لثلاثاء، ديسمبر 27، 2011
نشر في صحيفة الاقتصادية بتاريخ الثلاثاء 27/12/2011.
الميزانية
العامة للدولة هي أحد الحسابات القومية التي يتم فيه تسجيل الإيرادات
العامة للدولة من مصادرها المختلفة وكذلك كافة نفقاتها العامة على الأوجه
المختلفة للإنفاق في الدولة، وبشكل عام هناك نوعان من الميزانية العامة،
الأول هو مشروع الميزانية، وهو عبارة عن تقدير (تنبؤ) لإيرادات الدولة
ونفقاتها خلال فترة زمنية مقبلة، يطلق عليها السنة المالية، والثاني وهو
الحساب الختامي للدولة، والذي يمثل ما تم إنفاقه بالفعل من نفقات وما تم
تحصيله بالفعل من إيرادات، ومن هذا المنطلق يعد الحساب الختامي أهم،
كوثيقة، من مشروع الميزانية العامة للدولة.
من ناحية أخرى يساعد الحساب
الختامي في عملية إعداد الميزانية الجديدة وذلك بتقييم ما تم إنجازه من
الأهداف المالية في الميزانية السابقة، ومقارنة ذلك مع الأهداف التي كانت
موضوع سلفا في مشروع الميزانية، ثم التعرف على كفاءة تكلفة الخدمات التي تم
تقديمها من خلال مقارنة ما تم إنفاقه فعلا بإجمالي الخدمات المقدمة.
ليس
هناك اتفاق على نقطة زمنية محددة لبدء الميزانية العامة للدولة، فبعض
الدول تبدأ ميزانيتها المالية مع بداية السنة في شهر يناير، بينما تبدأ بعض
الدول ميزانياتها من شهر أبريل، أو من شهر يوليو وذلك لاعتبارات عدة خاصة
بالإدارة المالية للدولة، ويفترض بالإضافة
إلى الميزانية السنوية، أن تقوم الإدارة المالية الحكومية بعمل ميزانيات
شهرية وربع سنوية لكي تعكس التوقيتات الأكثر دقة للإيرادات المحصلة وكذلك
النفقات للوقوف على النقاط الزمنية التي تتسع فيها الفجوة بين الإيرادات
والنفقات وعمل خطة مناسبة لسد هذه الفجوات خلال السنة، بدلا من أن تتعرض
الإدارة المالية لازمات سيولة خلال السنة.
لإعداد الميزانية العامة للدولة تقوم الإدارة المالية (غالبا ما يطلق عليها وزارة المالية، أو وزارة الخزانة في بعض الأحوال) بحصر
احتياجات الجهات الحكومية المختلفة والتي يتم سيتم تمويلها خلال السنة
المالية القادمة، والتي يفترض أن تستند أساسا إلى البرامج التي ستقوم هذه
الجهات بتنفيذها (سوف نفصل في هذه النقطة لاحقا)، ثم حصر الإيرادات العامة للدولة من مصادر
التمويل المختلفة، ثم القيام بعمل موائمة ما بين تلك التقديرات للنفقات
والسيناريوهات المعدة للإيرادات بما يتوافق مع خطط التنمية الاقتصادية
والاجتماعية للدولة، وللميزانية العامة في الدول المختلفة أهداف متعددة
نذكر منها بشكل عام قياس الأداء الفعلي للبرامج والأنشطة الحكومية، وتقييم
الأداء الحكومي وذلك بمقارنة الإيرادات والمصروفات التقديرية في مشروع الميزانية العامة مع تلك الفعلية في الحساب الختامي
للدولة، وضبط وترشيد النفقات العامة، والرقابة على أصول وممتلكات الجهات
الحكومية المختلفة، والتحقق من التزام الجهات الحكومية باللوائح والقوانين
المالية للدولة.
يمكن
تقسيم الميزانيات العامة للدول، بشكل عام، إلى الميزانيات العاديـة، وهي
تلك الميزانيات التي تعـد فـي الظــروف العاديـة وتمول مـن الإيرادات
التقليديـة، وتتضمن المصروفات المختلفة للدولة من مصروفات جارية ورأسمالية،
والميزانيات غير العادية، وهي تلك الميزانيات التي تعد في الظروف الطارئة
كالحروب والكساد والكوارث، ويكمن الفرق بين هذين النوعين من الميزانيات في
طريقة تمويل الإنفاق العام، ففي النوع الأول يتم التمويل من المصادر
الاعتيادية للدولة مثل الضرائب، أما النوع الثاني فيتم تمويله من مصادر
استثنائية، على سبيل المثال سحب الدولة من احتياطياتها العامة أو بفرض
ضريبة استثنائية أو من خلال الاقتراض.
من ناحية أخرى تنقسم الميزانيات حسب
الإنفاق إلى ميزانيات جارية، وتتضمن الإنفاق الجاري على المرافق والخدمات
التي تقدمها الدولة، والميزانيات الاستثمارية وتتمثل في اعتمادات الإنفاق
على المشروعات المختلفة التي تتولى الدولة القيام بها مثل البنى التحتية من
طرق وجسور وموانئ أو مؤسسات تنشئها الدولة مثل المدارس والمستشفيات ..الخ.
وللنوع الأخير من الميزانيات أهمية خاصة حيث تعتمد تنافسية الدولة على
مقدار ما تنفقه سنويا في هذا الجانب.
غالبا
ما يتم تبويب نفقات الدولة باستخدام عدة مداخل، إما من خلال التبويب
إداريا، أي حسب الوزارات والإدارات الحكومية مثل وزارة الداخلية ووزارة
الدفاع.. الخ، أو قد يتم التبويب من الناحية الموضوعية أي من خلال تجميع
النفقات ذات الطبيعة المتجانسة في مجموعات، مثل الأجور والمرتبات، الدعم،
المدفوعات التحويلية، المشروعات العامة والمرافق .. الخ. كما يمكن أن يتم
التبويب من الناحية الاقتصادية بتقسيم الإنفاق إلى انفاق جاري ويشمل كافة
جوانب الإنفاق اللازمة لإدارة النشاط الجاري للدولة، مثل الرواتب
والمشتريات الحكومية، والإنفاق الرأسمالي ويشمل الإنفاق على تشييد
المشروعات الإنشائية المختلفة، أو ما يطلق عليه رأس المالي الثابت،
والإنفاق التحويلي ويشمل الإنفاق على التحويلات المختلفة التي تقوم بها
الدولة (مثل الدعم) سواء كانت هذه التحويلات داخلية أو خارجية.
ولا
شك أن عملية إعداد الميزانية العامة للدولة تتطلب جهدا كبيرا من الإدارة
المالية في الدولة وكذلك أجهزة الدولة المختلفة، باعتبار أن مشروع
الميزانية هو ترجمة لبرامج الإنفاق والإيراد لهذه الأجهزة خلال فترة زمنية
قادمة، وبشكل عام تعكس الميزانية العامة للدولة السياسات العامة للدولة،
وخططها التنموية وبرامجها الاجتماعية.
حيث تعكس طبيعة النفقات العامة
للدولة اتجاهات الإنفاق العام بها، على سبيل المثال فإن ارتفاع ميزانية
الإنفاق الاستثماري يعكس الجهود التنموية للدولة واتجاهات التحول المستقبلي
التي تسعى إليها في هيكل القطاعات الاقتصادية المختلفة للدولة. من ناحية
أخرى فإن ارتفاع انفاق الدولة على برامج الرفاه مثل الدعم وغيرها من أشكال
المساعدة الاجتماعية التي تقوم بها الدولة يعكس اهتمام الدولة برفاهية
الفرد فيها.
من جانب آخر فإن طبيعة الإيرادات العامة للدولة تعكس طبيعة
النشاط الاقتصادي في الدولة، وما اذا كانت هذه الدولة متقدمة أم نامية، على
أنه يفترض بشكل عام أن الإيرادات العامة للدولة لا تربط بإنفاق محدد
للدولة، وإنما تستخدم في تمويل الإنفاق العام في مجموعه.
يفترض
أن تعمل الإدارة المالية للدولة على الحفاظ على توازن الميزانية العامة
للدولة، وذلك بتجنب العجز في الميزانية، لما له من آثار سلبية على المدى
الطويل، والتي أهمها ارتفاع مستوى الدين العام للدولة إلى الناتج المحلي
الإجمالي والذي قد يحمل مخاطر على السلامة المالية للدولة اذا ما تجاوز
الحدود المأمونة، كنسبة من الناتج المحلي، نظرا لارتفاع تكلفة خدمة هذا
الدين لاحقا بالنسبة للإيرادات العامة للدولة، أو قد يؤدي في أسوأ الحالات
إلى عجز الدولة عن خدمة هذه الديون ومن ثم إعلان إفلاسها. كذلك فإن استمرار
الفائض في الميزانية العامة للدولة قد يعكس حقيقة أن الإدارة المالية
للدولة لا تستخدم الإيرادات العامة في الإنفاق الاستثماري المناسب، أو أن
الإيرادات الضريبية للدولة أعلى من اللازم الأمر الذي يستدعي النظر في
تخفيض معدل الضريبة الذي تحصله الدولة.
من ناحية أخرى فإن الإخلال بتوازن الميزانية العامة للدولة يعد إخلالا بمبدأ المحاسبة بين الأجيالInter-generational accounting،
حيث يفترض بشكل عام أن تتم الموازنة ما بين العوائد التي سيحصل عليها
الجيل الحالي من الإنفاق العام وكذلك التكاليف التي سيتحملها في مقابل هذا
الإنفاق، وذلك مقارنة بالعوائد والتكاليف المالية التي ستتحملها الأجيال
القادمة من القرارات المالية التي سيتم اتخاذها حاليا.
ذلك أن حدوث عجز في
الميزانية العامة للدولة الآن يترتب عليه تحول هذا العجز إلى عبء على كاهل
الأجيال القادمة عندما تتم خدمة أو سداد الدين العام الناجم عن هذا العجز،
وذلك في صورة ضرائب أعلى تجمع من الأجيال القادمة في مقابل نفقات وخدمات تم
تقديمها أساسا للجيل الحالي.
وتبدو أهمية هذه النقطة أكثر وضوحا في حالة
الدول النفطية، حيث تتركز الإيرادات العامة للدولة أساسا في الإيرادات
الناجمة عن بيع النفط.
إذ يفترض أن الثروة النفطية في باطن الأرض هي حق لكل
الأجيال التي ستعيش في الدولة، وبما إن هذه الثروة النفطية تعد ناضبة وغير
قابل للتجدد، فإن عملية الاستخراج لا بد وأن تضع في الاعتبار ما سيستفيده
الجيل الحالي من الإنتاج الذي سيتم استخراجه، وما سوف يتم استخدامه من هذه
الإيرادات لضمان مستوى مرتفع من المعيشة والرفاه للأجيال القادمة.
وقد
تطورت مداخل إعداد الميزانية العامة للدولة بصورة كبيرة في دول العالم،
فهناك مدخل الميزانيات الإضافية، والذي ينظر إلى ميزانية العام الماضي على
أنها تجسد الخيارات التي تمت مسبقا أو التوازن السياسي حول مستويات الإنفاق
على البرامج الحكومية الحالية، وعلى ذلك فبدلا من إجراء تعديلات جوهرية
على الميزانية العامة كل عام، سوف ينظر إلى الميزانية الحالية على أنها
الأساس الذي تجرى عليه تعديلات طفيفة في مستويات الإنفاق والتمويل للبرامج
المختلفة في الميزانية وذلك لا عداد مشروع ميزانية العام القادم.
ومن
الواضح أن مدخل الميزانيات الإضافية هو مدخل عملي يهدف إلى تقليل الموارد
التي تذهب إلى عملية إعداد الميزانيات كل سنة وجعل عملية إعداد الميزانية
مسألة سهلة بالنسبة للحكومة، الأمر الذي يعطي برامج الحكومة استقرارا اكبر،
ويجعلها اقل عرضة للتوقف، كما انه يقلل من الخلاف السياسي ومن احتمالات
إدخال تغيرات حادة في سياسة الإنفاق العام للحكومة، غير أن أهم عيوب هذا
المدخل أنه لا يصلح في الحالات التي تقدم فيها الدولة على إجراء تعديلات
جوهرية في هيكلها الاقتصادي أو في هياكل الإنفاق العامل بها.
المدخل الثاني وهو مدخل إعداد الميزانيات على الأساس الصفري Zero Based Budgeting، ووفقا
لهذا النظام ينبغي على كل هيئة أن تبرر برامج الإنفاق الخاصة بها بصورة
سنوية والا تواجه تخفيض الاعتماد المخصصة للبرامج التي لا تستطيع الدفاع
عنها إلى الصفر (أي إلغاء برامج الإنفاق الخاصة بتلك البرامج نهائيا)، وقد
تم إعداد
الميزانية على الأساس الصفري لأول بواسطة الرئيس السابق للولايات المتحدة
جيمي كارتر عندما كان حاكما لولاية جورجيا في عام 1973، غير أن تطبيق
المدخل فشل لأول مرة بسبب الجهد الكبير والوقت اللازمة لإعداد الميزانية
على هذا الأساس، ثم بدأ تطبيق المدخل من الناحية الفعلية على نطاق الولايات
المتحدة في عام 1977، ويلقي مدخل إعداد الميزانية عل الأساس الصفري بعبء
تبرير النفقات الحكومية على البرامج المختلفة لها على الإدارات الحكومية
المنفذة أو المقترحة لتلك البرامج، ويعاب
على هذا المدخل أنه يتطلب جهدا كبيرا من الجهات الحكومية في جمع البيانات
وتوفير الأرقام والمعلومات التي تبرر الإنفاق على كل برنامج من البرامج
التي تقوم بها، الأمر الذي يترتب عليه ضياع جهد وموارد كبيرة كان من الممكن
استخدامها لتقديم الخدمات العامة بدلا من تقييم هذه الخدمات.
كذلك أثبتت
التجربة أن عملية جمع البيانات قد تكون غير فعالة أو ربما غير ممكنة بسبب
الروتين الحكومي الذي يمنع التدفق الحر والسريع للمعلومات بين الجهات
الحكومية المختلفة في التوقيت المناسب.
اكثر من ذلك فان تطبيق هذا المدخل
في الولايات المتحدة لم يترتب عليه أي تحسن في كفاءة الحكومة، وكان من
نتيجة ذلك أن التكاليف الإضافية التي تتحملها الجهات لتوفير المعلومات
والأرقام وتحليلها تجاوزت العوائد المتوقعة من النظام، والتي غالبا ما تهمل
عند تقييم برامج الجهات الحكومية.
المدخل
الثالث هو تحليل فعالية التكاليف، وهو أسلوب يهدف إلى تحديد توليفة
البرامج الحكومية التي تحقق هدف محدد بأقل التكاليف، ويتم ذلك من خلال
اختيار الهدف الذي تسعى الإدارة الحكومية إلى تحقيقه، ثم حصر مجموعة
البرامج الحكومية التي يمكن أن تؤدي إلى تحقيق هذا الهدف، ثم المقارنة بين
تلك البرامج واختيار البرامج التي تحقق هذا الهدف بأقل تكلفة ممكنة، ويساعد
مدخل تحليل فعالية التكاليف صانع السياسة على اكتشاف أوجه التعارض بين
البرامج من خلال وضع الميزانيات لكافة الجهات التي تشترك في تحقيق رسالة
واحدة، مثل الشرطة والإعلام والبلدية .. الخ، وحث الجهات الحكومية المختلفة
على المنافسة على الأموال المحدودة المتاحة في اطار الميزانية من خلال
تطوير برامج فعالة في تخفيض التكاليف للبرامج الحكومية وزيادة كفاءتها.
المدخل
الرابع وهو ميزانية البرامج، ويعرف البرنامج في اطار الميزانية العامة على
أنه مزيج من الأنشطة الحكومية التي تؤدي إلى الحصول على ناتج محدد، وتعد
ميزانية البرامج نظام لإدارة الإنفاق الحكومي من خلال محاولة مقارنة
مقترحات البرامج لكل المؤسسات الحكومية التي يعهد إليها مسئولية تحقيق
أهداف متشابهة (البرنامج)، وهو ما يسمح باكتشاف أوجه الإنفاق المتكرر أو
المتشابهة أو المتناقضة بين الجهات المختلفة، الأمر الذي ربما يكون من
الصعب اكتشافه في برامج هيئات حكومية لها نفس الرسالة وتهدف إلى تحقيق هدف
مشترك، الأمر الذي ما يؤدي إلى ترشيد التكاليف من خلال توليفة الإجراءات
الحكومية التي تحقق البرنامج بأقل تكلفة ممكنة.
ومن احدث المداخل في إعداد الميزانيات العامة للدول هو استخدام إعداد الميزانيات على أساس الأداءPerformance-Based Budgeting،
ويرتكز هذا المدخل على افتراض أن الإدارات الحكومية لابد وأن يكون لها
استراتيجية وأهداف تسعى إلى تحقيقها في ضوء الرسالة التي تتبناها كل إدارة،
حيث تقوم كل إدارة حكومية باستخدام مواردها في ضوء أهدافها والنتائج التي
حققتها في هذا المجال.
من الواضح من التعريف أن أسلوب ميزانيات الأداء يفرض
تخصيص الموارد (الإيرادات) لتحقيق أهداف محددة للإدارة المالية للدولة،
والمنبثقة عن الأهداف الفرعية لإدارات الدولة المختلفة.
بغض
النظر عن أسلوب تقدير النفقات فإن عملية إعداد الميزانية تتم بناء على
الأهداف الخاصة بمشروع الميزانية المقبلة من جانب كل إدارة حكومية وعلى
مستوى الحكومة المركزية، ثم حساب متطلبات تحقيق هذه الأهداف من جوانبها
المختلفة بما في ذلك الطاقة البشرية اللازمة والمواد والتجهيزات وغير ذلك
من الموارد.
ثم تأتي مهمة تقدير الإيرادات، وتعد مهمة تقدير الإيرادات اسهل
نسبيا من مهمة تقدير النفقات، كما أنها أدق نسبيا أيضا والتي تشمل تقدير
الإيرادات الضريبية وغيرها من مصادر الإيرادات كالرسوم.
غير
أن الوضع في الدول النفطية مثل المملكة العربية السعودية يعد أعقد نسبيا
نظرا لارتفاع درجة عدم التأكد المصاحبة لتقدير للإيرادات النفطية مقارنة
بمصادر الإيرادات الأكثر استقرارا مثل الضرائب.
إذا عادة ما يتم حساب
الإيرادات النفطية في ضوء عدة سيناريوهات متوقعة لسعر النفط يؤخذ فيها في
الحسبان مستويات النشاط الاقتصادي العالمي واتجاهات النمو فيه بشكل أساسي،
والاتجاهات المتوقعة لمعدل صرف الدولار الأمريكي، وغالبا ما يتم اختيار
السيناريو الأكثر تحفظا من بين هذه السيناريوهات نظرا لطبيعة التقلب الشديد
في سوق النفط الخام، ولذلك غالبا ما نجد أن الإيرادات النفطية الفعلية في
الدول النفطية تزيد بصورة واضحة عن تقديرات تلك الإيرادات في مشروع
الميزانية إلا في الأحوال التي يتعرض فيها سعر النفط العالمي لانخفاض حاد.
من ناحية أخرى دائما ما تلجأ الدول النفطية، في حالة التراجع الحاد في
الإيرادات النفطية، إلى إجراء تخفيضات في الإنفاق لتتوافق مع سيناريوهات
الإيرادات المتوقعة للنفط، ولسوء الحظ غالبا ما يكون الإنفاق الاستثماري هو
ما يسهل تخفيضه لأن جوانب الإنفاق الجاري الأخرى والتي تشكل فيها مرتبات
موظفي الدولة والدعم المقدم للسكان على السلع والخدمات المختلفة نسبة كبيرة
من الإنفاق العام والذي يصعب المساس به.
وأخيرا
يفترض من الناحية النظرية عند إعداد الميزانية أن لا يتم إعدادها بعجز
كبير أو مستمر، حتى لا يترتب على ذلك تصاعد الدين العام للدولة، الأمر الذي
قد يحمل الميزانيات القادمة بأعباء أكبر لخدمتها، ومن ثم انفاق أكبر فعجز
أكبر في المستقبل.
من ناحية أخرى فإن الفائض الكبير في الميزانية يعكس
حقيقة أن الإدارة المالية للدولة لا تخصص الأموال الكافية للاستثمار في
البنى التحتية والمشروعات العامة أو لا يتم رصد الأموال اللازمة لتقديم
الخدمات العامة على النحو المناسب، أو ربما يعكس حقيقة أن عبء الضرائب
المفروض على المجتمع مرتفع ويحتاج إلى مراجعة.
لذلك
يفترض بعد إعداد سيناريو الميزانية الأول أن تتم إعادة هيكلتها بناء على
النتائج الأولية للمشروع من عجز أو فائض، ومحاولة إحداث توازن بين طرفيها؛
الإيرادات العامة والنفقات العامة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق