الجمعة، 3 فبراير 2012

مؤسسة النقد وضبط أداء البنوك



د. محمد آل عباس


د. محمد آل عباس
المصرفي المحترف هو الذي يتاجر بأموال المودعين وليس برأسماله، هذه هي القاعدة، وفي ظل الحماية المصرفية فإن مديري المصارف يبالغون في قبول الائتمان حتى مستويات خطرة طالما أن الخسائر ستلحق بغيرهم. 
يمضي المصرفيون في هذه اللعبة على أساس أن المودعين لن يقرروا في مجموعهم سحب أموالهم فجأة، وحتى لو حدث هذا فإن قدرة البنك على الاقتراض من البنوك الأخرى ومن البنك المركزي أو مؤسسة النقد ستحميه من مثل هذه الأحداث النادرة، ومع ضمانات تحصيل عالية من المقترضين فإن البنك قادر على سداد التزاماته.
 
ما حدث في الأزمة المالية العالمية أن قواعد اللعبة تغيرت كثيرا، وأصبح من الممكن أن يتعرض النظام المصرفي العالمي ككل لهزات عنيفة من عدم الثقة وأن يبدأ المودعون بطلب ودائعهم من مجموعة كبيرة من البنوك، وفي الوقت نفسه ألا تجد البنوك التي تتعرض للانكشاف معونة من البنوك الأخرى أو أن مصروفات خدمة الدين تتعاظم عليها بشكل يهدد مستقبلها، وما يزيد الأمر سوءا هو أن ذلك يتزامن مع فشل المقترضين في الوفاء بالالتزام في مواعيد الاستحقاق حتى أولئك المصنفون بدرجة عالية من الأمان كالحكومات. 
وهكذا فإن الإفراط في الثقة والتفاؤل أصبح بحق مشكلة المصرفية الحديثة.
لحل مشكلة الإفراط في التفاؤل تأسست لجنة بازل في عام 1974 (نسبة إلى مدينة بازل في سويسرا مقر بنك التسويات الدولية) من محافظي البنوك المركزية في عدد من دول العالم وليس لهذه اللجنة قوة قانونية لفرض مبادئها أو قواعدها على أي دولة لكنها تقدم معايير وقواعد متفقا عليها بين الأعضاء من أجل تطوير منظومة الرقابة المصرفية
وهي بشكل عام تهدف إلى تحقيق ثلاثة أهداف رئيسة وهي:
(1) تقرير حدود دنيا لكفاية رأسمال البنوك.
(2) تحسين الأساليب الفنية للرقابة على أعمال البنوك.
(3) تسهيل عملية تبادل المعلومات المتعلقة بإجراءات وأساليب رقابة السلطات النقدية على البنوك.
وقد أصدرت هذه اللجنة عدة نسخ من قواعدها التي تطورها بحسب تطور الاقتصاد العالمي وكان آخرها ''بازل 3'' والتي تسعى إلى تمكين البنوك والمؤسسات المشرفة من تجاوز آثار الأزمة المالية العالمية التي بدأت عام 2008 عندما تفجرت مشكلة الرهن العقاري ثم ازدادت عمقا مع دخول العالم موجة ركود وفشل عدد من دول العالم وخاصة دول الاتحاد الأوروبي في تمويل موازناتها للتفاقم أزمة الدين وتتحول إلى أزمة سياسية.
لكن ''بازل'' خلقت معها مشاكلها، 
فهي ما أن تطرح نموذجا من القواعد وتعطي مهلة للبنوك لتعدل من كفاية رأسمالها وطرق تقييم المخاطر والإشراف والرقابة حتى تتغير الأوضاع الاقتصادية 
ولتقوم اللجنة بطرح متطلبات جديدة في الوقت الذي لم تتمكن عدة بنوك حول العالم بل حتى دول من التوافق مع المتطلبات السابقة بعد. 
''بازل 2'' أتت لتعزيز قياس مخاطر الائتمان وأطلقت عام 2004 وكان مقررا أن تنفذ عام 2006، وقد أكد رؤساء مجموعة الدول العشرين التزامهم بمتطلبات ''بازل 2'' قبل عام 2011 
ثم جاءت ''بازل 2.5'' لتضيف شروطا أخرى في مقابلة التعرض للمخاطر التجارية وخلق الأوراق المالية، 
وفي عام 2010 صدرت ''بازل 3'' التي فرضت مستويات عالية من رأس المال وطورت إطارا عالميا لنسب السيولة على أن تلتزم الدول بذلك مع بدء عام 2013. ذلك لا يعني أن ''بازل 3'' قد ألغت ''بازل 2'' أو ''بازل 2.5'' بل هي امتداد لها وعلى الدول أن تثبت الالتزام بهذه المعايير.
في دراسة أعدتها لجنة بازل حول مدى التقدم في تطبيق قواعد ''بازل 2''، ''بازل 2.5''، و''بازل 3''، وضعت الدراسة أربع مراحل تبدأ من إعداد المسودات للقواعد النظامية لالتزام البنوك بالتطبيق وتنتهي بمرحلة فرض التطبيق، وقد وضحت الدراسة أن المملكة قد أتمت جميع المراحل بنجاح فيما يتعلق بمعايير ''بازل 2'' و''بازل 2.5'' وأنها الآن في المرحلة ما قبل الأخيرة (مرحلة نشر القواعد النهائية) لـ ''بازل 3''، وبذلك فإنه من المتوقع أن تبدأ المملكة مبكرا في فرض تطبيق معايير ''بازل 3'' قبل 2013، وهي نقطة انطلاق التطبيق الفعلي لهذه القواعد، كما أقرتها مجموعة الدول العشرين. 
وهذا التجاوب السريع مقارنة بعدد من دول العالم الأخرى هو نجاح لمؤسسة النقد والنظام المصري السعودي ككل وأن آليات ضبط البنوك تعمل وفقا للمتطلبات العالمية وهذا بدوره سيعطي انطباعا جيدا وثقة عالمية أكبر في القطاع المصرفي السعودي بلا شك.
البنوك في تمويل أصولها تعتمد على ثلاثة مصادر هي حقوق المساهمين (رأس المال + الأرباح المبقاة والاحتياطيات)، وبالطبع أموال المودعين وسندات الدين.
وكما أشرت في بداية المقال إلى أن المصرفي المحترف
  يقامر بأموال المودعين عندما يقدم القروض لمن يطلبها، لذا تكون نسبة رأس المال مقارنة بأموال المودعين وباقي المصادر في مستويات محدودة، 
لكن ''بازل 3'' تأتي بشكل مباشر لتجعل البنك يغامر أكثر مع المودعين من خلال إجبار البنوك على أن تعتمد أكثر على مواردها الذاتية لمواجهة المخاطر الائتمانية عندما تسوء الأحوال ويتعرض البنوك لمشاكل في السيولة.
جاءت ''بازل 3'' لتطلب من البنوك رفع نسبة رأس المال حتى مستوى 8 في المائة، وذلك كلما نمت القروض في البنوك. 
لكن مديري البنوك يعتقدون ــــ ولهم الحق في ذلك ــــ أن هذه المعايير الجديدة تتطلب توفير موارد مالية ضخمة جدا، وقد تطلب من المساهمين إعادة تمويل البنك من خلال إصدارات جديدة للأسهم أو تحويل الأرباح المبقاة إلى اسهم ومنح أسهم في مقابل ذلك. 
وأيا ما كانت الحلول التي ستنتهجها البنوك السعودية فإن إشراف مؤسسة النقد في هذه المرحلة المهمة جدا أمر في غاية الإلحاح لضمان أن القرار الذي سيتخذه البنك لتوفير الرساميل الإضافية يأخذ في اعتباره مصلحة المساهمين.
ليس هذا فحسب بل على المؤسسة مراجعة النمو في القروض ومدى ملاءمة رأس المال (مشاركة رأس المال في تغطيتها) وفرض التغيرات الهيكلية المناسبة عندما يفرط البنك في التمويل.
من المتوقع أن إجراءات كهذه سوف تمكن البنوك السعودية التي تستند إلى إقراض الأفراد برهن رواتبهم من تحقيق نمو كبير خلال السنوات المقبلة وهو ما يجب مراقبته بحرص حتى لا يؤثر ذلك على الاقتصاد والأسعار.
وتبقى الأسئلة المهمة موجودة  
حول
مدى كفاية 8 في المائة فعلا؟
وهل تبقى البنوك السعودية تغامر بودائع العملاء، بينما ترفض منحهم أجرا على هذه المغامرات؟
http://www.aleqt.com/2012/01/01/article_612415.html 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق