الخميس، 15 نوفمبر 2012

لغة الزهور .... ( 1 )

لغة الزهور .... ( 1 )


Hakim AL Abadi

الدكتور حكيم العبادي 

المصريون يحسنون التلاعب بالكلمات في أمثالهم ... حتى كأنهم يرقصون عليها....

 انتبهت لهذه الظاهرة من خلال دراستي لثقافات الشعوب عن طريق أمثالها....

فليس أفضل من الأمثال طريقة لفهم طبائع وعادات وأخلاق الأمم ...لأنها تـعري العقل الجمعي للمجتمع...وتـُريك كيف يفكر الناس وكأنها تفتح أمامك مغاليق العقل الباطن للمجتمع من دون تنويم مغناطيسي ...

فإذا كان الادب يقوم بفضح النخبة المثقفة ، والموهوبة ، وتصوراتها وخيالها ...فإن الامثال تفضح وتعري عقل المجتمع الواقعي غير المـُتـَخَـيـَلْ بكل مكوناته...الغني والفقير ، الجبان والشجاع ، المغرور والمتواضع ، الشريف والوضيع ، الذكي والغبي ..العاقل والمجنون..الرجل والمرأة...الكبير والصغير..الخ الخ...

(وسنتحدث يوما عن الامثال المميزة لبعض الشعوب والتي لا يوجد ما يشبهها عند شعوب اخرى )...

ومن أمثال الشعب المصري التي تدفعني إلى ألتأمل مثل يقول : ( سـلام المواردي عَ الفسخاني )!!! ...


ولا بد أن أوضح لكم معنى المفردات في المثل لتفهموا ماذا يريد المصري بهذا المثل ...المَواردي هو : بائع ماء الورد...والفـَسَخاني هو : بائع الفـِسِـيخ...ومن الطبيعي أن بائع ماء الورد قد إعتاد رائحة الورد وأدمنها...وتشبعت حتى ثيابه بها....والفسخاني بدوره قد إعتاد رائحة الفسيخ المقززة وأدمنها وتشبعت ثيابه منها.... وحيث أن كلا ً منهما يعمل في السوق...

فإن المواردي حين يمر بالفسخاني أو يلتقيه لاي سبب...ماراً أمام دكانه أو ملتقياً به في الشارع...فهو لا يطيق المرور امامه او التوقف للحديث معه... لان رائحة الفسيخ التي تنبعث من ثيابه تملأ الجو وتصيبه بالقرف..... فتراه يضطر لأن يشيح بوجهه عنه ، ويغلق أنفه باصابعه ، ويستعجل في إلقاء السلام ويبتعد سريعا ً وكأنه يهرب من الشيطان ...

 ( مشكلتنا عند استخدام المصاعد مع بعض الجنسيات في دول الخليج مشابهة تماما لمعنى هذا المثل )...

عموماً .... يأتون بالمثل حين يريدون أن يبينوا استعجال شخص ما في زيارة أو في عمل أو في تناول ظاهرة معينة وكأنه يهرب منها ....أما أنا فقد تعودت أن أتناول الظواهر بالمقلوب...أي اسلم سلام الفسخاني على المواردي....فأفتح جميع حواسي ، وأفـتـش فيها بشكل مفصل دؤوب كي لا أترك شيئا ً يفوتني منها ....ولهذا سيطول هذا الموضوع كما تطول مقالاتي بما لا يرضي البعض...وعلى من يهتم لهذه المواضيع فقط أن يدخلها ... لا أن يدخلها ويعلق بأنها مملة.....لذلك سأتحدث عن الكثير مما يتعلق بالزهور... أساطيرها ، معانيها ، مواطنها ، استعمالاتها كعبارات أو كلمات أو حروف في لغة الزهور...فهي تستخدم بكل هذه الاشكال وعموما ً فحديث الزهور كشكلها وعطرها ، جميل جميل...

جئت بالمثل كما لا يخفى لبُعديه : تعلقه بماء الورد ومعناه ....ولأوضح وأنبه ، ربما ، أن هذه السلسلة ستكون طويلة ...وستتناول جميع أنواع الزهور المهمة .

عند الحديث عن أية ظاهرة إجتماعية أو معرفية أو جمالية ...لا بد من البحث عن أصولها في الحضارات القديمة : ما بين النهرين ، الفرعونية ، العيلامية ، الصينية ، الفينيقية ، الإغريقية ، الرومانية..الخ...

مع الإنتباه إلى أن بعض هذه الحضارات كالفرعونية مثلا ً ....هي مزيج من جميع انواع الحضارات المعاصرة لها...والسبب أن جميع هذه الحضارات استطاعت يوما ما إجتياح مصر وحكمها....

ويعني هذا أن الحضارة الفرعونية تضم أ ُسَرا ً آشورية وفارسية وأغريقية ورومانية كانوا فراعنة على مصر... فالفراعنة فيهم الآشوري والفارسي والإغريقي والروماني وهكذا...

وأشهر هذه الأسر التي يعرفها الناس هي البطالمة ، أسرة القائد االاغريقي بطليموس ( قائد الاسكندر الكبير الذي بنى الاسكندرية وسماها على اسم الاسكندر ، و نقل اليها الوف العلماء والفلاسفة من اثينا فجعلها مدينة رائعة ) ... وهي نفسها أسرة الكليوباترات السبعة ...والتي أشتهرت منهم كليوباترا السابعة التي ترتبط بفترة انحسار العصر الاغريقي وانهيار امبراطوريتهم وسيطرة الرومان ... وقد اشتهرت الاسكندرية حتى صارت العاصمة الشرقية للاغريق يوما ما .

 هذه الحضارات هي التي تركت لنا الدين والقانون والملاحم الادبية والديمقراطية والشعر والمسرح والسياسة وجميع العلوم بلا استثناء...إلا ما يتعلق بالعلوم والتكنولوجيا الحديثة كالتصوير والسينما وعلوم الذرة والاتصالات وما اشبه ...

سُقت هذه المقدمة لأقول لكم أن لغة الزهور ،لغة قديمة جدا ً تـَشـَكـَّلَ حَرفـُها الأول مع قصة آدم....وسبقت نزوله الى الارض....

وسنرى في الحلقة الخاصة بزهرة ( أُذن الفأر ) كيف بدأت حكاية لغة الزهور ( سأجعل هذه الحلقة الاولى بعد هذه المقدمة لاهميتها التاريخية ) ... وكيف رافقت الزهور البشر في مسيرتهم على هذا الكوكب منذ آليوم الاول ، او قبله بقليل ....وكيف تعلق الانسان بها ونسج حولها الاساطير...وربطها بالآلهة...واستخدمها بكل شيء ، حتى صارت مما لا غنى عنه في الحياة أبدا ً...

وتحولت عند الفرس الى لغة تعبيرية جميلة.... قام بنقلها الملك شارل الثاني الى السويد في القرن التاسع عشر...

ومن الطريف أن استهلاك البلاد العربية من الزهور ، أكثر بكثير من استهلاكهم من الكتب...وهذه المعلومة قد تثير وهماً خاطئاً برقي الوعي العربي والاحساس بالجمال ، لو سُمعت مجردةً مبتورةً...أو وُصف بها غير العرب .....أو فهمت خطأ ً...أو سمعها من لا يعرف العداوة المتأصلة بين العرب والقراءة ...

بينما العبارة في الحقيقة ، عبارة مشينة...ومهينة...و تعني أنهم أمة لا تميز بين الاولويات....لأن استهلاك الزهور لا يعني شيئاً لمن لا يقرأ...ثم أن مقارنتها بشيء أقرب للعدم وهو مستوى قرائتم ليس فيه ما يشرف....كما أن استهلاكها عندهم استهلاكاً اجتماعياً ، صورياً ، يغلب عليه الشكل ، اكثر منه استعمالا ينم عن احساس بجمال ...

وترى نفس الشخص الذي يهتم بكمية الزهور في حفل عرسه ، حين يذكر زوجته بين الرجال يقول : ( الحرمة أ َجـَلـَّكم الله )... 

وبالمناسبة فإن استهلاك الكتب في العالم العربي كتاب واحد لكل 1600 شخص (اعتمدت 400 صفحة للكتاب الواحد وضربتها في حصة العربي السنوية من الكتب والبالغة ربع صفحة ، وللمقارنة فقط يقرأ الياباني 13 كتابا في السنة والامريكي 12 والاوربي 11)...ويعني هذا بحساب المنطق كارثة ثقافية....أي أن قارئاً واحداً جيداً ، وبمعدل قراءة ( 400 صفحة لكل 3 ايام ونصف ) يعادل دولة قطر بكاملها....وربما دولة اكبر إذا ازدادت سرعة القرائة في ظروف خاصة كأن يكون الكتاب مشوقا وليس من نمط عوليسيس لجيمس جويس....او المفصّل في تاريخ العرب قبل الاسلام للاستاذ القدير جواد علي ( رحمه الله ) .

سأوضح حقيقتين أخريين في هذه الحلقة.....
الأولى هي اللغات العالمية المستخدمة والمشهورة للزهور.....وأقصد باللغات المشهورة ، هي اللغات التي وُضعـَـتْ فيها قواميس تتضمن معنى الزهور ...فهي أولا ً : القاموس الفكتوري للزهور : ( دليل لغة الزهور )....والذي صدر في القرن التاسع عشر في بريطانيا...وذلك بعد دخول لغة الزهور من بلاد فارس الى السويد بحوالي 60 عاماً..أي أنها نفس اللغة الفارسية ...ولهذا السبب تحدثت عن الحضارات القديمة...وسوف نرى شيئا فشيئا هذه الجذور من خلال دراستنا لما تعنيه كل زهرة ...واسمه بالانجليزي لمن يهتم :
A Victorian Flower Dictionary: The Language of Flowers Companio
واللغة الثانية الشهيرة هي اليابانية...وهي تختلف اختلافا كبيرا عن الاوربية أو الانجليزية (الفارسية)....وتحظى لحد الان باهتمام وعناية كبيرة....ومن غير اللائق ابدا في اليابان أن يقدم الانسلن زهرة ، أو باقة من الزهور بشكل غير لائق...أو تحمل معنى آخر غير المقدمة من أجله ...
ومن النصائح الطريفة التي تقدم لمن يريد السفر الى اليابان هي : ( تعلم قليلا عن لغة الزهور ) ...أو عليك أن تعتمد على غيرك....وإياك أن تتورط فتقدم لياباني زهرة دون مشورة ...وإذا ما فعلتها وضحك منك الحاضرون أو غضب احدهم فلا تلومن إلا نفسك !!!!....وتسمى لغة الزهور اليابانية هاناكوتوبا ...وباللغة الانجليزية تلفظ كما هي دون تغيير :
Hanakotoba

الحقيقة الثانية التي تخص لغة الزهور والتي أحببت توضيحها هي : الفرق بين الوردة والزهرة....حيث سترد هاتان الكلمتان كثيرا...ويجب التمييز بينهما....فقد لاحظت أن أغلب العرب لا يمييزون بينهما....ويستخدمون احداهما بدل الاخرى ....

الوردة هي زهرة نبات الورد....ولا يجوز اطلاقها على اي نوع آخر من الزهور....لان الشجرة اسمها شجرة الورد....لذلك فقد سميت زهرتها اصطلاحاً بال : ( وردة )....بينما الزهرة لجميع انواع الزهور الاخرى...ولا يجوز ابدا استخدام كلمة وردة مكان زهرة...بينما يجوز استخدام كلمة زهرة مكان وردة شرط أن تضيف بعدها نوع الشجرة....كأن تقول زهرة الورد....وفي هذه الحالة يكون استخداما غير بليغ ...لوجود كلمة واحدة مختصرة هي الوردة ...

إذن اجعلها قاعدة...لا تستبدل احداهما بالاخرى للسهولة ، فحين تقول باقة من الورد ..او ورود فأنت تقصد الورد الجوري...أو المحمدي أو الروز...والذي يصنع منه ماء الورد...وليس اي نوع آخر ....بينما يستخلص من باقي الزهور : ماء الزهر وليس ماء الورد ..وعادة ما تستخدم زهور الحمضيات التي تتساقط بعد هبوب الريح لاستخلاص ماء الزهر...وذلك لوفرتها ولجمال رائحتها ولانها لا تكلف شيئا بعد سقوطها...أما اذا كانت الباقة مختلطة ، تضم زهورا وورودا فتسمى باقة من الزهور ..وليس باقة ورد .

طرفة ونصيحة :
في ميدان الحبيب بورقيبة في تونس...تتوسط الحديقة القائمة في الوسط...مئات من اكشاك الزهور الجميلة المتقابلة التي تجعل من هذا الميدان شارعا مميزا في العالم العربي أتمنى أن اشاهد مثله في كل العواصم العربية ..

أرجو أن لا تكون زهوره قد ذبلت في الربيع!!!!...

المهم أنني نسقت باقة خاصة لاهديها لمريضة طفلة في احدى المستشفيات....مما جعل السيدة التي تمتلك المحل أن تعجب بطريقتي بالتنسيق...وتطلب مني ضاحكة أن اعمل لديها...

 عموما انصح أي شخص لا يعرف شيئا عن الزهور...اذا ما كان في اوربا او اليابان تحديدا ، أن يعتمد على صاحب المحل في مساعدته ..ويفضل أن تكون سيدة فهن أكثر صبرا ...شرط ان لا يتدخل هو...
فقط يشرح لها المناسبة وطبيعة الشخص المقصود ( جنسه ، عمره ، مستواه الاجتماعي ، مرتبط او لا...رقم مميز في حياته ...الخ )...

 أما إذا كانت الباقة مرسلة لشخص عربي فلا باس أن يعتمد على معلوماته .
ملاحظات :
1. هذا المقال هو الحلقة الاولى من سلسلة لغة الزهور التي وعدت بها الصديق الشيخ وليد البدر...وهي افتتاحية للموضوع .
2. سأجعل المقالات قصيرة نوعا ما لكي تتابعونها دون ملل...كما انها ستكون اسهل في كتابتها

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق