الأحد، 1 أبريل 2012

ارتباك الذهب


الإثنين, 26 مارس 2012 الساعة 08:05

يارمو كوتيلاين - كبير الاقتصاديين في البنك الأهلي التجاري في جدة

ارتباك الذهب
تسبب الذهب، الذي طالما نظر إليه باعتباره الملاذ الآمن والأخير في بيئة عدم اليقين الاستثنائي، في بقاء الجميع في حالة من الترقب في الأشهر الأخيرة مع فقدان ارتفاع المعدن الثمين في السنوات الأخيرة لبعض زخمه. وبعد ارتفاع قوي بنسبة 24.3 بالمئة في العام 2009، صعد الذهب بنسبة 29.8 بالمئة في العام 2010، وعلى الرغم من وصوله لقمم مثيرة للإعجاب خلال العام الجاري، إلا أنه تباطأ في نهاية المطاف إلى 14.2 بالمئة في العام 2011. 

وكان الذهب عموماً واحداً من الأصول ذات الأداء الأفضل خلال العقد الماضي مع نمو الأسعار الإيجابي في كل عام، ومع ذلك وبالنظر في توقعات الأسعار للعام الجاري يبدو أن هناك اختلاف غير معتاد في وجهات النظر، وعلى الرغم من ذلك يتوقع معظم الناس تحقق مكاسب متواضعة، وهناك القليل نسبياً من التفاؤل الذي سيطر على مزاج المحللين خلال معظم العامين الماضيين.

ويتمثل السبب الرئيس وراء هذا الارتباك في النقص الشديد في الوضوح فيما يتعلق بتوقعات الاقتصاد العالمي، ونظراً لمجموعة واسعة من النتائج المحتملة للأزمة في منطقة اليورو، قد نتوقع سيناريو قريب من الانهيار الاقتصادي العالمي الذي يمكن أن يؤدي إلى دوامة انكماشية أو «المزيد من الشيء نفسه»، والمزيد من التخبط الذي من المحتمل أن يتضمن سياسات نقدية تقدمية أكثر تساهلاً. 

وسوف يتضمن السيناريو الأخير على الأرجح بعض التضخم ودعم أسعار الذهب، ولكن مرة أخرى، ربما يحدث انهيار نظراً لأن هذا السيناريو ينطوي على عدم استقرار اقتصاد لم يسبق له مثيل، وربما يؤدي إلى تجدد البحث عن ملاذات آمنة، وقد شهدت فترة الثلاثينات والسبعينات نشاط الذهب الأكثر إثارة للإعجاب في التاريخ الحديث،
ومع ذلك، هناك احتمالات بأن تؤدي أزمة منطقة اليورو الحقيقية إلى رفع قيمة الدولار الأمريكي إلى مجده السابق، على الأقل من الناحية النسبية، مثل ما حققه بالفعل في الأسابيع الأخيرة، فقد أنهى مؤشر الدولار الأمريكي العام بارتفاع أعلى بنحو 10 بالمئة من أدنى نقطة له في مايو العام 2011، وتسارعت مكاسب الدولار على حساب الذهب نتيجة الأحداث الفردية مثل أزمة «أم أف غلوبال» وتزايد المتطلبات الهامشية.

وعلى الرغم من ضرورة اعتبار النتيجة النهائية في أوروبا غامضة للغاية، إلا أن التكاليف المحتملة لمثل هذا الانهيار تثير بوضوح قدراً من إعادة التفكير،
 وفي الواقع، يمكن لموجة محدودة من الخسائر في مشتقات اليورو أن تسحب جزءاً كبيراً من النظام المالي العالمي تحت الماء. 

لكن المشجع أن ألمانيا أظهرت بعض المرونة بشأن آليات الإنقاذ الأوروبية، ويعزز «صندوق النقد الدولي» موارده، كما خفف «البنك المركزي الأوروبي» سياسته النقدية بعدد من الطرق، وعلاوة على ذلك، هناك تكهنات متزايدة بأن «مجلس الاحتياط الاتحادي» سيطلق موجة أخرى من التسهيلات الكمية، ويحتمل أن يبلغ مجموعها 600 مليار دولار أمريكي في ربيع العام الجاري، وعلى الرغم من أن فعاليتها لن تثبت على الأرجح في الربعين الأول والثاني، إلا أنه من المؤكد سيكون لها بعض التأثير الإيجابي على أسعار الأصول العالمية.

وسوف تبرز هذه الخطوات أيضاً التحديات الاقتصادية العالمية، وتؤدي إلى مزيد من التأخير في الوصول إلى وضع طبيعي قوي، وفي ظل هذه البيئة من عدم اليقين،
من المرجح أن يستمر الذهب في الظهور كمخزن هام للقيمة، تماماً كما حدث كثيراً خلال فترة السبعينات المضطربة اقتصادياً عندما تقدم على سعره الأصلي الثابت بقيمة 35 دولاراً للأوقية ليصل إلى 50 دولاراً في العام 1980، محققاً مكسب بنسبة 2400 بالمئة، وكان سعر الذروة المتوقع في الثمانينات هو 2400 دولار بالأسعار الحالية، وبالتالي يكون أعلى بكثير من أقصى ذروة اسمية له عند 1900 دولار، وقد مضى هذا التحول في أسعار الذهب في الثمانينات جنباً إلى جنب مع الجهود الكبيرة للإصلاح الاقتصادي وتحقيق استقرار الاقتصاد الكلي التي أعادت الثقة في العملات الورقية.

ولكن على الرغم من أن الاقتناع بالذهب كملاذ آمن لا يزال قائماً، إلا أن التوقعات على المدى القريب محفوفة بالمخاطر، فقد ارتفع الطلب على الاستثمار في الذهب من عامل هامشي نسبياً من الطلب الكلي (16 بالمئة في العام 2005) ليصبح عاملاً رئيساً يشكل 40 بالمئة من المجموع، وعلى الرغم من أن معظم هذه المسألة على المدى الطويل يرتبط بجهود التنويع الهيكلي المدعومة بمجموعة أكثر تنوعاً من الأدوات الاستثمارية المرتبطة بالذهب، إلا أن بعضها أقرب إلى المضاربة، فإذا ضعفت توقعات الذهب على المدى القريب، سيكون هناك بيع من قبل المستثمرين، الأمر الذي قد يخفض السعر إلى نطاق أقل. 

وفي الوقت نفسه، يجري حالياً اختبار المكونات التقليدية من الطلب على الذهب (المجوهرات والأزياء وغيرها) عن طريق الارتفاع المستمر للأسعار - وفي بعض الأسواق الرئيسة، مثل الهند وتركيا، أدى ضعف العملة إلى تقويض القوة الشرائية للمستهلكين، وعلى جانب العرض، على الرغم من أن زيادة الإمدادات لا يزال يشكل تحدياً، إلا أن التعدين يستجيب للطلب القوي عن طريق تنشيط بعض المناجم القديمة وإطلاق أخرى جديدة، ويميل السعر الحالي إلى السماح بهوامش ربح مريحة نسبياً.

ووسط هذا التدافع بين هذه القوى المتضادة قد يقع الذهب فريسة لنوبات من التقلب، لكن، وعلى الرغم من الإرباك والخطورة اللتين يبدو عليهما، إلا أنه لا يزال من المحتمل جداً أن ينعكس الاتجاه التصحيحي في أسعار الذهب طالما لم تظهر حلول سريعة للأزمة الاقتصادية العالمية.

للتواصل مع الكاتب: j.kotilaine@alrroya.com

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق