الثلاثاء, 4 أكتوبر 2011 الساعة 07:54
بات من المألوف والشائع في أيامنا هذه أن نتحدث عن الاهتمام الشخصي بوصفه سلعة أو حتى عملة..
وتبحث العديد من الشركات عن سبل لتحويل مسألة «الاهتمام» بالعملاء كأفراد على مستوى العالم إلى عملية آلية تلقائية، ولو أن العديد من هذه الشركات تخلط بين الاهتمام والنية (نية الشراء).
والواقع أن «الاهتمام» أصبح أكثر تشويقاً الآن، بعد أن عملت شبكة الإنترنت على تيسير سبل قياسه.
بيد أن الاهتمام ليس عملة أو سلعة.
صحيح أنه من الممكن أن يشترى ويباع على نحو ما، لكن من غير الممكن أن يتم تداوله مع أطراف ثالثة، وهو غير قابل للمقايضة بشكل كامل.
وفي حين تبحث الشركات (وبعض الناس) عن الاهتمام، لأنها تتوقع كسب المال من خلاله، فإن العديد من الأفراد يقدرون قيمة الاهتمام باعتباره أمراً مرغوباً في حد ذاته. فكما يأتي «الأصدقاء» على الـ«فيسبوك» بدرجات ونوعيات متفاوتة، فكذلك الاهتمام.
إن الاهتمام الحقيقي يأتي من جانب الناس، ذلك أن «الاهتمام» من جانب جهاز كمبيوتر لا يساوي شيئاً إلا وفقاً للدرجة التي يبدو بها وكأنه صادر عن إنسان، وقد يكون سلبياً إذا شعر الناس بأنهم وقعوا فريسة للخداع.
وفي الأساس، يشتمل الاهتمام على ثلاثة جوانب قابلة للقياس الكمي،
-الوقت،
-والاكتمال، التقسيم،
-وقيمة الشخص الذي يمنحه.
بعبارة أخرى، فلنبدأ بشخص ما يبدي اهتمامه الكامل بشخص آخر لمدة 15 دقيقة. كأن تنصت زوجتك إليك على سبيل المثال (إذا كان أمراً كذلك قد يحدث على الإطلاق)، أو كان خوان على موعد مع أليس.
والآن، فلتفكر في كيفية تقسيم هذا الاهتمام..
هل يتحدث خوان إلى أليس، ولكنه ينظر إلى المرأة الجالسة إلى المائدة المقابلة، أو يفكر في الصفقة التي يعمل عليها الآن؟
إذا كان الأمر كذلك، فإن خوان فقط هو الذي يستطيع أن يجزم بكم الاهتمام الذي يمنحه لأليس، وقدر الاهتمام الذي يوليه لغيرها.
(ولكن أليس تستطيع أن تخمن!).
ذلك أن أي متحدث يوجه خطابه لجمهور ما يحصل على مجموع الاهتمام الجزئي الذي يوليه له أفراد الجمهور، في حين يمنح كل فرد من جمهوره حصة صغيرة من اهتمامه.
لكن ما قيمة هذا الاهتمام؟
إن التحدي المتمثل في تحديد هذا الأمر يتألف من جانب ثالث:
من الذي يمنح الاهتمام؟ ومن يتلقاه؟
فقد يكون تبادل خوان وأليس للاهتمام بمنزلة صفقة عادلة أو غير عادلة، اعتماداً على «القيمة» النسبية لكل منهما.
فهل تتمتع أليس بجمال غير عادي؟
وهل يتمتع خوان بثراء مذهل أو قوة جبارة (وفقاً لتفسير هنري كيسنجر للقوة باعتبارها المثير المطلق للشهوة الجنسية)؟
وهل ترغب أليس في الحصول على اهتمام خوان؟
من بين سبل قياس قيمة الاهتمام أن ننظر إلى الصفقات الفعلية..
ولنستعن هنا بمثال كيسنجر:
فهل يأتي لكي يتحدث إليك أنت وحدك؟ لا أظن ذلك.
وكم عدد الناس الذين قد يطلب وجودهم في الغرفة؟
ربما ألف شخص دفع كل منهم 2995 دولاراً.
لكنه قد يظهر أيضاً للتحدث بلا مقابل أمام عشرة من رؤساء الدول، أو رئيس واحد للولايات المتحدة.
وهذا يعطينا مؤشراً ما للقيمة، ولو أن هذا المؤشر نادراً ما يكون دقيقاً.
الواقع أن قيمة الاهتمام من الممكن تحويلها إلى نقود، والعقد الذي يلزم شخصاً ما بمنح اهتمامه (ولنقل بإلقاء خطاب أو بحضور فرصة لالتقاط الصور) يصبح من الممكن شراؤه أو بيعه.
وعلى مستوى أدنى بعض الشيء، فنحن نشتري ونبيع الاهتمام كل الوقت، ويحدث ذلك عادة كجزء من بعض معاملات أخرى.
فأنت تدفع قدراً إضافياً من المال في أحد المتاجر في مقابل الاهتمام من موظف المبيعات، وتدفع قدراً إضافياً من المال لكي تطير على الدرجة الأولى، ليس فقط في مقابل المساحة الإضافية لفرد الساقين والمشروبات، بل وأيضاً في مقابل الاهتمام الإضافي من قِبَل الجميع، بداية من موظف التذاكر والمضيفين على الطائرة، إلى غيرك من الناس الواقفين في الصف (إن كنت تبالي بانتباههم إليك).
وهذا النوع من الاهتمام من الممكن أن يقيم من خلال المبالغ الإضافية التي يدفعها الناس في مقابل الحصول عليه.
وتعمل شبكة الإنترنت على تغيير القيمة الاقتصادية للاهتمام، من خلال تعزيز التفاعلات بين الأقران..
فقد تعود الناس على منح اهتمامهم للناس من حولهم، وللنجوم منهم بصورة خاصة، والآن ينفقون وقتاً طويلاً على شبكة الإنترنت في منح اهتمامهم لأشخاص لم يلتقوا بهم قط.
وعلى نحو متزايد، يدخل الأفراد على شبكة الإنترنت بهدف الحصول على الاهتمام، وليس منحه لغيرهم.
وعلى ذلك، فإن الشركات لا بد أن تتعلم كيف تمنح عملاءها الاهتمام الذي يسعون إلى الحصول عليه، بدلاً من مطالبة العملاء بالاهتمام ثم تقاضي ثمناً إضافياً في مقابل الانتباه الذي تتطلبه منتجاتهم.
مرة أخرى، الكثير من هذا الصنف من الاهتمام غير قابل للقياس، على الأقل ظاهرياً، من خلال مراقبة سلوك الناس على الإنترنت.
وهنا يأتي دور الحسابات الاقتصادية التقريبية الطبيعية:
فمن على شبكة الإنترنت يحصل على القدر الأعظم من الاهتمام في مقابل من يعطي ذلك الاهتمام؟
إن الشركات منهمكة الآن في وضع مقاييس للاهتمام:
عدد الأصدقاء على «تويتر» أو الأتباع على «غوغل» أو «فيسبوك»، ونقاط السمعة الطيبة في مقابل كونك بائعاً أو مشترياً مراجعاً جيداً، ومكانتك كلاعب، وما إلى ذلك. ويقدر الأفراد قيمة هذه النقاط، لكن ليس لأنهم راغبون في شرائها أو بيعها (فهم غير قادرين على ذلك عموماً).
بل إنهم يقدرون قيمة هذه النقاط جزئياً، لأنهم يريدون اجتذاب المزيد من الاهتمام من قِبَل أشخاص أكثر قيمة.
لكنهم جزئياً أيضاً يقدرون قيمة ذلك الوضع لذاته.
وفي استجابة لهذا، بدأت العديد من الشركات الآن في تقديم قياسات لعملائها في مقابل سلوكياتهم في التعامل مع بائع بعينه.
ولنتأمل هنا نقاط شركات الطيران على سبيل المثال:
إن ما يقرب من ثلث هذه النقاط لا يتم صرفه أبداً، فالناس يقدرون قيمة الوضع والاهتمام الذي يحصلون عليه أكثر من تقديرهم للقيمة «الفعلية» المفترضة.
لكنهم يدفعون في مقابل ذلك، من خلال تفضيل بائع ما على آخر.
وبالتالي، فإن ما تخلقه الشركات هنا لا يشكل عملات جديدة يمكن تداولها، لكن أنظمة قيمية جديدة لكسب الاهتمام والاعتراف بالمكانة الفردية..
وأغلب ذلك قائم على حس أناني بحت، إذ يمكنك على سبيل المثال أن تنقل أصدقاءك من «فيسبوك» إلى «جي بلوس»، لكن القيمة المكتسبة في «وارلد أوف واركرافت»، أو على الخطوط الجوية الأمريكية، لا يعول عليها كثيراً في أماكن أخرى.
والمسألة بالنسبة للشركات هنا
تتعلق بالمدى الذي تترجم عنده هذه المكافآت الافتراضية إلى سلوك شرائي (والقدرة على المطالبة بأسعار أعلى).
أما المسألة بالنسبة للأفراد، فهي تتعلق بالتالي:
ما الذي تقدر قيمته حقاً، نقاط لدى شركة، أو الاهتمام من قِبَل رجل موظف مبيعات يتقاضى أجره بالساعة، أو التعاطف من قِبَل صديق حقيقي؟
إن إجابتك كيف ولمن تريد تخصيص اهتمامك المحدود سوف تعمل على نحو متزايد على اجتذاب اهتمام الآخرين.
ينشر بالتعاون مع «بروجيكت سينديكيت»
http://alrroya.com/node/152045
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق