د. صالح السلطان
يُتوقع أن تعلن الميزانية العامة هذا اليوم.
إعلان الميزانية يجلب الحديث عن أسعار النفط وإيراداته ونفقات الحكومة وتأثير ذلك في الأسعار ومعدلات التضخم.
هناك علاقة طردية بين المتغيرات السابقة، فارتفاع أسعار النفط بقوة يعني ارتفاع إيرادات فنفقات الحكومة بقوة.
تتضاعف دخول وثروات كثير من الناس. تحدث هذه الأحداث بطرق مباشرة أو غير مباشرة، وبطرق مشروعة أو غير مشروعة. تبعا لذلك يضرب التضخم الاقتصاد، وترتفع أسعار العقارات أو تحافظ على مستوياتها.
هذه علاقة متتالية طردية. وهي علاقة مشاهدة على مدى عشرات السنين في الدول، لا يتطلب العلم بها حدة ذكاء ولا شهادات علمية في مجالات لها علاقة بالمال والاقتصاد.
عند بعض الناس لا تبدو كذلك، ومن أشق الأمور توضيح الواضح.
كتبت في أكثر من مقالة عبر السنوات الثلاث الماضية نافيا قرب انهيار أسعار العقارات.
كان المتكأ الأول هو زخم الإنفاق الحكومي نتيجة ارتفاع أسعار النفط فإيراداته فإنفاق الحكومة.
انتقد منتقدون على أرضية ضعف علاقة هذا بذلك.
وأسوأ من هذا الانتقاد من نظر إلى أسعار العقار ضمن دورة اقتصادية كل كذا سنة، وتجاهل ارتباط هذه الدورة بإنفاق الحكومة.
آخرون انتقدوا أن أسعار النفط عندما انهارت في عز الأزمة المالية العالمية أواخر عام 2008، فإن أسعار العقار لم تنخفض.
هؤلاء يأخذون بنصف المشهد.
لم تنخفض أسعار العقارات رغم انهيار أسعار النفط أواخر عام 2008، بسبب أن الانهيار مؤقت لأسابيع، ولوجود فائض حكومي كبير مكن الحكومة من الاستمرار في الإنفاق بسهولة.
لكن انهيار أسعار النفط آنذاك لو أنه استمر طويلا وترسخ لانهار إنفاق الحكومة، وطاحت أسعار العقارات.
من المؤكد أن الارتفاع الحاد لإنفاق حكومات مجلس التعاون خلال السنوات منذ 2003 سبب رئيس للتضخم، ومنه تضخم أسعار العقارات. لكنه ليس السبب الوحيد لارتفاع الأسعار، ولم يقل بذلك أحد من علماء الاقتصاد.
كيف تحدث العلاقة السببية؟
هناك قناعة بين الاقتصاديين في تحليلاتهم بأن التضخم (الداخلي، أي غير المستورد) ينشأ من جراء تفاعلات بين متغيرات اقتصادية أهمها النقود (كميات النقود المتاحة بيد الناس، وبالذات النقود الورقية والحسابات البنكية)، والإنتاج طلبا وعرضا.
إذا زاد الإنفاق وزادت الثروات زاد الطلب على العقار وغير العقار.
لنأخذ الطلب على الأراضي. زيادة الطلب عليها (سواء للبناء الشخصي أو الاستثمار أو المضاربة أو... إلخ)، مع شح الأراضي فإن ارتفاع الأسعار حتمي. طبعا نعرف أن هناك شحا واحتكارا مزمنا في الأراضي، لكن هذا ليس وليد السنوات الأخيرة.
الشيء الجديد الواقع خلال السنوات الأخيرة هو ارتفاع الإنفاق والطلب. وشح الأراضي مكن الطلب من أن يكون له تأثير قوي.
ارتفاع الطلب في الدول والاقتصادات له أكثر من سبب وسبب، لكن أقوى سبب في الدول النفطية الخليجية هو ارتفاع الإنفاق الحكومي.. لماذا؟ لأن اقتصادات هذه الدول تعتمد بعد الله على النفط أكثر من غيره، وهذه مسألة معروفة للقاصي والداني.
ولكن كيف يكون هذا الاعتماد؟
عبر الإنفاق الحكومي، لأن إيرادات النفط في الدول الخليجية تتسلمها الحكومات، وليس القطاع الخاص، ولا تأثير لها في الاقتصاد المحلي دون أن تنفق.
الإنفاق الحكومي له تأثير مباشر وتأثير غير مباشر:
التأثير المباشر يأتي من زيادة الطلب الحكومي المباشر على السلع والخدمات.
التأثير غير المباشر يأتي من جراء اعتماد الأنشطة بعضها على بعض (الحكومة تشتري سلعا وخدمات، وتتعاقد مع مقاولين لتنفيذ مشاريع، وتقديم خدمات صيانة، وتدفع رواتب لموظفيها، وكل هؤلاء يشترون من مزودين آخرين وهكذا، في إطار مضاعفات).
خلال الفترة منذ 2004، ارتفع الطلب الكلي بسرعة أكبر من الإنتاج الكلي، وكان أحد أسباب انجذاب الأسعار إلى أعلى.
وبلغة الأرقام:
توسع الإنفاق الحكومي توسعا كبيرا خلال الفترة 2004 - 2010 بنسبة 150 في المائة تقريبا، وارتفع عرض النقود خلال الفترة نفسها بنسبة مقاربة، بينما نما الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي بنسبة تقل عن 30 في المائة خلال الفترة نفسها.
ماذا يعني ذلك؟
توافرت السيولة، وتوسع الإنفاق الحكومي (وغير الحكومي) بما يتجاوز بوضوح طاقة الاقتصاد الاستيعابية، وهذا سبب رئيس من أسباب التضخم.
باختصار.
يعمل ارتفاع أسعارالنفط فإيرادات النفط على ارتفاع الإنفاق الحكومي، وهذا بدوره يعمل على ارتفاع الأسعار، ومنه أسعار العقارات.
ويعتمد قدر التأثير على أسباب وظروف كثيرة.وينبغي ألا يتوهم أن القول إن ارتفاع الأسعار بسبب ارتفاع الإنفاق يعني إنكار أسباب أخرى للغلاء.
وبالله التوفيق.
نشر بتاريخ 26-12-2011
http://www.borsah.org/articles.php?action=show&id=242
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق