الثلاثاء، 7 فبراير 2012

الرأسمالية .. هل من منافس؟

د. محمد آل عباس













 بداية، يجب ألا يُقرأ هذا المقال وفقا لثنائية "مع أو ضد" أو مبدأ "إن لم تكن معي فأنت ضدي"، بل إن الأحداث الاقتصادية الراهنة تفتح مجالاً رحباً لصوتٍ جديد وهناك فرص حقيقية لنظريات منافسة أن تقدم نفسها كنموذج - إنساني - قابل للتحدي.
سأنطلق في مناقشاتي هذه من فلسفة بوبر" Popper"للعلم، فأفضل النظريات التي تُفسر العالم وقادرة على البقاء ليس في كونها صادقة بذاتها, فلا صدق مطلق للنظريات, بل لأنها لم تجد ما يكذبها علميا بعد.
  لكن التحدي العلمي للبشرية ليس فقط في إثبات عدم صدق نظرية ما بل في تقديم نظرية منافسة في الوقت المناسب.

إذا فكل ما علينا نحن البشر أن نقدمه ليس الحقيقة المطلقة بل تفسيرات جديدة تقبل النقد العلمي المنهجي وتصمد أمام تحدياته. هذه هي المسلمة الأولى، والثانية في هذا النقاش أنه رغم إضافة كلمة "إسلامي" لأي تفسيرات وآراء بشرية كونها مستقاة من النص القرآني والسنة النبوية المطهرة ومستنتجة منها فإن ذلك لا يعطيها قداسة النص نفسه، فلا قداسة لآراء البشر عندي.
إذا لم توافقني عزيزي القارئ في أي من هذه المسلمات فإن هذا المقال يقف هنا بالنسبة لك.
كي تصبح نظرية علمية، فإنه يجب على أي قانون وفكر اقتصادي أن يسمح بتفسير الظواهر الاقتصادية والتنبؤ بها. 
فلا يكفي التفسير بينما يفشل في التنبؤ ولا يكفي التنبؤ بينما لا يفسر شيئا، وهنا يكمن التحدي العلمي.
فالنظرية تقدم نفسها كقانون عام يربط المفاهيم الاقتصادية من خلال علاقات فيما بينها وكل ما علينا كمتخصصين هو اختبار وتحدي ذلك القانون على أحداث وبيئات مختلفة هل تصمد العلاقات أم تفشل في ذلك، وعند الفشل يبدأ صراع النظريات.
كنظريات ـ عندما تفشل أي منها في التنبؤ بالأحداث أو في تفسير الظواهر فإنها تفسح المجال حتما لنظرية أخرى لتحل محلها، بشرط أن تستطيع الجديدة تفسير كل ما قد فسرته النظرية السابقة. 
والسؤال الآن هل: فشلت النظرية الاقتصادية الرأسمالية في تفسير الأحداث الاقتصادية الراهنة؟ هل ما حدث اليوم في عالم المال والمصرفية لم تتنبأ له النظرية، وبعد أن حدث لم تستطع تفسيره؟
لكي نقدم نظرية جديدة يجب علينا أولا أن نقدم إجابات حاسمة عن هذه الأسئلة القائمة حاليا.
فتقديم الاقتصاد الإسلامي كنظرية منافسة اليوم يجب ألا يكون من خلال نص فقهي ملزم للمسلم – كونه حلالا أو حراما. 
بل من خلال إثبات أن النظرية القائمة – الرأسمالية الغربية – غير قادرة على تفسير الانهيارات الحالية أو القادمة وأن النظرية الجديدة – الاقتصاد الإسلامي - قادرة على هذا التفسير وتقدم له.
ثم عليها أيضا وهذا شرط أساسي أن تفسر وبكل جدارة كل ما فسرته النظرية السابقة وتحل محلها في ذلك.
كمسلم، أقبل بأن الربا حرام - كشرع - وأن الله جل شأنه قد أحل البيع وحرم الربا فلا إشكال عندي في ذلك ولا أظن أنه سيكون مشكلا عند المسلمين.
لكن الربا - بالمفهوم الخاص للربا - ليس هو الفائدة على رأس المال كمفهوم عام. فمفهوم العائد على رأس المال - الفائدة - وفقا للنظرية الرأسمالية أعم من مفهوم الربا وإن شمله.
نعم تؤمن الرأسمالية اليوم بأن هناك خطأ ما لكنها لا تعتقد أنه الفائدة بأي حال ولدينا هنا من يعتقد أنه الربا (ذلك الجزء من مفهوم الفائدة).
لكن كيف يمكن أن نفصل اقتصاديا بين مفاهيم الفائدة على رأس المال والربا ثم إثبات كل ذلك بعلاقات اقتصادية تقبل التحدي العلمي، تلك هي القضية.
نظرية تثبت أن الربا هو الذي تسبب في ذلك وتقدم بديلا نظريا يستند إلى المفاهيم الاقتصادية الحالية وقابل للتحدي بعيدا عن الإيمان المطلق والآراء الفقهية.
المصرفية الإسلامية مقبولة كنموذج بنكي – رأسمالي – يعتمد على مفاهيم الفائدة وطرق قياسها كما هي موجودة في الفكر الرأسمالي الغربي ولذلك يناشدون "هم" تطبيقها.
كيف يمكن الادعاء بأن تلك الفائدة ليست هي الفائدة التي خضعت لها الرهونات العقارية وتسببت في فشلها؟ 
كمفاهيم اقتصادية بحتة – بعيدا عن الإجراءات الإدارية الورقية - كيف يمكننا التفريق بينهما.
وكيف يمكن إقناع العالم أن تلك تسببت في الانهيار وتلك لن تتسبب فيه؟ 
ترى الرأسمالية الغربية أن نموذج البنوك الاستثمارية فشل وهو أقرب النماذج للمصرفية الإسلامية بينما البنوك التقليدية التي تقرض وتأخذ ربا صريحا لم تتعرض – مباشرة - لشيء من هذا فأي الفريقين أصدق علميا؟
ما يقوم به العالم اليوم من دعم وتقديم القروض للمصارف في شتى أنحاء العالم والتخفيضات المتتالية لأسعار الفائدة إنما يستند إلى ما تشرحه وتفسره وتتنبأ به الرأسمالية ولم يزل مقبولا علميا فكيف ندعي فشله؟ 
في المقابل ومع الأسف فإن "معظم" ما نقدمه اليوم كنموذج اقتصادي إسلامي ليس علميا مصاغا على شكل قوانين تفسر العلاقات الاقتصادية وتتنبأ بها وتكون عرضة للتحدي والتكذيب.
وهنا أردد أنني أُناقش آراء البشر وليس النص المقدس نفسه.
فالنص المقدس لا يقبل التحدي العلمي عندي وليس عرضة له, فالله جل شأنه, هو أعلم وأعلى وأجل. 
http://www.aleqt.com/2008/11/07/article_14246.html 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق