الحال ونحن أمام ملايين من الكتاب والناشرين الجدد ممن زرعهم الربيع العربي والفيس بوك في كل مكان ... وكل منهم يرصع اسمه بما لا يقل عن ثلاثة القاب ... المفكر ، الناقد ، الشاعر ، الاعلامي ، التشكيلي ، الباحث ، الخبير ، ال... الخ...
وجيب فيس بوك وأخذ مواهب ، كما يقول العراقيون ... وسيصبح العربي المتخلف بوعيه حاليا ً ... متخلفا ً بلغته ومفهومه للأشياء عما قريب .
لقد بدأ هذا الربيع العربي بثورة تونس التي أسموها ثورة الياسمين !!!... وحسبك ياسمينا ً يرعاه حاكم قطر !!! ويباركه ملك ٌ لا يسمح للمرأة بقيادة السيارة في بلده !!!!
نعود للياسمين الذي يـُعـَرِّفـه لنا عبقري آخر في الويكبيديا بأنه السمسق في اللغة العربية الفصحى ... وقـَسَماً بكل عظيم بأن الياسمين غير السمسق ... وهو لا يشبهه ... ولا علاقة له به ، لا نوعا ً ولا قيمة ً ولا انتشارا ً ولا شكلا ً ولا أهمية ...
فالسمسق هو ( البزرنجوش ) أو حبق الفيل ... ويَعْرِفه العراقيون كثيرا ً من خلال الأغنية التراثية المشهورة ( يا زارع البزرنجوش ، إزرع لنا حـِنـِّة ) ...
ولهذه الأغنية قصة جميلة ... حيث كان العراقيون القدماء وحتى اواسط القرن العشرين يخرجون الى منطقة سلمان بك للنزهة ... وكان المزارعون في المنطقة يزرعون بعض النباتات ومنها البزرنجوش ، وهو نبتة عشبية عطرة لها فوائد طبية معروفة ... حيث يقوم البغداديون بشرائها منهم للتمتع بها والاستئناس بشربها بعد غليها لمنافعها الكثيرة...
والأغنية هي لسان حال مجموعة من كبار السن من البغداديين ، ممن تقدم بهم العمر وابيـَّض شعر رؤوسهم ، ولم يعودوا من طلاب البزرنجوش والنزهات والانتعاش ... فطلبوا من المزارع أن يزرع لهم حنـَّة ، ليصبغوا بها شعر رؤوسهم الأبيض ... ملمحين بشكل بليغ جميل أن زمن الشباب والأنس والمتعة والنزهات قد ولـّى إلى غير رجعة ...
واعتبار الياسمين هو السمسق في أهم موقع معرفي على الانترنيت ، ما هو إلا عدم احترام للمعرفة ، وعدم احترام للعلم ، وعدم احترام للوعي ، وعدم احترام للذات أيضا ً .
إذن فالياسمين ليس السمسق العشبي القصير الذي لا يتجاوز ارتفاعه السنتيمترات ...
الياسمين شجيرة متسلقة أو زاحفة من فصيلة الزيتونيات قد يتجاوز ارتفاعه 5 أمتار ... مواطنه الاصلية ايران والهند والصين وخصوصا جبال الهملايا ودول جنوب شرق اسيا قاطبة ً ..
ينتشر في مصر والمغرب العربي خصوصا في فاس ... له تقاليد رائعة في تونس سنتحدث عنها لاحقا ً وتُعرف في تونس الجميلة ب ( المشموم )... حملتها معهم مزدهيا ً بها يوما ً ما في الحمامات الجميلة ... ولا تعتبر اوربا موطنا الا لنوع واحد فقط من الياسمين ... وينتشر في اميركا النوع الاصفر منه فقط.
زهرة الياسمين صغيرة رقيقة ، تختلف في عدد بتلاتها حسب النوع ... قطرها لا يتجاوز الثلاثة سنتيمترات ... ناعسة حتى لتكاد تغفو بين أصابعك ... لكنها يقظة ، مثيرة ، برائحتها الزكية ، المنعشة ، العذبة ، ليلا ً ... و التي تتلاشى نهارا ً ...
وقد صنع الهنود من هذه الصفة الياسمينية أسطورتهم الخاصة بالياسمين ... ولكن بإخراج هندي كأفلامهم البوليوودية تماما ً وسأحكيها لكم لاحقا ً .
لا تحتمل زهور الياسمين ، شأنها شأن أغلب الزهور الصغيرة الرقيقة ، حرارة النهار ، وأصابع المتداولين ... لذلك فعمرها قصير جدا بعد قطافها ... محض سويعات ٍ قصيرة فقط لا تتجاوز الاربعة ... ولهذا فهي لا تصلح للباقات ولا للإهداء للأسف ... ولذلك لا تـُشاهد في محلات بيع الزهور ... وإذا أردت إهدائها فيحسن بك أن تهديها كشجيرة ٍ في أصيص .
هذه الصفة حرمت عشاقها منها ... لكنهم تحايلوا بنظم براعم زهرة الفـُل (والفـُل من أهم أنواع الياسمين ويعرف في العراق باسم الرازقي )...ينظمونها كقلائد وضفائر وباقات تباع في الأكشاك وعلى الطرقات وفي الاسواق وعلى أبواب المعابد وفي كل مكان في الهند وجنوب شرق اسيا وخصوصا بين الهندوس الذين يقدسونها ... وسوف نتحدث عن هذا عند الحديث عن توظيفها في الطقوس الدينية والاجتماعية ...
وتباع في البلاد العربية بنفس الطريقة في بلدان المغرب العربي خلال أشهر الصيف وهو موسم إزهارها ... وخصوصا المغرب وتونس ..وفي الجزائر ومصر بانتشار أقل ... ولها كما قلنا طقوس جميلة في تونس تسمى (المشموم )سنتحدث لاحقا عنها .
تشذ زهرة الجبسوفيليا ( Gypsophila ) عن باقي الزهور الصغيرة ... فهي الوحيدة تقريبا التي لا غنى عنها في باقات الزهور ... ولا يمكن أن يستغني عنها في أي محل لتنسيق الزهور إطلاقا ً... فهي الزهرة الاساسية في حشو الباقات وملأ الفراغات بين زهور الباقة الاساسية ... لأنها تستمر بنضارتها عدة أيام بعد القطاف وتتحمل التداول نسبيا ً ...
وسنتحدث عنها في مقال منفصل لأهميتها الكبرى في تنسيق الزهور ولجمالها في الحدائق ... وليس لأهميتها في لغة الزهور ... يرجى الانتباه للفارق .
حين كنت طالبا ً ... كنت وبرؤية شاعر ، أحسد ُ دمشق على الياسمين ... ولا زلت !!!...
وكنت أرى أن أجمل النساء ، وأكثرهن خـَلـْقا ً للسعادة والحب ... من لا يستطيع الرجل وفاء َ د َيـْن ِ وجودها في حياته ... مـَنْ تقول لها صادقا ً : - ( لك في عنقي ما للياسمين في عنق دمشق ) !!! ...حيت كنت أردد هذه العبارة كثيرا ً ...
فللياسمين دَيـْن ٌ كبير في عنق دمشق الجميلة أرجو أن يطول ... رغم محاولات اغتياله ... فهو سر جمالها الأشهى ... حتى لـَيـَغـار من إرتباطهما الدافيء الحميم كل عاشق . .. كيف لا وقد ميزها من بين العواصم فصارت : ( عاصمة الياسمين ) .
وللياسمين نفسُ الدَيـْن في عنق السوريين وخصوصا ً أهل دمشق الشام ... هذا الدين يعبر عنه نزار قباني بلغته الشعرية الجميلة : ( منحتني دمشق أبجدية الياسمين ) ... أما الدمشقيون الاخرون ... فقد منحتهم دمشق أسرارا ً أخرى للياسمين ... فقد انفرد نزار بالأبجدية ... وطار بها .
أبجدية الياسمين هي من علَّم نزار كبف خبأت جميلات دمشق ضفائرهن في عرائشه ... فانجدلت مع زهيراته ... و كيف شاركهن تأوهاتهن بفرادة أريجه ، مواسيا ً مرة ، ومحرضا ً على العشق المُحرَّم مرات كرفيق أنوثة مثير ، يـُغوي ويحث على سرقة الفاكهة من سلال المراهقة و بساتين الجمال ...
عـَلـَّمته كيف حفظ الياسمين أسرارهن فلم يُطـْلـِعْ عليها أحد ... رغم خفته ، وثرثرته ، ومجونه ، و بوحه الذي ملأ كل دار وزقاق وحارة .
رَحـَّبَ ياسمين دمشق بغرباء المدينة مُهـَلـِّلا ً حد الخدر... وآنسهم ليلا ً حيث لا أنيس إلا القمر ... فكتب الشعراء عن دمشق أجمل القصائد... و كان له منها نصيب ، وأي نصيب ... حيث ذابت في قداسة أسراره أسرارها ... وضاعت بين فضائح بوحه خباياهم ولكن دون نميمة !!!.
اشهر أنواع الياسمين هو الابيض وهناك الاصفر والاحمر القرنفلي داكن اللون ، ويسميه بعضهم الاسود .
الياسمين شجرة زاحفة أو متسلقة معرِّشة ... تتطاول بدلال ٍ وكسل ٍ وضعف ... تكاد لا تحمل نفسها لرقتها وجمالها وعذوبتها ... فلا ترتفع متسلقة ً على جدار إلا ّ إذا توفر لها ما يسندها ... فتعرش كالعنب تماما ً... متكئة ً على كتف ٍ ما ، توفره لها عصا ً في الجوار .
للياسمين طقوسه الفريدة الرائعة ... وله من الاسرار والخبايا ما يثير الخيال ...وكأني به نفس عاشق ٍ متمرد ٍ، عذب الروح ، من طراز عمر الخيام ...
فيه من طباع فراشات الضوء طبعها الأغرب ... حيث تنجذب نحو الضوء فتسقط محترقة ً فيه ... كذلك طبع ُ الياسمين ... فهو يحب الشمس ولا يعيش في الظل ... لكنها تقتل أحلى ما فيه ... تقتل بوح عطره ... فلا يفوح إلا ليلا ً ... وخصوصا ً حين يبدأ القمر بالاستدارة نحو البدر الكامل .... حيث يفقد عطره تركيزه ويتلاشى تدريجياًعند شروق الشمس ...
ولهذا يُصَوِّر الرسامون الهنود القدماء صور العشاق في لوحاتهم وهم يستحمون في ضوء القمر في ينابيع قريبة من شجيرات الياسمين ... فكرت أن أختار لكم لوحة منها ولكنني أحجمت ، وعليكم اختيارها بأنفسكم ... هذه اللوحات لا تكتفي برمز واحد ... وجمالها بجموح خيال مشاهديها ... فكلما حلقتم عاليا ً بخيالكم ... اندهشتم أكثر .
يبوح الياسمين ليلا ً... ويتلاشى عطره نهارا ً ... ولهذا يتم قطافه بعد منتصف الليل ... حيث تخرج العاملات والعمال لقطفه عند انتصاف الليل ... حتى قبيل الفجر بقليل ... فلا يكاد الصبح يتنفس إلا وعطره قد بدأ بالتلاشي ... ولهذا فلا قيمة للأزهار بعدها ... إذ يجب جمعها وحفظها بأسرع ما يمكن في سباق ٍ مع الشمس .
البراعم تحمل عطرا ً كثيفا ً تفقده الزهرة المتفتحة ... كما أن الفل يعتبر أجود الأنواع عطرا ً وأكثرها كمية !!! ....
يا تـُرى ما السبب ؟؟؟ ...
السبب يا أصدقائي أن بتلات الفل وكذلك البراعم تلتف على بعضها مانعة الضوء من النفاذ لداخل الزهرة وللبتلات الداخلية ... وكأنها تحبس بعض الظلام داخلها ... ولهذا يبقى العطر كامنا ً في داخلها حتى لحظة دخول الضوء فيهرب سريعا ً ... ولا غرابة في طباع الياسمين ، خصوصا ً حين تعرفون المزيد من أسراره .
الياسمين ... هو رمز لعبادة وتمجيد الرمز الذكوري عند الرجل و يقدم قربانا ً لاله خاص سنعرفه لاحقا ً ، بطقوس ومراسيم وإحتفالات يستحق عليها الجلد وربما الرجم ... فهو أكثر الزهور إباحية في معناه واستخداماته ... فلا الورد يستحق عقوبته ... ولا زهرة البانسيه ( الثالوث ) المتهتكة تستحق عقوبته ... الياسمين فقط ... هذا الخليع المتهتك الماجن المفضوح .
للياسمين بقية .....
ملاحظات :
ــــــــــــــــــــــ
1. نعم أنا اجذف عكس التيار ... وأريد لصفحتي أن تلتزم بمنهجية علمية صارمة ... تحترم الحقيقة التي أقدس وتصير عنوانا ً للوعي ... ولهذا سأبقى رافضا ً لكل الاساليب اللا أدبية واللا علمية واللا أخلاقية ... وأمنيتي أن يكون أصدقائي كذلك... عـَلـَّنا ننفع بهذا شخصا ً نعلمه الثقافة والأمانة ... ونخلق له وعيا ً رصينا ً ... أو عـَلــََّنـا نؤخر موت الوعي العربي الذي يـُحتضَر .
2. أي تعليق يجب أن يلتزم بهذه المفاهيم ... والتعليقات المستفزة الجوفاء مثل ( ما هي مصادرك ؟؟ ) ... على أصحابها أن يتعلموا البحث والقراءة والتمحيص وحسن الادراك قبل أن يتعلموا استفزاز الاخرين .
3. تركت مقالات الورد مؤقتا ً... حيث بقيت للورد مقالتان وربما ثلاثة ... لكن بعض التعليقات جعلتني اهمل اكمالها ... وسأعود إليها .
4. بدأت بالياسمين لانه تأخر قليلا ً على الاصدقاء الذين وعدتهم به ... الصديقة العزيزة وتلميذتي النجيبة ( amal mohammad ) وهي تذكرني بياسمينتهم الجميلة التي كانت تملأ صالة الضيوف في بيتهم بالبوح الجميل ... وأنا اتناول القهوة عندهم ... أو اشرح لها بعض دروسها .... والصديقة العزيزة ( (Ashjan Ajour التي طلبت مني منذ 21 آب أن أكتب عن الياسمين .... الصديقة العزيزة ( Ekhlaas Sh ) .. صديقي العزيز ( Taha Salih ) الذي ارسل منشوره يحمل هوسة عراقية للعودة للكتابة ...لهم جميعا ولجميع اصدقائي خالص التقدير .
http://www.facebook.com/hakim.alabadi
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق