الثلاثاء، 13 ديسمبر 2011

النفط بعد ثورة الزيت الصخري

الإثنين, 28 نوفمبر 2011 الساعة 09:19 د. علي بن حسن التواتي

في إعلان مفاجئ ومتأخر ومناقض لكافة تأكيدات شركة «أرامكو» السعودية على مدى السنوات القليلة الماضية، أكد رئيسها الأسبوع الماضي أن دور بلاده المهيمن في معروض النفط العالمي قد تغير، ولكنه عزا هذا التغير إلى توافر احتياطات نفطية كبيرة جديدة في أمريكا الشمالية من مصادر غير تقليدية، وهو بهذا يعني الزيت الصخري المتوفر في كندا وبعض الولايات الأمريكية، خصوصاً كلورادو وأوهايو وداكوتا الشمالية بكميات تقدر فيما بين 1.5 وترليوني برميل.
وتزيد هذه التقديرات على أفضل تقديرات الاحتياط النفطي السعودي بثمان مرات على الأقل، ويمثل هذا الاحتياط نسبة تتعدى 70 بالمئة من المجموع العالمي الذي يقدر ما بين 2.8 3.3 ترليون برميل.
وهذه المعلومات ليست جديدة ولا مفاجأة بل إنها قديمة، ولكن انبعاثها بقوة من جديد إلى واجهة الأحداث حصل عندما تعهد الرئيس جورج بوش الإبن في 8 أغسطس 2005 باستخراج الزيت الصخري من تحت جبال روكي، وعهد لعدد من الشركات الكبرى بتطوير تقنيات علمية حديثة واقتصادية لاستخراجه بهدف صيانة أمن الطاقة الأمريكي والتحرر النهائي من هيمنة قوى أجنبية «غير صديقة» على مصادر الطاقة العالمية،
وحينها حذرت في تصريحات لبعض الصحف السعودية ومقالة بعنوان «إني أعلق الجرس» من تجاهل تصريحات الرئيس بوش وضرورة أخذها على محمل الجد، وعدم التعامل معها بأساليب التعامل مع المناورات السياسية، وضرورة التعجيل في استكمال الخطط وبدء العمل للاستفادة من الوقت المتبقي للنفط من مصادر تقليدية كسيد للطاقة في العالم، وذلك بالاستفادة من عوائده في إنشاء قاعدة إنتاجية بديلة لضمان مستقبل أفضل للأجيال المقبلة.
وحتى على مستوى إنتاج النفط من وسائل تقليدية فقد سبق لـ«أرامكو» السعودية رفض التحذيرات العالمية من قرب بلوغ إنتاج النفط من مصادر تقليدية ذروته، إن لم يكن قد بلغها فعلاً، والتي أطلقها الخبير الاقتصادي جيم روجرز سنة 2002 في كتابه «سلع ساخنة»، والذي توقع فيه من خلال تحليل إنتاج الدول النفطية الرئيسة، وفي مقدمتها المملكة أن النفط قد بلغ ذروة إنتاجه فعلاً، وأن رحلة الهبوط والتلاشي لهذه السلعة الاستراتيجية قد بدأت فعلاً، وأن الارتفاعات المتتابعة في أسعار النفط التي شهدناها ونشهدها حالياً لاتعود إلى تزايد الطلب عليه، خصوصاً من الاقتصادات المتنامية كالصين والهند، ولكن لأننا نودع النفط التقليدي إلى غير رجعة بسبب دخولنا مرحلة الشح التدريجي في موارده، وعدم التمكن من زيادة الطاقة العالمية لإنتاجه.
وأصرت «أرامكو» على موقفها الرافض لكافة تأكيدات الخبراء التي تساند روجرز في نظريته عن بلوغ إنتاج النفط ذروته بما فيها نظرية رجل النفط الشهير تي بون بيكنز، وديفد غودشتاين في كتابه «نهاية النفط» الذي صدر سنة 2004 والذي توقع أن يبلغ العالم القمة في الإنتاج النفطي قبل 2010، والجيولوجي كينيث ديفيز من جامعة برينستون الذي توقع أن يبلغ العالم تلك القمة نهاية العام 2005 أو بداية العام 2006، ثم تبدأ رحلة التضاؤل والتلاشي لتمتد لفترة تتراوح بين 30 و40 عاماً آخر تكفي العالم لتطوير بدائل اقتصادية معقولة للطاقة من ضمنها استخلاص النفط من الصخور ومن رواسب القار، ومن ضمنها الفحم الحجري المسيل وغيرها من المصادر الأخرى غير التقليدية التي «قد تساهم الأسعار المرتفعة للنفط في تعزيز جدواها وتطوير التقنيات العلمية لابتكارها»،
أما ماثيو سايمون الذي كتب عدداً كبيراً من المقالات عن حقول النفط السعودية، وكتاباً بعنوان «غروب في الصحراء»، توقع فيه أن يصل النفط ذروة إنتاجه بين 2007 و2009، فقد اجتمع معه عدد من خبراء «أرامكو» سنوات عدة في مركز الدراسات الاستراتيجية في واشنطن لإقناعه بخطأ مقولته.
ولكن ما حدث بالفعل أن وزير البترول والثروة المعدنية السعودي بدأ بإطلاق تصريحات يؤكد فيها على أن عصر النفط الرخيص قد ولى ومضى، وذلك بعد أن أنفقت المملكة ما يزيد على 20 مليار ريال في تحسين إنتاج الحقول القائمة ومحاولة استكشاف حقول جديدة، وها هو رئيس «أرامكو» نفسها يقر بأن بلاده تفكر في صرف النظر عن زيادة طاقتها الإنتاجية إلى 15 مليون برميل في اليوم.
ونرى على الجانب الآخر من يبشرنا بتحقيق شركة «ريثيون» الشهيرة في مجال التصنيع الحربي فتحاً تكنولوجياً كبيراً في تطوير تقنية عسكرية لتسخين وتسييل وتجميع الزيت الصخري باستخدام ذبذبات الراديو، وهناك أنباء عن تحقيق شركات «شل» و«إكسون» و«شيفرون» فتوحات تقنية متقدمة في الاتجاه نفسه.

ولقد أثمرت التقنيات الجديدة في رفع توقعات الإنتاج من الزيت الصخري من مليون إلى 3.4 مليون برميل في اليوم بحلول العام 2015 وإلى 5.8 مليون بحلول 2025 وإلى 8.4 مليون بحلول 2035، ومن هذه الكميات يتوقع أن يكون نصيب كندا والولايات المتحدة وحدهما 6.6 مليون برميل في اليوم.

ويدور الحديث حالياً عن الزيت الصخري في أمريكا الشمالية، كما كان يدور عن مناجم الذهب في بدايات اكتشاف أمريكا.
ولقد أصبحت بلدة ويليستون في نورث كارولاينا من أكبر مراكز الجذب لطالبي التوظيف في أمريكا حتى أصبح من شبه المستحيل الحصول على غرفة في فندق أو نزل فيها بعد أن تزايد إنتاج الولاية من الزيت الصخري ليوازي إنتاج كاليفورنيا، ويزيد على إنتاج ألاسكا من النفط من مصادر تقليدية.
وتتوالى البشائر بالنسبة للولايات المتحدة، حينما أعلن رئيس شركة «أوبري ماكليندون» الأمريكية في المؤتمر الثاني للنفط والغاز الصخري الذي عقد بين 7-11 نوفمبر 2011، بأن شركته ستستكمل تصنيع 16 مليون سيارة تعمل بالغاز من مصادر تقليدية وغير تقليدية لتكون على الطرقات الأمريكية بحلول 2035.
أما وقد وقع المحذور فأظن أن الوقت مازال كافياً لتدارك ما فات، ولكن علينا ألا ننسى أو نتناسى أن في شوارع مدننا اليوم سيارات مكتوب عليها «Hybrid» أي هجينة بمعنى أنها تعمل بأكثر من مصدر للطاقة، وهذا يعني أن جرس الإنذار قد علق منذ زمن طويل، وأن من استجاب لقرعه ربما نجح في توفير أسباب القوة الاقتصادية اللازمة للمرحلة المقبلة. ولكن أخشى ما أخشاه ألا نكون ممن استجاب أو تأخر كثيراً في الاستجابة.

للتواصل مع الكاتب:
a.altawati@alrroya.com
http://alrroya.com/node/162856

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق