الجمعة، 26 أكتوبر 2012

توظيف الموارد والتنمية

د. أحمد ابريهي علي

الاقتصاد العراقي وارث الماضي

شهد الاقتصاد العراقي منذ مطلع خمسينيات القرن الماضي ، والى الآن ، تحولات في نظامه واتجاهاته وأدائه وتعرض إلى صدمات. ولكن مع ذلك أمكن حتى نهاية السبعينيات انجاز قدر من التنمية ساعد على تحقيقه مورد النفط . فكان العراق عام 1975 ضمن فئة البلدان النامية متوسطة الدخل ، وفي الشريحة الوسطى منها ، و يقارن مع كوريا الجنوبية واليونان والبرتغال وليس بعيدا» عن اسبانيا في متوسط الدخل للفرد .

و كان من المتوقع دخوله فئة البلدان عالية الدخل في عقدين، مع إحداث تقدم صناعي وعمراني جوهري. في النفط الخام قاربت طاقته الإنتاجية 3,5مليون برميل يوميا» وصادراته إلى 3,2 برميـل يوميا» عام 1980 .

واتخذت تدابير أولية لزيادة طاقة إنتاج النفط الخام إلى 5,5 مليون برميل يوميا». وأنجزت طائفة واسعة من مشاريع التصنيع إضافة على تقدم ملموس في إنتاج الكهرباء ، مع تحرك باتجاه إزالة الاختناقات في البناء التحتي والخدمات .

وكانت مستويات التعليم والصحة تتناسب مع مجموع إمكاناته الاقتصادية.

لكن تجربة الحصار قبل برنامج النفط مقابل الغذاء أثبتت أن العراق لم يمتلك قدرات ذاتية على إدامة حياته الاقتصادية مما يفسر انهياره بعد انقطاع مورد النفط. 


دخل العراق الحرب مع إيران بفوائض نفطية تقارب 40 مليار دولار وهو مبلغ ضخم في وقته وقد استنفد عند نهاية عام1983 وتوقف الجهد التنموي تقريبا وتزايد اعتماد العراق على القروض الأجنبية حتى وصلت82 مليار دولار نهاية الحرب .
بين نهاية الحرب مع إيران وقرار الحصار في آب عام 1990 جرت محاولات لاستئناف التنمية التي توقفت. وقد بوشر بالعديد من مشاريع التطوير الصناعي و توليد الكهرباء وغيرها.

و ضاعت تلك الجهود أيضا» فقد دمرت حرب عام 1991 أغلب الأصول الحيوية التي تراكمت عبر العقود الماضية ولم تستأنف التنمية الصناعية لحد ألان. بعد حرب عام 2003 تغير النظام الاقتصادي في العراق ومن ابرز المستحدثات في نظام الحياة الاقتصادية حرية التجارة الخارجية دون أية قيود تعرفيه أو كمركية.

و سوق الصرف الحر وإزالة السيطرة على التحويل الخارجي والذي أصبح امرأ واقعا». ولم يشهد القطاع الخاص وفرة في العملة الأجنبية ، كما أصبحت عليه هذه السنوات .

و الدولة هي المصدر الأساسي للعملة الأجنبية .

ولذلك يبقى جانب العرض في سوق الصرف حكوميا والذي جعل من السهل اعتماد سعر الصرف الثابت أسوة بدول النفط في الخليج. ومن المستجدات الانفتاح على الاستثمار الأجنبي وتشجيعه .

والى جانب تلك الإجراءات تجميد المنشآت الاقتصادية العامة باستثناء الشركات النفطية .

وكانت المصارف الحكومية قد انكفأت إلى الداخل منذ بدء الحصار ، ولم تمارس في سوق الصرف دورا» يتناسب مع حجمها بعد عام 2003 مع تعطيل وظائفها في صيرفة التجارة الخارجية ، والمدفوعات الدولية ، التي أحيلت إلى المصرف العراقي للتجارة الذي أسس لهذا الغرض ، وبطريقة تتسم بالخصوصية والاستثناء .

لقد تأثر الاقتصاد العراقي وإدارته بالتدويل بدءا» من القرار 661 عام 1990 واللجنة التي أنشأها لتقييد التجارة الخارجية للعراق وحصرها في المتطلبات الإنسانية والتي كرسها برنامج النفط مقابل الغذاء والدواء فبما بعد .

واستمر التدويل والتدخل بأشكال تنتقص من سيادة العراق ، واستقلاله ، في نظام الصندوق العراقي للتنمية وتعويضات الحرب وبرنامج إعادة هيكلة المديونية و المشروطيات المرتبطة بها، ومن بينها رفع أسعار المنتجات النفطية والتي كانت من ابرز أسباب موجات التضخم ، وذلك كونها من السلع الأساسية عموما والتي تحدد تكاليف النقل والإنتاج الخاص للكهرباء .

وتلك الصيغ من التدخل أضعفت الدوائر المعنية ورسخت ثقافة لا تساعد في إعادة بناء الدولة على الوجه الصحيح .

إن النهج التوافقي متعدد الأطراف في عمل السلطة التشريعية وتشكيل الحكومة واتخاذ القرارات أصاب الاقتصاد والتنمية بالكثير من الأضرار .

ومن الصعب الحكم على الجدارة التنموية للنظام السياسي الجديد في العراق استنادا» إلى تجربة السنوات الماضية.

لأن الوضع الأمني كان يستحوذ على اهتمامات الطبقة السياسية، كما إن تحاشي الناس للمخاطر في ظروف العنف الدموي لابد أن يعيق الأداء الاقتصادي.

انطلاق الاقتصاد وازدهاره يتطلبان سيادة القانون والضبط ، وكلاهما يقتضيان قوة الحكومة الفعلية ، وهيبتها المعنوية ، المستمدة أساسا» من قدرتها على الردع ووضع الأمور في نصابها الصحيح .

واقع الاقتصاد العراقي والسياسات الجارية

كان المعدل اليومي لصادرات النفط الخام 1.85 مليون برميل عام 2010 ، وهو دون المستوى المتوقع ، لعدم التمكن من إضافة طاقة إنتاجية جديدة وتعويض التدهور في إمكانات الإنتاج القائمة إضافة على تكرار انقطاع التصدير بسبب طوارئ المناخ والعنف .

لكن ارتفاع سعر النفط الذي وصل بالمعدل 74 دولار للبرميل قد عوض نقص التصدير ، فوصلت الإيرادات حوالي 50 مليار دولار . وكانت عام 2008 قد بلغت 63 مليار دولار وانخفضت عام 2009 إلى 39 مليار دولار .

إلا إن مستوى الإنفاق الحكومي لم يتأثر.

ﺇذ غطت الفوائض الفعلية من موازنة 2008 عجز الإيرادات لعام 2009 ، ولم يتحقق العجز المتوقع عام 2010 بل انتهت السنة برصيد موجب للحكومة في الصندوق العراقي للتنمية ، مع أرصدة دينارية كبيرة في المصارف العراقية .

وبموجب التقديرات غير النهائية حقق الناتج المحلي غير النفطي زيادة واضحة عام 2008 استجابة للإنفاق العام مع استمرار الركود في قسم الإنتاج السلعي، وخاصة الصناعة التحويلية، واستمر الانتعاش عام 2010 وبنفس النمط.

و انخفضت البطالة الظاهرة إلى حوالي 15% من السكان النشيطين اقتصاديا، ومثلها تقريبا عمالة ناقصة، وأخرى مقاربة لها، حجماً، بطالة مقنعة في الجهاز الحكومي المدني والعسكري.

و يزدحم النشيطون اقتصادياً في فروع الإنتاج غير السلعي الحكومي والخاص مع غلبة الأنشطة الصغيرة وغير المنظمة في الميادين غير الحكومية.

وعلى الرغم من التزايد السريع في معدلات اقتناء العائلة العراقية للسلع المعمرة ووسائل الرفاه المنزلي وملكية السيارات، أظهرت مسموحات عام 2007 إن 23% من السكان دون خط الفقر المعرف بحوالي 40% من متوسط الدخل للفرد آنذاك وتوجد دلالات على تحسن دخل الفئات الفقيرة نسبيا فيما بعد .

مع استمرار النقص الحـاد في توليد الكهرباء ومشاكل الصرف الصحي وخدمات المدن وأبنية المدارس والسكن .

تكاد تتفق التوقعات على إمكانية رفع إنتاج النفط إلى 3,5 مليون برميل يومياً ما يعني تجاوز الصادرات معدل 2,6 مليون برميل يومياً عام 2012 .

وعند افتراض النجاح لـتحقيق أهداف الطاقة القصوى في عقود الاستثمار النفطي قد تصل طاقة إنتاج النفط الخام 12 مليون برميل يومياً عام 2020 .

ولكن التوقعات المتحفظة المبنية على واقع حال البناء التحتي للقطاع النفطي وشبكة الأنابيب ، وسعات الخزن ومنافذ التصدير ، تضع التصدير عام 2017 في مدى 5,5 مليون برميل يومياً .

ومعه يمكن استمرار تصاعد زحم الإنفاق الحكومي المالي وتخصيص موارد مالية مـتزايدة ، بالأرقام المطلقة والنسبية ، للاستثمار في البناء التحتي والخدمات إذا ما بقيت أسعار النفط فوق 70 دولار للبرميل .

وقد لا يواجه العراق عقبات تسويق جـدية.

وإذا أحرز العراق هدفا وسطا ، بين السيناريو الأول والثاني ، واستطاع التغلب على عقبات التسويق بسياسات ملائمة فسوف ينتقل نوعيا إلى فئة أخرى من جهة الإمكانات المالية.

وإذا تحركت الحكومة نحو إعادة بناء أجهزتها وتغيير تقاليد عمل الإدارة الاقتصادية باتجاه الفاعلية والانجاز، فتلك فرصة تاريخية للعراق. و ينتظر من الجميع التعاون لأجل النمو المستمر والتصنيع والرفاهة والعدالة .

لقد كان مسار سعر النفط شديد التذبذب في السنوات الأخيرة فبعد أن تجاوز المتوسط العالمي 140 دولاراً للبرميل في تموز 2008 أنخفض إلى 33 دولار في كانون الثاني 2009 ، وبعد سنتين أي كانون الثاني 2011 استعاد المستوى الذي كان عليه مطلع عام 2008 .

فما هي احتمالات تكرار الدورة في مقابل احتمالات استقرار السعر، وعند أي مستوى ؟

وتبنى صندوق النقد الدولي ويتوقع صندوق النقد الدولي أن يصل الناتج المحلي الإجمالي إلى 173 تريليون دينار عام 2014 بمعنى إن المتوسط للفرد سيكون 5088 ألف دينار ( حوالي 4350 دولار ) .

وقد وصل الإنفاق الحكومي المخطط ﺇلى 81% من الناتج المحلي عام 2008 ، وبموجب السيناريو المفترض يصبح 62% منه عام 2014 .

لقد حصلت تغيرات جوهرية في بنية التكاليف والأسعار النسبية .

إذ ارتفع السعر النسبي لأسعار السلع والخدمات غير المتاجر بها ( دولياً) كثيراً .

كذلك الأجور في مكونات الكلفة .

وأسعار الطاقة وخدمات السكن والنقل نسبة إلى بقية الأسعار .

كما إن تراكم اثر التضخم ، مع سعر صرف متناقص للعملة الأجنبية ، أدى إلى قفزة كبيرة في سعر الصرف الحقيقي للدينار العراقي .

تلك التغيرات التي كانت ملائمة للمستهلك أضعفت دوافع الاستثمار الإنتاجي بسبب انحسار الجدوى مع التراجع السريع في القدرة التنافسية الدولية للعراق .

لقد تفاقمت الآثار السلبية ، لتلك التغيرات ، في ميادين الاستثمار الإنتاجي الخاص تفاقمت مع استمرار التخلف التنظيمي والتقني ، وضآلة المبادرات الخلاقة وضعف الروح الريادية وقيم العمل المنتج ، وعدم تبلورأنماط السلوك الملائمة للتنمية الاقتصادية ، بصفة عامة ، والصناعية منها على وجه الخصوص .

لم يحصل تقدم واضح في إعادة هيكلة المنشآت الاقتصادية العامة .

وهي لا تشكل مجموعة متجانسة في خصائصها الاقتصادية والمالية فهي تتفاوت من جانب قيمة الأصول وتكاليف التجديد والتحديث وأعداد المنتسبين الفائضين عن الحاجة، وفرص التشغيل المجزي اقتصادياً حتى بعد التحديث.

وهي بمجموع قيم أصولها الثابتة وودائعها في المصارف ، وعدد منتسبيها وهو زهاء 600 ألف ، تمثل كتلة اقتصادية كبيرة قد تسهم في التقدم عند أيجاد الحلول المناسبة .

وأيضا في توليد المشاكل وأعباء التمويل مع استمرار الإخفاق في التعامل الحكيم معها .

ويبلغ الإنفاق ألاستثماري المقرر في موازنة عام 2011، 33.1 تريليون دينار من الموازنة العامة ويشكل 34% من مجموع الإنفاق وهو مؤشر في الاتجاه المناسب .

ويخصص 7.1 تريليون من ذلك المبلغ للاستثمار في المجال النفطي .

أما في عام 2012 فان المبلغ المخطط 36 تريليون دينار بنسبة 36% من مجموع الإنفاق الحكومي و10.2 تريليون منها لقطاع النفط.

إمكانات وفرص التنمية

في قطاع الطاقة، إجمالا»، سلكت السياسة الاقتصادية المسار المطلوب لزيادة الطاقة الإنتاجية في مجال النفط الخام، ومن خلال عقود الخدمة للنهوض بالإنتاج والتصدير إلى مستويات مرموقة بيد أن البرامج ا لتكميلية للارتفاع بالصادرات نحو 8 مليون برميل يوميا» لازالت قيد الاختبار.

الحجم الكلي للتصفية لم يتجاوز 500 مليون برميل يوميا» ولازالت تستورد المنتجات النفطية مع شديد الأسف.

ولو قدر للعراق أن ينهض على جبهة اقتصادية واسعة يحتاج إلى حوالي مليون ونصف برميل يوميا»، أو أكثر، من المنتجات النفطية مطلع العقد القادم.

و قد يمكن اعتماد سياسات للوصول بالتصنيع والاستخدام الداخلي للنفط الخام إلى أكثر من ثلاثة ملايين برميل يوميا» عام 2020.

كما إن استغلال الغاز بنوعيه، المصاحب والمستقل، يفتح آفاقا» جديدة للعراق لتطوير صناعات نظيفة مع رجحان الطلب عليه في توليد الكهرباء.

كما إن الصناعات البتروكيمياوية والصناعات التحويلية كثيفة الطاقة ، ومنها الحديد والألمنيوم والأسمدة وسواها ، هي الأكثر انتفاعا من المزايا الاقتصادية النسبية المفترضة للعراق .

ومن المطلوب إحياء الجهود لجعلها صناعات ناجحة اقتصاديا» ، فعلا ، وقطاعا للتشغيل ورافدا للدخل وتمويل الإنفاق العام .

إن المشاريع تحت التنفيذ ، أو التي تنتظر المباشرة ، في قطاع الكهرباء تؤدي بمجموعها إلى زيادة جوهرية في طاقة التوليد، كافية لحل المشكلة لو توفرت قدرات إدارية عالية لانجازها خلال الفترة القريبة القادمة .

كما إن الطاقة الإنتاجية التصميمية للمحطات القائمة تزيد على 16 ألف ميغاواط ولو تهيأت إمكانات لصيانتها وتجديدها وتحديثها يمكن توليد حوالي 11 ألف ميغاواط منها ، على رأي الخبراء .

وتتحمل تلك المحطات ، إضافة وحدات جديدة إليها في حين لا يتجاوز التوليد الحالي 7 ألاف ميغاواط.

ومن المعلوم إن شبكات النقل والتوزيع ، كما بينت دراسات منشورة ، بحاجة إلى الكثير من الجهود والأموال والمهارة الإدارية العليا كي تنسجم في كفاءتها ، وحجم الطاقة التي تسمح بحملها ، مع المستويات المنتظرة لطاقات التوليد .

من الضروري للعراق ألانطلاق من مبدأ التكامل والاتساق في التنمية العمرانية ولذلك لا بديل من العمل بالتزامن، والتعاقب المنطقي، لتطوير شبكات مياه الشرب وأنظمة الصرف الصحي والطرق والجسور وأبنية الخدمات العامة بأنواعها والنظر إلى السكن في هذا السياق. وهكذا تكون مهمات إعادة توجيه النفايات السائلة بعيدا» عن الأنهار منسجمة وملحة.

إن الإدارة المتكاملة لموارد المياه ولمختلف الأغراض أصبحت في غاية الأهمية ولهذا تحتل الشبكات الجديدة للري وتغطية الأراضي الزراعية بالمبازل مكانتها في التوجه الجديد.

والذي سوف يسمح ، في النهاية ، بزيادة الرقعة الزراعية ورفع الغلة والتي كانت الملوحة والمستويات المرتفعة للمياه الجوفية من أسباب تدنيها واستمرار تدهورها .

تتطلب النهضة العمرانية تنمية سريعة للقدرة الوطنية على الأعمار والتي يعد قطاع البناء والتشييد بمعناه الواسع وفروع الصناعة والنقل والخدمات المرتبطة به محورا» لها .

وفي ذات الوقت يسهم ، البناء والتشييد ، في التوليد السريع لفرص العمل وانتشار الآثار الايجابية . لكن هذا النوع من التنمية لا يمكن انجازه بالسياسات المتبعة لحد الآن وهي عموما» تعمل بأدوات من جانب الطلب .

وفي مثل ظروف العراق أثبتت التجربة عدم فاعلية تلك الأدوات ، وإنها تتسبب في اختناقات وضغوط تضخمية أكثر مما تحفز لتأسيس طاقات جديدة .

إن القطاع المالي وبجميع فروعه لازال قاصرا» عن تنشيط الاستثمار والإنتاج بأداء خدمات الصيرفة والتأمين وتمويل التجارة الخارجية وإدارة المدفوعات الدولية بحجم يناسب الاقتصاد العراقي وكفاءة معاصرة .

وقطاع الشركات المساهمة ضئيل في العراق ودون ما ينتظر من اقتصاد حر يراد للقطاع الخاص فيه تحمل مسؤولية التنمية خارج النفط .

إن مجموع رؤوس أموال تلك الشركات يدور حول ثلاثة مليار دولار وثلثيها للمصارف الخاصة .

و لم تنضج بعد آليات فعالة لتكوين الشركات الجديدة أو تطوير الكيانات القائمة والارتقاء بها إلى شركات مساهمة كبيرة. وهنا توجد صلة مع التدابير التي من الممكن اعتمادها في إعادة تأهيل المنشأ آت الاقتصاديـة العامة.

قد يتطلب تطوير قطاع الشركات مبادرات حكومية ، من نوع جديد ، لتعويض النقص في الدوافع الريادية والتنسيق وتعبئة مصادر التمويل والخبرة ، وتسهيل الاتصال مع المناشئ الدولية ، وربما تشجيع شراكات مع القطاع العام العراقي وشركات أجنبية كفوءة .

إن النظر في مشكلات البطالة والتشغيل باستقلال عن الطاقات الإنتاجية ، في قطاعات السلع وخدمات النقل والاتصالات والتجارة وما إليها ، لم يجد نفعا» في الماضي وسوف يؤدي إلى اليأس .

والتوجه النافع اجتماعيا» ينبثق عن النظر إلى التشغيل والتنمية معا» بصفتهما وجهين لعملية اقتصادية واحدة .

أي التنمية من اجل التشغيل بإنتاجية عالية ومتنامية واجر مرتفع يستجيب لحق العامل في العيش الكريم.

وفهم الضرورة الاقتصادية لتوليد الإرباح وتكوين المدخرات من اجل تمويل نشاط استثماري موسع خارج النفط.

أما مشكلة الفقر فهي ذات إبعاد عديدة شاملة لكافة عناصر الوضع الاقتصادي – الاجتماعي.

ومن الممكن البدء بمكافحة فقر الدخل وهو المقصود بتعبير خط الفقر.

ولعل انجح سياسة، في هذا المجال ، هي ضمان الحد الأدنى من الدخل للجميع .

وان يعرف ذلك الحد الأدنى في نطاق الإمكانية الاقتصادية الكلية والشروط الأخلاقية والسياسية للتفاوت المسموح به .

مراجعة مفهوم الاعتماد على النفط

 النفط ثروة وطنية سيادية وتمثل عملية استخراجه للتصدير تسييلا لها أي تحويل جزء منها إلى عملة أجنبية .

وعندما تعرف التنمية بمقياس نمو الثروة الوطنية بمجموعها يواجه المجتمع ونخبته السياسية تحدياً كبيراً لأن ذلك يعني وجوب تكوين ثروة مادية إضافية على سطح الأرض تعادل في الأقل قيمة الجزء المسيل من الثروة النفطية .

الريع هو الجزء الأكبر من سعر النفط وقد يصل إلى 90 % منه في العراق ، إذ لا يشبه النفط بقية منتجات قطاع التعدين والاستخراج .

ولو أظهرت المحاسبة الاقتصادية النشاط النفطي على أساس مفهوم الثروة وتسييلها إلى جانب الحسابات المتعارف عليها لأدى ذلك إلى تعميق الوعي الاقتصادي .

المورد النفطي الذي هو عملة أجنبية يستخدم لتمويل استيراد الحكومة ومدفوعاتها الخارجية الأخرى بصورة مباشرة ، وبصورة غير مباشرة لتمويل المدفوعات الخارجية للقطاع الخاص وهي عملية تقع خارج الموازنة .

لقد اقتصر استخدام الحكومة للعملة الأجنبية على ألاستيراد والتأديات الخارجية لا تتعدى 30% من المورد النفطي ، واحتياطيات رسمية ، تستثمر في الخارج ، بمبلغ يمثل حوالـي 18% منه، واستخدم القطاع الخاص الباقي .

من المفيد التذكير أن ألاقتصاد العراقي قد تغير جذريا ، وكذلك نظامه ، عما كانا عليه في المرحلة التي أنشأت تقاليد ألإدارة المالية العامة وجرت عليها تعديلات عند تأسيس مجلس الأعمار عام 1952 واستحداث منهج الأعمار الذي سمي فيما بعد الموازنة الاستثمارية و التي أصبحت المرجعية الفنية للعمل إلى يومنا هذا .

و يمكن النظر إلى نتائج تأميم النفط و تصحيح أسعاره مطلع السبعينات بأنها البداية التي أسست موضوعيا لطلب التغيير. وراكمت اقتصاديات الحرب وزمن الحصار الكثير من الحقائق التي تستدعي ألتخلي عن النظام القديم للإدارة المالية.

و بعد عام 2003 أصبح العراق فجأة أمام نظام اقتصادي مغاير و حقائق جديدة في ألإنتاج و ألاستثمار و ألاستهلاك و التجارة و العلاقات المالية الدولية.

فلقد توقف القطاع العام ألإنتاجي عن العمل في انتظار التصفية أو الخصخصة، و تزايد ألأنفاق الحكومي الجاري مع استمرار ضالة التمويل من المصادر الضريبية، وبرز دور جديد للقطاع الخاص في التجارة الخارجية و ألاستثمار عبر الحدود في انسجام مع ألانفتاح المالي التام.

تستدعي التغيرات في سعر الصرف النقدي بالعلاقة مع التضخم الداخلي والخارجي المزيد من العناية في العراق و بلدان الصادرات الطبيعية.

إذ تدفع و فرة العملة ألأجنبية سعر الصرف النقدي للعملة الوطنية إلى ألارتفاع بعيدا عن مستويات تعادل القوة الشرائية.

وعندما يكون معدل التضخم في الداخل أعلى من المستوى الدولي ترتفع الأسعار النسبية للسلع والخدمات المنتجة محليا» تجاه العالم، ولهذه الخاصية انعكاس سلبي على التنمية.

ويواجه العراق الآن مشكلة استمرار التدهور في قدراته التنافسية الدولية نظراً لارتفاع التكاليف وخاصة الأجرية منها مقترناً بأستمرار انخفاض الإنتاجية .

وهذه الخاصية تستدعي معالجة جادة تستند إلى إطار مختلف لفهم آليات عمل نظام الاقتصاد الحر وكيفية أدائه لوظائف الإنتاج والتشغيل والنمو.

و يؤدي انخفاض سعر صرف العملة الأجنبية إلى تنامي قطاعات الخدمات مع تزايد التكاليف والأسعار على حساب دور القطاع السلعي .

كما تقود زيادة موارد النفط الى المبالغة بالإنفاق دون تحسب للتقلبات في مستوى الإيراد.

و بما أن الأنفاق الجاري عندما يرتفع لا يمكن تخفيضه بسهولة فيكون تعديل الوازنة على حساب ألأنفاق ألاستثماري العام وعندما ينخفض سعر النفط بشدة كما حدث أواخر عام 2008 ويستمر لمدة طويلة قد يتورط البلد في مديونية ثقيلة على غرار ما حصل في سنوات الحرب مع إيران .

وقد تعزز طفرة الموارد النفطية أنماط السلوك ألريعي ومنها اندفاع الإفراد المحموم نحو الكسب ومراكمة ثروات من مزاولة أنشطة هامشية وبعيدة عن الميادين التي تخدم التنمية أو مشكوك في جدواها على المستوى الاقتصادي الكلي .

كما أن السلوك ألريعي في سياق ذلك التنظير ، يطغى على الجهاز الإداري للدولة ومن مظاهره سوء الإدارة والفساد المالي ويمتد إلى المنظمات غير الحكومية والشركات الخاصة .

ومما يساعد على تقليص سلبيات المورد ألريعي اتخاذ تدابير فعالة وسياسات تستهدف التأثير في ألأسعار والتكاليف النسبية من أجل الحفاظ على جدوى عالية للاستثمار ألإنتاجي خارج قطاع النفط الخام والغاز.

وتلك التدابير والسياسات ليست بالمهمة السهلة و قد لا تحظى بالقبول السياسي و ألاجتماعي. ولابد من ضمان موارد كافية للاستثمار الحكومي في البناء التحتي ألاقتصادي و ألاجتماعي بما في ذلك الكهرباء و موارد ألأرض والمياه .

وبخلافه تعاق التنمية الاقتصادية و ألاجتماعية و لا ينتفع العراق من موارده على الوجه المطلوب .

و تتنافس أبواب الإنفاق تلك مع الأمن والدفاع والصحة والتعليم والإعانات والرعاية الاجتماعية وكذلك مع نفقات الإدارة الحكومية الصرف.

الصعوبات التي اعترضت الإدارة الاقتصادية في الماضي تمثلت في عدم القدرة على فرض الأولويات المستمدة من متطلبات التنمية الاقتصادية وهي ما يمكن وصفها بالمقاومة الاجتماعية المدعومة سياسيا للتنمية .

والمتمثلة بعدم القدرة على تخفيض النفقات الجارية ، لإنقاذ موارد تنفق على الاستثمار في النفط والكهرباء وسواها من القطاعات ألأساسية.

ومن البديهي إن التصرف الأمثل ، اقتصاديا» ، بالموارد يتطلب إدارة حكومية بدرجة مناسبة من النزاهة والانضباط ، وان تتمثل أفضل نتاجات الخبرة والمعرفة في تنظيم وتشغيل وتطوير الوحدات التي يتألف منها جهاز الدولة .

ولترصين وضع الاقتصاد العراقي في الأمد القصير وتهيئة مقومات التنمية تمس الحاجة إلى العناية الفائقة بالعلاقة بين الموازنة العامة ومجمل النظام الاقتصادي .

ينبغي تناول ما تقدم في سياق جديد ينطلق من إزالة الانفصام بين آلية إعداد وإدارة الموازنة ووظائفها الاقتصادية والاجتماعية وهي في خطوطها العريضة:

1 - أداء الواجبات السيادية للحكومة .

2 - الاستقرار الاقتصادي الكلي.

3 - إحداث نهضة سريعة في قطاع الطاقة: النفط والغاز وتصنيع المنتجات النفطية والكهرباء.

4 - النمو المستدام والحفاظ على الموارد الطبيعية وتنميتها وفق منهج يوائم فيما بين مصالح الأجيال المتعاقبة .

5 - تنويع الاقتصاد العراقي من خلال التحديث الشامل ونقل العراق الى دولة مصنعة .

6 - الاهتمام بالعدالة التوزيعية عن طريق التقريب بين مستويات الدخل المكتسب من ألانتساب إلى الدولة ومتوسط الأجر في القطاع الخاص . وكذلك ضمان الحد الأدنى من الدخل للعائلة العراقية عبر برامج مكافحة الفقر والرعاية الاجتماعية .

7 - تمويل قطاعات الخدمات العامة.

http://www.newsabah.com/ar/2411/8/83553/توظيف-الموارد-والتنمية.htm?tpl=13

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق