الاثنين، 3 سبتمبر 2012

أخطاء منهجية في احتساب خط الفقر في الكويت

أخطاء منهجية في احتساب خط الفقر في الكويت

الكويتي في قائمة أعلى الأفراد دخلاً في العالم

د. محمد ابراهيم السقا *

تخطت زيادات الرواتب الحكومية مضافا اليها العلاوات الدورية وعلاوات الترقي وغلاء المعيشة، فضلا عن البدلات والمكافآت والمنح.. معدل التضخم في الكويت من 2007 الى 2012، وفاقت نسبتها الاجمالية الـ %30.
اما القول إن مرتب الف دينار للكويتي «يجعله عند حافة الفقر» فهو «غير علمي ابدا ويفتقد الدقة والموضوعية»، اذ ان الكويتي يأتي في قائمة اعلى الافراد دخلا في العالم،
فإلى راتبه تضاف امتيازات كثيرة تجعل المواطن من اعلى الحاصلين على الدعم في العالم، لاسيما على صعيد الخدمات العامة مثل الماء والكهرباء ومنح الزواج وعلاوات الاطفال وقروض السكن من دون فوائد، فضلا عن دعم اسعار السلع الاساسية بالبطاقات التموينية.
ان المشكلة ليست في الدخل او الراتب، الذي هو مرتفع جدا، لكنها في نمط الاستهلاك الترفي.

لذا نجد مواطنين مسرفين غير راضين عن دخلهم.

نشرت احدى الصحف مقالا الأسبوع الماضي بعنوان «خط الفقر يتجاوز الألف دينار في الكويت»،
 
حيث أشار الكاتب إلى أن الأسرة الكويتية المكونة من خمسة أفراد تعيش تحت خط الفقر إذا بلغ دخلها الشهري أقل من ألف دينار، وذلك استنادا إلى ما قام المقال به من افتراض أن خط الفقر يتحدد عند مستوى %60 من متوسط نصيب الفرد من الدخل في الدولة،
وباستخدام الحسابات التي تمت في المقال تم التوصل إلى أن خط الفقر في الكويت يتجاوز مستوى الألف دينار، وذلك بافتراض أن متوسط الدخل الشهري للأسرة يبلغ 1850 دينارا،
ومن ثم فإنه باستخدام تعريف خط الفقر (%60 من متوسط الدخل)، فإن خط الفقر في الكويت يصل إلى حوالي 1100 دينار شهريا، أو 13200 دينار سنويا،

وقد أحدث المقال ردود فعل، خصوصا على مواقع التواصل الاجتماعي، غير أنه في واقع الأمر يعاني من أخطاء عدة منهجية بحيث تجعل الخلاصات التي توصل إليها غير صحيحة على الإطلاق،

 وتتمثل أهم الأخطاء التي احتواها المقال في الآتي:

الخطأ الأول، 
اعتمد في حساب خط الفقر على أساس متوسط دخل الأسرة،
 بينما التعريف الذي يستخدمه لخط الفقر والذي يتحدد بــ %60 من متوسط الدخل، يقصد به متوسط دخل الفرد وليس متوسط دخل الأسرة،
من ناحية أخرى فإن متوسط دخل الفرد لا يتحدد، كما ذهب المقال، بمتوسط الأجر وفقا لقاعدة بيانات مؤسسة التأمينات،
وإنما بالناتج المحلي الإجمالي مقسوما على عدد السكان في الدولة،
وحتى لو استخدمنا التعريف الذي يستخدمه الكاتب وتقديرات متوسط أجر الموظف وفقا لقاعدة بيانات التأمينات الاجتماعية (1200 دينار شهريا) فإن خط الفقر المفترض هو 720 دينارا شهريا (أو 8640 دينارا سنويا)، وهو أقل بكثير من المستوى الذي تم التوصل اليه بواسطة المقال.

الخطأ الثاني، 
استند المقال في حساب متوسط الدخل إلى بيانات التأمينات الاجتماعية، وهو ما يعني تجاهل الدخول التي تتحقق خارج القطاع الحكومي.
من ناحية أخرى فإن الاستناد إلى قاعدة بيانات مؤسسة التأمينات في حساب متوسط نصيب الفرد من الدخل يصطدم بخطأ منهجي،
وهو أن البيانات التي تنشرها «التأمينات» تعتمد أساسا على الدخل الثابت وتهمل معظم أشكال الدخل المتغير
وجميع الجوانب الأخرى للدخول التي يحصل عليها العاملون في الدولة، وهو ما يؤدي إلى التوصل إلى مستويات دخل أقل من الواقع بصورة جوهرية.

الخطأ الثالث، 
أن المقال تناول الزيادات التي حدثت في الأسعار خلال الفترة من 2007 إلى 2012 والتي تجاوزت نسبة %30. 
فخلال الفترة الزمنية من يناير 2007 حتى مارس 2012، ارتفع المستوى العام للأسعار في الكويت وفقا لقاعدة بيانات الإدارة المركزية للإحصاء بنسبة %31.2،
وقد كانت أعلى معدلات الزيادة في الأسعار في عام 2008، حيث بلغ معدل التضخم %10.6،
غير أن معدل التضخم قد أخذ في التراجع بعد ذلك نتيجة لظروف الأزمة المالية العالمية والتي صاحبها انكماش في الأسعار على المستوى العالمي، وقد بلغ معدل التضخم في العام الماضي (2011)، %4.5 تقريبا.

بالطبع عندما ترتفع الاسعار تتراجع الدخول من الناحية الحقيقية،

ووفقا لبيانات معدل التضخم في الكويت، فإن الدخل الاسمي الذي يساوي الف دينار في 2007 يساوي بأسعار اليوم 688 دينارا فقط، او ان الالف دينار التي بين يدينا حاليا، كانت تساوي 1332 دينارا في عام 2007، هذا هو الطرف الاول في معادلة الدخول.

غير انه لكي تكتمل الصورة لابد ان نأخذ في الاعتبار الطرف الثاني، وهو الزيادات التي حدثت في الدخول، لكي تعوض المواطن عن الارتفاع الذي يحدث في الاسعار، والتي عندما نحصرها جميعا نجدها تزيد في الواقع عن معدل التضخم،

فعلى الرغم من تراجع الدخول الحقيقة خلال الخمس سنوات الماضية، فإنه في المقابل زادت دخول العاملين في الدولة
في صورة العلاوات الدورية وعلاوات الترقي،
وكذلك حصل العاملون في الدولة على علاوة غلاء معيشة بمبلغ 120 دينارا اعتبارا من مارس 2008،
كما تم منح الموظفين المعينين على جدول المرتبات العام، والذين لم يتقرر لهم اي بدلات او مكافآت او علاوات اضافية مكافأة مالية اضافية، وذلك بواقع 100 دينار شهريا،
كذلك فقد تمت زيادة المرتبات اعتبارا من مارس 2012 بنسبة %25،
كما حصل كل مواطن على منحة أميرية لمرة واحدة بمبلغ ألف دينار،
معنى ذلك أن ارتفاع الأسعار في الكويت كان مصحوبا أيضا بزيادات في الدخول، ولا شك في أن تقييم الأثر من طرف واحد يجافي الحقيقة، وأن دخل المواطن من الناحية الحقيقية ارتفع.

الخطأ الرابع، 
أن حسابات متوسط نصيب الفرد على الأساس النقدي تواجهها مشكلة من الناحية الحقيقية،
ذلك أن الحكومة تقدم للأفراد في الكويت الكثير من أوجه الدعم، التي يجب أن تضاف إلى الدخول الحقيقية للأفراد،
فالكهرباء والماء في الكويت هما الأرخص في العالم، والكثير من السلع الأساسية يتم دعمها من جانب الدولة، فضلا عن أن الدولة تقدم للفرد الكثير من المساعدات مثل منحة الزواج وعلاوة الأطفال، وقرض المسكن من دون فوائد، وأرض المسكن بسعر البنية التحتية فقط..
إلى آخر هذه القائمة الطويلة من المساعدات التي تجعل من الفرد في الكويت من أعلى من يحصلون على دعم في العالم، حيث يلتهم الدعم نسبة كبيرة من الإنفاق العام في الكويت.

في رأيي أن المشكلة الحقيقية التي تواجهها الكويت ليست في انخفاض مستويات الدخول، وإنما في أنماط الاستهلاك السائد والطموحات الاستهلاكية للأفراد، خصوصا الاستهلاك الترفي،
حيث ينتشر دافع المحاكاة والتقليد على نحو واسع بالصورة التي تجعل الفرد غير راض عن مستويات الدخول التي يحصل عليها طالما أنها لا تلبي طموحاته الاستهلاكية، والتي يبدو أن لا سقف يقف حائلا أمامها.

الخلاصة 
أن الزعم بأن بعض الكويتيين يعيشون تحت خط الفقر هو خلاصة غريبة تتنافى مع المستويات المتعارف عليها دوليا لمتوسط نصيب الفرد من الدخل،
والتي تضع الفرد الكويتي ضمن قائمة أعلى الأفراد في العالم بالنسبة لنصيبه من الدخل، وأن الفرد في الكويت ما زال يتمتع بواحد من أعلى مستويات الرفاه في العالم.

* استاذ الاقتصاد - جامعة الكويت

http://www.alqabas.com.kw/node/104179

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق