الخميس، 1 ديسمبر 2011

قصة لطيفة مع الطنطل

  أسـعـد  2009/04/03

كنت أتصفح الإنترنت بحثا عن معلومات عن بعض الخرافات والأساطير التي كنا نسمعها ونحن صغار, وكان منها الطنطل؛

فوجدت هذه القصة الجميلة في مقال: الطنطل في التراث الشعبي لقاسم مطر التميمي, فأنصح بقراءتها فهي حقاً ممتعة أعلم أنها طويلة نوعا ما, ولكن إقرأ
القصة:
“في الربع الأول من القرن الماضي كانت هناك عشيرتان من عشائر لواء المنتفك – محافظة ذي قار حالياً في العراق - تقطنان في قريتين متجاورتين تفصل بينهما ربوةٌ واسعة يطلقون عليها أسم (إيشان) وهي عبارة عن مقبرة قديمة مهجورة تكثر فيها الحفر والمغارات المخيفة وقد وطن في أذهان الناس أن الطناطل – جمع طنطل – تأوي إليها وتخرج منها عند الغروب وفي الليل. ومن أجل ذلك صار لها في قلوب الناس رهبة وخشية.

وحدث أن شاباً وسيماً فارع الطول من أبناء إحدى العشيرتين اسمه (طاوي) قد أحبّ فتاةً جميلةً من العشيرة الأخرى اسمها (تسواهن).

وبعد أن توطدت أواصر الحب بين الاثنين تقدم لخطبتها من ذويها وما كان لهم أن يرفضوه لولا أنّه كان يتشبب بها ويذكرها في أغانيه العاطفية الشجية ويسرف في وصف مفاتن جسدها ومواضع الإثارة منه على نحو يجانب الحياء، فرفضوه.
وتقدم ثانية وثالثة ورفضوه في كلّ مرة.
قالوا ؛ ليس فيه همّة الرجال وإقدامهم وشجاعتهم وانه طروب لعوب، يكاد ينافس النساء حلاوةً وطراوة.
وكان لا بدّ له من أن يلجأ مستغيثاً مستعيناً بالسادة الأشراف من آل صلبوخ. وانتهت وساطتهم الى اتفاق بين المتخاصمين يقضي بأن يبرهن (طاوي) على رجولته وشجاعته، فان فعل صارت (تسواهن)، من نصيبه.
وليس هناك ممن هو اكثر شجاعة من رجل يخترق (الإيشان) عند منتصف ليلة لا يظهر فيها القمر ! كان على (طاوي) أن يجتاز هذا الامتحان العسير لكي يصل الى (تسواهن)؛ فخرج من مضيف السادة (آل صلبوخ) منتطقاً نطاقاً جلدياً عريضاً واضعاً أطراف دشداشته الأمامية فيه لكي لا تعيقه في المشي كما دسّ تحت نطاقه الصخريّة (وهي عصاً غليظة في إحد طرفيها كرةٌ معدنية مصنوعة من النحاس الأصفر) ودسّ الى جوارها خنجراً ومطرقة أما الوتد الخشبي المميز الذي يربو طوله على المتر والمطلوب منه أن يركزه وسط (الإيشان) فقد فضّل أن يضعه تحت إبطه.
وتلفع بعباءةٍ صوفيةٍ ثقيلة،واعتمر كوفيّةً وعقالاً ومشى يتلمس طريقه في الظلام الدامس في ليلةٍ عاصفةٍ تلبدت في سمائها السحب السود.
واعترضته أمه في الطريق غير آبهة بزخات المطر المتقطعة. حملت اليه فانوساً تتراقص شعلة ذبالته كلما لفحتها الريح الرطبة.
قالت وهي تناوله الفانوس : ” كن شجاعاً ولا تخف يا ولدي. فالطنطل لا يؤذي أحداً ولكنه يسخر من الرجل الجبان !! ” هزّ رأسه موافقاً وأوصاها أن تدعو له بالتوفيق.
وواصل سيره يتلمس طريقه على ضوء الفانوس الذي يضيء تارةً ويحتجب ضوؤه تحت العباءة تارة أخرى.
وزغاريد أمه تلاحقه لتزيده جرأةً وإقداماً، غير أن زغاريدها سرعان ما اختلطت بصوت الرعد القاصف وصرير الرياح المدوّية حتى تبددت وما عاد يسمعها.
وبدأ الخوف يتسرب الى قلبه كلما أقترب من (الإيشان). وبدأت خطواته تثقل وتقصر، ليس بسبب الخوف فقط، بل وبسبب الوحل الذي علق بنعليه، وهذا الفانوس الذي يكاد ينطفئ في كل لحظة.
فيخاطبه بصوت مسموع : ” لا تنطفي يا فانوس. لا تنطفي ! ” ليوهم الطنطل أن شخصاً ما برفقته.
إذ المعروف عن الطنطل أنه لا يقترب إلا من شخص يسير بمفرده. فإذا كانوا اثنين أو ثلاثة تجنبهم وابتعد عنهم.
وعاد (طاوي) يخاطب الفانوس بصوت مرتفع ليخرس الأصوات التي تقرع سمعه، تلك التي يحدثها الرعد وصرير الريح ورشقات المطر المتقطعة : ” لا تنطفي يا فانوس. لا تنطفي ! ”
وتذكر الأهزوجة التي يرددها الأولاد في قريته، فأخذ يرددها هو أيضاً : ” لا تنطفي يا فانوس. كَازك علينا بفلوس.. والشيخ لسّه وسنان. كلّه من صكَع النسوان.. واللحية منّه امهلسة. وعيونه عليَّ امبحلسه.. جنة (كانّ) جبير (كبير) الجاموس.. لا تنطفي يا فانوس !! “.
وبلغ طاوي المكان المتفق عليه وسط الإيشان في حلكة ذلك الليل البهيم، فقعد القرفصاء.
وما أن نحّى الفانوس جانباً حنى أصابته رشقة من المطر أطفأته وحطمت زجاجته.
وبادر على عجل ليركز الوتد في الأرض ويدقه بالمطرقة.
وما أن انتهى حتى تلفع بعباءته ثانية ليعود الى الناس الذين ينتظرونه في المضيف.
ولكن كائناً لئيماً أمسك بطرف عباءته. 
فحاول طاوي أن يجذبها، وجذبها مراراً ولكن دون جدوى.
هل يلتفت الى الوراء ليقع بصره على الطنطل ذي البنية النحيلة والقامة الطويلة والعينين الجاحظتين الحمراوين والفم الواسع الذي يبلغ الأذنين والأنف الطويل الذي يلامس الحنك ؟.
لا.. إن قلبه يكاد يقفز من صدره من شدّة الرعب.. ترك العباءة لتسقط على الأرض.
وسقطت المطرقة من يده عندما بال في سرواله الداخلي وانطلق حافي القدمين يركض بأقصى سرعته.
وعندما تأخرت عودته على الرجال الذين كانوا ينتظرونه في المضيف، وكانوا يتوقعون عودته قبيل صلاة الفجر، وها هي الشمس قد ارتفعت الى كبد السماء، قرروا أن يذهبوا إليه فربما أصابه مكروه هناك.
وعندما وصلوا الى المكان المتفق عليه لم يجدوه ووجدوا عباءته مرمية على الأرض وعلى ذيلها يرتكز الوتد الخشبي الطويل.
وليت الأمر قد انتهى عند هذا الحد ؛ لقد فقد طاوي عقله تماماً. ينظر الى الناس بعينين زائغتين، لا يكاد يقترب من أحدٍ ولا يقترب منه أحد.
يركض في سكك القرية وطرقاتها رافعاً دشداشته الى صدره كاشفاً للناس عن عورته، يتبعه الصبية والصغار يصفقون خلفه ويترنمون إلا امرأة واحدة لا تنظر اليه إلا بعينين دامعتين إنها (تسواهن) التي زوجوها قسراً من أخيه الصغير.
بعد أن جيء بها (فصليّة) مع ثلاث أخريات من بنات عشيرتها ليتزوجن من أقارب الضحية حسب قانون العشائر السائد في ذلك الزمان”.

http://as3d.wordpress.com/2009/04/03/-/

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق