الجمعة، 20 يناير 2012

السيناريوهات المظلمة للعراق بعد انسحاب القوات الامريكية

تاريخ النشر: 03/01/2012 : 05:44:13
ترجمة/ بهاءالدين جلال

ليس من الصعب أن نقول بأن العراق لايخطو اليوم نحو اتجاه ايجابي، وذلك بسبب الانقسام الذي تشهده الحكومة العراقية وما احدث فيها من شلل،القادة السياسيون العراقيون لايستطيعون بأي شكل من الاشكال ابداء المرونة و الحل الوسط من اجل الخروج من الازمة الحالية، تُعطّل و تُهمل جميع الجهود لمواجهة الفساد و القضاء على المحسوبية و التصدي لتسييس القوات المسلحة.

وفي الواقع أنّ الفساد الآن اصبح العنصر الوحيد الذي يدير امور الحكومة العراقية و لايمكن ادارتها بدون الفساد، وقد ظهر العنف مرة اخرى كوسيلة بيد المجموعات المختلفة وبالأخص بيد التحالف الحاكم من اجل تحقيق اهدافه السياسية،مايؤدي الى لجوء المجموعات الاخرى الى السلاح للدفاع عن نفسها،لأن الحكومة العراقية لاتمتلك الارادة السياسية من اجل تثبيت سيادة القانون.
وفي هذه الظروف يُتوقّع عدد من السيناريوهات التي يخطو اليها العراق،ولكن أي من هذه السيناريوهات لن يكون مقبولاً.
بل بعضها أسوأ من غيرها،وتقييمها من الامور المهمة من اجل أنْ تحاول اميركا ابعاد الاسوء منها،والسيناريوهات هي(ظهور دكتاتور جديد،اندلاع الحرب الاهلية،تحويل العراق الى دولة ضعيفة ومفككة أو دولة فاشلة)..
بالنسبة الى السيناريو الاول،يرى العراقيون و غالبية المراقبين أنّ هناك احتمالاً لظهور دكتاتور جديد للعراق في الوقت الراهن،هذا مع أنّه من المحتمل أنْ لايرغب رئيس وزراء العراق الحالي الوصول عمداً الى هذا الموقع،ولكن المشكلات في العراق تشير الى أنّه لايمكن لأحد أنْ لايسلك هذا الطريق،سيما أنّ الدكتور المالكي يخشى كثيراً الانقلابات و المؤامرات،وسبب ذلك هو أنّه كان عضواً في حزب ثوري صغير،وكان مُطارَداً لأكثر من ثلاثين عاماً من قبل القوات الامنية الصدامية،وهذا ما جعله يخشى المؤامرات و الانقلابات من العرب السُنة،كما ادى ذلك الى أنْ لايصبر احياناً كثيرة على العملية الديمقراطية في العراق ويمارس اعمال العنف خارج الدستور،وذلك بغية التصدي للمؤامرات و الانقلابات التي تُحاك ضده،ويحاول من ورائها تعزيز موقعه و يلم المقربين منه داخل الحكومة و يجد لهم مناصب في الجيش،
بالنسبة للسيناريو الثاني وهو اندلاع الحرب الداخلية فإنّ هذا التوجه يُعد من منطلق تأريخ العراق أمراً من أكثر الامور توقّعاُ،ففي عام 2003 كانت التوقّعات تشير الى أنّ العراق سينزلق الى حرب أهلية وكيف يتجاوزها،ولكن التوقّع الآن هو أنّ هذا سيحدث،والسبب هو أنّه بعد الانسحاب الاميركي كل التوجّهات تشير الى اندلاع العنف مرة أخرى،و يزداد انعدام الثقة بين القوى السياسية،واندلاع الحرب الاهلية في العراق لأي سبب كان تعتبر بالنسبة الى اميركا كارثة،
أما السيناريو الثالث الذي يُتوقّع أن صبح العراق دولة ضعيفة مفككة وحتى فاشلة،سببه هو أنه صحيح أنّ للحكومة المركزية سلطات محددة و تريد فرضها على عموم المحافظات،الاّ أنّ المحافظات تخطو الآن على عكس الحكومة المركزية نحو اللامركزية، وفي هذه الحالة تتعرض الحكومة المركزية الى الشلل،لذا فإنّ احسن الحل بالنسبة الى اميركا اعتماده بعد انسحاب قواتها من العراق هو المحاولة من اجل ابعاد اسوأ السيناريوهات،وفي هذه الحالة يجب أن تكون السياسة الداخلية للعراق مركز ثقل الجهود الامريكية حيال العراق مستقبلاً،ومن المفروض التأكيد بأنّ مستقبل العراق و حماية المصالح الاميركية تقررها السياسة الداخلية المستقبلية للبلد.
كينث بولاك

أمام لجنة الخدمات العسكرية في السنات


البروفسور كينث بولاك رئيس مركز سابان لسياسة الشرق الاوسط في معهد بروكينكز الشهير يقول في جلسة استماع أمام لجنة الخدمات العسكرية لسنات يوم 15 من نوفمبر الماضي حول العراق بعد انسحاب القوات الامريكية ،يقول:نحن لانقول خسرنا العراق، ولكن كل السيناريوهات المتوقعة للعراق مظلمة،لذا من هذا المنطلق علينا أنْ نعرف أنّ المهمة التي ستقع على اميركا تكون اصعب من سابقتها في العام المنصرم،لذا فإنّه يطرح سؤالاً أمام السنات : ماهي الاخطاء التي ارتكبتها اميركا في العراق وهي مسؤولة عنها؟صحيح أنّ ادارة أوباما تسلمت ملفاً هزيلاً من العراق،الاّ أنّها لم تلعب دوراً جيداً في العراق،والسبب هو أنّ اميركا أجرتْ مباحثات مستفيضة داخل ادارتها عند عملية المحادثات بشأن بقاء قواتها من العراق اكثر مما أجرتها مع العراقيين لاقناعهم في بقاء قواتها،لذا إنّها اختارتْ الانسحاب، وها نحن ننسحب الآن من العراق.
اذن ما يتحدث عنه بولاك هو مرحلة مابعد انسحاب القوات الاميركية،وكما رأينا انتهتْ مراسيم الانسحاب، لذا في هذا الاطار لايمكن اعادة الزمن الى الوراء و تصحيح اخطاء الماضي ولايمكن ايضاً اجراء تغيير على الماضي،ولا بناء واقع جديد من الواقع الحالي،لذا فإنّ الخطوة المهمة تبدأ من هذه النقطة وهي كيف يمكن اتخاذ الخطوات نحو المستقبل وماذا يمكن أن يحدث،في ظل التعامل مع دولة ضعيفة و مفككة حيث لم يستطع قادته السياسيون التعامل بينهم بالمرونة كي لاينزلق العراق الى حرب أهلية،وهذا يعود الى أنّ خلال عامي 2010و2011 عندما كانت القوات الاميركية موجودة في العراق فإنّ القادة السياسيين لم يتمكنوا من حل مشكلاتهم،أو على الاقل ينفّذون الاتفاقية التي وافق عليها عموم الاطراف السياسية في اربيل بمبادرة من السيد مسعود بارزاني رئيس اقليم كوردستان حيث تم بموجبها تشكيل الحكومة،و الاسوأ من ذلك فإنّ الاتجاه الذي يخطو اليه العراق في الوقت الحاضر هو التوجّه الى الاخلال بالدستور والبحث عن الحلول للمشكلات خارج اطاره ،هذه الاسباب أدتّ الى أن يخطو العراق الى المركزية و التفكك بدلاً من التوجه نحو الديمقراطية و الفدرالية،وهذه لاتحقق نتائج ايجابية.
ما يشير اليه الواقع السياسي الحالي للعراق

من المحتمل نحن كمواطني اقليم كوردستان نعتبر فقط المشكلات بين الاقليم و بغداد أنّها مشكلات رئيسة،ولكن في الكثير من الحالات خلق المشكلات مع اقليم كوردستان بمثابة تصدير المشكلات الداخلية للحكومة العراقية الى خارجها و كأنّها تريد من وراءها التغطية على مشكلاتها،أو تأجيج الشعور القومي العربي العراقي و تجاهل مشكلاتها الاخرى بحجة وجود المشكلات مع الاقليم،ولكن على الرغم من ذلك كان اتجاه المشكلات منذ عام 2003 هو اعتبارها ملفاً واحداً يختلف عن مشكلات المناطق الاخرى،ولكن بعد مرور 8 سنوات ظهرت الحقيقة،ومفادها إنْ لم يتحول العراق الى دولة فدرالية و ديمقراطية ،فلايمكن حل المشكلات القائمة بين الاقليم و بغداد ولا بين حكومة بغداد و المحافظات العراقية،و في هذا الصدد فإنّ اتفاقية اربيل التي كانت ثمرة مبادرة السيد رئيس اقليم كوردستان لتشكيل الحكومة و حسم مشكلة الرئاسات الثلاث ( البرلمان، رئاسة الجمهورية،رئاسةالوزراء) تعتبر اطاراً لحل عموم مشكلات العراق و اساس لبناء حكومة الشراكة الوطنية تكون فيها مختلف المكونات العراقية شركاء و ليس مشاركين،وتنفذ عموم المكونات والقوى السياسية الدستور العراقي معاً،الذي تم فيه تحديد شروط وحلول المشكلات كافة،ولكن للأسف نجد بعد مرور سنتين على انتخابات آذار 2010 و سنة على تشكيل الحكومة العراقية لم يتم لحد الآن ملء كل المناصب الوزارية في الحكومة و لم يتشكّل مجلس السياسات العليا الذي يُعدّ الجزء المهم من اتفاقية اربيل،والاسوأ من ذلك كما يراه العالم،وصلت العملية السياسية الى حالة الجمود،وبدلاً من أنْ يتصرف رئيس الوزراء في اطار الدستور لأدارة الحكم و حل المشاكل،نجد أنّ معظم خطواته تقع خارج اطار الدستور أو تُعتبر اخلالاً به.

وهذا ما خلّف الواقع الآتي:
1- تخطو الحكومة العراقية نحو الدكتاتورية بسبب الظروف التي تمر بها،وهذه المسألة كما يشير اليه البروفسور بولاك يمكن أنْ لاتكون لها علاقة بشخص رئيس الوزراء العراقي الحالي، ولكن تأزيم الأوضاع قلّل من الثقة بين المكونات السياسية بمستوى كبير،حيث أنّ كل طرف يخطو نحو اتجاه، وهذا ماجعل الحكومة العراقية الحالية تتخذ مزيد من خطوات نحو المركزية عندما تطالب المحافظات باللامركزية،ولكن كتأريخ الحكومات المركزية في العراق يشار الى أنّ المركزية تتطلب اتباع العنف و القمع،وكانت الانظمة المركزية السابقة في العراق تحارب الثورات الكوردستانية على مر تأريخ تأسيس الدولة العراقية،وبعد انتفاضة عام 1991 قام النظام البعثي بقمع شيعة الجنوب من اجل بقاء المركزية واخماد انتفاضة شعب كوردستان،تبعها انشاء الملاذ الآمن للكورد من قبل المجتمع الدولي.
2- يرى بعض المراقبين أنّ اميركا تفضّل وجود مركزية تستطيع توفير الأمن،ولكن الخطوات التي تتخذها الحكومة العراقية الآن لأعادة المركزية تجر العراق الى حرب أهلية،وهذه الحرب مهما كان سبب اندلاعها تشكّل خطراً على المصالح الاميركية في العراق كما تؤدي الى انخفاض انتاج النفط وارتفاع اسعاره،والاخطر من ذلك هو نقل شبح هذه الحرب الى دول الجوار أو يصبح العراق ساحة لحرب اقليمية.
3- يعتقد البعض أنّ العراق سيبقى دولة ضعيفة ومفككة و لايستطيع حل مشاكلها،وبالتالي يتحول الى دولة فاشلة، حيث أنّ مصير الدول الفاشلة واضح جداً.
استقرار العراق الداخلي و حل المشكلات
المشكلة العراقية الرئيسة في الوقت الحاضر، هي الأبقاء على مشكلاتها الداخلية، وهي على مستويات عدة:
1-المشكلات بين اربيل و بغداد.
2-مشكلة المناطق المقتطعة.
3-مشكلة المصالحة الوطنية و اعادة بناء الثقة بين المكونات السياسية.
4-تنفيذ قانون تشكيل الاقاليم و جعل العراق دولة فدرالية بشكل فعلي.
5- عدم زج الجيش العراقي في السياسة وعدم تدخله في شؤون البلاد الداخلية.
6- يكون قانون النفط و الغاز على شكلٍ يوافق عليه اقليم كوردستان،من اجل حل مشكلة توزيع الموارد، وهذا من شأنه تسهيل الخطوات التي تُتّخذ لآنشاء الاقاليم.
7- لقد تغيّر الآن لدى الحكومة العراقية معنى حكومة الشراكة الوطنية الى حكومة المشاركة الوطنية،وهذا هو مصدر المشكلات و محاولة للعودة الى المركزية،لذا يجب على الاطراف المشاركة في الحكومة اصدار قراراتها بالأجماع.
8- وحدة الاراضي العراقية في اطار الدولة الفدرالية،تغيّرتْ الى توحيد الاراضي العراقية داخل الدولة المركزية،لذا يجب أنْ يحفظ الاتحاد بين الكورد و العرب الاراضي العراقية،و عدم تجاهل الحقوق الكوردية داخل الدولة المركزية.
الدور الاميركي في اعادةتنظيم السياسة الداخلية للعراق
اذا لم يتم حل المشكلات الداخلية في العراق في اطار الدستور،فإنّ العراق سوف يواجه كارثة على صعيدين: الاول هو تردّي اوضاعه الامنية و استقراره و الأقدام على حرب اهلية،و الثاني هو اصابة اقتصاد العراق بالشلل، وفي هذه الظروف سوف تتعرض المصالح الاميركية الى الخطر،لذا من المهم أنْ تُقدم الولايات المتحدة الاميركية بعد انسحاب قواتها من العراق كاملاً على بذل جهودها لحل مشكلاته الداخلية ،ولكن السؤال هو أنّها لم تتمكن من حل المشكلات خلال وجوده في العراق طيلة ثماني سنوات، فكيف تستطيع الآن أنْ تلعب هذا الدور بعد الانسحاب آخر جندي منه؟ إنّ الأجابة عن هذا السؤال بالرغم عن التشاؤم الذي يتّسم به،ولكن كما يشير اليه المختصون و المراقبون على أميركا تغيير آلية سياسته ازاء العراق،وفي هذه الظروف التي يحتاج فيها العراق الى المساعدات الاميركية على حد كبير،لذا على اميركا تحديد مساعداتها الى العراق بشروط وذلك بأتخاذ خطواتها نحو حل المشكلات الداخلية في اطار الدستور العراقي.

http://www.gulan-media.com/

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق